لقاء الباب المفتوح [68]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء الثامن والستون من اللقاء الأسبوعي الذي يتم في كل يوم خميس، وهذا اليوم هو: الخميس الرابع من شهر ربيع الأول عام (1415هـ).

وكان من عادتنا أن نتكلم على ما يسر الله عزَّ وجلَّ من تفسـير القرآن الـكريم، وقد انتـهينا إلى قول الله تبارك وتعالى: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:24-26] وهذا هو آخر سورة الفجر.

تفسير قوله تعالى: (يومئذٍ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى..)

يقول الله عزَّ وجلَّ: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: إذا جاء الله يوم القيامة وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع حينئذ يتذكر الإنسان.. يتذكر أنه وُعِد بهذا اليوم، وأنه أُعْلِم به مِن قِبَل الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أنذروا وخوَّفوا؛ ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية والعياذ بالله.

حينئذٍ يتذكر؛ لكن يقول الله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أنى تكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أُخْبِر عنه يقيناً؟ الإيمان عند المشاهدةٍ لا ينفع؛ لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد؛ لكن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] ويصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عزَّ وجلَّ وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان، ولكن قال الله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: بعيدٌ أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق.

تفسير قوله تعالى: (يقول يا ليتني قدمت لحياتي)

قال تعالى: يَقُولُ أي الإنسان.

يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي يتمنى أنه قدم لحياته.

وما هي حياته؟! أتظنون أنه يريد حياة الدنيا؟!

لا والله، فإن الحياة الدنيا انتهت وانقضت، وليست الحياة الدنيا حياةً في الواقع، بل الواقع أنها هموم وأكدار، كل صَفْوٍ يعقبه كَدَر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرُّق، انظروا ما حصل! أين الآباء؟! أين الإخوان؟! أين الأبناء؟! أين الأزواج؟! هل هذه حياة؟!

أبداً! ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء:

لا طيب للعيش ما دامت مُنَغَّصَةً     لَذَّاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ

كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم.

ونحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب، عُمِّروا؛ لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرِقُّ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم؛ لكنهم في حالة بؤس.

هكذا كل إنسان، إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعَمَّر فيُرَد إلى أرذل العمر، فهل هذه حياة؟!

الحياة هي ما بيَّنه الله عزَّ وجلَّ: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64] يعني: لَهِيَ الحياة التامة.

فيقول الإنسان هذا: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24] يتمنى؛ لكن مع الأسف أنَّى له الذكرى.

تفسير قوله تعالى: (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد..)

قال تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ [الفجر:25] * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية ، أو اختر اليهودية ، وأعرض عن الإسلام. ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات.

فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة!

إذاً: على الإنسان أن يستعد.

يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:26].

تفسير قوله تعالى: (ولا يوثق وثاقه أحد)

قال تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26] لأنهم والعياذ بالله يوثقون: ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32] أي: أدخلوه في هذه السلسلة، فتُغَلُّ أيديهم نسأل الله العافية، ولا أحد يتصور الآن ما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب، والله إن الإنسان أحياناً يتمنى أنه لَمْ يُخْلَق خوفاً من النار، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [ليت أمي لم تلدني، ليتني شجرة تُعْضَد] لأن الإنسان لا يدري أولاً ما هو عليه الآن! هل هو على صواب أم على خطأ؟! هل في عباداته رياء؟! هل في عباداته بدعة؟! ثم لا يدري أيضا -وهذا أخطر- لا يدري ماذا يُخْتَم له به: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل هل النار، فيدخلها) مَن الذي يأمن عند الموت أن يُصَدَّ ويُضَلَّ، ويأتيه الشيطان فيقول: أنا أبوك، اترك يا بُنَيَّ الإسلام، وكن نصرانياً أو يهودياً؟! لأن بعض الناس والعياذ بالله عند الموت يُفْتَن، فتُعْرَض عليه الأديان، ويقال له: اختر النصرانية ، أو اختر اليهودية ، وأعرض عن الإسلام. ولهذا نقول: ونعوذ بك من فتنة المحيا والممات.

فمن الذي يأمن؟! أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة!

إذاً: على الإنسان أن يستعد.

يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:24-26].

تفسير قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة)

ثم ختم الله تعالى هذه السورة بما يبهج القلب، ويشرح الصدر، فقال: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر:27] اللهم اجعل نفوسنا مطمئنة.

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28].

ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ [الفجر:28] يقال هذا القول للإنسان عند النزع في آخر لحظة من الدنيا، يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى رحمةٍ من الله ورضوان، فتستبشر وتفرح، ويسهُل خروجُها من البدن؛ لأنها بُشِّرت بما هو أنعم مِمَّا في الدنيا كلها، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَمَوضع سوط أحدكم في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها) سوط الإنسان: العصا القصيرة، موضع السوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وليست دنياك أنت بل الدنيا من أولها إلى آخرها، بما فيها من النعيم، والمُلْك، والرفاهية، وغيرها، فموضع سوط أحدكم خير من الدنيا وما فيها، فكيف بمن ينظر في مُلْك مسيرته ألفَي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، نعيمٌ لا يمكن أن ندركه بنفوسنا ولا بتصورنا: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].

