كيف نتعامل مع الناس [1]؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن المسلم يصدق مع الله سبحانه وتعالى، ويصدق مع عباده، فهو صادق في عبادته وصادق في معاملاته، والله سبحانه وتعالى قد طلب من العباد أموراً كثيرة، فيقوم العبد بالإخلاص لله عز وجل في علاقته فيما بينه وبين الله، وأما علاقته بينه وبين الخلق، فإنها تقوم على الصدق وعلى الفقه، فالفقه والعلم مع الصدق أساسان في التعامل بين العباد.

التعامل بالبيع واجتناب الربا

إن المسلم الذي يعلم أن الله أحل البيع وحرم الربا، لا يغشى الربا أبداً، ويفعل البيع عن تراضٍ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبيع محرماً ولا يبيع بيع جهالة وغرر، وإذا نادى المنادي لصلاة الجمعة امتثل أمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] ولا يتشاغل إذا أقيمت صلاة الجماعة، ولا يتشاغل بأي أمر إلا في الخروج إلى الصلاة، فإذا أقيمت الصلاة فلا يحلُ لأي مسلم أن يفعل أي شيء غير الخروج لصلاة الجماعة، وقد قال الله تعالى: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [النور:37-38].

والمسلم لا يبيع أمراً محرماً ولا شيئاً يستعان به على معصية الله، كآلات اللهو وغيره؛ لأن ربه نهاه عن ذلك بقوله: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] وكذلك فإن المسلم لا يبيع بيع عينة، فلا يبيع سيارة بخمسين ألفاً مؤجلة مثلاً، ثم يشتريها نقداً من المشتري بأربعين مثلاً، فتكون القضية أنه أعطاه أربعين ألفاً ليردها إليه خمسين ألفاً وهذه خدعة، فإذا انطلت على الأطفال؛ فإنها لا تنطلي على رب العباد.

وكذلك فإن المسلم لا يذهب إلى جهة يقول: أريد أن أشتري سيارة من معرض أو وكالة فيعطونه شيكاً يسلمه للمعرض، ويأخذ السيارة ثم يقسط قيمتها بزيادة على من أعطاه الثمن، لا يفعل ذلك؛ لأنه يعلم أنه عملٌ محرم، أقرضوه الثمن بهذا الشيك، ثم سدده إليهم بزيادة، وهو يعلم أنه لا بد أن تكون السلعة عند البائع، وأن تكون في حوزته فلا يقبل مثل هذه التحويلات المبنية على الخداع، وهكذا لا يسحب ببطاقات الائتمان على المكشوف بزيادة؛ لأنه يخاف الحرب من الله الذي قال في كتابه العزيز: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279].

فالمسلم يفقه الشروط الشرعية في البيوع، ولا يبيع بيعتين في بيعة، ولا يقول لشخص: أبيعك على أن تأجرني، ولا أؤجرك على أن تشركني في العمل الفلاني، ولا يأخذ فائدة مقابل قرض أبداً، ولا يقول: أقرضك على أن تزوجني، وكذلك فإنه لا يبخس الناس حقوقهم، ولا يغش ولا يدلس ولا يحلف على الكذب، فلا يخفي عيوب سيارة إذا أراد بيعها، بل يبين كل ما فيها، والمسلم إذا أقرض فإنما يبتغي بعمله وجه الله والدار الآخرة والثواب والأجر من الله عز وجل، لا يريد زيادة ولا منفعة، وإذا أراد فلسان حاله كما قال المؤمنون عند الإطعام: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9] إنه يريد بقرضه الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمٍ يُقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) فلو أقرضت عشرة آلاف لشخص ثم استرددتها منه؛ فإنك تكون قد تصدقت بخمسة آلاف.

وهكذا فإن المسلم يبتغي بإقراض المحتاج الأجر الذي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا؛ نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وكذلك إذا اقترض من شخص اجتهد في رد المال في الوقت إذا حدد له وقتاً.

