خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [123]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإننا نبتدئ لقاءنا هذا المعبَّر عنه بـ(اللقاء المفتوح) وهو آخر لقاء في هذا العام عام (1416هـ) وهو يوم الخميس التاسع والعشرون من شهر ذي الحجة عام (1416هـ) نختتم به هذا العام، ونسأل الله سبحانه وتعالى لنا وللمسلمين حسن العاقبة والختام.
إن الإنسان العاقل يعتبر من مرور الليالي والأيام وانقضائها سريعاً وذهابها جميعاً، يعتبر في هذه الليالي والأيام كيف تسير، ليس بالساعات ولا بالدقائق ولا باللحظات بل بالأنفاس -أيضاً- إلى أن يأتي الأجل المحتوم الذي ينتقل به الإنسان من دار العمل إلى دار الجزاء، والعاقل يعتبر ما يأتي بما مضى، يعتبر المستقبل بالماضي، إن الماضي مضى وكأنه يوم واحد، بل كأنه ساعة واحدة، بل كأنه دقيقة واحدة، بل إن الإنسان لا يشعر في مقامه بما سبق كلامَه الآن إلا وأنه شيء انقضى وتلِف وهلك، انقضى كأنه ساعة من نهار، وكأن ما جرى فيه من الأحوال أحلامٌ للنيام، فهكذا المستقبل أيضاً، سيأتي ويمضي حتى يَتِمَّ الأجل، وينتهي العمل وينقطع، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) والمؤمن الحازم الكيِّس الفطن هو الذي ينتهز فرص العمر قبل أن تمضي، ينتهزها في الخير قولاً وفعلاً، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
إذاً: فالسكوت هو الخير إلا إذا كان الكلام هو الخير، وترك العمل هو الخير إلا إذا كان العمل هو الخير، ولهذا وَصَفَ الله عبادَه عبادَ الرحمن بقوله: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72].
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً [الفرقان:63].
وفي آية أخرى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [القصص:55].
عليك يا أخي المسلم أن تتقي الله عز وجل وتنتهز الفرص، وألا تَدَعَ ساعةً تمضي إلا ولك فيها عمل صالح:
- إما عبادة خاصة من: صلاة، وقراءة قرآن، وذكر، وغير ذلك.
- وإما في عبادة عامة: كعلم تنشره بين إخوانك من زملائك وعامة الناس.
- وإما بأمر بمعروف ونهي عن منكر.
- وإما ببر الوالدين، وصلة الأرحام.
- وإما بالإحسان إلى الجيران، والإحسان إلى الأيتام وغيرهم.
- وإما بسعي بالإصلاح بين الناس.
- إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي شرعها الله تعالى للعباد رحمة منه وفضلاً وإحساناً.
ولولا أن الله شرع هذه الأشياء لكانت مما لا يقربه إلى الله، ولكن الله شرعها لتكون مقرِّبة إليه وينتفع بها العباد، ومن ذلك:
السير في طلب العلم :-
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن: (مَن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
والطرق التي يُلْتَمَس فيها العلم نوعان: حسيه ومعنوية.
فأما الحسية فهي: الأسواق التي يمشي فيها الإنسان إلى دور العلم؛ المساجد وغير المساجد.
وأما المعنوية فهي: أن يسير الإنسان بفكره وتأمله وتفكره في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو في المطالعة في كتب العلماء الذين بذلوا الجهد الكثير المشكور في نشر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بمعناهما الصحيح؛ سواء كان ذلك في القرآن مباشرة كالتفسير، وفي السنة مباشرة كشرح الأحاديث، أو كان على وجه منفصل ككتب الفقهاء وكتب العلماء في العقائد والتوحيد، وما أشبه ذلك، فإن كل ما تجدونه من كتب العقائد والتوحيد التي يستدل فيها مؤلفوها بكتاب الله وسنة رسوله هي في الحقيقة تفسير للقرآن لكنها تفسير غير مباشر، وكذلك ما تجدونه في كتب الفقهاء الذين يستدلون على الأحكام الشرعية بالقرآن والسنة هي في الحقيقة تفسير للقرآن، فالمُطالِع في كتب الفقه المبنية على الأدلة هو في الحقيقة يُطالع التفسير؛ لكنه غير مباشر، والمطالِع كذلك في العقائد وكتب التوحيد التي تستدل على ما تقول بالكتاب والسنة هو في الواقع يقرأ التفسير.
