أرشيف المقالات

نور البيان في مقاصد سور القرآن: آل عمران

مدة قراءة المادة : 56 دقائق .
نور البيان في مقاصد سور القرآن
"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

 

سورة آل عمران
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهدِيهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفِرُه، ونعوذُ به - سبحانَه - من شرورِ أنْفُسنَا ومن سيئاتِ أعمالِنَا، من يهدِهِ اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ؛ فلا هادِيَ له، ولنْ تجدَ له وليًّا مرشدًا.
وأشهد أنْ لا إله إلا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبِيَّنَا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولِهِ.
 
اللهمَّ صَلِّ على محمَّدٍ النَّبيِّ وأزواجِهِ أمهاتِ المؤمنينَ وذُرِّيتِهِ وأهلِ بيتِهِ، كما صَلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
نشهدُ ربَّنَا أنَّه بلَّغَ الرِّسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ للأُمَّةِ، وكُشفتْ به الغُمَّةُ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِهِ؛ حتَّى أتاهُ اليقينُ؛ فتركَ الأُمَّةَ على مَحَجَّةٍ بيضاءَ؛ ليلُها كنهارِهَا، لا يزيغُ عنهَا إلَّا هالِكٌ.
اللهمَّ كما آمَنَّا به ولم نرهُ؛ فلا تُفَرِّقْ بينَنَا وبينَهُ حتَّى تدخِلَنَا مُدْخَلَهُ، وتُسْقِينَا من يدِهِ، وتَحْشُرنَا في جماعتِهِ، وتجعَلَنا يومَ القيامةِ في الفردوسِ الأعلى في مَعِيَّتِهِ؛ إنَّكَ على كُلِّ شيءٍ قديرٍ.
 
أمَّا بعدُ:
أيُّهَا الإخوةُ المسلمونَ الأحبابُ؛ ففي سلسلةِ الحديثِ عن مقاصدِ سورِ القرآنِ الكريمِ نعيشُ هذه اللَّحظاتِ معَ سورةِ آلِ عمرانَ، وتِلْكُمُ السُّورةُ هكذا سَمَّاهَا اللهُ -تعالى-؛ كما عَرفْنَا أنَّ أسامِي السورَ القرآنيةَ إنِّما هيَ من عندِ اللهِ -تبارك و-تعالى-، يُبلِّغُها الوحيُ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فيُبلِّغُها النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- لأصحابِهِ وأُمَّتِهِ، فوقفتْ الأُمَّةُ عندَهَا دونَ تغييرٍ ولا تبديلٍ؛ حتَّى جاءَتْنَا هذه السورةُ وغيرُها من سورِ القرآنِ؛ كُلُّ سورةٍ باسمِهَا الذي كانَ يعرِفُهُ الصَّحابةُ في عهدِ نزولِ الوحي؛ وإلى الآنَ لم يتغيرْ ولم يتبدلْ؛ دَلَّ ذلك على أنَّه من عندِ اللهِ؛ بدليلِ قولِ اللهِ -تعالى- ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82][1].
 
سورتُنا - آلَ عمران - سورةٌ افتتحَهَا اللهُ -تعالى- كعددٍ من السورِ بحروفٍ مفردةٍ موحدةٍ (أ ل م)، ويخبرُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن فضلِ قارئِ القرآنِ، وأنَّ من قرأَ القرآنَ فلهُ بكُلِّ حرفٍ حسنةً، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها؛ ولَمَّا كانَ العربُ -في لغتِهِم- يعرفونَ أنَّ الحرفَ يطلَقُ على الحرفِ المعروفِ، ويطلقُ -كذلك- على الكلمةِ، ويُطلقُ على الجملةِ؛ بيَّنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه يقصدُ الحرفَ الذي هوَ الحرفُ؛ فمثَّلَ بـ (أ ل م)؛ فقال: «لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ»[2]، وهذه حروفٌ لَها شأنُها في التفسيرِ، ولها إعجازُها في القرآنِ الكريمِ، ولها جَلَالُها في كلامِ اللهِ ربِّ العالمينَ.
 
سورةُ آلِ عمرانَ سورةٌ نزلتْ بعدَ الهجرةِ، والآياتُ الثلاثُ والثمانونَ منْ أوَّلِها نزلتْ في وفدِ نجرانَ من النَّصارى[3]؛ جاءُوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في العامِ التَّاسعِ من الهجرةِ؛ فكأنَّ هذه السورةَ نزلتْ في أواخرِ الزَّمانِ، والعهدِ المدني قبلَ وفاةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعامٍ أو يزيدُ قليلًا؛ وهكذا يتحدَّدُ زمانُ السورةِ؛ حيثُ بدأَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يستقبلُ الوفودَ[4]، وكانَ من ضمنِ هذه الوفودِ التي قدمتْ على النبي -عليه الصلاة والسلام- للتفاوضِ في الإسلامِ وما إلى ذلك؛ كان قُدُومُها متأخِرًا، وكان من ضمنِ هذه الوفودِ؛ وفدُ نجرانَ، وهمْ وفدٌ من النَّصارى، وهذا يَدُلُّنَا على أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ يمدُّ يدَه بالمسالَمَةِ والمعايَشةِ الكريمةِ التي تحفظُ للإنسانِ حُقُوقَهُ؛ كان يمدُّ يدَه بهذا الخيرِ وهذا السلامِ الحقيقيِّ لغيرِ المسلمينَ؛ ليعيشُوا في أمنٍ، وليأمنَ المسلمونَ من شَرِّهم؛ كما قالَ ربُّنا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]؛ كُلُّكُم أسرةٌ واحدةٌ؛ أبوكُم آدمُ، وأُمُّكُم حواءُ، وما بينكُم من فوارقِ إنِّما هيَ للتعارفِ؛ ليعرفَ الإنسانُ نسبَهُ؛ وليُعْرَف فلانٌ بسلالتِهِ؛ جاءَ من عائلةِ كذا، ومن بني كذا؛ تمييزًا فقطْ، لا تميزًا على غيرِهِ وتكبرًا على سواهُ؛ فالقرآنُ والدينُ يدعونَا إلى التعايُشِ مع كُلِّ أصنافِ النَّاسِ: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6].
 
سورةُ آلِ عمرانَ سورةٌ فاضلةٌ عظيمةٌ؛ فقد وردَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّها تشتملُ على اسمِ اللهِ الأعظمِ؛ في قولِ اللهِ -تعالى- في أوَّلِ آياتِها: ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 2][5]، وجاءتْ فيها هذه الجملةُ التي افتُتحتْ بها أعظمُ آيةٍ في القرآنِ؛ وهيَ آيةُ الكرسي؛ كما أنَّه سبقَ أنْ سمعنَا الحديثَ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حيثُ قال: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ»[6]؛ جماعتانِ من الطيورِ المتلاحمةِ المتراصَّةِ في أفقِ السَّماءِ حينَ تهاجِرُ من مكانٍ إلى مكانٍ فهي -أيضًا- تشبِهُ الغمامةَ والسَّحابةَ؛ فهيَ تُظِلُّ من تحتِها كذلك.
 
