خطب ومحاضرات
لقاء الباب المفتوح [27]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا أول لقاء يحصل في هذا العام؛ وهو اللقاء الأسبوعي الذي يكون في كل يوم خميس، وهو يوافق الرابع من شهر المحرم عام (1414هـ).
والنصيحة التي ينبغي للإنسان أن ينصح بها نفسه في استقبال هذا العام أن ينظر ماذا أودع في العام الماضي من الأعمال الصالحة؟ وماذا قام فيه من الأعمال التي تنفعه وتنفع غيره من المسلمين؟ ولاسيما طلبة العلم فإن طالب العلم عليه واجبان: واجب لنفسه وواجب لغيره، إذ أن العلم الشرعي إرث محمد صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن العلماء ورثة الأنبياء، وإذا نظرنا في حال الأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم وجدنا أنهم أبلوا بلاءً حسناً في عباداتهم الخاصة، وفي دعوتهم الخلق إلى الحق.
لقد كان النبي صلى الله عليه أتقى الناس وأخشى الناس لربه، وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه وتتورم من طول القيام، فيُسأل في ذلك فيقال له: إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً).
وفي مجال الدعوة إلى الله، دعا صلى الله عليه وسلم قومه إلى توحيد الله وعبادته، فرأى منهم الأذى حتى كانوا يُلقون سلا الجزور على ظهره وهو ساجد في بيت الله، وتمالئوا عليه فيما ذكر الله سبحانه وتعالى من قوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال:30].
فكان النقاش بينهم على هذه الأمور الثلاثة: الإثبات وهو الحبس، والقتل والإخراج، فأذن الله سبحانه وتعالى له بالخروج والهجرة من مكة إلى المدينة ، ونصره الله سبحانه وتعالى عليهم حتى عاد بعد ثماني سنوات إلى مكة فاتحاً منصوراً ظافراً ولله الحمد.
فأقول: إن على طلبة العلم واجبين:
الواجب الأول: لأنفسهم.
والواجب الثاني: لغيرهم من الناس.
أن يعلموهم ويرشدوهم ويدعوهم إلى الله، وأن يبينوا الحق الذي جاء به الكتاب والسنة بما يتعلمونه من أساتذتهم، وبما يتعلمونه بأنفسهم من الكتب، وبما يسمعونه من الأشرطة الصادرة عمن يوثق بعلمه.
ولا شك أن نشر العلم سببٌ للقيام بطاعة الله سبحانه وتعالى كما هو معروف، فإن الرجل يأتي إلى القوم يلقي بينهم كلمة أو موعظة مُوجهة فيتفرق الناس وقد فهموا ما قال، ثم يأخذون بتطبيقه في أنفسهم وفي غيرهم، وهذا أمر مشاهد معلوم.
وعلى الإنسان في مستقبل هذا العام أن يعد نفسه بالجد والاجتهاد وتتميم ما نقص في العام الماضي، وتحسين ما كان فيه شيء من الاعوجاج أو الانحراف حتى يستقبل هذا العام بجدٍ ونشاط، وليُعلم أن الإنسان إذا عود نفسه الكسل اعتاد عليه وصعب عليه أن ينشط بعد ذلك، وإذا عود نفسه النشاط وبث الوعي الديني في الأمة سهل عليه ذلك وكان ديدناً له، حتى إنه ليحزن ويضيق صدره إذا لم يقم بهذا الأمر.
أما ما كنا نتحدث عنه في اللقاءات السابقة من تفسير الآيات الكريمات فنحن كنا قد توقفنا عند سورة المطففين، فنتكلم بكلام موجز على ما تيسر منها، فنقول:
تفسير قوله تعالى: (ويل للمطففين ...)
وهذا الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن، وهو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبهه ممن طلب حقه كاملاً ممن هو عليه، ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة.
فمثلاً: الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً وألا تتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكو النساء من هذا الطراز من الأزواج والعياذ بالله؛ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه لا يعطيها حقها كاملاً، وربما ينقص أكثر حقها؛ من النفقة، والعشرة بالمعروف وغير ذلك.