ثم إنني بهذه المناسبة أقول: لعل من المناسب جداً أن يختم الإنسان عامه بالتدبر والتأمل والتفكر فيما عمل وفيما يعمل: فإن كان قد أصاب وأجاد؛ فليحمد الله على ذلك، وليسأله المزيد من فضله، وإن كان قد فرط؛ فليستدرك، فإن كان في ترك واجب يمكن تلافيه فليفعل، وإذا كان في ترك واجب لا يمكن تلافيه فليستغفر الله تعالى مما حصل، وإن كان في فعل محرم فليستغفر الله وليتُب؛ لِيُفَكِّر! أقول قولي هذا وأنا أشدُّكم تفريطاً؛ لكني أسأل الله العافية والتوفيق.
إنه ينبغي للإنسان أن يفكر تفكيراً جِدِّياً، وإذا كان التجار الذين يسعون في الدنيا لكسب الربح يراجعون دفاترهم في كل عام ينظرون ما الداخل وما الخارج، فلماذا لا يعمل المتاجرون مع الله عز وجل كما يعمل هؤلاء، فإن العمل في عبادة الله هو تجارة في الواقع يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الصف:10-11] فجعل الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله جعلها تجارة وهي حقيقة تجارةٌ، هي التجارة الرابحة، أما الدنيا فتجارتها وإن زادت فقد تكون نقصاً.
أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم اغتنام الأوقات بما يقرب إليه، وأن يعفو عنا ما فرطناه في واجبه، وأن يتجاوز عنا سيئاتنا إنه على كل شيء قدير.
وسائل المباح مباحة ووسائل الواجب واجبة
الجواب: تعليقنا على هذا أني أخبرك ومَن سمع ويسمع: أن كل شيء يكون جديداً لابد أن يبحثه الناس، والغالب أنهم يختلفون فيه.
فحَدَثَ الدخان قبل مدة طويلة وبعد حدوثه اختلف الناس فيه هل هو حرام أو غير حرام، واضطربت الأقوال فيه وانتهى الأمر بعد تطور الطب ومعرفة النافع والضار من المأكول والمشروب انتهى الطب إلى أن يجزم الإنسان بتحريمه.
ثم حدث -كما تفضلتَ- الراديو واختلف الناس فيه.
بل قبله حدثت البرقية، واختلف الناس فيها، وكسَّرها أناس من الخلق وقالوا: هذه شياطين.
وكذلك جاء الراديو وقيل: هذا حرام وهذا لا يجوز، وهذه شياطين.
وكذلك جاء المسجل.
حتى اختلف الناس في مكبر الصوت في المساجد على الرغم من أنه يَبُثُّ الخطبة ويبث ما فيه الخير؛ لكن قالوا: هذا لا يجوز.
المهم أن الله عز وجل جعل لنا ميزاناً نزن به كل شيء، فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59].
وقال عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] أليس كذلك؟
حسن .. جعل الله لنا موازين نرجع إليها، فمثلاً: في العبادات: الميزان في العبادات أن الأصل في العبادات المنع وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بأي عمل من الأعمال قولي أو فعلي وبأي عقيدة من العقائد إثباتاً أو نفياً إلا بإذن من الله ورسوله، لا يمكن أن يتعبد الإنسان عبادة إلا إذا عَلِمْنا أنها مشروعة فالأصل في العبادات المنع، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، أي إنسان يتعبد عبادة لا نعرفها نقول: يا أخي! اصبر، هذا حرام، إذا قال: ما الدليل؟ نقول: الدليل عليك أنت، أنت الذي تثبت أن هذه مشروعة، وإلا فإنها مردودة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ) نحن لا نقول لك: مردودة مِن أنفسنا نقول بقول الرسول عليه الصلاة والسلام. أفهمتَ يا أخي؟! خذ هذه قاعدة.
غير العبادات الأصل فيها الحل؛ لأن الله قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [البقرة:29] كل ما خلق الله في الأرض من أعيان أو منافع، أو أي شيء آخر فإنه حلال، فإذا قال لنا إنسان: هذا حرام، قلنا: ما الدليل؟
ولهذا نقول: الراديو حلال.
المسجل حلال.
مكبر الصوت حلال.