سورةُ البقرةِ، وسورةُ آلِ عمرانَ؛ كُلٌّ منهُما تأتِي يومَ القيامةِ كأنَّها غمامةٌ وسحابةٌ تحاجَّانِ عن صاحبِهِمَا يومَ القيامةِ، الذي يقرأهُمَا؛ يطلبُ معانِيهِمَا؛ يعملُ بما فيهِمَا؛ يُحِبُّهمَا؛ تأتِي هذه السورةُ ومثلُها سورةُ البقرةِ تأتِي وتحاجَّ وتدافعَ بينَ يدي اللهِ -تباركَ و-تعالى- عن صاحبِهَا يومَ القيامةِ؛ يعني: تشفعَ لهُ.
وما أحوجُ أحدُنا إلى شفاعةٍ بينَ يديِ ربِّهِ يومَ القيامةِ: ﴿ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴾ [الانفطار: 19]، ﴿ يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [الدخان: 41]، ولكنَّ سورةَ البقرةِ وسورةَ آلِ عمرانَ كُلٌّ منهُمَا تملِكُ شفاعةً بينَ يدي اللهِ -تعالى-؛ فإنِّهما من كلامِ اللهِ؛ فكأنَّ اللهَ -تعالى- هوَ الذي يشفعُ لنا بكلامِهِ، ونعمَ الشفاعةُ؛ فهيَ سورةٌ فاضلةٌ عظيمةٌ.
 
أمَّا موضوعَاتُهَا -حديثُها الطويلُ على طولِها-؛ فهِيَ مائتي آية؛ فإنِّها في بدايتِها تتحدثُ عن وفدِ نجران –كما قُلنا– وفي خلالِ بقيَّتِها تواجِهُ أهلَ الكتابِ وخاصةً النَّصارى، تواجِهُهُم بالحُجَّةِ والبيِّنَةِ والبيانِ الواضحِ؛ حيثُ كانُوا يدَّعونَ أنَّهم أبناءُ اللهِ وأحباؤُه كما قالَها اليهودُ من قبلِهم؛ فقالوا مثلَهم دونَ وَعيٍ؛ فالقرآنُ يبيّنُ لهم أنَّ الأمرَ ليسَ بالادعاءِ؛ نحنُ أحفادُ إبراهيمَ فلنَا الفضلُ، ولنا النجاةُ، ولنا الخيرُ، بلْ إبراهيمُ كانَ نصرانيًا، كقولِ اليهودِ تمامًا؛ قالوا: كان إبراهيمُ يهوديًّا، ونحنُ أولادُه وأحفادُه من إسحاقَ، ونحنُ كذلك العربُ أولادُه من إسماعيلَ؛ فلنا بهِ نسبٌ والحمدُ للهِ؛ فإنْ كانتْ النَّجاةُ بإبراهيمَ؛ فنحنُ معكُم، والكُلُّ ينجُو، ولكنْ ليسَ الأمرُ بالانتسابِ: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]؛ إنِّما بالعملِ بالإيمانِ الصحيحِ.
 
وحَدَّدَ اللهُ -تعالى- هَوِيَّةَ إبراهيمَ الدِّينيَّةِ والشَّرعيةِ؛ فقالَ: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 67]، وأبيَنَ أنَّه كانَ -عليه السلام- مسلمًا؛ ليسَ معناهَا أنَّه كانَ يتَّبِعُ نبِيَّنَا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قبلَ أنْ يأتي النبيُّ محمدٌ -عليه الصلاة والسلام-، وما كان إبراهيمُ يتَّبِعُ القرآنَ الذي أنزلَهُ اللهُ إلينا، ولكنْ مسلمًا؛ أي: مستسلمًا للهِ -تبارك و-تعالى- على الدِّينِ الذي شَرَعَهُ اللهُ، وعلى الشَّريعةِ التي أنزَلَها اللهُ إليهِ، ولذلِكَ يقولُ اللهُ -تعالى- في هذِه السورةِ، وفي بداياتِهَا: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19]، ويقولُ -أيضًا-: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]؛ أنْ نستسلِمَ للهِ -تبارك و-تعالى- بالشَّريعةِ التي شرعَهَا لنَا، وبالمنهجِ الذي اختارَهُ لنَا؛ سَمَّانَا المسلمينَ، وأنزلَ إلينا القرآنَ، وبعثَ إلينا خيرَ إنسانٍ؛ وهوَ نبيُّنَا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، نُسلِّمُ للهِ على هذا المنهجِ، وكان إبراهيمُ مُسَلِّمًا بما شرعَ اللهُ له من المنهجِ وبما آتاهُ من الوحي، لكنْ ما كانَ إبراهيمُ يهودِيًّا، ولم يكنْ كذلك نصرانِيًّا، ولم يكنْ مشركًا، ولا شيءَ من ذلكَ؛ إنِّما كانَ حنيفًا؛ أي: موحِدًا مائِلًا إلى اللهِ -تبارك و-تعالى-، لا يستميلُهُ شيءٌ عن اللهِ؛ كُلَّمَا تقابلَ أمرُ اللهِ معَ أمرِ غيرِهِ؛ مالَ إبراهيمُ إلى حقِّ اللهِ وإلى أمرِ اللهِ؛ قال اللهُ له: اذبحْ ولدَكَ؛ فضَحَّى بولده؛ وأعَدَّ نفسَه للذبحِ، وهيئَ الأمرَ لذلكَ، ولو تركَهُ اللهُ -تعالى-؛ لنَفَّذَ الأمرَ وذُبحَ إسماعيلُ؛ فمالَ إلى مَحبَّةِ اللهِ وفضَّلَ اللهَ وآثرَهُ على ولدِهِ إسماعيلِ بنِ إبراهيمَ -عليهما سلامُ اللهِ-؛ ولهذا يقولُ اللهُ -تعالى- للنَّصارى -أيضًا- حينَمَا تَشَبَّثُوا بما هُمْ عليه، وتمَسَّكُوا بما أخذُوه وما وَرِثُوه من ديانةِ آبائِهم، وقد جاءَهُم الحقُّ مصدقًا لِمَا بينَ يديهِ ومهيمنًا عليه في القرآنِ الكريمِ، فلم يُقْبِلُوا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يؤمنوا به-؛ فقالَ اللهُ لهم -مبَيِّنًا أنَّ الأمرَ ينبَغِي أنْ يكونَ بالحيادِ؛ نحنُ المسلمينَ نقولُ: نحنُ على حقٍّ، وأنتمْ تقولون: إنكم على حقٍّ: إذًا تعالُوا نبتهلْ إلى اللهِ، دعاهُم اللهُ -تعالى- إلى المباهلةِ[7]؛ وذلك أنْ يخرجَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه بأزواجِهِم وأولادِهِم، وأنْ يخرجَ النَّصارى كذلك بأزواجِهِم وأولادِهِم في أرضٍ فضاءٍ، والجميعُ يَبْتهِلُ إلى اللهِ -تعالى- أنْ ينزلَ لعنَتَهُ على الكاذبينَ، من كان كاذبًا في ادِّعائِهِ أنَّه هوَ الخيرُ، وأنَّه هوَ الحقُّ؛ فاللهُ يهلكُه: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61]، همّ النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك واستعَدَّ لهُ ودعا لهُ، همَّ النَّصارى أنْ يخرجُوا لهذه المباهلةِ؛ ولكنْ قامَ فيهم أحدُ رُهبانِهم يرجُو لهم الخيرَ والسلامةَ في الدنيا؛ فقالَ: ارجعوا؛ واللهِ لا تباهلونَ هذا الرجلَ ويرجعُ واحدٌ منكم.
(واللهِ لا تباهلونَ هذا الرجلَ)؛ يعني: لو باهلتُمُوه ودعوتُم اللهَ معهُ بما دعاكُم إليه؛ لنْ يرجعَ منكُم أحدٌ[8].
 
