لقاء الباب المفتوح [72]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو لقاء الباب المفتوح الخاتم لشهر ربيع الأول عام (1415هـ)، وكان هذا اللقاء يتم في كل أسبوع في يوم الخميس، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، موافقاً لمرضاته، وأن ينفعنا جميعاً بما علمنا إنه على كل شيء قدير.

السؤال: ما هو الفرق بين العادة والعبادة، وإذا كان الباعث على العبادة الرياء فما الحكم وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: الفرق بين العادة والعبادة: أن العبادة ما أمر الله به ورسوله تقرباً إلى الله، وابتغاءً لثوابه، وأما العادة فهي ما اعتاده الناس فيما بينهم من المطاعم والمشارب والمساكن والملابس والمراكب والمعاملات وما أشبهها.

وهناك فرق آخر: وهو أن العبادات الأصل فيها المنع والتحريم حتى يقوم دليل على أنها من العبادات، لقول الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ [الشورى:21]، أما العادات فالأصل فيها الحل إلا ما قام الدليل على منعه، وعلى هذا فإذا اعتاد الناس شيئاً وقال لهم بعض الناس: هذا حرام، فإنه يطالب بالدليل، يقال: أين الدليل على أنه حرام؟ وأما العبادات فإذا قيل للإنسان: هذه العبادة بدعة، فقال: ليست ببدعة، قلنا له: أين الدليل على أنها ليست ببدعة، لأن الأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة.

الجزء الثاني من السؤال: إذا كان الباعث على العبادة الرياء فإنها لا تقبل؛ لقول الله تبارك وتعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110]، ولقوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).

السؤال: فضيلة الشيخ! وفقكم الله ورعاكم: أحد الزملاء كان له رصيد في البنك الأهلي، ونصحته بأن ينقل هذا الرصيد إلى بنك الراجحي، لأنه ليس فيه ربا، وإن كان فيه ربا فهو أقل وأخف من البنك الأهلي، فقال: اسأل لي الشيخ: هل أنا آثم بوضع هذا الرصيد في البنك الأهلي؟ فهذا هو السؤال أفيدونا وفقكم الله!

الجواب: الذي نرى ما رأيت أنه ينقله من البنك الأهلي إلى شركة الراجحي؛ لأن ذلك أقرب إلى السلامة.

السؤال: فضيلة الشيخ! يقول البعض في أمر الدعوة حين يأتون إلى دعوة القوم من أهل الكتاب يقولون: لا نقدر أن ندعو الناس هؤلاء بالقرآن لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالقرآن، علماً أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث معاذاً إلى أهل اليمن بعثه إلى أهل كتاب، وفي رواية البخاري: (أن يوحدوا الله) وقول شيخ الإسلام : القرآن كله توحيد، فماذا يكون نصيحتكم فضيلة الشيخ لهذه المقولة، التي أخشى أن يكون فيها تعطيل لكتاب الله وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: نحن نقول: إن الدعوة إلى دين الله تعالى وإلى شريعة الله لا تكون إلا بالطرق التي شرعها الله عز وجل، ولا شك أن الدعوة بالقرآن والسنة هي أقرب وسيلة إلى القبول، لكن لا مانع من أن يكون لدى الإنسان أدلة عقلية يؤيد بها الكتاب والسنة، لأن من الناس من لا يؤمن بالأدلة السمعية أي: بالقرآن والسنة، لكن إذا أتته الأدلة العقلية اقتنع، وهذا موجود في القرآن، فإن الله تعالى يحاج بعض المشركين بالأدلة العقلية وهذا إبراهيم قال لأبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم:42] فحاجه بالأدلة العقلية، وكذلك حاج قومه بذلك بالأدلة العقلية حين رأى كوكباً فقال: هذا ربي، ورأى القمر فقال: هذا ربي، ورأى الشمس فقال: هذا ربي، وكلها لما غابت تبينت أنها ليست آلهة، وأما كون النصارى واليهود لا يؤمنون بالقرآن فلا يخالهم لا يؤمنون به، لكن لا يؤمنون بعموم الرسالة، ولهذا تجدهم يرون الاحتجاج بالقرآن، وسمعت في المؤتمر الباطل الذي يعقد الآن في القاهرة مؤتمر السكان والبيئة سمعت صدىً عظيماً للآية التي تلتها رئيسة وزراء باكستان وهي قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151] والآية الأخرى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31] حيث نقلوا مما تكلمت به أنها استدلت بهذه الآية، وهذا يدل على أن للقرآن شأناً حتى عند غير المسلمين.

السائل: شيخنا! الأدلة العقلية التي ذكرتها من القرآن هي شاهد على الربوبية إذاً هي من القرآن، أليس كذلك؟

الشيخ: نعم، لكنها أدلة عقلية.

