لقاء الباب المفتوح [114]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الرابع عشر بعد المائة من اللقاء المسمى: لقاء الباب المفتوح، الذي يتم كل خميس في كل أسبوع, وهذا هو يوم الخميس السادس من شهر شعبان عام (1416هـ).

تفسير قوله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم)

نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من تفسير قول الله تبارك وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:7], هذه الآية كما تعلمون جاءت بعد قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].

وسبب ما سبق: أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه عن قوم ما ليس فيهم, فأمره الله تعالى بالتأكد من الأخبار إذا جاء بها من لا تعرف عدالته, وكأن بعض الصحابة رضي الله عنهم أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6].

ولكن العبرة بعموم اللفظ, وهو قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات:7] أي: لشق عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا له أمثلة كثيرة:

- منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان يصلي بهم صلاة القيام, فانصرف وقد بقي من الليل ما بقي, قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: طلبوا منه أن يقيم بهم كل الليل- ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولم يوافقهم على طلبهم, لما في ذلك من العنت والمشقة.

ومنها: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحثوا عن عمله في السر -أي: فيما لا يظهر للناس- وهو العمل الذي يفعله في بيته من العبادات فكأنهم تقالُّوها, فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -يعني: وأما هم فلم يكن لهم ذلك- فقال أحدهم: (أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثاني: وأنا أقوم ولا أنام, وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فأما أنا فأصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني) فحذرهم أن يعملوا عملاً يشق عليهم.

ومن ذلك أيضاً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ليصومن النهار وليقومن الليل ما عاش, فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنت قلت هذا؟ قال: نعم, قال: إنك لا تطيق ذلك) ثم أرشده إلى ما هو أفضل وأهون.

والحاصل: أنه يوجد من الصحابة رضي الله عنهم من له همة عالية, لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يطيعهم في كثير من الأمر, لأن ذلك يشق عليهم إذا أطاعهم.

تفسير قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم)

ثم قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ قد يقول قائل: ما هو ارتباط قوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ؟

الجواب: أنكم تطيعونه -أي: الرسول عليه الصلاة والسلام- فيما يخالفكم فيه؛ لأن الله حبب إليكم الإيمان, فتقدمون طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيما خالفكم فيه؛ لأن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم, وهذا استدراك من أبلغ ما يكون من الاستدراك, يعني: ولكن إذا خالفكم النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأمر الذي تريدونه فإنكم لن تكرهوا ذلك, ولن تخالفوه ولن تحملوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بسببه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ) أي: جعله محبوباً في قلوبكم وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ أي: جعلكم تحبونه, وزينه في قلوبكم بحيث لا تتركونه بعد أن تقوموا به, وذلك أن فعل الإنسان للشيء للمحبة قد تكون محبة عارضة لكن إذا زين له الشيء ثبتت في المحبة ودامت, ولهذا قال: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ في القلب, وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:7] أيضاً في القلب, لكن إذا زين الشيء المحبوب للإنسان فإنه يستمر عليه ويثبت عليه.

تفسير قوله تعالى: (وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان)

قال تعالى: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات:7] كره إليكم الكفر الذي هو مقابل الإيمان, والفسوق الذي هو مقابل الاستقامة, والعصيان الذي هو مقابل الكمال, وهذا تدرج من الأعلى إلى ما دونه, الكفر أعظم من الفسق, والفسق أعظم من العصيان, فالكفر: هو الخروج من الإسلام بالكلية، وله أسباب معروفة في كتب أهل العلم ذكرها الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد, وأما الفسق فهو دون الكفر ولكنه فعل كبيرة, أن يفعل الإنسان كبيرة من الكبائر ولم يتب منها كالزنا وشرب الخمر والسرقة والقذف وما أشبه ذلك, والعصيان دون هذا والعصيان هو الصغائر التي تكفر بالأعمال الصالحة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس, والجمعة إلى الجمعة, ورمضان إلى رمضان, مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) فالمؤمنون الخلص حبب الله إليهم الإيمان, وزينه في قلوبهم, وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, نسأل الله أن يجعلنا منهم.

(أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أولئك: المشار إليه من حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان, (أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي: الذين سلكوا طريق الرشد, والرشد في الأصل حسن التصرف, وهو في كل موضع بحسبه, فالرشد في المال أن يحسن الإنسان التصرف فيه, ولا يبذله في غير فائدة, والرشد في ولاية النكاح مثلاً: هو أن يكون الولي عارفاً بالكفء ومصالح النكاح, والرشد في الدين: هو الاستقامة على دين الله عز وجل, فهؤلاء الذين حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان هم الراشدون.

