لقاء الباب المفتوح [236]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء السادس والثلاثون بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الرابع عشر من شهر صفر، عام (1421هـ) وسيكون هذا هو ختام هذا الفصل إلا أن يحدد بعد إن شاء الله تعالى؛ نظراً لأن الطلاب مشغولون بالامتحانات، ونخشى أن يبقى الإنسان نادماً على عدم الحضور، وإذا حضر ربما يفوته بعض الأشياء؛ لذلك سنؤجل -إن شاء الله- بعد هذا اليوم حتى يتبين فيما بعد.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ...)

نبتدئ هذا اللقاء بقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12]، نداء المؤمنين من عند الله شرف لهم بلا شك، وتصدير الخطاب بالنداء يدل على أهمية ما يخاطب به، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه].

يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً (ناجيتم) أي: أردتم مناجاة الرسول، والمناجاة: هي الكلام السر بين المتناجيين، والرسول هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان الصحابة رضي الله عنهم لمحبتهم الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتحدث إليه سراً، كانوا يكثرون على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكثرون التردد عليه، ولا يخفى ما في هذا من الإزعاج، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الذين يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضيوفاً أمرهم أنهم إذا انتهوا لا يبقون؛ لأن ذلك يؤذي النبي فيستحي النبي، كذلك هذه المناجاة إذا كثرت لا شك أنها تؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأراد الله تعالى أن يمتحنهم فأمرهم أن يقدموا بين يدي مناجاته -أي: قبلها وأمامها- صدقة، ولم يحدد، فيتصدق بالرغيف وبالتمرة وبالدرهم وبالدينار وبالثوب وغيرها، والصدقة تحتاج إلى مال وتحتاج إلى عمل وتحتاج إلى بحث عن فقير، فليست بالأمر الهين، فسوف تقل المناجاة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان الإنسان لا يناجيه إلا إذا قدم صدقة، وهذا هو الواقع، فإن المناجاة قلَّت.

قوله: ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (ذلك خير لكم) في الدين؛ لأنه يدل على رغبتكم التامة لمناجاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأطهر لأن الصدقة تطهر الإنسان من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

قوله: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أي: إن لم تجدوا مالاً تتصدقون به فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: فقد غفر لكم ورحمكم فناجوا الرسول بدون تقديم صدقة، وهذه هي القاعدة العامة الشاملة في هذه الشريعة المبنية على اليسر والسهولة؛ وهو أنه (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة) بمعنى: أن الإنسان إذا عجز عن الواجب سقط عنه، وإذا اضطر إلى المحرم حل له، بشرط أن يضطر إليه بألا يجد سواه مما يدفعه إلى الضرورة، وأن يكون تناول هذا المحرم رافعاً لضرورته.

تفسير قوله تعالى: (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ...)

ثم قال عز وجل: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ [المجادلة:13] (أأشفقتم) أي: أخفتم من المشقة إذا قدمتم بين يدي نجواكم صدقات؟ وهذا هو الواقع، أنه شق على الصحابة، وأنتم تعلمون أن الصحابة غالبهم فقير يشق عليه ذلك، فقال الله عز وجل: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [المجادلة:13] المعنى: فقد أسقطنا عنكم الوجوب، (فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) بإسقاط هذا الواجب (فأقيموا الصلاة) أي: لا تضيعوا ما أوجب الله عليكم من الأمور الأخرى من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله.

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المجادلة:13] أي: عليم بكل ما نعمل من خير وشر، وسنلاقيه إن شاء الله تعالى فيحكم بيننا بما تقتضي حكمته ورحمته.

وفي هذه الآية كما رأيتم نسخ، فما هو الناسخ وما هو المنسوخ؟ الناسخ هذه الآية الأخيرة، والمنسوخ الآية التي قبلها، فقد أوجب الله الصدقة ثم أسقطها، وهذا نسخ من الوجوب إلى الجواز، والله تبارك وتعالى ينسخ ما شاء كما قال: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106].