السؤال: إذا كان الإمام ممن يقدم ركبتيه على يديه إذا هوى إلى السجود فهل يكون تقديم المأموم يديه على ركبتيه مخالفة للإمام في هذه الحال؟

الجواب: الذي يظهر لي أنها ليست مخالفة؛ لأنه لم يتأخر عنه ولم يتقدم عنه بخلاف جلسة الاستراحة، فإن الإمام إذا كان لا يجلس للاستراحة فالمأموم مشروع له ألا يجلس، لأنه بجلوسه يتأخر، أما هذا فلا يتأخر ولا يتقدم، فهو مثل لو كان الإمام يرى مشروعية التورك في كل تشهد أخير ولو في الصلاة الثنائية، أو يرى مشروعية الافتراش حتى في التشهد الثاني في الصلاة التي لها تشهدان، وصار المأموم يخالفه، فإن ذلك لا يعد مخالفة، فالظاهر أن هذا ليس من المخالفة، وأنه لا حرج على المأموم أن يقدم يديه قبل ركبتيه.

ولكنني أنصح المأموم ألا يقدم يديه قبل ركبتيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك فقال: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) والبعير إذا برك يقدم يديه وكل الناس يعرفون ذلك، والحديث ليس فيه (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) لو قال: على ما يبرك عليه البعير قلنا: لا تبرك على ركبتيك؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه، ولكنه قال: فلا يبرك كما يبرك، فالنهي عن الكيفية والصفة، فلننظر الإنسان إذا نزل يديه قبل ركبتيه صار كالبعير تماماً، ولذلك ننصح إخواننا أن يتأملوا الحديث تأملاً تاماً، ليعرفوا دلالاته ثم يأخذوا بما دل عليه لفظه، فنرى أن يقدم ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الترتيب الطبيعي أيضاً، فإن أول ما يلي القدم الذي هو ثابت على الأرض من قبل: الركبة، ثم اليدان، ثم الجبهة والأنف، كما أنه عند القيام يرفع الجبهة والأنف ثم اليدين ثم الركبتين.

السؤال: فضيلة الشيخ! تقوم بعض النساء في الأفراح بالرقص مع الغناء فهل هذا العمل جائز أم لا؟

الجواب: الذي أرى أن تمنع النساء من الرقص؛ لأن ذلك فيه فتنة، وكنت في الأول أسهل في الأمر، لكن نقلت لي حوادث توجب أن أقول بمنع الرقص في الحفلات، ويكفي الضرب بالدف مع الغناء النزيه الطيب الطاهر لأن ذلك من السنة.

السؤال: فضيلة الشيخ! هناك عادات عندنا في أفريقيا وفي مكة كذلك إذا تزوج امرأة ودخل بها ولم يجدها بكراً طالب بإرجاع ماله، ما رأيكم في هذا العمل؟

الجواب: نرى أنه ليس له حق في المطالبة بالمال؛ وذلك لأنه لم يشترط أنها بكر، ثم إن البكارة لزوالها أسباب غير الجماع، قد تزول البكارة بقفزة تقفزها المرأة، وقد تزول البكارة بعبث المرأة في نفسها عند المراهقة، وقد تزول البكارة بجماع مكرهة عليه، وحينئذٍ لا نرى أن له حق بالمطالبة ما لم يكن شرط ذلك.

السؤال: فضيلة الشيخ! إمام لأحد المساجد في حي يسكنه أكثرهم غير سعوديين فالإمام يسأل ويقول: هل نلزمهم بصلاة الجماعة مع أن مذهبهم الذي يتقلدونه يقول: بأن الصلاة مع الجماعة سنة، فهل نلزمهم وهل يجبرون على ذلك وتخبر الجهات المختصة عن ذلك؟

الجواب: أرى أن تخبر الجهات المختصة بذلك؛ لأننا لو تركنا الحبل على الغارب وقلنا: كل واحد يفعل ما يرى أنه مذهبه لتفلتت الأحوال ولجاءنا من يقول: أنا أريد أن تكشف امرأتي وجهها في السوق لأن مذهبي لا يرى وجوب تغطية الوجه، ولجاءنا من يقول: أنا أريد أن تسافر امرأتي بلا محرم لأن مذهبنا أن المحرم ليس بواجب، ولجاءنا من يعلن شرب الدخان ويقول: إن شرب الدخان ليس بحرام عند بعض العلماء، فأرى أن يرفع الأمر إلى المسئولين، وعلى المسئولين أن يتقوا الله عز وجل فيما يعاملون به هؤلاء المتخلفين عن الصلاة.