تفسير قوله تعالى: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم)

وهنا تجدون هذه الأفعال كلها مضافة إلى الله: من حببه؟ الله. من زينه؟ الله. من كرهه؟ الله عز وجل, ولهذا قال بعدها: فَضْلاً مِنَ اللَّهِ [الحجرات:8] يعني: أن الله أفضل عليكم فضلاً أي: تفضلاً منه وليس بكسبكم ولكنه من الله عز وجل, ولكن ليُعلم أن الله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته, وأعلم حيث يجعل الإيمان في الشخص, فمن علم الله منه حسن النية وحسن القصد والإخلاص حبب إليه الإيمان, وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان, ومن لم يعلم الله منه ذلك فإن الله تعالى يقول: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، ويقول الله عز وجل: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ [المائدة:49] فالذنوب سبب للمخالفة والعصيان, فهؤلاء الذين تفضل الله عليهم وأنعم عليهم نعمة الدين هم الذين وفقوا للحق قال الله عز وجل: فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً [الحجرات:8] أي: إنعاماً منه عليهم.

والنعمة نعمتان: نعمة في الدنيا, ونعمة في الآخر.

فأما الكفار فهم منعمون في الدنيا كما قال الله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ [الدخان:25-27] أي: تنعموا, فهؤلاء -أعني الكفار- عليهم نعمة في الدنيا, لكن في الآخر عليهم العذاب واللعنة والعياذ بالله.

أما المؤمن فإنه يحصل على النعمتين جميعاً .. على نعمة الدنيا ونعمة الآخرة, حتى وإن كان فقيراً أو مريضاً أو عقيماً أو لا نسب له, فإنه في نعمة لقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

هنا قال: فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً المراد بالنعمة نعمة الدين التي تتصل بنعمة الآخرة, وخلاصة الكلام في النعمة: أن هناك نعمتين: نعمة عامة لجميع الخلق, الكافر والمؤمن, والفاسق والمطيع, ونعمة خاصة للمؤمن, وهذه النعمة الخاصة تتصل بنعمة الدين والدنيا, وأما الأولى فإنها خاصة بنعمة الدنيا فقط لتقوم على الكفار الحجة.

قال تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:8] هذان اسمان من أسماء الله, يقرن الله بينهما دائماً العلم والحكمة, عليم بكل شيء قال الله تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق:12] وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34] وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5] فعلم الله تعالى محيط بكل شيء, والإنسان إذا علم أن علم الله محيط بكل شيء حتى ما يضمره في قلبه فإنه يخاف, ويرهب, ويهرب من الله إليه عز وجل, ولا يقول قولاً يغضب الله, ولا يفعل فعلاً يغضب الله, ولا يضمر عقيدة تغضب الله؛ لأنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ذلك ولا يخفى عليه.

وأما الحكيم, فهو ذو الحكمة البالغة, والحكمة هي: أن جميع ما يحكم به جل وعلا موافق ومطابق للمصالح, ما من شيء يحكم الله به إلا وهو حكمة عظيمة, قال الله تبارك وتعالى: حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر:5]، وقال تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8]، وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] هذا معنى الحكيم, أي: ذو الحكمة البالغة.

وله معنى آخر وهو: ذو الحكم التام, فإن الله له الحكم, كما قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء:59] ولا أحد يحكم بهواه: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:71].

نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم برحمته وعفوه، وأن يجعلنا ممن علم وانتفع بعلمه إنه على كل شيء قدير.

نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على ما تيسر من تفسير قول الله تبارك وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:7], هذه الآية كما تعلمون جاءت بعد قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6].

وسبب ما سبق: أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه عن قوم ما ليس فيهم, فأمره الله تعالى بالتأكد من الأخبار إذا جاء بها من لا تعرف عدالته, وكأن بعض الصحابة رضي الله عنهم أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6].

ولكن العبرة بعموم اللفظ, وهو قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات:7] أي: لشق عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا له أمثلة كثيرة:

- منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه في رمضان يصلي بهم صلاة القيام, فانصرف وقد بقي من الليل ما بقي, قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -أي: طلبوا منه أن يقيم بهم كل الليل- ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ولم يوافقهم على طلبهم, لما في ذلك من العنت والمشقة.

ومنها: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحثوا عن عمله في السر -أي: فيما لا يظهر للناس- وهو العمل الذي يفعله في بيته من العبادات فكأنهم تقالُّوها, فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -يعني: وأما هم فلم يكن لهم ذلك- فقال أحدهم: (أنا أصوم ولا أفطر, وقال الثاني: وأنا أقوم ولا أنام, وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فأما أنا فأصوم وأفطر, وأقوم وأنام, وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني) فحذرهم أن يعملوا عملاً يشق عليهم.

ومن ذلك أيضاً: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه ليصومن النهار وليقومن الليل ما عاش, فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنت قلت هذا؟ قال: نعم, قال: إنك لا تطيق ذلك) ثم أرشده إلى ما هو أفضل وأهون.

والحاصل: أنه يوجد من الصحابة رضي الله عنهم من له همة عالية, لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يطيعهم في كثير من الأمر, لأن ذلك يشق عليهم إذا أطاعهم.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3391 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3347 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3271 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3087 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3034 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3029 استماع