فهذا راهبٌ[9] قارئٌ للإنجيلِ، وقارئٌ للتوراةِ، ويعرفُ الدينَ، ويعرفُ أنَّ نبيَ اللهِ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هوَ الحقُّ، ولكنْ لم يؤمن لِمصالِحِ شخصيةٍ يخشَى عليها أنْ تضيعَ، ورُبَّما كانَ يكتمُ إيمانَهُ –الله أعلم– لكنَّه رَجَا الخيرَ في الدنيا لقومِهِ فنهَاهُم عن هذه المباهلةِ ورَدَّهُم عنهَا؛ فلم يباهِلُوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وبقيتْ هذه المباهلةُ إلى اليومِ دعوةً إلى الحقِّ، وتمييزًا بينَ الحقِّ والباطلِ؛ منْ أرادَ؛ فلنباهِلَ ولنخرجَ ولندعُو اللهَ -تعالى- أنْ ينزِّلَ لعنَتَه على الكاذبينَ الظَّالِمينَ، ولكنْ لن يقبلَ عاقلٌ هذه المباهلةَ.
 
أمَّا الأتباعُ الذين لا يعلمونَ شيئًا؛ فإنِّهم قد يقعونَ جرأةً فارغةً في هذه المباهلةِ ولا يرجعُ منهم أحدٌ إلى أهلِهِ أبدًا.
فسورةُ آلِ عمرانَ جاءتْ تُكَمِّلُ حديثَ سورةِ البقرةِ، وفيها قِصَّةُ آلِ عمرانَ؛ وهمْ عمرانُ وامرأتُه حَنَّةَ بنتُ فاقوذ[10]، وابنتهُما مريمُ، وابنُهمَا هارونُ، وولدُ مريمَ سيدُنَا عيسى -عليه السلام- وعلى الجميع الرَّحمةِ، أسرةٌ فاضلةٌ، أسرةٌ يهوديةٌ، ولكنَّها كانت طائعةً للهِ -تبارك و-تعالى-.
 
في هذه السورةِ -أيضًا- دعوةٌ للمؤمنينَ إلى التزامِ منهجِ اللهِ، وأنْ لا يكونوا كالذينَ تفرَّقُوا من قبلِ؛ وهمْ أهلُ الكتابِ، اختلفُوا وتَفَرَّقُوا؛ حتَّى صارَ بعضُهم يُكفِّرُ بعضًا، أصحابُ الْمِلَّةِ الواحدةِ يُكفِّرُ بعضُهم بعضًا، فلا تكونُوا مثلَهُم ولا تسعُوا إلى تكْفِيرِ بعضٍ، وتقطيعِ رقابِ بعضٍ، واستحلالِ دماءِ بعضٍ؛ فكُلُّكُم تقولونَ: لا إله إلَّا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ، إلهُكُم واحدٌ، نبِيُّكُم واحدٌ، قرآنُكُم واحدٌ، منهجُكُم واحدٌ؛ فلا تفترِقُوا وإنْ اختلفتْ بكُم بعضُ الطُّرقِ فالاختلافُ واردٌ، ولكنْ هذه الأصولُ ثابتةٌ لا خلافَ عليها، ولا تَفَرُّقَ حولَها، فعندَكُم ما تجتمعونَ بهِ أكثرَ مما يختلفونَ وتفترقونَ عليه؛ فلا تقعُوا فِيمَا وقعُوا فيه، وإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نَبَّأَ بهذه الفُرقةِ؛ فقال: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»[11] وفي رواية: «كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً»، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»[12]؛ أي: منْ وافقَ دِينُه وعملُه الصَّالِحِ وعبادتُه للهِ -تباركَ وتعالى- عبادةَ ودينَ وعملَ رسولُ اللهِ -عليه الصلاة والسلام- وأصحابُه الكرامُ.
 
ما اسمُه؟ وما اسمُ جماعتِهِ؟ وما بلدُه؟ وما زمانُه؟ وما نسبُه؟
كُلُّ هذا لا دخلَ له؛ المهِمُّ أنْ يوافقَ في تَديُّنِهِ تَدَيُّنَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، هذا الحديثُ أقولُ: وإنْ قالَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يستسْلِمُ أحدُنا لَهُ، ولا يقولُ: الأُمَّةُ لا بُدَّ أنْ تفترقَ رغمًا عَنَّا، لا بُدَّ أنْ تفترقَ، فماذا نفعلُ؟ لا بُدَّ أنْ أكونَ في جماعةٍ وأتعَصَّبُ لَها، وأنْ أُبْغِضَ الآخرينَ، وأُنْكِرَ وجودَهُم؛ هذا خَطأٌ، وإنْ كان هذا قدرًا للهِ سَيُقَدَّرَ على هذه الأمةِ، وستفْتَرِقُ الأُمَّةُ هذا الافتراقَ الكبيرَ؛ فأنَا عن نَفْسِي أنجُو بنفْسِي من هذه الفُرْقَةِ؛ فلا أنْضَمُّ إلى أحدٍ، ولا أنحازُ إلى أحدٍ، ولا أُبغضُ أحدًا تَوجَّهَ إلى قبلةِ المسلمينَ، وصلَّى إليهَا، ونطَقَ بالشَّهادتينِ، وقرأَ القرآنَ، وفعلَ ما يدعُو إليه الدِّينُ؛ لا أُبْغِضُه أبدًا؛ وإنِّما أتعاونُ معهُ فيما يُرْضِي اللهُ -تعالى-، وفِيما يُرْضِي رسولُ اللهِ -عليه الصلاة والسلام-: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]؛ فينبغِي أنْ تكونَ بينَنَا رابِطةُ الإسلامِ حتَّى وإنْ افترقَ المسلمونَ؛ علينا أنْ ننجُو من هذِه الفُرْقةِ، وأنْ نكونَ خارجَهَا وخارجَ حُدُودِهَا، وإنِّما ننظرُ دائمًا وننشدُ دائمًا ونطلبُ دائمًا ما كانَ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كانَ عليه أصحابُه معَهُ ومنْ بعدَهُ.
 
هذا هوَ طريقُ النَّجاةِ، وهذه هيَ الفِرْقةُ النَّاجيةُ؛ وإنْ لم يكنْ لَها اسمٌ معروفٌ؛ جماعةُ كذا، فِرقةُ كذَا؛ ليسَ لَها اسمٌ يُمَيِّزُهَا غيرَ مَا سَمَّاهَا اللهُ -تعالى-: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78].
 
هذه السورةُ تَدُورُ في هذه الأفلاكِ، وتناقشُ هذه الأمورَ، لكنْ ما هدفُهَا؟ ما مُلَخَّصُها؟
مُلَخَّصُ هذه السورةِ: أنَّها جاءتْ تقولُ: إنَّ بني إسرائيلَ الذين سَمِعْتُم خبرُهُم مُفَصَّلًا في سورةِ البقرةِ، وكان خبرًا أسودَ، سيئًا يُغْلِقُ القلبَ عن حُبِّهم وعن الرِّضَا بهم، ويملأُ النَّفسَ غضبًا عليهِم.
 
