لقاء الباب المفتوح [5]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

في هذه الأيام يكثر السؤال عما جرى على جمهورية البوسنة والهرسك ، وهل يعتبر الدفاع عنهم جهاداً في سبيل الله؟ وهل يجب علينا أن نساعدهم بالمال والرجال؟

وحسب ما بلغنا أن القوم من المسلمين، وإن كانوا يجهلون كثيراً؛ لأن الدولة الشيوعية التي احتضنتهم مدةً طويلة حالت بينهم وبين الوصول إلى الدين الإسلامي علماً وعملاً، وإننا ولله الحمد نرى من الشباب من ذهب إليهم في هذه الآونة الأخيرة، وفتحوا هناك مركزاً لتعليم الدين الإسلامي، وجمعوا له ما تيسر من الأموال، وجلبوا له ما تيسر من طلبة العلم الذين يبلغونهم دين الله عز وجل، وكان ذلك بإدارة الأخ/ عقيل بن عبد العزيز العقيل، وأخيه الشيخ/ عبد الله بن عبد العزيز العقيل، والرجل كان نشيطاً، وله عمل مشكور إبان الحرب الأفغانية، ونسأل الله له التوفيق.

أما بالنسبة لمساعدتنا لهم فالواجب علينا أن نساعدهم بما نستطيع من مال أو رجال، بشرط أن يكون لهذه المساعدة نفع مجدي؛ لأن الدفاع عن إخواننا المسلمين واجب، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) والمساعدة لا بد أن تكون واقعة موقعها؛ بحيث نعلم أن ذلك نافع، وقد حدثني بعض الرجال الذين لهم خبرة ومعرفة، أنه لما قدم أحد وزرائهم إلى هذا البلد واتصل ببعض الشخصيات تشاوروا فيما بينهم، ما الذي يجدي في مساعدتهم؟ فرأوا أن أهم شيء في الوقت الحاضر أن يساعدوا بالمال من أجل توفير الغذاء واللباس والسكن، إذ أن أولئك الطغاة الصربيين قد أحاطوا بهم، ودخول السلاح عليهم صعب، وربما يؤخذ السلاح قبل أن يصل إليهم، وربما يشترون السلاح بثمن غالٍ من بعض الدول، وقد يكون صالحاً للاستعمال، وقد يكون غير صالح للاستعمال، وقد يدمر، فالمال خير ما نساعدهم به الآن، والإنسان يبذل ما يستطيع ويتيسر له في هذا.

وكذلك أيضاً نساعدهم بالدعاء سواء في القنوت الذي أمر به ولي الأمر، أو في الدعاء في غير هذه الحال بأن ينصرهم الله عز وجل على أعدائهم ويخذل أعداءهم.

هذا ما أردت أن أبين عن حال هذه الجمهورية الذين نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصرهم، وأن يفرج كروبهم، ويكشف همومهم، وأن يمنحهم رقاب أعدائهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

السؤال: من أتى عليها عاشوراء وهي حائض هل تقضي صيامه؟ وهل من قاعدة لما يقضى من النوافل وما لا يقضى جزاك الله خيراً؟

الجواب: النوافل نوعان: نوع له سبب، ونوع لا سبب له، فالذي له سبب يفوت بفوات السبب ولا يقضى، مثال ذلك: تحية المسجد، لو جاء الرجل وجلس ثم طال جلوسه، ثم أراد أن يأتي بتحية المسجد، لم تكن تحية للمسجد؛ لأنها صلاة ذات سبب، مربوطة بسبب، فإذا فات فاتت المشروعية، ومثل ذلك فيما يظهر يوم عرفة ويوم عاشوراء، فإذا أخر الإنسان صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء بلا عذر فلا شك أنه لا يقضي، ولا ينتفع به لو قضاه، أي: لا ينتفع به على أنه يوم عرفة أو يوم عاشوراء.

وأما إذا مر على الإنسان وهو معذور كالمرأة الحائض والنفساء أو المريض، فالظاهر أيضاً أنه لا يقضي؛ لأن هذا خص بيوم معين يفوت حكمه بفوات هذا اليوم.

السؤال: رجل تحلل من عمرته بعد أن طاف وسعى ولم يحلق ولم يقصر ثم أحرم بالحج، ماذا يلزمه جزاك الله خيراً؟

الجواب: الظاهر أنه باقٍ على تمتعه، ولكنه يلزمه عن ترك الحلق أو التقصير فدية؛ بناءً على ما هو مشهور عند الفقهاء من أن ترك الواجب تلزم فيه الفدية، فإذا كان موسراً قادراً وجب عليه أن يذبح في مكة وتوزع كلها على الفقراء، وإن لم يكن قادراً فلا شيء عليه، أما النسك فهو تمتع؛ لأن هذه هي نيته.

