لقاء الباب المفتوح [224]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الرابع والعشرون بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس الحادي والعشرون من شهر شوال، عام (1420هـ).

نبتدئه بالكلام على قول الله تبارك وتعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25].

تفسير قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات)

قال الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25] هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات حسب قواعد اللغة العربية:

المؤكد الأول: القسم المقدر.

المؤكد الثاني: اللام.

المؤكد الثالث: قد.

لأن تقدير اللام: والله! لقد أرسلنا رسلنا بالبينات. والتوكيد هنا ليس منصبَّاً على إرسال الرسل؛ لأن إرسال الرسل معلوم: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] لكنه منصبٌّ على قوله: (بالبينات) أي: أن الرسل جاءوا بالبينات، والبينات صفة لموصوف محذوف، والتقدير: بالآيات البينات. أي: العلامات البينة الدالة على صدق رسالتهم وصحتها، فإن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا من الحكمة والرحمة.

أما كونه من الحكمة فلأنه ليس من الحكمة أن يأتي رجل من بني آدم ويقول للناس: أنا رسول الله إليكم بدون آية وبدون بينة.

وأما من الرحمة فلأن الناس لو كلفوا بالإيمان برسل الله دون بينات معهم لكان في ذلك مشقة عظيمة، فمن رحمة الله أن الله أيد الرسل بالآيات البينات الظاهرة.

قال العلماء: والله تعالى من حكمته ورحمته جعل لكل نبي من الآيات ما يتبين به رسالته، وقالوا: إن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بآيات بينات تعجز عنها السحرة مع قوة علم السحرة وانتشار السحر، لكن عجزوا أن يأتوا بمثل ما جاء به، ولا يخفى أن موسى عليه الصلاة والسلام كان معه عصا إذا ألقاها صارت حية، وإذا حملها صارت عصاً يهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها، وله فيها حاجات أخرى.

عيسى عليه السلام قالوا: إنه انتشر في وقته الطب وارتقى ارتقاءً بالغاً، فأتى بآية يعجز عنها الأطباء، ألا وهي: إحياء الموتى وإخراجهم من القبور، إبراء الأكمه والأبرص، وهذا يعجز عنه الطب.

أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه أتى في زمن فشت فيه البلاغة باللسان العربي، وارتقت إلى أعلى مستوياتها البشرية فأنزل الله تعالى عليه هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء العرب الفصحاء أن يأتوا بمثله، وتحدوا عدة مرات، فمرة قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] ومعنى (ظهيراً) أي: معاوناً. وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13] وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38] وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [الطور:33-34] أي حديث، وعجزوا عن ذلك.

فالمهم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالآيات البينات حتى لا يبقى للناس عذر.

تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا معهم الكتاب والميزان)

قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد:25] (وأنزلنا معهم الكتاب) المراد به: الكتب، فهو اسم جنس، لأن موسى عليه السلام نزلت عليه التوراة، وعيسى الإنجيل، وداود آتاه الله زبوراً، وإبراهيم آتاه الله صحفاً، فالكتاب هنا اسم جنس يشمل الكتب كلها، ما من رسول إلا ومعه كتاب فيه الأمر والنهي، والخبر والقصص، وغير ذلك مما تقتضيه الحال.

(والميزان) يعني: العدل، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل:90] العدل الذي توزن به الأشياء في كل شيء، حتى في الموازنة بين الأصنام ورب العباد، انظر إلى قول الله تعالى: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59] يوازن (آلله خير أما يشركون) والجواب: الله خير، هذا عدل: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة:140]وأشياء كثيرة فيها العدل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، فأحكامه كلها عدل، وأخباره كلها أصول، ولهذا قال: (الميزان) وقد استدل العلماء رحمهم الله بهذه الآية: على أن القياس دليل شرعي، وهو حق، القياس في الأحكام الفقهية دليل شرعي لا إشكال فيه، وله أدلة ليس هذا موضع ذكرها.

تفسير قوله تعالى: (ليقوم الناس بالقسط ...)