ليسُوا سواءَ؛ ليسُوا كُلُّهم كذلك، بلْ منهم صَالِحُونَ، منهم طَيِّبُونَ، ولو طيبةً فِطْريَّةً، وصلاحٌ دينِيٌّ؛ فمِنْهُم النَّصارى؛ أُمَّةُ النَّصَارى جزءٌ من بني إسرائيلَ، اختارهُم اللهُ -تعالى- واختارَ منهُم النبي الذي يأتِي بعدَ موسى وهوَ سيدُنا عيسى -عليه السلام-، وحينَ يصطفِي اللهُ نبِيًّا من أُمَّةٍ؛ فقد اصطَفَى هذه الأُمَّةَ واختارَهَا وجعلَ وَحْيَهَا ينزلُ فِيهَا؛ فاختارَ هذه الأُمَّةَ بدءًا من آلِ عمرانَ؛ فكان النَّصارى، اللهُ -تعالى- يقولُ عن النَّصارى -بعدَ أنْ قالَ عن اليهودِ والمشركينِ ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82]- ولتجدَنَّ؛ كُنَّا ننتظِرُ -حسبَ ما سبقَ- أنْ يقالَ: ولتجدَنَّ أخَفَّهُم عداوةً، أقَلَّهُم عداوةً، أهْوَنَهُم عداوةً؛ لا، ما ذكرَ العداوةَ بالْمَرَّةِ؛ ولكنْ ذكرَ القُرْبَ؛ قال: ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً ﴾ [المائدة: 82] أسلوبٌ يفترقُ تمامًا عن الأسلوبِ الذي عَبَّرَ بهِ عن اليهودِ والمشركينِ: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة: 82]، ثُمَّ بيَّنَ السببَ؛ لماذا كانَ هؤلاءِ أقربُ مودةً لنا؟ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة: 82]؛ يعني: لأنَّ منهُم ﴿ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ﴾ [المائدة: 82] ؛ هؤلاءِ همْ علماءُ النَّصارى وعُبّادُهم: ﴿ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82]؛ أي: فيهم أهلُ عبادةٍ، وأهلُ علمٍ، وأهلُ صلاحٍ، حسب ما جاءهم من المنهج الذي سبق قبل ذلك، وأنهم لا يستكبرون عن الحق إذا رأوه، ولذلك قال بعدها ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾ [المائدة: 83]؛ إذًا لو سمع يسمع بوعي ويسمع بعقل، فإذا رأى الحق بكت عينه ودمعت عينه لما عرف من الحق، أين كان هذا الحق قبل ذلك؟ لماذا لم أسبق إليه غيري؟ ولعلها دموع فرح -أيضًا-؛ لأنّه وجد الحق واهتدى إليه، وقالوا: هذه الآية نزلت في النجاشي ملك الحبشة[13]؛ كان ملكاً عظيماً ولكنه كان نصرانياً؛ فلما هاجر إليه المسلمون الأوائل في أرض الحبشة[14]؛ فراراً من إيذاء وظلم قريش وكفارها استقبلهم استقبالاً حسناً عظيماً، وأكرم هؤلاء الضعفاء المطرودين من بلادهم أو الفارّين بدينهم؛ فلما جاء وفد قريش ليؤلب الأمور بينهما؛ بين الملك وبين هؤلاء اللاجئين المسلمين حتى يأخذهم بقوته وسلطانه وسطوه ولو أن يخرجهم من بلاده ويردهم إلى أهاليهم؛ لم يفعل ذلك، إنما سمع من هؤلاء، وسمع من هؤلاء، وبفطنته وذكائه وعدله وسماحته؛ قارن بين الكلاميين؛ فوجد أن قريشاً تبغي وتظلم وتدعي وتفتري، وجد أنَّ هؤلاء المستضعفين معهم الحق، وفرّوا بالحق، ويريدون الحق، ونبيهم نبي حق -عليه الصلاة والسلام-، فلذلك آمن به وهو في مكانه لم يره أبداً طول عمره؛ لم ير النبي -صلى الله عليه وسلم-، أسلم به من بُعد وآمن به واتبعه من بُعد؛ بكت عينه حينما سمع من جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- قصة ميلاد عيسى في سورة مريم، قال: اقرأ علي شيئاً مما أنزل على صاحبكم؛ يعني: أرني عينة مما تقولون عنه إنه قرآن، وأنه كلام الله، فقرأ عليه جعفر -بكل حنكة وذكاء- ما شاء الله وحسن اختيار، قرأ عليه الآيات التي يحبها فجاءه بقصة مريم وميلاد عيسى حسبما ورد في سورة مريم؛ فلما سمعها النجاشي بكى، وشهد أنَّ هذا لا يفرق عمَّا جاء به موسى وعيسى قيدَ شعرة، وأسلم وأعلن إسلامه بين وفد المسلمين؛ راح وفد قريش وأخبروا الرهبان والكهّان أنَّ ملككم أسلم وتبع هؤلاء الذين جاءوا من عندنا، فكان قد كتب اسم المسيح -عليه السلام- عيسى عبد الله ورسوله، كتبها في صحيفة ووضعها في جيبه، فلما جاءه الأحبار والرهبان يتحققون من هذا الأمر حتى إن كان قد أسلم عزلوه وفعلوا به ما يفعلون، قالوا له أأسلمت؟ قال من قال لكم، قالوا سمعنا ذلك، ماذا تقول في عيسى؟ قال عيسى هو كما هنا وأشار إلى جيبه وفيه الصحيفة، فظن الرهبان أنه يشير إلى قلبه؛ يعني: عيسى كما كان من قبل هو الآن ابن الله..
وكذا كما يقولون؛ ففهموا هذا فعفوا عنه وظلَّ على ملكه، بينما هو يشير إلى الصحيفة التي فيها أن عيسى عبد الله ورسوله، هكذا كان ملهماً، وكان موفقاً لمثل هذه الحيلة التي يستبقي بها المُلك ليحكم بعدله، ولكي يحفظ حياته؛ ليؤمن بربه -سبحانه وتعالى-، ودعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- دعوة بظهر الغيب، وكان النجاشي يتمنى أن يكون خادماً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ليتني كنت عنده فأصبّ عليه وضوءه[15]، يا ليتني أكون عند نبيكم هذا ونبينا، طبعاً آمن به -صلى الله عليه وسلم-، ليتني كنت عنده فأصبّ عليه ماء الوضوء ليتوضأ.
 
هكذا تواضع قلب منفتح للحق، لذلك عبّر الله عن النصارى بهذه الطيبة الفطرية؛ فقال ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة: 82]، فالذين يعترفونَ أنَّهم نصارى؛ همْ أقرب الناس إلينا مودة، ومن رفض هذا؛ فالقرآن لا يقول غير هذا: ﴿ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة: 82]، وبيّن السبب؛ بوجود القسيسين والرهبان فيهم والعبّاد والعلماء الصالحين الذين إذا رأوا الحقَّ لا يتكبرون عنه، وكم أيٍ كثيرٌ منهم أسلم حينما سمع الحق عبر طول هذا الزمان.
 
فسورة آل عمران جاءت تضيف إلينا معلومةً بعد ما قالت سورة البقرة: إنَّ بني إسرائيل قومٌ غضب الله عليهم ولعنهم، قومٌ قتّالون للأنبياء، قومٌ لا يعاشرون، قومٌ لا يصاحبون، ينقضون العهد، يفعلون كذا، يكذبون، يفترون؛ كلها سيرةٌ عن بني إسرائيل تغلق القلب عن محبتهم أو الانفتاح لهم، ولكن الله يُحق الحقَّ فأراد أنْ يكمّل لنا المعلومة؛ فيقول: ليس كل بني إسرائيل بهذا الوصف السيئ؛ فلا تضربوا عنهم صفحاً جميعاً، بل منهم صالحون وخاصةً النَّصارى، هؤلاء طيبون بالفطرة، وعندهم صلاحٌ ديني في علمائهم، ورهبانهم أصلح من أحبار اليهود؛ فعلماء اليهود مضللون وضالون بخلافِ القسيسين والرهبان؛ فهؤلاء ألين قلباً، وألين جانباً، وأقرب مودةً، وكذلك أتباعهم الذين يقرون بأنَّهم نصارى.
 