المطمئنة: أي المؤمنة الآمنة؛ لأنك لا تجد نفساً أكثر اطمئناناً مِن نفْس المؤمن أبداً، فالمؤمن -يا إخواني- نفسُه طيبة مطمئنة، ولهذا تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمن فقال: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمرَه كلَّه خير، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له) فهو مطمئنٌ ماضٍِ مع الله بقضائه وقدره، لا يسخط عند المصائب، ولا يبطر عند النعم، بل هو شاكر عند النعم، صابر عند البلاء، فتجده مطمئناً.

لكن الكافر، أو ضعيف الإيمان كلاهما لا يطمئن، إذا أصابه البلاء جَزع وسخِط، ورأى أنه مظلوم مِن قِبَل الله والعياذ بالله، حتى إن بعضهم ينتحر؛ لأنه لا يصبر ولا يطمئن، بل يكون دائماً في قلق، فينظر إلى نفسه وإذا هو قليل المال، وقليل العيال، وليس عنده زوجة، وليس له قوم يحمونه، فيقول: أنا لستُ في نعمة؛ لأن فلاناً عنده مال، وعنده زوجات، وعنده أولاد، وعنده قبيلة تحميه، أما أنا فليس عندي شيء من هذا، فلا يرى لله عليه نعمة؛ لأنه ضعيف الإيمان، وليس بمطمئن، بل هو دائماً في قلق.

ولهذا نجد الناس الآن يذهبون إلى كل مكان ليُرَفِّهوا عن أنفسهم، ويزيلوا عنها الألم والتعب؛ لكن لا يزيل ذلك عنهم إلا الإيمان الحقيقي، فهو الذي يؤدي إلى الطمأنينة.

فالنفس المطمئنة: هي المؤمنة الآمنة، مؤمنة في الدنيا، وآمنة من عذاب الله يوم القيامة، اللهم اجعل نفوسنا هكذا.

يا إخواني! قال بعض السلف كلمة عجيبة، قال: [لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لَجالَدُونا عليه بالسيوف] هل تجدون أنعم في الدنيا من الملوك وأبنائهم؟

لا. لا يوجد أحدٌ أنعم منهم في الظاهر في نعمة الجسد؛ لكن قلوبهم ليست كقلوب المؤمنين، فالمؤمن الذي ليس عليه إلا ثوبٌ مُرَقَّع، وكوخٌ لا يحميه من المطر ولا من الحر؛ هذا المؤمن دنياهُ ونعيمُه في الدنيا أفضل من الملوك وأبناء الملوك؛ لأن قلبَه مستنير بنور الله ونور الإيمان.

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حُبس وأوذي في الله عزَّ وجلَّ، فلما أُدْخِل الحبس وأُغْـلِقَ عليه الباب. قـال رحمه الله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13] يقول هذا تَحَدُّثاً بنعمة الله لا افتخاراً، ثم قال: ما يصنع أعدائي بي؟! -أيَّ شيءٍ يصنعون؟!- إن جنتي في صدري -ما هي الجنة؟! الإيمان، والعلم، واليقين-، وإن حبسي خلوة، ونفيي -إن نفَوه من البلد- سياحة، وقتلي شهادة.

سبحان الله! هذا هو اليقين، وهذه هي الطمأنينة.

إن الإنسان عندنا لو أُدخل الحبس تجده يُخَمِّس ويُسَدِّس، ويقول: ما مستقبلي؟! ما مستقبل أولادي؟! وأهلي؟! وقومي؟!

لكن ابن تيمية يقول: جنتي في صدري. وصَدَقَ، ولعل هذا هو السر في قوله تبارك وتعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [الدخان:56] يعني: في الجنة لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وليس في الجنة موتة أولى ولا ثانية؛ لكن لَمَّا كان نعيم القلب ممتداً من الدنيا إلى دخول الجنة صارت الدنيا والآخرة كأنهما جنة واحدة، وليس فيها إلا موتة واحدة.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يجمعنا وإياكم في الجنة، وبإخوانَنا المسلمين الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ إنه على كل شيء قدير.

تفسير قوله تعالى: (ارجعي إلى ربك راضية مرضية)

يقول تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28].

رَاضِيَةً بما أعطاك الله من النعيم.

مَرْضِيَّةً عند الله عزَّ وجلَّ، وذلك كما قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119].

تفسير قوله تعالى: (فادخلي في عبادي)

قال تعالى: فَادْخُلِي فِي عِبَادِي [الفجر:29] أي: ادخلي في عبادي الصالحين لتكوني مِن جملتهم؛ لأن عبادَ الله الصالحين هم خير طبقات البشر، والبشر طبقاتهم ثلاث:

الطبقة الأولى: مُنْعَمٌ عليهم.

