اللقاء الشهري [76]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإننا في هذه الليلة ليلة الأحد الثالث عشر من شهر ربيع أول عام (1421هـ) نفتتح هذا اللقاء السادس والسبعين من اللقاءات الشهرية التي تتم كل شهر ليلة الأحد الثالث من كل شهر في الجامع الكبير في عنيزة، والتي يشاركنا فيها في الآونة الأخيرة إخوانٌ لنا في مدن أخرى، نسأل الله تعالى أن ينفع بهذه اللقاءات.

هذا اللقاء سنجعله مناسباً لما يحدث في هذه الإجازة من كثرة الزواج. فنقول: الزواج من سنن المرسلين، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] وكما فعل صاحب مدين مع موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام حين قال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ [القصص:27] ولأن فيه فوائد عظيمة للمجتمع عموماً وللزوجين خصوصاً، ولأنه من طبيعة البشر؛ فإن الطبيعة الفطرية تهوي النكاح وتريده، ولولا أن الله جعل في الفطرة هواية النكاح ما تزوج أحد؛ لأنه يستحيا -لولا قوة الشهوة- أن يكشف الرجل عورته للمرأة وتكشفها للرجل، لكن الله جبل الخلق على هذه الفطرة من أجل المصالح العظيمة التي منها: بقاء النسل وبقاء البشر، إذ لولا النكاح ما توالد البشر ولهلكوا.

وفي النكاح فوائد كثيرة:

منها: التأسي بالمرسلين كما سبق.

ومنها: غض البصر وتحصين الفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: النكاح- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).

ومنها: تكثير نسل الأمة، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن نتزوج بالودود الولود؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكاثر الأنبياء يوم القيامة بأمته، وأمته أكثر الأمم بلا شك.

ومنها: ما يترتب على ذلك من الإنفاق على الزوجة والأولاد.

ومنها: ما يترتب على ذلك من تقارب الناس بعضهم لبعض، كما قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [الفرقان:54] تجد الرجل لا يعرف هؤلاء القوم وليس لهم به صلة، فإذا تزوج منهم حصلت الصلة حتى كأنهم من أقاربه، وهذه هي إحدى الحكم في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى يكون له في كل قبيلة من قريش صلة بالمصاهرة، ولهذا مات صلوات الله وسلامه عليه عن تسع نسوة.

النكاح فيه فوائد كثيرة، ومن أجل هذه الفوائد جعل الله تعالى له حدوداً في الدخول فيه وحدوداً في الخروج منه.

نذكر الحدود في الدخول فيه:

الولي

أولاً: لا بد من الولي، وهو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وعلى هذا فالمرأة لا تكون ولياً، بمعنى: لا تزوج الأم ابنتها؛ لأن الأم نفسها تحتاج إلى ولي. والبالغ ضده الصغير، فالصغير لا يكون ولياً ولو كان من أذكى الناس، فذكرٌ له أربع عشرة سنة ومن أذكى الناس وأعقل الناس لا يمكن أن يكون ولياً، فلو كانت امرأة لها أخٌ شقيق ذكي عاقل، ولها ابن عم بعيد لكنه بالغ عاقل تمت به شروط الولاية، فمن الذي يزوجها؟ يزوجها ابن العم البعيد، وذلك لفقد البلوغ. والعاقل ضده المجنون، ولا يكون ولياً، بل هو يحتاج إلى ولاية.

(من عصبات المرأة) احتراز من ذوي الفروض والأرحام، فذوو الفروض لا ولاية لهم، وذوو الأرحام لا ولاية لهم .. أبو الأم هل يكون ولياً لبنت ابنته؟ لا. لأنه ليس من العصبة .. وجد المرأة لأمها لا يكون ولياً لها؛ لأنه ليس من العصبة، أما جدها لأبيها فهو ولي؛ لأنه من العصبة، وعلى هذا لو اجتمع أبو أم وابن عم بعيد فإن الذي يزوج المرأة ابن العم البعيد دون أبو الأم، والأخ من الأم هل يزوج أخته من الأم؟ الجواب: لا يزوج؛ لأنه ليس من العصبة، وعلى هذا فلو وجد ابن عم بعيد جداً وأخ من أم فإن الذي يزوجها ابن العم البعيد إذا تمت شروط الولاية.

إذاً: ولي المرأة هو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وما هو الدليل على أنه لا بد أن يكون لها ولي؟ أليست المرأة يجوز أن تبيع كل مالها كما شاءت في الحدود الشرعية؟ الجواب: بلى. لكن لا تزوج نفسها؛ لأن النكاح ليس بالأمر الهين، بل خطير جداً، الدليل قول الله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] تعضلوهن أي: تمنعوهن، وهذا يدل على أنها لا تتزوج إلا بولي وإلا لكان العضل وعدمه سواءً.

