لقاء الباب المفتوح [225]


الحلقة مفرغة

مرتبة الحج في الإسلام

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر شوال عام (1420هـ).

نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه عند قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا [الحديد:26] ولكن نظراً لقرب موسم الحج فإننا نتكلم عن الحج، لأن كل شيء في وقته أهم وأنفع، والكلام عن الحج في أمور:

الأول: ما مرتبة الحج في دين الله عز وجل؟

والجواب على هذا أن نقول: مرتبته أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام).

وهو فريضة بإجماع المسلمين، وفريضته معلومة من الدين بالضرورة بمعنى: أن كل إنسان يعرف أن الحج فرض عليه إذا كان يعيش بين المسلمين، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فهو كافر، إذا كان قد عاش بين المسلمين؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة، كل إنسان يعرفه حتى الصبي في السوق يعرف أن الحج فرض.

على من يجب حج بيت الله

على من يكون الحج فرضاً؟

الجواب: يكون فرضاً على من جمع خمسة أوصاف: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة.

فأما الإسلام: فإن الكافر لا يجب عليه الحج ولا يصح منه؛ لأننا نقول له: أسلم أولاً، ثم حج ثانياً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (ليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).

وبناءً على ذلك: لو أن رجلاً حج وهو لا يصلي فإن حجه غير صحيح وليس مقبولاً منه ولا مجزئ عنه، فإذا صلى دخل في الإسلام، وحينئذ نقول: يجب عليك أن تحج، فإذا قال: إنه قد حج، نقول: نعم. لكن حججت في حال لا يصح منك الحج؛ لأنك حججت وأنت مرتد.

وأيضاً: لا يحل لك أن تدخل حدود حرم مكة ، لأن الكافر لا يحل له أن يدخل حدود حرم مكة، وهو آثم من حينما يدخل إلى أن يخرج، آثم إثماً زائداً عن إثم الكفر، وهذه مسألة قلَّ من يتفطن لها، فالواجب التنبه لهذه المسألة، وأن يقال لمن عرف أنه لا يصلي: يا فلان! لا تتعب نفسك فإن حجك غير مقبول ولا مجزئ، ولو هداك الله إلى الإسلام ورجعت وصليت لوجب عليك أن تحج، لأن الحج الأول لم يجزئ فلا يسقط به الفرض.

الثاني: العقل وضده الجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يحج عنه حتى لو كان عنده من الأموال الشيء الكثير، مثل: أن يكون أبوه قد ورَّث له مالاً ولكنه مجنون، فلا حج عليه، ولا يصح منه الحج، ولا يحج عنه؛ لأنه مجنون.

والثالث: البلوغ وضده الصغر، فالصغير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج فحجه صحيح، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم. ولك أجر) لكنه لا يجزئ عنه، بمعنى: أنه إذا بلغ يجب أن يحج حجة الإسلام.

الرابع: الحرية بمعنى: ألا يكون الإنسان رقيقاً مملوكاً، فالرقيق المملوك لا حج عليه، لكن لو حج لصح حجه، وهل يجزئه عن الفريضة أم لا؟

فيه خلاف بين أهل العلم: منهم من قال: يجزئه، ومنهم من قال: لا يجزئه.

الخامس: الاستطاعة، لقول الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] بأن يكون الإنسان عنده مال زائد عن حاجته وعن ديونه، قادراً في بدنه، فهنا يلزمه الحج ويلزم أن يبادر إلى الحج ولا يتأخر؛ لأن أوامر الله تعالى على الفور ما لم يدل دليل على التراخي، ولأن الإنسان لا يدري ما يعرض له، قد يكون هذه السنة قادراً والسنة الثانية عاجزاً، وقد يموت، فعليه أن يبادر ولا يتأخر.

من الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإذا لم تجد المحرم فلا حج عليها، وإن حجت فهي آثمة، لو ماتت وهي غنية قادرة لكن ليس عندها محرم فهل تحاسب على ذلك أم لا؟

الجواب: لا تحاسب؛ لأنها لا تستطيع الوصول إلى البيت، من منعها؟

منعها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) أرأيت -لا قدر الله إلا الخير- لو أن عدواً في طرق مكة يمنع الناس هل يلزم الإنسان أن يحج؟

الجواب: لا. لا يلزمه، فإذا كان العدو المانع حساً يسقط به فريضة الحج فالمانع شرعاً تسقط به فريضة الحج، فلتهنأ المرأة التي لا تجد محرماً، ولتطمئن، ولتعلم أن الله لن يحاسبها على ترك الحج، لأنها غير قادرة شرعاً.

العام الذي فرض فيه الحج

متى فرض الحج على المسلمين؟ هل هو في أول البعثة، أو قبل الهجرة، أو بعد الهجرة، أم ماذا؟

فنقول: التوحيد والرسالة والشهادة بهما من أول البعثة، فمن أول البعثة فرض على الناس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة فرضت ليلة المعراج، قبل الهجرة إما بسنة أو نحوها، والزكاة: فرضت على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة، والصيام: كذلك في السنة الثانية من الهجرة، والحج: فرض في السنة التاسعة من الهجرة، انظروا أركان الإسلام كيف كان ترتيبها في الفريضة.