من الأشياء المنسوخة: استقبال القبلة .. كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول ما قدم المدينة يستقبل بيت المقدس، ثم نسخ ذلك إلى وجوب استقبال القبلة أول بيت وضع للناس.

ومن المنسوخ: أنه أول ما وجب الصيام كان الإنسان مخيراً بين أن يصوم أو يفطر، يقال للإنسان: إن شئت فصُم، وإن شئت فأطعم عن كل يوم مسكيناً، ثم نسخ ذلك إلى وجوب الصيام عيناً.

ومما نسخ أيضاً: أن الواجب على المسلمين الجهاد في سبيل الله ألا يفروا من عشرة أمثالهم، بمعنى: أنه إذا كانوا مائة فإنهم لا يفرون من الألف، وإذا كانوا مائتين لا يفرون من الألفين، فقال الله عز وجل: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:66].

والنسخ لا يعني أن الله سبحانه وتعالى لم يعلم المصلحة ثم بدا له، الناسخ تابع لحال العباد، فقد يكون الأصلح لهم إيجاب هذا الشيء في وقت ونسخه في وقت آخر؛ لأن الأحكام تابعة للمصالح، والمصالح تختلف في كل زمان ومكان وأمة، ولهذا تجدون أن التوحيد وجب من أول الرسالة، والصلاة تأخر إيجابها عشر سنوات بعد البعثة، والزكاة تأخرت إلى الهجرة، والصيام كذلك إلى الهجرة، والحج إلى السنة التاسعة، كل ذلك صار تبعاً لما تقتضيه المصلحة والتدرج في التشريع الإسلامي.

نبتدئ هذا اللقاء بقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12]، نداء المؤمنين من عند الله شرف لهم بلا شك، وتصدير الخطاب بالنداء يدل على أهمية ما يخاطب به، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك، فإما خيراً تؤمر به، وإما شراً تنهى عنه].

يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً (ناجيتم) أي: أردتم مناجاة الرسول، والمناجاة: هي الكلام السر بين المتناجيين، والرسول هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان الصحابة رضي الله عنهم لمحبتهم الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والتحدث إليه سراً، كانوا يكثرون على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكثرون التردد عليه، ولا يخفى ما في هذا من الإزعاج، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الذين يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضيوفاً أمرهم أنهم إذا انتهوا لا يبقون؛ لأن ذلك يؤذي النبي فيستحي النبي، كذلك هذه المناجاة إذا كثرت لا شك أنها تؤذي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأراد الله تعالى أن يمتحنهم فأمرهم أن يقدموا بين يدي مناجاته -أي: قبلها وأمامها- صدقة، ولم يحدد، فيتصدق بالرغيف وبالتمرة وبالدرهم وبالدينار وبالثوب وغيرها، والصدقة تحتاج إلى مال وتحتاج إلى عمل وتحتاج إلى بحث عن فقير، فليست بالأمر الهين، فسوف تقل المناجاة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كان الإنسان لا يناجيه إلا إذا قدم صدقة، وهذا هو الواقع، فإن المناجاة قلَّت.

قوله: ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (ذلك خير لكم) في الدين؛ لأنه يدل على رغبتكم التامة لمناجاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأطهر لأن الصدقة تطهر الإنسان من الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

قوله: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا أي: إن لم تجدوا مالاً تتصدقون به فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: فقد غفر لكم ورحمكم فناجوا الرسول بدون تقديم صدقة، وهذه هي القاعدة العامة الشاملة في هذه الشريعة المبنية على اليسر والسهولة؛ وهو أنه (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة) بمعنى: أن الإنسان إذا عجز عن الواجب سقط عنه، وإذا اضطر إلى المحرم حل له، بشرط أن يضطر إليه بألا يجد سواه مما يدفعه إلى الضرورة، وأن يكون تناول هذا المحرم رافعاً لضرورته.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3390 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3347 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3271 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3087 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3034 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3029 استماع