ثانياً: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا نكاح إلا بولي) أي: لا نكاح صحيح إلا بولي، هذا شرط من شروط النكاح، ولو زوجت المرأة العاقلة العالمة الذكية نفسها رجلاً خليقاً ديناً فإن النكاح باطل؛ لأنها لم تتزوج بولي، و(لا نكاح إلا بولي).

رضا الزوجين

الشرط الثاني: رضى الزوج والزوجة .. فإن أكره الزوج أو الزوجة على النكاح فلا نكاح، وكيف يكره الزوج؟ عند بعض البوادي يكره الرجل ابنه على أن يتزوج ابنة عمه ويقول: إما أن تتزوجها وإلا فالرصاصة في رأسك، وهذا إكراه فلا يصح النكاح، بعض البادية يفعل هذا؛ لأنه قد حجر ابنة أخيه لابنه، فيقول: كيف أقابل الرجال وأنا قد حجرت ابنة عمك لك ثم تقول: لا؟ فيكره ابنه على أن يتزوجها، فالنكاح باطل، كذلك لو أكرهت البنت على أن تتزوج من لا تريد فإن النكاح باطل، حتى لو كان أباها فإن النكاح باطل، فلو أكره ابنته على النكاح بأن قال لها: يا ابنتي! هذا ابن عمك قد حجرناه لك ولا يمكن أن تخجلينا، إما أن تتزوجي وإلا فالرصاصة في رأسك. فوافقت وتم العقد، فإن هذا العقد غير صحيح لعدم الرضا، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنكح الأيم -أي: الثيب- حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) وقال: (البكر يستأذنها، أو قال: يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب.

وما ذهب إليه بعض العلماء من جواز إجبار الرجل ابنته على الزواج، مستدلين بحديث عائشة حين زوجها أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس لها إلا ست سنين؛ فقولهم ضعيف واستدلالهم باطل؛ لأن أبا بكر زوج عائشة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل يعقل أن عائشة تمانع في هذا؟ أبداً، هو يعلم علم اليقين أنها تفرح بهذا، ولهذا لما نزل قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:28-29] فالرسول خير النساء: إن كنتن تحببن الدنيا وزينتها فأنا أسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله فلكن الله ورسوله، وبدأ بـعائشة، عائشة البكر الصغيرة خيرها وخاف أن يدركها الشباب وقال لها: (ما عليك أن تستأمري أبويك) أي: شاوري أبويك، خاف أن تتعجل وتقول: أريد الدنيا؛ لأنها صغيرة، قالت: يا رسول الله! أفي هذا أستأمر أبوي أن أخير بين الله ورسوله وبين الدنيا، أفي هذا أستأمر أبوي؟ أريد الله ورسوله. سبحان الله! هل يعقل أن مثل هذه إذا زوجها أبوها بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمانع؟ لا تمانع، إذاً الاستدلال بهذا الحديث خطأ وغلط، لكن أروني بكراً أقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاحها وهي كارهة، لا تجدون هذا، وما يفعله بعض البادية يحبس ابنته على كثرة ما يعطى من الأموال فقد خان أمانته، وسقطت ولايته، وفعل إثماً مبيناً والعياذ بالله، ولن تغنيه الدنيا عن الآخرة، وما يدري فلعله لا يستمتع بما اشترط لنفسه من الأموال. هذا هو الشرط الثاني.

تعيين الزوجة

الشرط الثالث: تعيين الزوجة .. كأن يسميها باسمها، أو يصفها بوصف لا ينطبق إلا عليها، أو يشير عليها إن كانت حاضرة، فالتعيين يكون بواحد من أمور ثلاثة: أن يسميها باسمها، كأن يكون هناك رجل له ابنتان إحداهما زينب والثانية فاطمة، فقال: زوجتك إحدى ابنتي، من هي؟ لا بد من أن يعين، لكن قال: زوجتك ابنتي فاطمة؛ فهذا تعيين، أو له ابنتان إحداهما طويلة والثانية قصيرة، وقال: زوجتك ابنتي القصيرة، وهذا الوصف لا تتصف به الأخرى، هذا تعيين صحيح، أو بناته عنده في المجلس لكنهن متغطيات، فقال: زوجتك هذه، وأشار إليها، فهذا تعيين صحيح. لعلكم تقولون: أليس صاحب مدين قال لموسى: زوجتك إحدى ابنتي؟ فالجواب بلى، قال: إحدى ابنتي، ما قال هذه ولا هذه، لكننا نعلم أن موسى عينها، فإحدى ابنتي للتخير، أي: خذ من شئت، فعينها فزوجه إياها، فهنا عينها بعد الإبهام وهذا الصحيح.