السؤال: الضابط المذكور لمن فعل اثنين من ثلاثة هل هو مطرد؟

الجواب: يقول الفقهاء رحمهم الله: إن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة وهو رمي جمرة العقبة يوم العيد، والحلق أو التقصير، والطواف، ولكن لم يرد في ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد في الرمي أن من رمى وحلق حلَّ التحلل الأول، أو من رمى فقط.

فمن العلماء من قال: إن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وإن لم يحلق أو يقصر.

ومنهم من قال: لا بد من الحلق أو التقصير مع الرمي، وهذا القول أحوط وأولى أن يؤخذ به، لكن الفقهاء يعللون ما قالوه: بأنه لما كان للطواف تأثيرٌ في التحلل الثاني صار له تأثير في التحلل الأول، فإذا رمى وطاف حلَّ التحلل الأول، وإذا حلق وطاف حلَّ التحلل الأول.

السؤال: من أحرم بالحج مفرداً وقيل له: يفسخ حجه إلى العمرة ولم يفسخ هل يُعدَّ عاصياً؟

الجواب: الصحيح أن الأنساك الثلاثة وهي: التمتع، والإفراد، والقران، كلها جائزة، وأن الإنسان مخير فيها، لكن الأفضل التمتع إلا إذا ساق الهدي، فإنه يقرن لتعذر حِلَّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن معي الهدي فلا أحلَّ حتى أنحره) فإذا قيل لهذا الرجل المفرد: افسخ نية الإفراد إلى تمتع، أي: اجعل حجك عمرة، وتحلل منه ثم أحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، ولكنه أبى إلا أن يبقى على إحرامه فلا بأس ولا يُعدُّ عاصياً.

السؤال: إذا اجتمع قضاء واجب ومستحب، ووافق وقت مستحب هو يجوز للإنسان أن يفعل المستحب ويجعل قضاء الواجب فيما بعد، أو يبدأ بالواجب أولاً، مثال: يوم عاشوراء وافق قضاء من رمضان؟

الجواب: بالنسبة لصيام الفريضة والنافلة لا شك أنه من المشروع، والمعقول أن يبدأ بالفريضة قبل النافلة؛ لأن الفريضة دين واجب عليه، والنافلة تطوع إن تيسرت وإلا فلا حرج، وعلى هذا فنقول لمن عليه قضاء من رمضان: اقض ما عليك قبل أن تتطوع، فإن تطوع قبل أن يقضي ما عليه، فالصحيح أن صيامه التطوع صحيح ما دام في الوقت سعة؛ لأن قضاء رمضان يمتد إلى أن يكون بين الرجل وبين رمضان الثاني مقدار ما عليه، فما دام الأمر موسعاً فالنفل جائز كصلاة الفريضة، مثلاً: إذا صلى الإنسان تطوعاً قبل الفريضة مع سعة الوقت كان جائزاً.

فمن صام يوم عرفة أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر) ومعلوم أن من عليه قضاء فإنه لا يقال: إنه صام رمضان حتى يكمل القضاء، وهذه مسألة يظن بعض الناس أنه إذا خاف خروج شوال قبل صوم الست فإنه يصومها ولو بقي عليه القضاء، وهذا غلط، فإن هذه الست لا تصام إلا إذا أكمل الإنسان ما عليه من رمضان.

السؤال: بالنسبة للحاج المكي قلتم: بأنه في منى لا يقصر ولكن في مزدلفة وعرفة فإنه يقصر، ما التعليق على ذلك؟

الجواب: أما بالنسبة للمكي إذا حج فإن العلماء الذين يقدرون السفر بالمسافة لا يرون له جمعاً ولا قصراً كالإمام أحمد والشافعي؛ ولهذا لا يجوزون للحاج المكي أن يقصر أو يجمع حتى فيما سبق من الزمن، لكن القول الراجح: أن السفر لا يتقيد بالمسافة وإنما يتقيد بالعرف والتأهب له، فما تأهب له وشدوا الرحل إليه فهو سفر، وعلى هذا القول فإنه يجوز للمكي أن يقصر ويجمع إذا حج، ويدل على هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه أهل مكة ولم يأمرهم بالإتمام ويقول: أتموا يا أهل مكة! فإنا قوم سفر وعلى هذا فنقول: إن مذهب الإمام أحمد على المشهور عنه والشافعي: أن المكيين لا يجمعون ولا يقصرون لا في منى ولا في عرفة ولا في مزدلفة.