يبقى إعادة النظر، هذا الذي نقول له: حلال؛ لأي شيء يكون وسيلة، إذا كان وسيلة للحرام أو كان ما يُبَث به حرام فإنه يكون حرام؛ لأن لدينا قاعدة شرعية: ووسائل الحرام حرام، وسائل الواجب واجبة. فعلى هذا نقول: لا شك أن الراديو والتلفاز وما جاء بعده من التلفاز العام -البث العام- الذي يُتَوَصَّل إليه بالدشوش لا شك أنه يَبُثُّ أشياء تدمر العقيدة والأخلاق والمعاملات؛ ولكن هذا ليس على سبيل العموم، إنما بالتتبع والأخبار عن هذه الأشياء العامة التي تُبَثُّ من بلاد بعيدة بواسطة الدش، المسموع: أن ضررها أكثر بكثير من نفعها، والإنسان العاقل الذي يعرف موارد الشريعة ومصادر الشريعة لا يشك في أن اقتناءها حرام.
الآن بعدما عرفنا ما يبث فيها من أخلاق سافلة، لا يفعلها ولا الحمير، أخلاق مدمرة للشباب والشابات، فأنا من هذا المكان وفي كل مكان أقول: إنها حرام، وأنه لا يجوز اقتناؤها؛ لأن الذين يقتنونها الآن غالبهم لا يقتنونها إلا للشر والاطلاع على ما يكون فيها من البلاء وإثارة الشهوة، وربما يكون الإنسان ضعيف الجنس -جنس الشهوة- فيتوصل إلى تقويتها بما يشاهده من المشاهد الفاسدة لينال شهوته، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وقد قال الله تعالى عن الذين كفروا: إنهم يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].
أقول: مع الأسف الشديد إن هذه الدشوش انتشرت انتشاراً فظيعاً، انتشار النار في الهشيم، وأصبح كثير من الناس يقتنيها الآن ولا يدرون ما عاقبتها، ولكني بما سمعتُ من أخبارها وما يُنْشَر فيها أقول: إنها حرام.
وإذا قدَّرنا أن فيها فائدة من مائة مضرة، فالله يقول في القرآن الكريم: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219] إثم مفرد ومنافع للناس كثيرة، ومنافع صيغة منتهى الجموع، يعني: أكثر ما يكون من الجمع، وَإِثْمُهُمَا [البقرة:219] وهو واحد أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] وحرمهما الله عز وجل؛ لأن الإثم أكبر مع أن المنافع كثيرة.
الإثم الذي يحصل بهذا الدش، ولو قدرنا أنه يحصل فيه مشاهد عظيمة كثيرة من منافع، لو قدرنا أنه -مثلاً- نُشاهد فيه معارك المسلمين مع الكفار، نشاهد فيه الحج، ونُشاهد فيه الجمعة، ونستمع إلى خطبة الجمعة، ونشاهد فيه محاضرات قيمة نافعة ... إلى آخره، هذه منافع كثيرة؛ لكنَّ ضرراً واحداً كبيراً يدمر الخلق، هو نظير الخمر والميسر، ما دام أن هذه المضرة والمفسدة الواحدة تدمر أخلاقاً كثيرةً كما في القول بالتحريم.
لذلك أنا أنصح كل إنسان عنده من هذا الدش شيئاً أن يكسِّره ابتغاء رضوان الله عز وجل حتى يقطع عن نفسه الرجوع إليه مرة أخرى.
ولنا في سليمان بن داود أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أسوة لَمَّا ألْهَتْه الخيل عن ذكر الله ماذا صنع؟ قال: رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ [ص:33] بعضُها يعقرها وبعضها يقطع عنقها؛ لئلا تدعوه نفسه إلى الاشتغال بها مرة أخرى.
وكعب بن مالك رضي الله عنه لما جاءته الورقة؛ وثيقة من ملك غسان يقول -لما بلغه أن الرسول عليه الصلاة والسلام هجره لتخلفه عن غزوة تبوك جاءه كتاب من ملك غسان - يقول: [ الحق بنا نواسِك، قد بلغنا أن صاحبَك قلاك -إثارة- بلغنا أن صاحبَك قلاك -يعني: يثيره ثم يرغِّبه- الحق بنا نواسك ] يعني: نجعلك مثلنا ملكاً، ماذا صنع رضي الله عنه؟ أخذ الورقة وذهب يوقدها في التنور؛ حتى لا تحدثه نفسه بعد أن يأخذ هذه الوثيقة ويذهب بها إلى هذا الرجل ويقول: أنت قلت: الحق بنا نواسك، اجعل لي من ملكك نصيباً.