الطبقة الثانية: مغضوبٌ عليهم.

الطبقة الثالثة: ضالُّون.

كل هذه الطبقات مذكورةٌ في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].

وأنا أسألكم: هل يشعر أحدكم عندما يقرأ هذه الآية بأن الذين أنعم الله عليهم هم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فيسأل الله أن يهديه صراط هؤلاء؟!

أكثر الناس لا يشعر، بل أكثرهم يقرؤها هكذا؛ لكن لا يشعر أن هذه الآية تاريخ، أي أنها تشير إلى تاريخ الأمم، وأن الطبقة الثانية المغضوب عليهم هم اليهود وأشبهاه اليهود مِن كل مَن عَلِم الحق وخالفة؛ لأن كل مَن عَلِم الحق وخالفَه ففيه شَبَهٌ من اليهود، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: [مَن فَسَدَ مِن علمائنا ففيه شَبَهٌ مِن اليهود].

ومَن هُم الضالون؟

هُم النصارى، الذين جهلوا الحق، أرادوه لكن عُمُـوا عنه -والعيـاذ بالله- وما اهـتدوا إلـيه.

قال ابن عيينة: [ومَن فَسَدَ مِن عُبَّادنا ففيه شَبَهٌ مِن النصارى] لأن العُبَّاد يريدون الخير ويريدون العبادة؛ لكن ليس عندهم علم، فهم ضالون.

فأقول يا إخواني! الناس طبقات ثلاث:

المُنْعَمُ عليهم، والمغضوبُ عليهم، والضالُّون.

وهنا يقول: فَادْخُلِي فِي عِبَادِي [الفجر:29] فالمراد بالعِباد أيّ الطبقات؟

المراد بهم الطبقة الأولى وهم: المُنْعَم عليهم.

تفسير قوله تعالى: (وادخلي جنتي)

قال تعالى: وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:30]: جنتُه التي أعدها الله عزَّ وجلَّ لأوليائه -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها- أضافها الله إلى نفسه تشريفاً لها وتعظيماً، وإعلاماً للخلق بعنايته بها جلَّ وعَلا.

والله سبحانه وتعالى قد خلقها خلقاً غير خلق الدنيا، خَلَقَ لنا في الدنيا فاكهةً ونخلاً ورماناً، وخلق في الجنة أيضاً فاكهةً ونخلاً ورماناً؛ لكن هل تظنون أن ما في الجنة كالذي في الدنيا؟!

لا يمكن أبداً؛ لأن الله يقول: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] ولو كان ما في الجنة كالذي في الدنيا لكنا نعلم.

إذاً: هو مثله في الاسم؛ لكن ليس مثله في الحقيقة، ولا في الكيفية، ولهذا قال: وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:30] حيث أضافها إلى نفسه للدلالة على شرفها وعناية الله بها، وهذا يوجب للإنسان أن يرغب فيها غاية الرغبة، كما أنه يرغب في بيوت الله، التي هي المساجد؛ لأن الله أضافها إلى نفسه، فكذلك يرغب في هذه الدار التي أضافها إلى نفسه أيضاً، والأمر يسير، قال رجلٌ للرسول صلى الله عليه وسلم: (دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، فقال: لقد سألت عن عظيم -وهو صحيحٌ عظيم، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] ولكن- وإنه ليسير على مَن يسره الله عليه -اللهم يسرنا لليسرى- تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة) وذَكَرَ الحديث.

المهم أن الدين والحمد لله يسير وسهل؛ لكن النفس الأمارة بالسوء هي التي تحول بيننا وبين ديننا بالشهوات والشبهات.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

والآن إلى الأسئلة، ونبدأ باليمين، وكما هي عادتنا أن السؤال واحد لكل واحد، وأنه لا تعقيب على الجواب إلا إذا كان الجواب خطأً.

يقول الله عزَّ وجلَّ: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: إذا جاء الله يوم القيامة وجاءت الملائكة صفوفاً صفوفاً وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع حينئذ يتذكر الإنسان.. يتذكر أنه وُعِد بهذا اليوم، وأنه أُعْلِم به مِن قِبَل الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أنذروا وخوَّفوا؛ ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية والعياذ بالله.

حينئذٍ يتذكر؛ لكن يقول الله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أنى تكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أُخْبِر عنه يقيناً؟ الإيمان عند المشاهدةٍ لا ينفع؛ لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد؛ لكن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] ويصدق بما أخبرت به الرسل عن الله عزَّ وجلَّ وعن اليوم الآخر، في ذلك اليوم يتذكر الإنسان، ولكن قال الله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:23] أي: بعيدٌ أن ينتفع بهذه الذكرى التي حصلت منه حين شاهد الحق.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3389 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3346 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3270 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3086 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3033 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3028 استماع