قال تعالى: لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد:25] أي: بالعدل، يعني: ما دام أنزلت كتب بوحي الله عز وجل نوزنه بالعقل إذاً لابد أن يقوم الناس بالقسط، فاللام في قوله (ليقوم) للتعليل، يعني: أرسلنا الرسل وأنزلنا معهم الكتاب، وأنزلنا معهم الميزان لهذه الحكمة: (ليقوم الناس بالقسط) ولهذا لا تجدوا أعدل من دين الله تعالى في كل زمان ومكان، وكل ما خالف دين الله عز وجل فهو جور وظلم، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن أظلم الظلم أن تجعل لله نداً وهو خلقك، حين سئل: (أي الظلم أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فلو مشى الناس على شريعة الله لقاموا بالقسط، لكن كل من لم يتمشَ على شريعة الله فهو جائر، قال الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ [النحل:9] يعني: ومن السبيل ما هو جائر وهو سبيل الظالمين.

تفسير قوله تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ...)

قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25] (أنزلنا الحديد) أي: خلقناه لهم من المعادن، واستنبط بعض العلماء من قوله: (أنزلنا الحديد) على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما كان في الأسفل، لأن النزول إنما يكون من أعلى، فالله أعلم، هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن (أنزلنا) بمعنى: وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن.

قوله: فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ بأس شديد في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب؛ لأن الدين لا يقوم إلا بهذا، بالدعوة والقتال، فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي حينئذ يقاتلون، وبماذا؟ بالحديد، (فيه بأس شديد) أي: في الحرب.

تفسير قوله تعالى: (ومنافع للناس)

قال تعالى: وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25] جمع المنافع؛ لأنها لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أنواعها وأفرادها، من يحصي لي المنافع التي تحصل في الحديد؟ نعطيكم مهلة أسبوع، لا تستطيعوا أن تحصوه، ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع، (ومنافع للناس) دينية ودنيوية، فردية واجتماعية.

تفسير قوله تعالى: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب)

قال تعالى: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد:25] معطوفة على (ليقوم الناس بالقسط).

وقوله: (ليعلم من ينصره) المراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لأن الله لم يزل ولا يزال عالماً بكل شيء، فلا يشكل عليك الأمر لا تقل: إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول: نعم. العلم علمان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده، ما هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب؟ الثاني أو الأول؟ الثاني؛ لأن العلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن الناس.

إذاً: (ليعلم الله) أي: علم ظهور، أي: أنه ظهر ووقع بالفعل، هذه واحدة، وعلماً يترتب عليه الثواب والعقاب، أما العلم بأنه سيكون فهذا معلوم من الأزل.

قوله: مَنْ يَنْصُرُهُ أي: ينصر دينه، وليس المعنى: ينصر نفس الله، لا، لأن الله غني عن العالمين، ولهذا قال الله تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:4]إذاً: ينصره بماذا تفسرها؟

ينصر دينه، فلو قال القائل: كيف ينصر دينه والله يقول: مَنْ يَنْصُرُهُ ؟!

هذا تفسير مخالف للفظ، وأنتم تنكرون على من يفسر القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ فما الجواب؟

الجواب: نحن لا ننكر على الناس إذا فسروا القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ إذا كان ذلك بدليل، إذا كان هذا بدليل فإننا لا ننكر عليهم، ولهذا إذا قال قائل في قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] إذا قال قائل: إن المعنى: إذا قرأت القرآن أي: أردت قراءته، فهذا فسره بخلاف ظاهره، هل نقول: هذا التفسير صحيح أو غير صحيح؟ صحيح؛ لأن الإنسان يستعيذ بالله إذا أراد أن يقرأ ما هو إذا أتم القراءة، بدليل فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ ولأن هذا هو الذي يفيد أن يستعيذ الإنسان بالله قبل أن يقرأ ليقرأ والشيطان بعيد عنه.

على كل حال: إذا قال لك قائل: كيف تفسر قوله تعالى: مَنْ يَنْصُرُهُ أي: من ينصر دينه، وأنت تنكر على من يفسر القرآن بخلاف ظاهره؟

فالجواب: أننا لا ننكر من يفسر القرآن بخلاف ظاهره إذا كان في ذلك دليل صحيح، والدليل على أن المراد ينصر دينه قوله: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25] لا يحتاج إلى أحد، فهو قوي عزيز غالب بقوة لا يلحقها ضعف.