فالحاصل -يا أخي- أني أقول لك، ولِمَن يسمع، ولِمَن سمع، أقول: إن الإنسان يجب عليه أن يتقي الفتنة ما استطاع، ويدعها.
حكم من يقول: إنه لا يرد على الإمام إذا نسي آية إلا بعد إذنه وإنه إذا نسي آية دون أن يغير المعنى فهو جائز
الجواب: أولاً: هذا الموقف -موقف الإمام- موقف خطير.
أما الذي فتح عليه فجزاه الله خيراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسي آية وهو يصلي ثم ذُكِّر بها فقال للرجل: (هلا ذكرتنيها)وهو عليه الصلاة والسلام أعلم الناس بالقرآن، وسيد الخلق، قال: ( هلا ذكرتنيها ) فحثه على أن يذكره بِها.
فنحن نشكر لهذا المأموم الذي فتح على الإمام.
أما الإمام فإن موقفه خطير جداً:
أولاً: لأنه جعل مدار بطلان الصلاة وعدم بطلانها أن يأذن هو للناس أن يفتحوا عليه أو لا يفتحوا؛ لأنه قال: صلاتك باطلة؛ لأنك فتحت علي بدون إذني، فكأنه جعل نفسه مشرعاً.
ثانياً: قوله: إنه يجوز للإنسان أن يحذف آية من القرآن إذا كان لا يتغير به المعنى، هذا خطير، وهذا ينافي قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
ولذلك أنا أرى أن من الواجب أن تنصحوا هذا الإمام إذا كنتم تعرفونه، وتذكرونه بالله عز وجل، وتقولون: كلامك هذا خطأ، وإن أصر على ذلك فلابد أن يُرفع إلى الجهات المسئولة.
الأمر بمتابعة الإمام ونبذ الوساوس والشكوك
الجواب: أقول: بارك الله فيك! تمثيلك لترك الركن بترك السجود أو الركوع هذا لا يستقيم؛ لأنه إذا تركه سوف يُنَبَّه؛ لكن الذي يَرِدْ هو أن الإمام ربما ينسى قراءة الفاتحة، ثم يأتي بركعة بعد تمام الركعات الأربع بدلاً عن الركعة التي تركها؛ لأن الإنسان إذا ترك الفاتحة في الركعة الأولى صارت الركعة الثانية في حقه هي الأولى، والثالثة هي الثانية، والرابعة هي الثالثة، يحتاج أن يأتي بالرابعة، والمأموم لا يعلم، فإذا قام الإمام إلى الخامسة ونُبِّه ولم يرجع لا تقل: إن الرجل معاند وأنه يجب عليك مفارقته إذاً: ربما يكون نسي الفاتحة وأنت لا تعلم فنقول: اجلس أنت وانتظر حتى تسلم مع الإمام.
ولكن بالمناسبة أود أن أقول: إن الشيطان يعتري ابن آدم كثيراً ويشككه في صلاته فمَن كثُرت معه الشكوك فلا يلتفت إليها، يعني: مثلاً لو كان هذا الرجل كلما صلى شك نقول: لا تذهب إلى الشكوك، الشكوك إذا كثُرت صارت وسواساً ولا يجوز الالتفات إليها.
رفع التكاليف عمن فقد عقله
الجواب: إذا كانت الأم قد فقدت عقلها لا تأخذ شيئاً ولا تعطي؛ فليس عليها صيام ولا صلاة ولا يتصدق عنها؛ لأنها سقط عنها التكليف بزوال العقل.
حكم التجسس على من ظاهره الصلاح
الجواب: لا أرى التجسس فيمن ظاهر حاله الصلاح، ولكن يُتَحَرَّى من جهة الصدقات ألا توكل إليه لاسيما إذا كان أو عُرِف منه أنه لا يصرفها في مصارفها؛ لأن شارب الخمر ليس عدلاً في دينه؛ لكنه قد يكون عدلاً في معاملته، أما في دينه فليس بعدل، هذا بالنسبة للحكم من حيث هو.