والغريب أيها الإخوة! أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام، حتى إن بعض النساء تشير أنها ما اختارت هذا الزوج إلا لما له من السمعة الحسنة والالتزام، فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق! فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام! هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط، ويضيع حقوق الناس؟
إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه بالتعدي على حق الله؛ لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة؛ إذا كان دون الشرك غفر له إن شاء وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة؛ لا بد من أن يُوفَّى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع! قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات كثيرة، فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار).
فنصيحتي لهؤلاء الإخوة الذين يفرطون في حقوق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، فأمرنا أن نتقي الله عز وجل في النساء، وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم) أي: بمنـزلة الأسرى؛ لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك؛ إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده، فليتق الله فيها!
كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام، لكنه مفرط في حقوقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه؛ أن يبروه بالمال وبالبدن وفي كل شيء يكون فيه البر، لكنه مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائمٍ بما يجب عليه نحوهم.
نقول: هذا مطفف كما قلنا في المسألة الأولى؛ مسألة الزوج مع زوجته: إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً ويبخسها حقها نقول: إنه مطفف، وهذا الأب إذا أراد من أولاده أن يبروه تمام البر، وهو مقصر في حقوقهم، فنقول: إنه مطفف ونقول له: تذكر قول الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3].
تفسير قوله تعالى: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون)
تفسير قوله تعالى: (ليوم عظيم)
تفسير قوله تعالى: (يوم يقوم الناس لرب العالمين)
والقلفة إنما قطعت في الدنيا من أجل النزاهة عن الأقذار؛ لأنها إن بقيت فإنه ينحبس فيها شيء من البول، وتكون عرضةً للتلويث، لكن هذا في الآخرة لا حاجة إليه؛ لأن الآخرة ليست دار تكليف بل هي دار جزاء، إلا أن الله سبحانه وتعالى قد يكلف فيها امتحاناً، كما قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43].
المهم أن الناس يقومون على هذا الوصف: (حفاةً عراةً غرلاً) وفي بعض الأحاديث: (بُهماً) قال العلماء: البُهم الذين لا مال لهم، ففي يوم القيامة لا مال يفدي به الإنسان نفسه من العذاب، وليس هناك ابن يفدي عن أبيه شيئاً، ولا أب يجزي عن ابنه شيئاً، ولا صاحب ولا خليل، كلٌ يقول: نفسي نفسي لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37] نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على أهواله وأن ييسره علينا.
قال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] وهو الله جل وعلا، وفي هذا اليوم تتلاشى جميع الأملاك إلا مُلك رب العالمين جل وعلا، قال الله تعالى: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:16-17].
وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة من سورة المطففين.
إن الله ابتدأ هذه السورة بكلمة (ويل)، و(ويل) تكررت في القرآن كثيراً، وهي على الأصح: كلمة وعيد يتوعد الله سبحانه وتعالى بها من خالف أمره، أو ارتكب نهيه، على الوجه المقيد في الجملة التي بعدها، فهنا يقول الله عز وجل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1] فمن هؤلاء المطففين؟ المطففون فسرتهم الآية التي بعدها، فقال تعالى: الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:2-3] (إذا اكتالوا على الناس) أي: إذا اشتروا منهم ما يكال استوفوا منهم الحق كاملاً بدون نقص، (وإذا كالوهم أو وزنوهم) أي: إذا كالوا لهم، أي: إذا باعوا الطعام كيلاً، فإنهم إذا كالوا للناس أو باعوا عليهم شيئاً وزناً (يخسرون) أي: ينقصون، فهؤلاء والعياذ بالله يستوفون حقهم كاملاً وينقصون حق غيرهم، فجمعوا بين الأمرين، بين الشح والبخل؛ الشح في طلب حقهم كاملاً بدون مراعاة أو مسامحة، والبخل بمنع ما يجب عليهم من إتمام الوزن والكيل.