وأما عن القول الثاني الذي رجحناه: فإن الإنسان إذا كان في مزدلفة أو في عرفة يكون في مكان منفصل عن مكة فيترخص برخص السفر، أما إذا كان في منى فكما تعلمون أن منى في الوقت الحاضر صارت كأنها حيٌ من أحياء مكة ، لهذا نرى أن الاحتياط ألا يجمع ولا يقصر في منى ، مع أنه لا جمع في منى حتى لغير المكيين، إذ أن من السنة فيها لغير المكيين القصر بدون جمع، أما في مزدلفة وعرفة فهي منفصلة كما قلت لك أولاً منفصلة عن مكة يعني: لم تتصل بها، حسب ما رأيت أنه لم يتصل البناء، وعلى كل حال لو فرض أن مكة كبرت في المستقبل وصارت المزدلفة منها مثل منى فالحكم واحد.

السؤال: في مقولة: أرحام تدفع وأرض تبلع، ما أدري ما يقول الشرع فيها؟ وإلى من تنسب؟

الجواب: هذه المقولة وهي قولهم: إن الدنيا أرحام تدفع وأرض تبلع وليس وراء ذلك شيء، فهذا قول أهل الدهر، الذين يقولون: مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] وهو كفر؛ لأنه إنكار للبعث، وأما من قال: أرحام تدفع وأرض تبلع، وهو يؤمن أن وراء ذلك البعث فإن هذا ليس عليه بأس في هذه المقولة، لكنه قد ينكر عليه إطلاقها؛ لأن من سمعه أو من سمع هذه المقولة قد يتوهم مذهب الدهريين الذين يقولون: وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] ولا يؤمنون بالبعث، فالأولى التنزه والبعد عن هذه المقولة.

السؤال: هناك مقولة أخرى إذا طلب من أحد شفاعة أو شيء قال: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي ما أعطيته، هل هي شرعية؟

الجواب: هذا يقول: إن بعض الناس إذا طلب منهم شيء، قالوا: لو أراد مني ذنباً من ذنوبي ما أعطيته، يراد بذلك أنه مستحيل أن يعطيه، لكن كأن الأمر بالعكس أن يقول: لو أراد مني حسنة من حسناتي ما أعطيته، أما كل الذنوب فكل واحد يحب أن يتحمل عنه الإنسان ذنبه، وعلى كل حال فالمسألة مفهومة عند العامة: أن المراد بها الامتناع أن يعطي هذا الشخص ما طلب منه، فلا أرى فيها محذوراً.

السؤال: ما حكم تعجيل الزكاة لسنوات عديدة للمنكوبين والذين تَحلَّ بهم مصائب؟

الجواب: تعجيل الزكاة قبل حلولها لأكثر من سنة الصحيح أنه جائز لمدة سنتين فقط، ولا يجوز أكثر من ذلك، ومع هذا لا ينبغي أن يعجل الزكاة قبل حلول وقتها، اللهم إلا أن تطرأ حاجة كمسغبة شديدة، أو جهات، أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ نقول: يعجل لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل، وإلا فالأفضل ألا يزكي إلا إذا حلَّت الزكاة؛ لأن الإنسان قد يعتري ماله ما يعتريه من تلفٍ أو غيره، وعلى كل حال أيضاً ننبه إلى أنه لو زاد عما هو عليه حين التعجيل فإن هذه زيادة يجب دفع زكاتها.

السؤال: بعض الموظفين تنتهي أعمالهم مثل المدرسين فيسمح لهم المدير المباشر إذا خرجت النتائج بعدم الإتيان إلى المدرسة، هل يحق لهم علماً بأن الدوام المقرر قد بقي عليه يومان أو ثلاثة؟

الجواب: الظاهر أن تسأل فتقول: إذا انتهى زمن عمل الموظف، وأذن له رئيسه المباشر بعدم الحضور، فالظاهر لي أن هذا لا بأس به، لكن لا يغيب عن البلد؛ لأنه ربما يحتاج إليه، فإذا كان الأمر كما قلت مثلاً انتهت أيام الاختبار في نصف الأسبوع وبقي النصف الآخر قبل الإجازة؛ فإذا رأى المدير المباشر أن لا يُلزم الأساتذة بالحضور فلا حرج، ولكن لا يغادرون البلد؛ لأنه ربما يحتاج إليهم في إعادة النظر في بعض الأجوبة أو ما أشبهها.

السائل: إذا أمكن الاتصال بهم عن طريق الهاتف لو غادروا البلد؟

الشيخ: لا يمكن في مسألة الجواب؛ لأن الرجل قد لا يقتنع برأي غيره مثل ما لو قال: هذا الجواب يحتاج إلى زيادة درجة أو درجتين، فإنه ربما لا يقتنع بذلك حتى يقرأه مرة ثانية ويكرره.

السائل: أقصد يطلب منه الحضور عن طريق الهاتف؟

الشيخ: إذا كان يمكن فلا بأس.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3396 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3352 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3317 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3297 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3282 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3262 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3118 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3092 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3039 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3034 استماع