ولكن أرى أنه -يجب مثل هذا الرجل الذي يتولى الصدقات وربما لا يُوْكَل إليه أمرها إلا وظاهره الصلاح- أن نتصل بهذا الرجل بعد أن نتأكد من كونه يشرب الخمر وننصحه ونقول له: إما أن تتوب إلى الله، وإما أن ننتزع منك هذه المهمة.
والاشتهار أمر نسبي، قد يشتهر الأمر بالسوء عند طائفة من الناس؛ لكونهم -مثلاً- عندهم غيرة كبيرة في نفوسهم، فيأخذون بالتهمة ويشتهر أمره، ولا يكون صحيحاً؛ لكن على كلٍّ لابد من التثبت.
نصيحة لطلاب العلم فيما يتعلق بالكتب
الجواب: والله طلاب العلم بارك الله فيك:
- إما أن يكونوا مبتدئين: فهؤلاء ننصحهم بالكتب المختصرة.
- وإما يكونوا متوسطين: فبالكتب التي أعلى.
- أو منتهين: فبالكتب الكبيرة.
لا يمكن أن ننصح نصيحة عامة، فمثلاً:
إذا كان مبتدئاً:
نقول في العقيدة: عليك بـالعقيدة الواسطية، لـشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فإنها من أوفى العقائد وأحسنها وأوثقها.
في علم التوحيد وما يتصل به: كتاب التوحيد، لـشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
وإن كان لا يتحمله:
فبما دونه، مثل: الأصول الثلاثة ، كشف الشبهات ؛ لكن كتاب التوحيد أحسنها إذا أمكنه.
وفيما يتعلق بالحديث: عمدة الأحكام.
فيما يتعلق بالفقه: زاد المستقنع؛ لأننا لا نريد أن نقول: عليك بما دون زاد المستقنع، ثم بعد ذلك في زاد المستقنع تتراكم عليه كتب الفقه، لا، نقول من الآن ابدأ بـزاد المستقنع حفظاً وشرحاً.
وفي النحو: الآجرومية ، ثم الألفية.
الواجب على من سلم قبل أن يتم صلاته
الجواب: نقول: يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام من الرابعة؛ لأنه سَلَّم قبل أن يتم صلاته، والسلام قبل إتمام الصلاة لا بد فيه من سهو، ويكون السجود بعد السلام.
حكم من دفن منفرداً بعيداً عن مقابر المسلمين
الجواب: رأيي: أنه ليس بلازم، اللهم إلا إذا وصله العمران.
ضابط العقد المحرم
الجواب: والله نرى -سلمك الله- أن هذه الجوائز إذا كان الإنسان المشتري يشتري لحاجته، لا من أجل أن يفوز بالجائزة.وكانت سبباً لربحه، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن هذا المشتري إما غانم وإما سالم، يعني: ما عليه خسارة، وهو سيشتري البنزين على كل حال، فإما أن يحصل على هذه الجائزة وإما أن يسلم، والعقد المحرم هو: الذي يكون فيه العاقد بين غانم أو غارم، أما إذا كان بين غانم أو سالم فهذا لا بأس به.
العالم الذي يحق له الاجتهاد في المسائل النازلة
الجواب: أولاً بارك الله فيك الاجتهاد نوعان:
اجتهاد خاص في مسألة من المسائل.
واجتهاد عام.
فأما الاجتهاد الخاص فكل طالب علم يمكنه أن يبحث في المسألة ويتعمق فيها، وحينئذ يلوح له وجه الصواب في أحد القولين.
ومع ذلك لا ننصح طالب العلم المبتدئ حتى لو اجتهد في مسألة وحرضها وبحث فيها ورأى فيها أقوال العلماء لا ننصحه بأن يتسرع في الإفتاء؛ لأنك تخاف، خطر عظيم، إذ إنه قيادة للأمة على أمر مجتَهَد فيه، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأً، ولهذا نجد بعض الإخوة الذين عندهم شيء من مبادئ العلم إذا اجتهدوا فأفتوا أنهم يندمون؛ لأنهم بعد أن يتقدم بهم السن ويعرفون العلم تماماً يجدون أنهم أخطئوا في هذا.
ولذلك فمن أخطر ما يكون على طالب العلم التعجل في الفتوى، وما دام الأمر والحمد لله واسعاً، وهناك من هو أكبر منك سناً وقدراً في العلم، وأكثر منك وأغزر فالأمر موكول إليهم، أما أنت انتظر، الأمر آت إليك.