ومن -هنا- يبدأ القلبُ ينفتح بعض الشيء لمن قالوا: إنا نصارى، الواحد يخالطهم في الحياة بجوارٍ أو بصحبة في عمل أو نحو ذلك وهو يحتفظ بشيءٍ من الأمن؛ بخلاف ما لو كان جارُك يهودياً، أو صاحبك في العمل يهودياً أو كذا؛ فينبغي أنْ تحذر منه أشدَّ الحذر؛ فقد قتلوا أنبياء الله، واستحلوا دماءَهم؛ فكيف يفعلون بك؟
فالمسألة فيها فارقٌ كبير؛ من هؤلاء الذين ذمهم الله في سورة البقرة قوم آل عمران؛ أسرةٌ في غاية الصلاح، من هؤلاء الذين ذمهم الله في سورة البقرة؛ قومٌ يؤمنون بآيات الله، ويقيمون الليل، ويؤدون الصلوات، ويقبلون على الإسلام، ويأخذون الحق حيثُما كان، ولذلك تجد في أوَّلِ السورة بعد أنْ كان عنوانها (آل عمران)؛ يعني: أهل عمران؛ هذه الأسرة عنوان السورة.
 
وفي أول السورة يقول الله -تعالى-: ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ [آل عمران: 2، 3]؛ هذا هو القرآن، ويقول عن الكتب السابقة: ﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 3]، جاء بعدها -أيضًا- بالفرقان الذي هو القرآن؛ ليُشعر وليعلن بأنَّ القرآن هوَ خاتم الرسالات، وإن كان أخبر عن إنزاله من قبلِ في أول الآية؛ فيأتي به بعد ذلك في ترتيبه الزمني: ﴿ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 3]؛ فهذا تلميحٌ بأنَّ هذه السورة ستتكلم عن أصحاب الكتابين؛ عن أهل الكتاب.
 
وفي آخر السورة يبيّن الله -تعالى- أنَّ من أهل الكتاب من يؤمن بالقرآن، في الآية قبل الأخيرة يقول الله -تعالى-: ﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ [آل عمران: 199]؛ يا مسلمون، ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [آل عمران: 199]؛ هكذا من هذه الإشاراتِ في أول السورةِ وآخرِها؛ تشعر أن السورة ستتحدث عن أهلِ الكتابِ، وأن منهم من آمن، وأن منهم فريقاً طيباً؛ هو موضوع هذه السورة، وقد برز في عنوانها (آل عمران)، من آل عمران؟
قلنا: الرجل الصالح الذين اسمه: عمران، وامرأته: حنة بنت فاقوذ، وولدهما: هارون، وأخته: مريم -عليهم جميعاً رحمة الله-، هذه أسرةٌ طيبة؛ وإن كانت أسرةً يهودية؛ لأنَّ عيسى لم يأت إلى الوجود بعدُ؛ إنما تفرّع عن هذه الأسرة الطيبة.
 
امرأة عمران؛ هكذا حالها كانت عاقراً لم تلد، ويوماً -كما ذُكر- رأت بعض الطيور يُطعم أفراخه؛ عصفوراً كان أو غيره، أمٌ من أمهات الطير تطعم أفراخها فتشوقت إلى الأمومةِ؛ وقد رأت الأمومة أمامها في شكلِ طائر، وفي حياة طائر؛ فتمنت على الله؛ فرزقها الله حملاً، وأصلح حالها؛ وحملت بحمل لا تعرف إنْ كان ذكراً أم أنثى، إنْ كان مشوهاً أو غير مشوه، إنْ كان صحيحاً أو مريضاً، إنَّما هو حمل، قبل أن تعلم عنه شيئاً؛ قالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾ [آل عمران: 35]؛ خالصاً، معنى (محرراً)؛ أي: خالصاً لك، ﴿ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35]؛ وهي لا تدري عن حملها شيئاً تفصيلياً، ليس -كما في أيامنا- بالسونار، ونحو ذلك، إلى أنْ وضعته، ماذا نذرت؛ ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ﴾ [آل عمران: 35]؛ كيف تقدمُه لله؟ ستذبحه لله؟ ستحفظه التوراة؟ فلم يكن الإنجيل قد نزل من بعد، ماذا ستفعل به؟
إنها نذرته خادماً في بيت الله في المسجد الأقصى، أرأيت كيف نذرت!
 
فهذا العمل عملٌ شريف، عملٌ عظيم؛ أن يخدم أحدنا في بيت من بيوت الله؛ أياً كانت هذه الخدمة، فلا تحرم نفسك، وكانت خادمةٌ لمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةٌ سوداء عجوز كبيرة في السن[16]، لا يأبه بها الناس ولا يلتفت إليها الرجال، ولكنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- افتقدها يوماً من الأيام، لم يجدها لم يرها؛ فسأل عنها؛ فَقَالُوا: مَاتَت، قَالَ: «أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا»[17]، قالوا: ماتت ودفناها يا رسول الله، هكذا عُرف الناس يستهينون بخدام المساجد، بمن ينظف لهم المسجد، ينظرون إليه نظرةً أنَّه أقل من غيره، لكن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ينظر نظرةً عالية نظريةً شرعية، انظر كيف رفع هذه المرأة؛ فقال: «أَفَلَا آذَنْتُمُونِي»؛ أي: أما كنتم تخبروني بوفاتها، قالوا: كُنْتَ نَائِمًا فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ[18]؛ يعني: أمرها لا يستحق أنْ نوقظك ونزعجك[19]؛ فنحن نكفيك هذا الأمر، ولكن لو مات واحدٌ من كبار الصحابة سيوقظونه حتماً ولابد، لكن هذه امرأةٌ وتنظف المسجد ندفنها نحن، صلوا عليها ودفنوها.
 
« أَفَلَا آذَنْتُمُونِي» قالوا: كُنْتَ نَائِمًا فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ يا رسول الله، قال -عليه الصلاة والسلام-: قولةً لم أرها لأحد آخر، لم أرها لصاحب وظيفة أخرى حسبما قرأت واطلعت وأكرمني الله به من بعض الفهم لم أرها كرامةً وتكريماً لواحد آخر غير هذه المرأة التي كانت تقُمُّ؛ أي: تنظف مسجد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، قال -صلى الله عليه وسلم-: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا» فدلوه عليه؛ فَأَتَى الْقَبْرَ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، قال الله تعالى: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103]، من يفوز بسكن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وصلاته على قبره امرأةٌ كانت تنظف المسجد، فعلينا أنْ ننظر إلى هذا الصِنف من الناس نظرةً رفيعة، نظرةً عالية، لا نستهن، لا يسخر بعضكم من بعض؛ ﴿ لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ﴾ [الحجرات: 11]؛ كما قال: ﴿ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ ﴾ [الحجرات: 11].
هكذا نذرت حنة بنت فاقوذ -رحمها الله- حملها أيًّا كان، وكما يكون؛ نذرته خادماً؛ ويقال له: سادن؛ يعني: (خادم) في المسجد الأقصى.
 
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36] الكلام فيه إدراج؛ يعني: الله -تعالى- أدخلَ جملة في سياقٍ معين؛ كان تتابع الكلام - كلام أم مريم- كان تتابعه هكذا في غير القرآن يقال: فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها، هذا كلام أم مريم؛ ولكن الله وضع جملة والله أعلم بما وضعت؛ لغرض معين؛ إنِّما كلامُها هي الذي قالته: رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى؛ كأنها تعتذر لله، حسب ما ورثت من جاهلية اليهود أنَّ الولد خير من البنت، أنَّ الذكر خير من الأنثى، أو حسب ما كانت تفهم أنَّ الرجل أو الذكر أقوى على خدمة البيت -بيت الله- من المرأة؛ حيث لا يأتيه حيضٌ ولا نفاس فلا ينقطع أبدًا عن المسجد؛ إنِّما المرأة في أيام حيضها وأيام نفاسها لا تستطيع أن تجلس في المسجد إلَّا أنْ تدخل دخولاً عابراً عاجلاً وتخرج، فلعلها كانت تفهم هذا وتقصده، أيًّا ما كان الأمر؛ فهي تعتذر إلى الله أنَّها لم تقدم الصنف الأحسن والأجود في خدمة بيتك يا رب.
 
