لقاء الباب المفتوح [213]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثالث عشر بعد المائتين من اللقاءات التي تسمى لقاء الباب المفتوح, التي تتم كل يوم خميس, وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر جماد الأولى عام (1420هـ).

نفتتح هذا اللقاء بما ينبغي أن نفتتح به هذا العام الدراسي, هذا العام الدراسي يستقبل فيه الناس الأعمال الدراسية, من السنة الابتدائية إلى الدراسات العليا, والذي ينبغي استقباله به هو أولاً إخلاص النية لله عز وجل, بأن ينوي الإنسان بطلبه للعلم رضوان الله عز وجل وامتثال أمره؛ لأن الله أمر بالعلم ورغب فيه فقال عز وجل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] وقال الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] والتحريض على الشيء يستلزم الأمر به, ولا شك أن هذه الشريعة الإسلامية قامت بالعلم والعمل.

طلب العلم والجهاد في سبيل الله

وجعل الله سبحانه وتعالى العلم معادلاً للجهاد في سبيله، فقال سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] فبين الله عز وجل أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا للجهاد في سبيل الله كلهم, وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحد كفرض الصلوات مثلاً, بل لابد أن يكون كل جهة من الشريعة الإسلامية لها أهلها القائمون بها, قال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) من كل فرقة طائفة لا كل فرقة أيضاً من الفرق في القبائل أو البلدان طائفة ليتفقهوا في الدين, أي: القاعدون, لأن معنى الآية: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) وقعد طائفة, ليتفقهوا -أي: القاعدون- في الدين, (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

فإذا علمت أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله فاعلم أنه جهاد في سبيل الله, وفي بعض الأحيان لا يمكن الجهاد إلا بالعلم, فالمنافقون مثلاً لا يمكن جهادهم بالسلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استؤُذِن في قتلهم أبى, وقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولأن النفاق مستور, ونحن مأمورون بأن نعامل الناس بما يظهر من حالهم في الدنيا أما في الآخرة فأمرهم إلى الله, فالمنافق -مثلاً- لا يمكن جهاده بالسلاح بل بالعلم والمجادلة بالتي هي أحسن, والتخويف وما أشبه ذلك.

أهمية العمل بالعلم

ثانياً: أن يكون طالب العلب متحلياً بما علمه من العلم, فهو أول مسئول عن تطبيق علمه؛ لأن العلم إما لك وإما عليك, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (القرآن حجة لك أو عليك) وليس هناك شيء وسط لا لك ولا عليك بل هو إما لك إن عملت به, وإما عليك إن لم تعمل به, فأنت الآن إذا كنت طالب علم كحامل سلاح, إما أن يكون عليك أن تصوبه إلى صدرك, وإما أن يكون لك تدافع به.

فيجب على طالب العلم إذا علم شيئاً من مسائل الدين أن يكون أول عامل به إن كان أمراً فعله, وإن كان نهياً اجتبنه؛ ولأن الإنسان إذا عمل بعلمه بارك الله له في العمل, وحفظه عليه, وزاده منه, كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] ولأن طالب العلم إذا عمل بعلمه وثق الناس به, وصار أسوة للمسلمين في مقاله وفعاله, وما أكثر الذين يقتدون بالعالم في فعله أكثر من قوله, وما أكثر الذين ينتقدون العالم أكثر وأكثر إذا رأوه لا يطبق علمه, فإنهم يقولون: لو كان هذا صادقاً في العلم لكان هو أول من يعمل به, فعليك -أخي- بالعمل بما علمت حتى يبارك الله لك في علمك, وينفع الله بك أكثر.

أهمية الدعوة إلى الله

وينبغي لطالب العلم أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, بل يجب أن يدعو إلى الله تعالى بعلمه, لأن الله تعالى إذا علمك علماً فقد أخذ عليك ميثاقاً أن تبينه وتدعو إلى الله به, قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187], ورجل لا يدعو الناس بعلمه كتابه خير منه, لأن الكتاب قد ينتفع به في المستقبل, وأما هذا الذي لا يدعو فإنه حجر غير نافع, فالواجب على كل من آتاه الله علماً أن يبلغه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) لا تقل أنا ما وصلت إلى حد الاجتهاد, متى علمت المسألة وتيقنتها فعلم الناس إياها, وبلغهم إياها, ولا تحقر نفسك، فإنك إذا علمت شخصاً وانتفع، وعلمه آخر وانتفع، صار لك مثل أجورهم, فالدال على الخير كفاعل الخير.