السؤال: فضيلة الشيخ! أحد الإخوة استدان مبلغاً من المال من جار له صاحب متجر في بلده ومضى على هذا الدين عشر سنوات ويريد أن يرد المبلغ الآن لكن عملة البلد هبطت إلى حد صار هذا المبلغ الذي كان يمكن أن يشتري به مثلاً سيارة من الوكالة جديدة حينذاك، لا يشتري به إطاراً من إطاراتها اليوم، فهل يرد له نفس المبلغ فيكون الدائن قد خسر كثيراً، أم يدفع له ما يساوي قيمة المبلغ قبل عشر سنوات، وهل يكون بذلك قد أربى؟

الجواب: إذا كانت الفلوس قد ألغيت واستبدلت بعملة أخرى فله أن يطالب بقيمتها في ذلك الوقت أو بقيمتها حين ألغيت، وأما إذا بقيت العملة على ما هي عليه فليس للمقرض إلا هذه العملة سواء زادت أم نقصت، وأقول لك: لو فرض أن العملة زادت أفلا يطالب المقرض المقترض بها؟ نعم يطالبه بها، مع أنها قد تكون زادت أضعافاً مضاعفة، وكذلك لو أقرضه صاعاً من البر قبل سنوات وكان الصاع يساوي خمسة ريالات ثم نزل إلى ريالين مثلاً فهل يقول أعطه الصاع وأعطه ثلاثة ريالات، لا ليس له إلا الصاع، فالأشياء المثلية لا يلزم فيها إلا رد المثل، وكذلك النقود ما لم تلغ المعاملة بها فيكون له القيمة وقت إلغائها.

السائل: المستدين يرى أنه يزيد هل في هذا ربا؟

الشيخ: لا إذا تطوع وأعطاه زيادة، فخير الناس أحسنهم قضاءً، وقد استدان النبي صلى الله عليه وسلم بكراً ورد خياراً رباعياً وقال: (خيركم أحسنكم قضاءً).

السؤال: انتشر عندنا في الكويت جماعة التبليغ يعظون الرجال الآن والنساء فضلاً عن الرجال بالخروج إلى جميع البلدان يحددون مدة قصيرة يدربون المرأة مدة ثلاثة أيام ثم أسبوع ثم في الخليج كذلك يعني أسبوعين بعد ذلك ينقلونها إلى مرحلة أعلى وهي مرحلة الهند والباكستان، حتى تتدرب المرأة بحجتهم على الدعوة إلى الله تعالى أربعين يوماً، والسؤال: نقل عنك أيضاً أن أحد الإخوة يأتي هنا إلى القصيم ويقول: إنك ترى جواز الخروج مع النساء فهل هذا صحيح؟ ونريد كلمة هل هم جماعة حق ويخرج معهم ويجتهد الإنسان معهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويبذل الإنسان ماله ووقته؟

الجواب: أما ما نسبه إليَّ من أني أقول: حتى النساء يخرجن فهذا غير صحيح ولا علمت أن النساء يخرجن في جماعة التبليغ إلا منك الآن، وأما الجماعة فلا أحد يشك أن لها تأثير في إصلاح الناس، كم من كافر أسلم! وكم من فاسق اهتدى! وهذا شيء معلوم، لكن يغلب عليها الجهل، ليس عندهم طلبة علم ولا علماء، كما أن الذهاب إلى بلاد أخرى من بلاد العجم الباكستان أو غيرها لا نرى السفر إلى هناك، ولا نرى حجاً إلا إلى بيت الله الحرام، وهذا الاجتماع السنوي الذي يجتمع فيه ما يزيد على المليون، هذا شبه الحج وهذا لا نراه، ونرى أن جماعة التبليغ يكونون في أماكنهم يدعون إلى الله عز وجل في القرى والمدن، ونرى أيضاً أنه يلزم على طلبة العلم أن يخرجوا معهم لتعديل منهجهم، وإصلاح ما هم عليه من الأخطاء التي قد تكون من كل أحد من الناس، فأنا لست من الذين يذمونهم ذماً مطلقاً، ولا من الذين يمدحونهم مدحاً مطلقاً، لكني أرى أن في القوم خيراً، وأن الله نفع بهم نفعاً كبيراً، ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن أحداً من الناس أثر ولا سيما في العامة مثل ما أثر هؤلاء.

السؤال: فضيلة الشيخ! في بعض الشركات يعمل الموظف لمدة اثني عشرة ساعة، مثلاً من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً، فيخرج وهو متعب فينام، فيقول: لا أستطيع الاستيقاظ والصلاة جماعة في المسجد مع الجماعة، فهل يجوز لي تأخير صلاة الظهر مع العصر؟ وإن كان لا، فكيف يجاب على استفسارهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر ولا خوف؟

الجواب: أما إذا خرج الإنسان متعباً وكان لا يستطيع أن يبقى مستيقظاً إلى العصر فلا بأس أن يجمع العصر إلى الظهر وينام.

وأما قولهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير عذر، فهذا ليس بصحيح، ما جمع النبي صلى الله عليه وسلم إلا لعذر، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه (جمع -أي: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر). بين ابن عباس رضي الله عنهما سبب ذلك حين سئل: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، فدل هذا على أن الجمع إنما يجوز عند المشقة فقط، وما ذكرت من حال هذا الرجل مشقة بلا شك فله أن يجمع تقديماً أو تأخيراً.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3396 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3352 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3317 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3282 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3118 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3034 استماع