إن قال قائل: لماذا تأخر فرض الحج إلى السنة التاسعة؟

فالجواب: إن مكة -شرفها الله- كانت إلى وقت الفتح تحت سيطرة المشركين، ولا يتمكن المسلمون عن الحج؛ لأن المشركين صدوهم عن العمرة فضلاً عن الحج.

إذا قال قائل: لماذا لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة؟

فالجواب: تأخر في المدينة لكثرة الوافدين من المسلمين إلى المدينة ليعلمهم دينهم، هذا من وجه.

ومن وجه آخر: في السنة التاسعة حج مع المسلمين المشركون، وفي هذه السنة نادى المنادي: ألا يحج بعد العام مشرك، فصار العام العاشر خالياً من المشركين وهو الذي فيه تمت حجة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يحج معه إلا المسلمون ولم يطف بالبيت عريان.

وكان العرب في الجاهلية بعضهم يطوف بالبيت عرياناً؛ لأنهم يقولون: لا يمكن أن يطوف الإنسان إلا بثياب من ثياب الحمس، فإذا لم يجد ثوباً طاف عرياناً، وكانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله     وما بدا منه فلا أحله

وذلك جهلاً.

صفة الحج وأنساكه الثلاثة

ثم كيفية الحج؟

الجواب: الحج أن تحج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لأن ذلك من شرط قبول العبادة؛ بل شرط قبول العبادة اثنان:

الأول: الإخلاص لله تعالى.

الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول للناس: (خذوا عني مناسككم) فلا بد من الإخلاص لله والمتابعة.

وعليه لو حج الإنسان للمال فقط فحجه مردود، لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] ومن ذلك ما يأخذه بعض الناس الآن من النيابة في الحج .. لو سألته: لماذا أخذت هذه النيابة؟

قال: لأجل الدراهم، هذا ليس له في الآخرة من خلاق، قال شيخ الإسلام رحمه الله: من أخذ ليحج فلا حرج؛ لأنه أخذ المال يستعين به على طاعة، ومن حج ليأخذ فليس له في الآخرة من خلاق. فانتبه لهذا، لا يحملنك الطمع على أن تأخذ النيابة خمسة آلاف أو أكثر أو أقل لأجل المال، فيحبط عملك ولا تنتفع أنت ولا صاحبك، لا بد من الإخلاص لله عز وجل، أن تنوي بحجك التقرب إلى ربك تبارك وتعالى، ورجاء ثوابه، لأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول: حج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكما أمر، وأمامك ثلاثة أنواع من الأنساك: التمتع، والقران، والإفراد، ثلاثة يختلف بعضها عن بعض.

أما التمتع: فأن تحرم بالعمرة في أشهر الحج، أي: بعد دخول شهر شوال، وتحل منها إحلالاً تاماً ثم تحرم بالحج، وفيه هدي للقادر عليه، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

الثاني: القران، تحرم بالحج والعمرة جميعاً من الميقات، وتبقى على إحرامك حتى تحل يوم العيد، وفيه هدي لمن وجد، ومن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

الثالث: الإفراد، وهو أن تحرم بالحج وحده من دون عمرة، وتبقى على إحرامك إلى يوم العيد ولكن لا هدي فيه؛ لأن أصل الهدي في التمتع والقران هو شكر الله عز وجل على ما أنعم به على العبد من تحصيل النسكين في سفر واحد.

ولهذا يجوز للإنسان أن يأكل من هدي التمتع ويهدي ويتصدق، وليس كالدم الواجب لفعل محظور أو ترك واجب؛ لأن هذا لا يأكل منه الإنسان بل يطعمه الفقراء.

وأفضل هذه الأنساك: التمتع، وإن أفرد أو قرن فلا حرج، لكن الأفضل أن يتمتع؛ لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه في حجة الوداع.

ويأتي إن شاء الله صفة التمتع والقران والإفراد على وجه التفصيل في لقاء قادم، كما يأتي إن شاء الله الكلام على محظورات الإحرام.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الخامس والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي يعبر عنها بـ(لقاء الباب المفتوح) التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثامن والعشرون من شهر شوال عام (1420هـ).

نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه عند قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا [الحديد:26] ولكن نظراً لقرب موسم الحج فإننا نتكلم عن الحج، لأن كل شيء في وقته أهم وأنفع، والكلام عن الحج في أمور:

الأول: ما مرتبة الحج في دين الله عز وجل؟

والجواب على هذا أن نقول: مرتبته أنه أحد أركان الإسلام الخمسة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام).

وهو فريضة بإجماع المسلمين، وفريضته معلومة من الدين بالضرورة بمعنى: أن كل إنسان يعرف أن الحج فرض عليه إذا كان يعيش بين المسلمين، ولهذا قال العلماء: من أنكر فرضيته فهو كافر، إذا كان قد عاش بين المسلمين؛ لأن هذا مما يعلم بالضرورة، كل إنسان يعرفه حتى الصبي في السوق يعرف أن الحج فرض.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3392 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3348 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3311 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3291 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3272 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3257 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3115 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3088 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3035 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3030 استماع