وقوله عز وجل: مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ [الحديد:25] نصر الرسل هل المراد أن ينصر الرسول نفسه أو أن ينصر الشريعة التي جاءت بها؟ الأمران إذا كان الرسول حياً فالمراد ينصر الرسول نفسه وشريعته، وبعد موته ينصر شريعته، وفي هذا دليل على أن نصر الشريعة نصر لمن جاء بها، فلا يشكل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد يميت الرسول قبل أن يرى النصر الواسع له، فنحن نقول: نصر شريعته نصر له.

وقوله: بِالْغَيْبِ أي: أنه ينصر الله عز وجل، وينصر رسله وهو لم ير الله؛ لأن الله تعالى يُنْصَر ولا يُبْصَر، لا يرى في الدنيا، ولهذا قال بعض السلف : ينصرونه ولا يبصرونه، تفسيراً لقوله: (بالغيب) ينصرونه ولا يبصرونه، والمراد لا يبصرونه في الدنيا أما في الآخرة فنسأل الله تبارك وتعالى، فنظر الله تعالى حق، ثابت في القرآن والسنة وإجماع الصحابة.

إذاً: (بالغيب) أي: ينصرون الله وهو غائب، ويحتمل أن يكون المعنى (بالغيب) أي: بغيبتهم عن الناس، فيكون في هذا دليلاً على إخلاصهم، وأنهم ليسوا ممن يعبدون الله إذا كانوا بين الناس بل يعبدون الله تعالى في الغيب والشهادة.

تفسير قوله تعالى: (إن الله قوي عزيز ...)

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25] هذه الجملة استئنافية لبيان أن نصر الله عز وجل ليس عن ضعف ولا عن قهر، بل هو قوي عزيز لا يحتاج إلى أحد ينصره بنفسه ولكن النصر لدينه.

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أنصار دينه، إنه على كل شيء قدير.

قال الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ [الحديد:25] هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات حسب قواعد اللغة العربية:

المؤكد الأول: القسم المقدر.

المؤكد الثاني: اللام.

المؤكد الثالث: قد.

لأن تقدير اللام: والله! لقد أرسلنا رسلنا بالبينات. والتوكيد هنا ليس منصبَّاً على إرسال الرسل؛ لأن إرسال الرسل معلوم: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] لكنه منصبٌّ على قوله: (بالبينات) أي: أن الرسل جاءوا بالبينات، والبينات صفة لموصوف محذوف، والتقدير: بالآيات البينات. أي: العلامات البينة الدالة على صدق رسالتهم وصحتها، فإن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا من الحكمة والرحمة.

أما كونه من الحكمة فلأنه ليس من الحكمة أن يأتي رجل من بني آدم ويقول للناس: أنا رسول الله إليكم بدون آية وبدون بينة.

وأما من الرحمة فلأن الناس لو كلفوا بالإيمان برسل الله دون بينات معهم لكان في ذلك مشقة عظيمة، فمن رحمة الله أن الله أيد الرسل بالآيات البينات الظاهرة.

قال العلماء: والله تعالى من حكمته ورحمته جعل لكل نبي من الآيات ما يتبين به رسالته، وقالوا: إن موسى عليه الصلاة والسلام أتى بآيات بينات تعجز عنها السحرة مع قوة علم السحرة وانتشار السحر، لكن عجزوا أن يأتوا بمثل ما جاء به، ولا يخفى أن موسى عليه الصلاة والسلام كان معه عصا إذا ألقاها صارت حية، وإذا حملها صارت عصاً يهش بها على غنمه، ويتوكأ عليها، وله فيها حاجات أخرى.

عيسى عليه السلام قالوا: إنه انتشر في وقته الطب وارتقى ارتقاءً بالغاً، فأتى بآية يعجز عنها الأطباء، ألا وهي: إحياء الموتى وإخراجهم من القبور، إبراء الأكمه والأبرص، وهذا يعجز عنه الطب.

أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه أتى في زمن فشت فيه البلاغة باللسان العربي، وارتقت إلى أعلى مستوياتها البشرية فأنزل الله تعالى عليه هذا القرآن الذي أعجز هؤلاء العرب الفصحاء أن يأتوا بمثله، وتحدوا عدة مرات، فمرة قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88] ومعنى (ظهيراً) أي: معاوناً. وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ [هود:13] وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس:38] وقال عز وجل: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ [الطور:33-34] أي حديث، وعجزوا عن ذلك.

فالمهم أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالآيات البينات حتى لا يبقى للناس عذر.