﴿ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]؛ ولم تقل -بأدب عظيم- لم تقل: إنك أعطيتنيها أنثى، إنك رزقتني أنثى، المسألة عندك أنت؛ إنما نسبت النقص إلى نفسها كما تفهم؛ فقالت: ﴿ إِنِّي وَضَعْتُهَا ﴾ [آل عمران: 36]؛ وكأنَّها هي السبب في التأنيث والتذكير، هذا أدبٌ مع الله ﴿ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36]؛ ويقطع الله كلامها ويقول: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾ [آل عمران: 36]؛ يعني: ليس الله جاهلاً بنوعية هذا المولود حتَّى تخبره الأم، لا، هو يعلم من قبل، ولكنها تقول هذا على سبيل الاعتذار، وليس على سبيل تعليم الله؛ فالله يعلم من قبل.
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾ [آل عمران: 36] في أداء هذا العمل.
 
﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران: 36]؛ ومعنى (مريم): الخير الكثير؛ أي: هذا المولود أرجو له أنْ يكون خيِّرًا، وهذا من التفاؤل، ولذلك حبب إلينا النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ نسمي أولادنا أسماءً حسنة، تسميه حسن، تسميه صالح، تسميها بركة، تسميها كذا؛ رجاء أنْ يكون لهم من اسمهم هذا حظٌ ونصيب؛ تسميه مسعود، تسميه سعداً، تسميه كذا، ذلك ليُرجى فيه الخير، ﴿ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36]؛ الشيطان يستقبل المولود لدى ولادتها فيطعنه طعنة في جنبه بيده الخبيثة، ولذلك شُرع لنا أنْ نؤذن في أذن المولود؛ يعني: عند أذنه، ليس في أذنه مباشرةً؛ وإنما عند رأسه نؤذن له؛ فالشيطان ينصرف بالآذان ولا يطيق سماعه؛ فنرحم الصغير من طعناتِ الشيطان؛ كأنَّه يقول له: أنا في انتظارك، هذا قرينه من الجن، من الشياطين، هذا قرينه الذي يصاحبه طول عمره؛ فيقول له: أنا أستقبلك، أنا في انتظارك، تشوقت إليك، -تعالى- حتَّى أغويك وأدخلك النار؛ فالمولود يصرخ ولا ندري مم؟
 
لكن علما النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي علمه الله ما لم يكن يعلم، لم ينج من هذه الطعنة إلا مريم وابنها[20] لدعوة أمهما: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ...
[آل عمران: 36، 37] إلى آخرِ الآيات.
أرأيتَ هذه الأسرةَ، أسرة طيبة صالحة، رغم الخبَث الذي يعيش فيه اليهود، رغم العفن الذي يحيا فيه اليهود كالديدان والحشرات القبيحة القميئة كما صورت لنا سورة البقرة، هذه سورة آل عمران تشير وتسلط الأضواء على هذه الأسرة الطيبة الصالحة بين هذه الغشم الكثير.
 
وكانت مريم وكان أمرها حين تكفّل الله بها؛ فكفل بها زكريا -عليه السلام-، وكان اللهُ يرزقها من عنده، وكان زكريا يأتي لها بما شاء الله له من رزق -أيضًا- ويقضي لها حاجاتها وهكذا.
نشأت نشأةً كريمة، وعاشت عيشة فاضلةً في بيت المقدس، عابدةً متنسكةً خادمةً للبيت العظيم الذي بُني لله في تلك الأرض.
 
وقيل: هو ثاني بيت بعد البيت الحرام في مكة.
إلى أنْ جاءَها أمر الله، يومٌ من الأيام؛ أرسل الله إليها ملكاً وبشَّرها بعيسى -عليه السلام-؛ حملاً من غير نكاحٍ؛ أي: زواج ولا سِفاح؛ يعني: ولا زنى، فلا نكاح ولا سِفاح، ومع ذلك شاءَ الله لها أنْ تحمل.
 
كما يعلم اليهود كلهم صلاحَ هذه الأسرة؛ تعلم مريم وغيرها خبثَ بني إسرائيل وخبثَ اليهود، فلذلك لما توقعت ما سيقولون عنها؛ ﴿ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]؛ تمنت الموت ولا تقال كلمةٌ خبيثةٌ على عرضها؛ فلا قيمة للعرض مع خدشها وكسره وشرخه[21]، صان الله وحفظ أعراضنا جميعاً.
 
اليهود يشهدون بصلاحِ هذه الأسرة؛ والله يسجل ذلك على لسانهم حين جاءتهم مريم تحمل ولدها على يديها: ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ﴾ [مريم: 27]؛ فوقع ما كانت تخشاه، ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾ [مريم: 28]؛ انظر إلى كلماتهم التي يحكيها القرآن: ﴿ يَاأُخْتَ هَارُونَ ﴾ [مريم: 28]؛ يعني: يا أخت هارون الطيب، يا أخت هارون الصالح، كيف تفعلين هذا؟!
 
كما كان الله يقول لليهود: ﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [البقرة: 40] مع أنهم ليسوا بني إسرائيل مباشرةً؛ إنما هم أحفاد إسرائيل.
وإسرائيل هذا هو سيدنا يعقوب - عليه السلام -، إنَّما كان الله ينادي عليهم بهذا النداء؛ ليذكرهم بجدهم الطيب الصالح، هذا جدكم وهذا نسلكم فلمن تشابهون؟ لماذا تخرجون عن حياة أبيكم يعقوب -عليه السلام- يا بني إسرائيل؟
كما يقول أحدنا لواحد يرى عليه منكرًا: يا ابن الشيخ، يا ابن الحاج الذي حجَّ بيت الله، أبوك رجل طيب، لماذا تفعل هذا؟
فيحتج عليه بأحد آبائه أو إخوانه أو أمهاته أو نحو ذلك.
 
﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ ﴾ [مريم: 28]؛ الذي هو عمران، ﴿ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 28] التي هي حنة بنت فاقوذ، أبوك صالحٌ، وأمك صالحة، وأخوك هارون صالح، فمن تشابهين بهذا العمل؟ واتهموها، وإلى اليوم في كتبهم أنَّ عيسى ولد خطيئة؛ لعنهم الله بما قالوا، لكن عيسى -عليه السلام- كلمةَ الله ألقاها إلى مريم، كن فيكون، فكان حملاً بإذن الله -تعالى- من غير نكاحٍ ولا سِفاحٍ.
 
هذه أسرة آلِ عمران، واختارهم الله -تعالى- لصلاحهم واصطفى منهم نبيه في ختام أمة بني إسرائيل، وهو سيدنا عيسى -عليه السلام- فكان من مريم، وعمران هذا جده، وهكذا ولذلك يقول الله في سورةِ آل عمران التي معنا: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 75]، وهذا تجده في النصارى ولا تجده في اليهود؛ ربما يقترض منك نصرانيٌ مالاً كثيراً جداً؛ ويرده لك سالماً كاملاً وافياً، أمَّا اليهود؛ فلا يفعلون هذا، ومنهم -أيضًا- من النصارى ومن اليهود من باب الأولى؛ ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75]؛ لا بُدَّ أنْ تدورَ حوله وتطلب الدرهم الواحد الذي لك عنده؛ حتَّى تأخذه، وربما لا يعطيك -أيضًا-، فمنهم ومنهم؛ أي: منهم صالح، ومنهم غير صالح.
 