أداء الأمانة

المسلم يؤدي الأمانة ولا يأخذ أموال الناس يريد إتلافها؛ لأنه يعلم العقوبة أن الله سيتلفه، ولا ليبدد الأموال في الأسفار المحرمات ثم يقول: ليس عندي ما أرده إليك وإنما يقترض للحاجة وينوي الرد ولا يماطل ولا يكذب ولا يتهرب من المواعيد ويسعى لأجل إخلاص الرد على الوجه المطلوب، وهو يتذكر أن رجلاً ممن كان قبله اقترض وعبر البحر وسعى في عمل، فلما جاء وقت السداد وهو في الساحل الآخر لم يجد سفينة يأتي عليها ليسدد حسب الموعد، فأخذ خشبة فنقرها ووضع فيها المال ورماها وهو يدعو الله عز وجل أن يُبلغها لصاحبه، فلما علم الله ما في قلبه من الصدق والحرص على أداء الأمانة، لم يُقدر عز وجل للجذع أن يغرق، ولا للمال أن يتفرق ولا للخشبة أن تضيع في الأمواج ولا أن تذهب إلى ساحل آخر ولا أن يلتقطها رجل آخر؛ بل قدر الله عز وجل أن تتهدى تلك الخشبة على سطح الماء، لتصل إلى صاحب المال الذي خرج في وقت وصولها إلى الساحل بقدر من الله عز وجل، فيأخذها حطباً لأهله ثم ينشرها ليجد المال فيها، وهكذا صدق المسلم في التعامل هو الذي يؤدي إلى بلوغ النتيجة وحصول الأمنية وبراءة الذمة.

إن المسلم لا يبيع بيتاً مرهوناً إلا بموافقة المرتهن، ولا يأخذ مقابلاً على كفالة؛ لأن الكفالة عقد إحسان يبتغي به وجه الله، فإذا أراد أن يأخذ شيئاً من مكفوله؛ فإنه يأخذه أجرة لشيء يؤجره إياه حقيقة، أو يشاركه فيه حقيقة، وكذلك فإن المسلم لا يتوكل في أمر لا في محاماة ولا في غير ذلك من أنواع الوكالات إلا وهو يعلم أن القضية التي يوكل فيها مباحة وأن التوكيل ليس من ظالم يريد أن ينتزع به حق امرئ مسلم، وكذلك فإن المسلم يسعى في الصلح بين المسلمين، يرجو ثواب الله الوارد في كتاب الله: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].

والمسلم إذا عُرض عليه صلح يقبله ولا يتعنت ولا يعاند ولا يكابر، بل يتنازل كل طرف عن شيء من الحق ليحصل الصلح؛ لأن الله ندب إليه وأراده وقال لعباده المؤمنين: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ الأنفال:1] فهو يتنازل عن شيء من الدين أو شيء من الدية، أو شيء من حقوق الشراكة لتصلح الأمور ويفعل ذلك ابتغاء وجه الله.

وكذلك فإن المسلم إذا استعار شيئاً، وقد انتهت المدة أو انتهت حاجته إليه حافظ عليه وحفظه ورده؛ لأن الله قال في كتابه: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:1-7] فيمنعون الماعون الذي استعاروه، والأدوات التي اقترضوها، إنهم بمنعهم هذه العارية من إعادتها لأهلها، استحقوا الويل الذي هدد الله به فقال في أول السورة: (فويل).

أيها المسلمون: ألا فليتق الله الناس الذين يستعيرون سيارات إخوانهم، ثم لا يرقبون فيها حق العارية ويستعير الشيء فيرده تالفاً أو يرده ناقصاً، أو يرده وهو لا يشتغل، كيف يعمل هذا والله يقول: هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ [الرحمن:60] فإذا أتلف المسلم شيئاً أو أحد أولاده؛ فإنه يلزمه أن يرد ثمنه إلى صاحب المال يرد مثله أو يرد قيمته أو يطلب المسامحة ولا يترك الأمور ليوم القيامة ليوم لا دينار فيه ولا درهم.

إن المسلم يا عباد الله! إذا استودع شيئاً حفظه، إن الأمانة إذا أودعت عندك فإنك تقوم بحقها يا عبد الله! ابتغاء الأجر من الله وتؤديها امتثالاً لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

إذا أعطي المسلم زكاة أو صدقة أو تبرعات ليُوصلها إلى جهة معينة؛ فإنه مؤتمن عليها، يوصلها ولا يجوز له أن يتصرف فيها، فلا يجوز لمسلم أبداً أن يقترض من أموال الزكاة أو الصدقات أو التبرعات المودعة عنده، فلو أودع شخص عندك أمانة، فلا يجوز لك أن تقترض منها، ولو قلت أوفيها في آخر الشهر، والراتب مضمون، فالجواب: لا يمكن أبداً أن تتصرف في الأمانة التي عندك، لا تقترض منها ولا تقرض منها أبداً إلا بموافقة صاحب الأمانة الذي استودعها عندك؛ لأن الأمانات والأموال المعطاة لصرفها لجهة معينة لا يجوز استعمالها، وإنما تُصرف إلى من وكل الإنسانُ بصرفه إليه.