ولكن في هذا الحال يجب التثبت من العلم؛ لأن بعض الناس يدعو وهو يظن أنه عالم وليس بعالم, فالواجب أن تتثبت إما من عالم تثق به وإما إذا كان عندك ملكة تستطيع أن تفهم المسائل من الكتب فافعل, وينبغي لطالب العلم أن يحرص على نشر علمه في كل مناسبة, في المجالس, في المجتمعات, في الصحف والمجلات, في المطويات والرسائل, المهم أن ينشر علمه ما استطاع؛ لأنه إذا فعل ذلك كسب خيراً كثيراً, وصار خيره أفضل من خير التاجر الذي يبذل المال ليلاً ونهاراً لمن ينتفع به, والعلم ليس له مئونة في نشره وبيانه, ولا ينقص في بذله بل يزيد كما قيل في العلم:

يزيد بكثرة الإنفاق منه     وينقص إن به كفاً قبضتَ

أهمية تقييد العلم

وينبغي لطالب العلم أن يقيد ما علمه, خصوصاً القواعد والضوابط والمسائل النادرة لئلا تفوته, فكثيراً ما يستحضر الإنسان مسألة نادرة ليست قريبة يدركها الإنسان بأدنى تأمل, ثم يعتمد على حفظه ويقول: هذه إن شاء الله لا أنساها, فينساها سريعاً, فقيد المسائل خصوصاً النادرة أو القواعد أو الضوابط حتى يكون لديك رصيد, وقد قيل: (قيدوا العلم بالكتابة) وقيل:

العلم صيد والكتابة قيده     قيد صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالـة     وتتركها بين الخلائق طالقة

أهمية احترام المعلم

وينبغي لطالب العلم أن يحترم معلمه, وأن يجعله في منزلة الأب, فإن الأب إذا كان يغذيك بما يقوم به البدن, فهذا يغذيك بما يقوم به الإيمان والعمل, فاحترم المعلم بقدر المستطاع, واحترام المعلم يؤدي إلى الإنتاج؛ لأن المعلم إذا رأى من تلاميذه أنهم يحترمونه احترمهم, وزاد في إنتاجه وفي تعليمه إياهم, لكن إذا كان الأمر بالعكس انعكس الأمر, بمعنى أنه إذا رأى الأستاذ من تلاميذه أنهم لا يحترمونه لم يحترمهم, ولم يحرص على منفعتهم, بل كان يعلمهم وهو كاره لمقابلتهم, فاحترم المعلم, وإذا أخطأ وتيقنت خطأه فلا تقم أمام التلاميذ ترد عليه, لأن هذا غير لائق وهذا يوجد انتقاص المعلم، والطلاب إذا انتقصوا المعلم لم ينتفعوا منه, بل بإمكانك أن تتركه حتى يخرج من مكان الدرس ثم تكلمه بهدوء وتبين له ما رأيته من خطأ, فقد تكون أنت المخطئ, فإذا حصل التفاهم فلابد من الوصول إلى الحق مع حسن النية, فإذا رجع الأستاذ عن خطئه في المقابلة التالية فهذا هو المطلوب، وإن لم يرجع فحينذٍ لك العذر أن تقوم وتورد إشكالاً لا تعليماً بمعنى لا تقوم كأنك معلم له, تقول: يا أستاذ! أخطأت! مثلاً, لكن تورد إشكالاً فتقول: لو قال قائل كذا وكذا.. حتى يتم الأمر على الوجه المطلوب مع احترام المعلم.

أسأل الله تعالى أن يجعل عامنا هذا عام خير وبركة وأن يرزقنا العمل بما علمنا مع الإخلاص والمتابعة إنه على كل شيء قدير.

وجعل الله سبحانه وتعالى العلم معادلاً للجهاد في سبيله، فقال سبحانه وتعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] فبين الله عز وجل أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا للجهاد في سبيل الله كلهم, وهذا يدل على أن الجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يكون فرض عين على كل واحد كفرض الصلوات مثلاً, بل لابد أن يكون كل جهة من الشريعة الإسلامية لها أهلها القائمون بها, قال: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) من كل فرقة طائفة لا كل فرقة أيضاً من الفرق في القبائل أو البلدان طائفة ليتفقهوا في الدين, أي: القاعدون, لأن معنى الآية: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) وقعد طائفة, ليتفقهوا -أي: القاعدون- في الدين, (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).

فإذا علمت أن طلب العلم معادل للجهاد في سبيل الله فاعلم أنه جهاد في سبيل الله, وفي بعض الأحيان لا يمكن الجهاد إلا بالعلم, فالمنافقون مثلاً لا يمكن جهادهم بالسلاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما استؤُذِن في قتلهم أبى, وقال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) ولأن النفاق مستور, ونحن مأمورون بأن نعامل الناس بما يظهر من حالهم في الدنيا أما في الآخرة فأمرهم إلى الله, فالمنافق -مثلاً- لا يمكن جهاده بالسلاح بل بالعلم والمجادلة بالتي هي أحسن, والتخويف وما أشبه ذلك.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3389 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3346 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3270 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3086 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3033 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3028 استماع