وأما الاجتهاد العام المطلق فهذا يحتاج إلى علم واسع، وقد ذكر العلماء في باب أصول الفقه أن له شروطاً عشرة بعضُها مُسَلَّم وبعضها غير مُسَلَّم؛ لكن لا يمكن لإنسان أن يكون عنده اجتهاد مطلق عام إلا إذا كان متبحراً في العلوم؛ في علم العربية، وعلم التفسير، وعلم الحديث، وعلم المصطلح، وعلم أصول الفقه، يعني: في كل ما يحتاج إليه
ما المقصود بالاجتهاد الخاص الذي ذكرناه سابقاً؟
افرض -مثلاً- أنك تريد أن تبحث هل الجد حكمه حكم الأب فيُسقِط الإخوة أو لا؟ هذا محل خلاف بين العلماء، خلاف مشهور، إنسان -مثلاً- اجتهد في هذا، فأخذ يطالع كتب العلماء ومناقشاتهم والأدلة لهؤلاء وهؤلاء، فلاح له بعد البحث والمناقشة أن الصواب أن الجد حكمه حكم الأب يُسقِط الإخوة، هذا له أن يفعل؛ لكن -كما قلت لكم قبل ذلك- إذا كان صغيراً يعني لِتَوِّه بادئاً يطلب العلم فلا يُقْدِم على الفتوى، إذا بان له -مثلاً- أن الصواب في كذا فليسأل العالم الآخر الذي هو أكبر منه قدراً ويستشيره.
حكم صلاة ركعتي تحية المسجد
الجواب: نعم! بارك الله فيك! أولاً: السلام عند إلقاء السؤال ليس من السنة، ونبَّهنا على هذا كثيراً، لأن الصحابة كانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام يجلسون ولا يسلمون إذا أرادوا السؤال، لو قدم الإنسان على الحلقة وسلم فهذا لا بأس.
أما تحية المسجد فالقول بأنها واجبة وأن الإنسان إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وجوباً، هذا قول قوي لا شك فيه، ومن ذهب إليه فلا يُنْكَر عليه، دليل هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)والأصل في النهي التحريم، وهذه عبادة ليست من أمور الأدب؛ لأن أمور الأدب إذا جاء فيها الأمر فهو للاستحباب إلا بدليل، لكن أمور العبادة الأصل فيها أنها واجبة، فهذا يدل على وجوب تحية المسجد، ويؤيِّد هذا: (أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، فقال له: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين وتجوَّزْ فيهما)وجه الدلالة على الوجوب:
أن رسول الله قطع الخطبة وسأل هذا الرجل.
ثانياً: أنه أمره أن يقوم ويصلي، ومعلوم أنه إذا قام يصلي سوف يشتغل بصلاته عن استماع الخطبة، واستماع الخطبة واجب ولا يُشْتَغل بشيء عن واجب إلا وذلك الشيء واجب.
ثالثاً: أن الرسول قال: تجوَّز فيها؛ إشارة إلى أنه إنما يأتي بقدر الضرورة وأن فعلهما ضرورة.
هذا أعظم دليل يدل على الوجوب وهو قول قوي.
أما الذين قالوا أنه ليس للوجوب، فاستدلوا بأحاديث:
منها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يدخل يوم الجمعة ولا يصلي ركعتين، يشتغل بالخطبة ولا يصلي ركعتين إلى أن مات عليه الصلاة والسلام.
ومنها: قصة الثلاثة الذين دخلوا والنبي عليه الصلاة والسلام في أصحابه فمنهم من جلس خلف الحلقة، ومنهم من دخل في الحلقة، ومنهم من انصرف، ولم يُنقل في الحديث أنهم صلوا تحية المسجد.
لكن الاستدلال بهذا الحديث ضعيف، لماذا؟ لأنه أعلم في هذا الحديث أنه لم يُنْقل أنهم صلوا وعدم النقل ماذا؟ ليس نقلاً للعدم، يعني: لم يأتِ في الحديث أنهم لم يصلوا؛ لكن الظاهر أنهم لم يصلوا، فالاستدلال بهذا ضعيف.
كذلك أيضاً: قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين جاء وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وكان في أصحابه بعد أن تاب الله عليه فقام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهنئه، وتقدم وسلم على النبي عليه الصلاة والسلام، وليس في الحديث ما يدل على أنه صلى.