هكذا يبيِّنُ الله لنا الأمور؛ فسورة آل عمران جاءت تقول: ليسوا سواء؛ بنو إسرائيل ليسوا على شكلٍ واحدٍ، ولا طبيعةٍ واحدةٍ؛ ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]؛ هذا فريقٌ منهم، ويقول الله في آية أخرى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾ [آل عمران: 78]؛ يعني: يحرفون في كتاب الله، وكلام الله؛ ﴿ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78].
هكذا كانت سورتنا ونسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ يعلمنا ما ينفعنا، وأنْ ينفعنا بما علمنا، ونعوذ به من علم لا ينفع، أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.
♦ ♦ ♦ ♦
 
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعدُ:
فأوصلكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه -تعالى- ومخالفة أمره، فهو القائل -سبحانه وتعالى-: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صلت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
 
أما بعد:
إخوة الإسلام عباد الله، ففي هذه السورة وفي حديثها المجمل هذا عِبَرٌ، لكن نأخذ منها ما تيسر، من العِبر المهمة -حسب ما سمعنا من هذا الدرس- عبرةٌ للمؤرخين، عبرةٌ للواصفين، من يؤرخ أو يصف أهل بلد أو أهل زمان، أو أهل مسجد معين، أو أهل حي مخصوص، أو عائلة من العائلات، عادةً لو ظلمني واحدٌ من عائلة أو بلد؛ أقول هذه العائلة ظلمة، مع أنَّ الذي ظلمني واحدٌ فقط، هذه البلد بلد الفلانية، هذه تدخلها وتخرج من غير ملابسك؛ يعني: كلهم لصوص، مع أنَّ الذي سرقني واحد فقط.
وهكذا حكم البشر على البشر يعممونه على الجميع؛ على الظالم وغيره، لا؛ إنِّما ينبغي أنْ نميز.
 
الله -تعالى- يريدُ مِنَّا أنْ نعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه؛ بنو إسرائيل بهذا الوصف القبيحِ الذي قرأتُموه وسمعتُموه في سورةِ البقرةِ، ولكن ليسوا سواء؛ منهم كذا، ومنهم كذا، ومنهم كذا، فيا من تؤرخ، يا من تكتب، يا من تنقل وصفًا عن قوم من الأقوام؛ صغروا أم كبروا، قلَّوا أو كثروا، عليك أن ترعى الأمانة في الوصف؛ والله نزلت على آل فلان؛ عائلة فلان؛ فقام واحد منهم وفعل معي كذا وكذا، ولا أعمم الحكم على الجميع؛ فلم يقوموا جميعًا لسرقتي أو لظلمي أو للاعتداء علي؛ إنَّما قام واحد أو اثنان أو ثلاثة والقوم كثيرون؛ فينبغي أنْ نرعى الأمانة في هذا، هناك عبرةٌ جليلةٌ تنفعُ كل واحد منَّا ونحتاج إليها أمس الحاجة؛ وذلك في وجود هذه الأسرة، كيف احتفظت بصلاحها وتدينها وطهرها وعفتها في وسط هذا الخَبَث الكثير من بني إسرائيل، في وسط هذا النَجس من بني إسرائيل؟ حسب ما قرآنا وسمعنا في سورة البقرة، كيف احتفظت هذه الأسرة بتدينها؟ بعلاقتها الوصيلة والعظيمة بالله رب العالمين؟
 
امرأة ترجوا الله بقلبها ورُبَّما نطقت ببعض الكلمات تطلب حملاً أن يرزقها الله بنسل، فيرزقها؛ فحينما ترزق تهب هذا الرزق لله؛ أنا لا أريد شيئاً معيناً يا رب ولكن أردت أن أثبت أمومتي؛ أنني أحمل وأضع، فما رزقتني فهو لك، فما رزقتني فهو لك تنذره كله لله، ليسَ كأحدنا في هذه الأيَّام لا ينذر ولده لله؛ لأن يحفظه قرآناً مثلاً أو يدخله الأزهر أو نحو ذلك؛ إلَّا إن كان من المتردية والنطيحة وما أكل السبع، إن كان مشوهاً بتشويهٍ معين أو معوقاً بإعاقة معينة ولا تقبله مدارس اللغات ولا مدارس الراهبات ولا المدارس الحديثة هذه؛ فعند ذلك يقول: هذا وهبناه لله، نذرناه للقرآن؛ إذاً صحَّ فينا قول الله -تعالى-: ﴿ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267]؛ ما وهبتموه لله إلَّا بعد أن زهدتهم أنتم فيه؛ تتمنون أن يزول من حياتكم، ولذلك يسبِّق الناس كثيراً اليوم والمرأة حامل وتقلق على نفسها قلقاً لا داعي له وتكشف كلَّ يوم سوناراً؛ حتَّى يقول لها الأطباء: الجنين مشوه، أو يغلب على الظن: أنه سيكون مشوهاً، وينبغي أن تنزليه وتجهضيه، والكثيرات تُقبل على ذلك، كيف أستقبل مولوداً مشوهاً ماذا أصنع به؟ فتعترض على قدر الله، ورُبَّما كانت هي السبب في تشويهه بما تتناول من أطعمة أو أغذية أو أدوية أو في حركاتها لا تراعي أنَّها حامل فيتشوه الجنين، ومع ذلك تعترض عليه وتجهضه من مبكر الوقت، لماذا لا نستقبله؟ ومرحباً بما خلق الله سليماً أو غير سليم؛ ولماذا لا ننذر لله إلَّا ما تزهد فيه النفس ولا يقبله الإنسان؟ إنما ينبغي أنْ ننفق لله أطايب الأشياء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267].
 
وهذا الإجهاض حرام، وحدث معي أكثر من مرة سألتني بعض السائلات عن هذه المسألة؛ فقلت لها: حرامٌ إجهاضه، اتركيه لله كما يأتي به الله -سبحانه وتعالى-.
الأطباء بشر ويُتوقع منهم الخطأ، والأجهزة ليس لها عقل؛ إنِّما تعمل بعقل الإنسان؛ فربما تخطئ هي الأخرى في التقاط الصور، هذا كثيراً ما يحدث فاتركي الأمر لله، ولكن خذي بالأسباب الشرعية؛ من هنا إلى أن تلدي حملك؛ اشتغلي بالدعاء أنْ يحفظ الله حملك، وأن يجعله صالحاً، وأن يجعله سليماً وأنْ يعافيه..
وهكذا.
 
والحمد لله تبشرني أكثر من واحدة بعد أنْ يكرمها الله؛ وتقول: بحمد الله يا شيخ -جزاك الله خير- لقد وضعت حملي سالماً تماماً؛ لا شيء فيه، وتبارك الله أحسن الخالقين، فلماذا نتعجل ونجهض؟ هذا لا يجوز؛ وليأت مشوهاً نحافظ عليه ونحفظه في الحياة، ويعيش كما أراد الله له -سبحانه وتعالى-؛ لكن لا ننتقيه هذا المعوق، أو هذا المشوه لا ننتقيه لنهبه لله.
أمَّا هذا الصالح؛ فنهبه للغة الأعاجم؛ نعمله في مدرسة أجنبية، أو في مدرسة كذا، لا تعلم الدين، أو كذا من المدارس التي لها الصيت والسمعة، ولا يكون لله فيه حظاً؛ فيتخرج من تعليمه، ولا يعرف أنْ يقرأ كلام الله في المصحف؛ مع أنَّ كل حرف عليه شكله بفتحة أو ضمة أو كسرة؛ يعني: كأنَّ واحداً يأخذ بيده ليقرأ ومع ذلك لا يستطيع القراءة.
 
