أرشيف المقالات

النهي عن سب البراغيث والديك

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
النهي عن سب البراغيث والديك


سب البراغيث:
وسب البراغيث لا يجوز، وفي هذا حديث لا يصح، لكن المعني صحيح؛ حيث إننا نهينا عن السب بشكل عام؛ ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الأوسط" بسند فيه مقال عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "نزلنا منزلًا، فآذتنا البراغيث فسببناها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوها، فنعمت الدابة؛ فإنها أيقظتكم لذكر الله)).
 
• وفي رواية عند أبي يعلى بسند فيه مقال أيضًا عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلدغت رجلًا برغوثٌ فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنها؛ فإنها نبهت نبيًّا من الأنبياء للصلاة)) - وفي رواية البزار: ((لا تسبه؛ فإنه أيقظ نبيًّا من الأنبياء لصلاة الصبح)).
 
سب الديك:
لا يجوز سب الديك؛ وذلك لأنه يوقظ النائمين، وينبه الغافلين، فيبادرون إلى طاعة رب العالمين.
• فقد أخرج البزار عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن ديكًا صرخ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبه رجل، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الديك".
 
• وفي رواية أنه قال: ((مه[1]! كلا، إنه يدعو [2] إلى الصلاة)).
 
• وعند الطبراني بلفظ: ((لا تلعنه ولا تسبَّه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة)).
 
• وأخرج أبو داود وابن حبان عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الديك؛ فإنه يوقظ للصلاة))؛ (صححه الألباني في المشكاة رقم: 4136)، (وصحيح الجامع: 7314).
 
والحديث يدل على النهي عن التضجر من الأمور التي تُعِين المسلم على طاعة ربه، وإن كانت تمنع من لذة من أمور الدنيا (كالنوم)، وعلى هذا كل من استفيد منه خير، لا ينبغي أن يسب، ولا يستهان به، بل حقه أن يكرم ويشكر ويتلقى بالإحسان؛ (انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 7/ 726).
 
• قال الحليمي - رحمه الله تعالى -: "وفي الحديث دليل على أن كل من استفيد منه خير، لا ينبغي أن يسب، ولا يستهان به، بل حقه الإكرام والشكر، ويتلقى بالإحسان، وليس في معنى دعاء الديك إلى الصلاة أن يقول بصراحة: "صلوا، أو حانت الصلاة"، بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر، وعند الزوال، فطرة فطره الله عليها، فيذكر الناس بصراخه الصلاة، ولا يجوز الصلاة بصراخه من غير دلالة سواه، إلا ممن جرب منه ما لا يخلف، فيصير ذلك له إشارة"؛ (فيض القدير: 10/ 6423).
 
تنبيه:
على المسلم ألا يسب شيئًا مهما كان، حتى يتعود على حلاوة الألفاظ وطيب الأقوال، وهكذا كان حال السلف؛ يقول عاصم بن أبي النَّجود: "ما سمعت أبا وائل - يعني شقيق بن سلمة - سب إنسانًا قط، ولا بهيمة"؛ (سير أعلام النبلاء: 4/ 163).
 
• وعن المثنى بن الصباح قال: "لبث وهب بن منبه أربعين سنة لم يسب شيئًا فيه الروح"؛ (نزهة الفضلاء: 1/ 440).
 
فائدة:
إذا سمعت صياح الديكة، فاسأل الله من فضله، هكذا أرشدنا الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنه رأى شيطانًا".
 
• وفي رواية عند البخاري في "الأدب المفرد" بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم صياح الديكة من الليل، فإنها رأت ملكًا، فسلوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهاق الحمير [من الليل] فإنها رأت شيطانًا، فتعوذوا بالله من الشيطان)).
 
• قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في "شرحه على مسلم" (9/ 55): "قال القاضي عياض: "كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على الدعاء، واستغفارهم، وشهادتهم بالتضرع والإخلاص، ويؤخذ منه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين والتبرك بهم"؛ اهـ.
 
وأخيرًا، بعد استقراء صور السب الماضية، يتضح لنا أن السب تعتريه الأحكام الآتية:
1- الحرمة: وهي أغلب أحكام السب، وقد يكفر الساب؛ كالذي يسب الله تعالى، أو يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الملائكة.
 
2- الكراهة: كسب الحمى، وسب الديك.
 
3- الجواز: "نحو سب الأشرار والمجاهرين بالفسق، وسب المشتوم شاتمه بقدر ما سب به"؛ (الموسوعة الفقهية: 24: 135).



[1] مَهْ: أي: اكفف واترك هذا.


[2] يدعو: أي: ينبه الناس إلى أوقات العبادة.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