لكن الاستدلال بهذا الحديث -أيضاً- فيه شيء من الضعف؛ لأن كعب بن مالك يحتمل أنه ليس على وضوء، ومن دخل المسجد على غير وضوء فإنه لا يصلي إذ (لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ)كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كنت أقول بوجوب تحية المسجد؛ لكني بعد ذلك ترجح عندي عدم الوجوب، ومع هذا لو أن أحداً قال بالوجوب فإننا لا نعنفه، ولا ننكر عليه.
أما صلاتها في وقت النهي فالصحيح أنها تصلَّى في وقت النهي ولو قلنا بأنها سنة؛ لأنها صلاة لها سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تُفْعَل حتى في وقت النهي، وعلى هذا فإذا دخلت المسجد بعد صلاتك صلاة العصر فلا تجلس حتى تصلي ركعتين، أو بعد صلاتك صلاة الفجر فلا تجلس حتى تصلي ركعتين سواء دخلت لقراءة القرآن أو لاستماع علم أو لغير ذلك، لا تجلس حتى تصلي ركعتين.
الواجب على الحاج المتمتع إذا أراد السفر بعد أداء العمرة
الجواب: هذا الرجل قَدِمَ من الرياض بأهله واعتمروا، ثم ذهب بأهله إلى الجنوب ولعل الجنوب هو مقرهم، ثم رجع، هو محرم بالحج وكان حين اعتماره يريد الحج، فهذا متمتع، إذا رجع فإن كان في غير وقت الحج فلابد أن يحرم يعني: -مثلاً- إذا بقيت أيام على الحج فإنه يحرم بعمرة ثانية؛ لئلا يتجاوز الميقات بلا إحرام.
كيفية تقسيم أرباح المقصف المدرسي إذا كان الطلاب والمدرسة مشاركون فيه
الجواب: يعني خلاصة السؤال الآن: يقول: مَقْصَف المدرسة يُقْسَم الربح فيه بين الطلاب الذين ساهموا وبين مصالح المدرسة.
إذا كان هذا برضاً من الطلاب فلا بأس، إذا كانوا بالغين عاقلين، أما إذا كانوا دون البلوغ فالمرجع إلى أوليائهم، فإذا قال الأولياء: يكفينا بعض الربح والباقي لمصلحة المدرسة فلا بأس، فلابد من إذن، ثم إذا كان الأمر مشتهراً بين الناس أن المَقْصَف يُقْسَم ربحه بين المساهمِين وبين مصالح المدرسة يعني: فلا يحتاج إلى إذن خاص، يُكتَفَى بما اشتهر.
النهي عن اتخاذ القبر عيداً
الجواب: هذا منكر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تتخذوا قبري عيداً)وهذا اتخذ قبر أبيه عيداً.
وهذا حرام عليه، بلغهم يا أخي! عنا أن هذا حرام، وأنه لا يجوز، ولو ذهبنا بعيداً لقلنا: إن العلماء يقولون: إن الميت إذا فُعِلَ المنكر عنده تأذى به؛ لكن هذا يحتاج إلى دليل وليس عندي دليل الآن، إنما أصل العمل منكر، فيجب عليهم أن يكفوا عن هذا الأمر، وأن يستغفروا الله مما جرى.
شروط المَحْرم
الجواب: المحرم بارك الله فيك! يكون مَحْرَماً إذا كان بالغاً عاقلاً، فمن لم يبلغ فليس بمحرم، ومن كان في عقله خلل فليس بمحرم.
التفصيل في مسألة من لم يقرأ الفاتحة خلف الإمام
الجواب: أما الذين يرون أن المأموم لا قراءة عليه فلا شيء عليه، وأما الذين يرون أن المأموم تجب عليه قراءة الفاتحة فالقواعد تقتضي أنه يجب عليه أن يأتي بركعتين بدل الركعتين اللتين ترك فيهما القراءة، وإن كان متعمداً وهو يعلم أن القراءة ركن لابد منها بطلت صلاته، وإذا كان المأموم يعلم من إمامه أنه سريع القراءة فليسرع هو أيضاً.
وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، وإلى الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.نسأل الله أن يختم لنا ولكم عامنا بالخير والبركة والعفو والتجاوز.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3033 استماع |