إن أمانة المسلم تفرض عليه أنه إذا لقي شيئاً ذا قيمة فالتقطه بأن يقوم بتعريفه والإعلان عنه بكل وسيلة ممكنة في حدود المستطاع، فإذا لم يقو على التعريف فلا يلتقط شيئاً أصلاً، وهو لا يستطيع أن يقوم بأمانة التعريف والإعلان.

عباد الله! إن هذه الأمور تميز المسلم في تعاملاته وفي معاملاته وفيما يعمل به خلق الله عز وجل، كما أنه أمين ومخلص في طهارته وصلاته وإخراج زكاته وحفظ صيامه وحجه وذكره ودعائه وتسبيحه وتلاوته؛ فإنه كذلك يفقه ويخلص ويصدق في معاملاته فيما بينه وبين الخلق. وللموضوع تتمة. ونسأل الله عز وجل أن يبارك لنا فيما آتانا وأن يغنينا بحلاله عن حرامه، وأن يكفينا بفضله عمن سواه إنه سميع مجيب قريب.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

إن المسلم الذي يعلم أن الله أحل البيع وحرم الربا، لا يغشى الربا أبداً، ويفعل البيع عن تراضٍ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبيع محرماً ولا يبيع بيع جهالة وغرر، وإذا نادى المنادي لصلاة الجمعة امتثل أمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] ولا يتشاغل إذا أقيمت صلاة الجماعة، ولا يتشاغل بأي أمر إلا في الخروج إلى الصلاة، فإذا أقيمت الصلاة فلا يحلُ لأي مسلم أن يفعل أي شيء غير الخروج لصلاة الجماعة، وقد قال الله تعالى: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [النور:37-38].

والمسلم لا يبيع أمراً محرماً ولا شيئاً يستعان به على معصية الله، كآلات اللهو وغيره؛ لأن ربه نهاه عن ذلك بقوله: وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] وكذلك فإن المسلم لا يبيع بيع عينة، فلا يبيع سيارة بخمسين ألفاً مؤجلة مثلاً، ثم يشتريها نقداً من المشتري بأربعين مثلاً، فتكون القضية أنه أعطاه أربعين ألفاً ليردها إليه خمسين ألفاً وهذه خدعة، فإذا انطلت على الأطفال؛ فإنها لا تنطلي على رب العباد.

وكذلك فإن المسلم لا يذهب إلى جهة يقول: أريد أن أشتري سيارة من معرض أو وكالة فيعطونه شيكاً يسلمه للمعرض، ويأخذ السيارة ثم يقسط قيمتها بزيادة على من أعطاه الثمن، لا يفعل ذلك؛ لأنه يعلم أنه عملٌ محرم، أقرضوه الثمن بهذا الشيك، ثم سدده إليهم بزيادة، وهو يعلم أنه لا بد أن تكون السلعة عند البائع، وأن تكون في حوزته فلا يقبل مثل هذه التحويلات المبنية على الخداع، وهكذا لا يسحب ببطاقات الائتمان على المكشوف بزيادة؛ لأنه يخاف الحرب من الله الذي قال في كتابه العزيز: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279].

فالمسلم يفقه الشروط الشرعية في البيوع، ولا يبيع بيعتين في بيعة، ولا يقول لشخص: أبيعك على أن تأجرني، ولا أؤجرك على أن تشركني في العمل الفلاني، ولا يأخذ فائدة مقابل قرض أبداً، ولا يقول: أقرضك على أن تزوجني، وكذلك فإنه لا يبخس الناس حقوقهم، ولا يغش ولا يدلس ولا يحلف على الكذب، فلا يخفي عيوب سيارة إذا أراد بيعها، بل يبين كل ما فيها، والمسلم إذا أقرض فإنما يبتغي بعمله وجه الله والدار الآخرة والثواب والأجر من الله عز وجل، لا يريد زيادة ولا منفعة، وإذا أراد فلسان حاله كما قال المؤمنون عند الإطعام: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان:9] إنه يريد بقرضه الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلمٍ يُقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) فلو أقرضت عشرة آلاف لشخص ثم استرددتها منه؛ فإنك تكون قد تصدقت بخمسة آلاف.

وهكذا فإن المسلم يبتغي بإقراض المحتاج الأجر الذي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا؛ نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وكذلك إذا اقترض من شخص اجتهد في رد المال في الوقت إذا حدد له وقتاً.