وهذا الذي ذكره الله عز وجل في الكيل والوزن، وهو في الحقيقة مثال، فيقاس عليه كل ما أشبهه ممن طلب حقه كاملاً ممن هو عليه، ومنع الحق الذي عليه فإنه داخل في الآية الكريمة.
فمثلاً: الزوج يريد من زوجته أن تعطيه حقه كاملاً وألا تتهاون في شيء من حقه، لكنه عند أداء حقها يتهاون ولا يعطيها الذي لها، وما أكثر ما تشكو النساء من هذا الطراز من الأزواج والعياذ بالله؛ حيث إن كثيراً من النساء يريد منها الزوج أن تقوم بحقه كاملاً، لكنه لا يعطيها حقها كاملاً، وربما ينقص أكثر حقها؛ من النفقة، والعشرة بالمعروف وغير ذلك.
والغريب أيها الإخوة! أن هذا يقع كثيراً من الناس الذين ظاهرهم الالتزام، حتى إن بعض النساء تشير أنها ما اختارت هذا الزوج إلا لما له من السمعة الحسنة والالتزام، فإذا به ينقلب ويكون أسوأ حالاً بالنسبة لزوجته من أهل الفسق! فلا أدري عن هؤلاء الذين ظاهرهم الالتزام! هل يظنون أن الالتزام أن يقوم الإنسان بعبادة الله فقط، ويضيع حقوق الناس؟
إن ظلم الناس أشد من ظلم الإنسان نفسه بالتعدي على حق الله؛ لأن ظلم الإنسان نفسه في حق الله تحت المشيئة؛ إذا كان دون الشرك غفر له إن شاء وإن شاء عاقبه عليه، لكن حق الآدميين ليس داخلاً تحت المشيئة؛ لا بد من أن يُوفَّى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع! قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات كثيرة، فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار).
فنصيحتي لهؤلاء الإخوة الذين يفرطون في حقوق أزواجهم سواءً كانوا من الملتزمين أو من غيرهم أن يتقوا الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك في أكبر مجمع شهده العالم الإسلامي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع، قال: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)، فأمرنا أن نتقي الله عز وجل في النساء، وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم) أي: بمنـزلة الأسرى؛ لأن الأسير إن شاء فكه الذي أسره وإن شاء أبقاه، والمرأة عند زوجها كذلك؛ إن شاء طلقها وإن شاء أبقاها، فهي بمنزلة الأسير عنده، فليتق الله فيها!
كذلك أيضاً نجد بعض الناس يريد من أولاده أن يقوموا بحقه على التمام، لكنه مفرط في حقوقهم، فيريد من أولاده أن يبروه ويقوموا بحقه؛ أن يبروه بالمال وبالبدن وفي كل شيء يكون فيه البر، لكنه مضيع لهؤلاء الأولاد، غير قائمٍ بما يجب عليه نحوهم.
نقول: هذا مطفف كما قلنا في المسألة الأولى؛ مسألة الزوج مع زوجته: إنه إذا أراد منها أن تقوم بحقه كاملاً ويبخسها حقها نقول: إنه مطفف، وهذا الأب إذا أراد من أولاده أن يبروه تمام البر، وهو مقصر في حقوقهم، فنقول: إنه مطفف ونقول له: تذكر قول الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3].
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
لقاء الباب المفتوح [63] | 3395 استماع |
لقاء الباب المفتوح [146] | 3350 استماع |
لقاء الباب المفتوح [85] | 3315 استماع |
لقاء الباب المفتوح [132] | 3293 استماع |
لقاء الباب المفتوح [8] | 3275 استماع |
لقاء الباب المفتوح [13] | 3259 استماع |
لقاء الباب المفتوح [127] | 3116 استماع |
لقاء الباب المفتوح [172] | 3090 استماع |
لقاء الباب المفتوح [150] | 3037 استماع |
لقاء الباب المفتوح [47] | 3032 استماع |