كم لله في هذا المولود؛ وإن تخرج وصار أستاذاً كبيراً؛ كم لله فيه! لا حظَّ لله فيه إنِّما وهبنا لغير الله؛ ﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾ [آل عمران: 35] خالصاً لله -سبحانه وتعالى-.
إذاً علينا -ونستطيع أحبتي الكرام- أنْ نعيش بدين الله ولو كنا في جوٍ كله عصيان، ولو كنا في بيئة كافرة، في بعض البلاد الكافرة يستطيع الإنسان أن يحفظ دينه؛ وهذا من عظمة الدين أنَّه يطبق في الفرد وحده، ويطبق في الأسرة وحدها، ويطبق في المجتمع كله، ويطبق على الدولة كلها، ويطبق على كل الدول كما كانت دولة الإسلام الكبيرة التي عمَّت الأرض كلها، ويحكمها كتاب الله وسنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ وكان المسلمون الأوائل في مكة أفراداً كل يسلم في نفسه، والبيئة كلها كافرة من حوله تضطهده وتحاربه وهو يحيى بدين الله.
 
وكيف عاشت امرأة فرعون مسلمةً لله؛ بما كان عندها من شريعة، في بيت فرعون! وما أدراك ما فرعون إنه طغى؛ قال: أنا ربكم الأعلى، وعاشت مسلمةً لله، وقالت قولتها العظيمة: ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، ولم تغرَّها القصور الفرعونية كلها، ولا تلك الآثار التي يلهث الناسُ وراءها؛ لم يغرها شيءٌ من ذلك؛ لأنه باطلٌ وزائل؛ لكنها طمعت في بيت عند الله، واختر الجوار قبل الدار؛ ﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ ﴾ [التحريم: 11]، وبعدها ﴿ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11]، وهكذا كانت أسرة عمران وحنَّة -رحمها الله تعالى-، أسرةً صالحة في وسط خَبَثٍ كثير؛ فتستطيع أخي المسلم أنْ تعيش بدينك مهما كان الناس من حولك؛ فلا تقل الذي يسري عليَّ يسري على الناس، والناس هكذا، وهل أخرج على الناس شرعاً؟
 
نعم عش وحدك بشرع اللهِ؛ لا مانع إنْ كان الأمر يستدعي ذلك، هناك من تتعاون معه ويتعاون معك؛ فلا مانع.
دين الله عظيم، وفي القصة عِبَر، وفي السورة دروسٌ لا تنتهي، ولكن شأننا في هذه الدروس العجالة والإجمال، لنتعرف على السورة من بعيد بنافذة عامة.
نكتفي بهذا القدر ونسأل الله -تعالى- أنْ يجعل فيه الخير.
 
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، انفعنا يا ربنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ربنا زدنا علماً نافعاً.
اللهم اهدي قلوبنا، واشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واقض حوائجنا.
اللهم يا شافي الأمراض، يا شافي الأمراض اشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اشف شيوخنا وعلماءنا ورجال الدين.
اللهم اشفهم يا رب العالمين، واحفظهم لدينهم، واحفظهم للدعوة إليك، واحفظهم لأهليهم يا رب العالمين.
اللهم إنك أنت الكريم الحليم مُنَّ علينا بشفاء عاجل يا رب العالمين، واحفظ علينا علماءنا وأئمتنا وشيوخنا وتراثنا وتاريخنا، واحفظ علينا ديننا كله برحمتك يا أرحم الراحمين.
اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات ورافع الدرجات.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كِبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا أرحم الراحمين.
عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم...
وأقم الصلاة.



[1] تقدم أن أسماء السور توقيفية من عند الله، وأنّه هو الرأي الراجح؛ لكن استدلال المصنف بهذه الآية على هذا بعيد.


[2] صحيح، رواه الترمذي: 5/ 175، في باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر، من كتاب أبواب فضائل القرآن، برقم (2910) والبيهقي في شعب الإيمان: 3/ 371، برقم (1830)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.


[3] انظر: الروض الأنف، للسهيلي: 5/ 11، وأسباب النزول، للواحدي، ص: 97، ولباب النقول، للسيوطي، ص: 40، والدر المنثور: 2/ 142.


[4] انظر: سيرة ابن هشام: 2/ 559، والروض الأنف: 7/ 382، وسبل الهدى والرشاد: 6/ 254، 260.


[5] حسن، رواه أبو داود: 2/80، في باب الدعاء، من كتاب أبواب الوتر، برقم (1496)، والترمذي: 5/517، في باب من الدعوات، برقم (3478)، عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها.


[6] تقدم تخريجه.


[7] قال ابن الأثير: والمباهلة الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منا.
النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 167، ولسان العرب، لابن منظور: 11/ 72، مادة: [ب هـ ل].


[8] انظر: التفسير البسيط، للواحدي: 5/ 320، 321، والكشاف، للزمخشري: 1/ 368، وفتوح الغيب، للطيبي: 4/ 129، 130.


[9] اسمه: أبو حارثة بن علقمة.
جامع البيان، للطبري: 6/ 151، وتفسير البغوي: 1/ 406، والجامع لأحكام القرآن الكريم، للقرطبي: 4/ 4.


[10] جامع البيان، للطبري: 6/ 328، وتاريخه: 1/ 585، وفيهما: (حَنَّة ابنة فاقوذ بن قتيل)، والمعارف، لابن قتيبة، ص: 52، والدر المنثور: 2/ 180، والإتقان: 2/ 97، ومعترك الأقران، ص: 369.


[11] حسن صحيح، رواه أبو داود: 4/197، في باب شرح السنة، من كتاب السنة، برقم (4596)، وابن ماجه: 2/1322، في باب افتراق الأمم، من كتاب الفتن، برقم (3992)، عن عوف بن مالك رضي الله عنه.


[12] حسن، رواه الترمذي: 5/ 26، في باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، من كتاب أبواب الإيمان، برقم (2641)، والطبراني في الكبير: 13/30، برقم (62)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.


[13] انظر: جامع البيان، للطبري: 10/ 508، برقم: (12326)، وابن أبي حاتم في تفسيره: 4/ 1185، برقم: (6680)، والسنن الكبري، للنسائي: 10/ 84، برقم: (11083)، وأسباب النزول، للواحدي، ص: 203، ولباب النقول، ص: 84، والدر المنثور، كلاهما للسيوطي: 3/ 129.


[14] انظر قصة الهجرة إلى الحبشة في سيرة ابن هشام: 1/ 322، وما بعدها، والروض الأنف، للسهيلي: 3/ 120، وما بعدها، وسبل الهدى والرشاد، للصالحي الشامي: 2/ 363، وما بعدها.


[15] توثيقة.


[16] اسمها: أم محجن.
السنن الكبرى، للبيهقي: 4/ 80، برقم: (7020)، والخصائص الكبرى، للسيوطي: 2/ 112.


[17] متفق على صحته، ر واه البخاري: 1/99، في باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان، من كتاب الصلاة، برقم (458)، ومسلم: 2/659، في باب الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز، برقم (956)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.


[18] صحيح، رواه ابن ماجه: 1/490، في باب ما جاء في الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز، برقم (1530)، وأحمد في مسنده، برقم (15673)، والدارقطني في سننه: 2/444، برقم (1845)، عن ابن عباس رضي الله عنهما.


[19] ذكر هذه العلة الطيبي على مشكاة المصابيح: 4/ 1395، وقال البخاري: "فحقروا شأنه"، صحيح البخاري: 2/ 89، برقم: (1337)، وذكر العقبي علة أخرى: "أي إجلالا له، وتعظيمًا، لأنه لا يُدرَى ما يحدث له في نومه، من الوحي، أو غيره".
ذخيرة العقبي في شرح المجتبى: 19/ 66.


[20] رواه البخاري: 4/125، في باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق، برقم (3286)، عن أبي هريرة، ولفظه: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الحِجَابِ».


[21] ومنه قول حسان بن ثابت:






أصون عرضي بمالي لا أدنسه
لا بارك الله بعد العرض في المال


أحتال للمال إن أودي فأجمعه
ولست للعرض إن أودي بمحتال.







شرح ديوان لحماسة، للمرزوقي الأصفهاني، ص: 1184.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١