الشهود

بقي شرط رابع مختلف فيه وهو: الشهود .. أن يكون العقد بشاهدين ذكرين بالغين عاقلين، فإن تزوج بلا شهود فلا نكاح، أو بشهادة امرأتين فلا نكاح، أو بشاهدة عشر نساء فلا نكاح، أو بشاهدة غلامين فلا نكاح، لا بد أن يكونا رجلين بالغين عاقلين، لكن هذا الشرط فيه خلاف بين العلماء، منهم من يقول: إنه شرط للصحة، ومنهم من يقول: إنه شرط للكمال، بمعنى: أنه إذا كان هناك شهود فهو أكمل وإلا فالعقد صحيح، وهل يصح أن يكون أحد الشاهدين المأذون الشرعي الذي يكتب أو لا يصح؟ يصح أن يكون أحد الشاهدين المأذون الشرعي، وعلى هذا فإذا حضر الرجل والمأذون الشرعي وشاهد، وزوجه الولي فالعقد صحيح؛ لأن المأذون شاهد.

إذاً: لا بد في العقد من هذه الشروط، ولا بد ألا يزيد عن العدد المشروع وهو أربع، فلو تزوج خامسةً ومعه أربع فالنكاح باطل؛ لقوله تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] فإن طلق إحدى الأربع فهل يتزوج الخامسة؟ الجواب: ما دامت المطلقة في العدة فلا يتزوج، وإذا انتهت العدة تزوج.

أولاً: لا بد من الولي، وهو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وعلى هذا فالمرأة لا تكون ولياً، بمعنى: لا تزوج الأم ابنتها؛ لأن الأم نفسها تحتاج إلى ولي. والبالغ ضده الصغير، فالصغير لا يكون ولياً ولو كان من أذكى الناس، فذكرٌ له أربع عشرة سنة ومن أذكى الناس وأعقل الناس لا يمكن أن يكون ولياً، فلو كانت امرأة لها أخٌ شقيق ذكي عاقل، ولها ابن عم بعيد لكنه بالغ عاقل تمت به شروط الولاية، فمن الذي يزوجها؟ يزوجها ابن العم البعيد، وذلك لفقد البلوغ. والعاقل ضده المجنون، ولا يكون ولياً، بل هو يحتاج إلى ولاية.

(من عصبات المرأة) احتراز من ذوي الفروض والأرحام، فذوو الفروض لا ولاية لهم، وذوو الأرحام لا ولاية لهم .. أبو الأم هل يكون ولياً لبنت ابنته؟ لا. لأنه ليس من العصبة .. وجد المرأة لأمها لا يكون ولياً لها؛ لأنه ليس من العصبة، أما جدها لأبيها فهو ولي؛ لأنه من العصبة، وعلى هذا لو اجتمع أبو أم وابن عم بعيد فإن الذي يزوج المرأة ابن العم البعيد دون أبو الأم، والأخ من الأم هل يزوج أخته من الأم؟ الجواب: لا يزوج؛ لأنه ليس من العصبة، وعلى هذا فلو وجد ابن عم بعيد جداً وأخ من أم فإن الذي يزوجها ابن العم البعيد إذا تمت شروط الولاية.

إذاً: ولي المرأة هو الرجل البالغ العاقل من عصبات المرأة، وما هو الدليل على أنه لا بد أن يكون لها ولي؟ أليست المرأة يجوز أن تبيع كل مالها كما شاءت في الحدود الشرعية؟ الجواب: بلى. لكن لا تزوج نفسها؛ لأن النكاح ليس بالأمر الهين، بل خطير جداً، الدليل قول الله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] تعضلوهن أي: تمنعوهن، وهذا يدل على أنها لا تتزوج إلا بولي وإلا لكان العضل وعدمه سواءً.

ثانياً: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا نكاح إلا بولي) أي: لا نكاح صحيح إلا بولي، هذا شرط من شروط النكاح، ولو زوجت المرأة العاقلة العالمة الذكية نفسها رجلاً خليقاً ديناً فإن النكاح باطل؛ لأنها لم تتزوج بولي، و(لا نكاح إلا بولي).

الشرط الثاني: رضى الزوج والزوجة .. فإن أكره الزوج أو الزوجة على النكاح فلا نكاح، وكيف يكره الزوج؟ عند بعض البوادي يكره الرجل ابنه على أن يتزوج ابنة عمه ويقول: إما أن تتزوجها وإلا فالرصاصة في رأسك، وهذا إكراه فلا يصح النكاح، بعض البادية يفعل هذا؛ لأنه قد حجر ابنة أخيه لابنه، فيقول: كيف أقابل الرجال وأنا قد حجرت ابنة عمك لك ثم تقول: لا؟ فيكره ابنه على أن يتزوجها، فالنكاح باطل، كذلك لو أكرهت البنت على أن تتزوج من لا تريد فإن النكاح باطل، حتى لو كان أباها فإن النكاح باطل، فلو أكره ابنته على النكاح بأن قال لها: يا ابنتي! هذا ابن عمك قد حجرناه لك ولا يمكن أن تخجلينا، إما أن تتزوجي وإلا فالرصاصة في رأسك. فوافقت وتم العقد، فإن هذا العقد غير صحيح لعدم الرضا، الدليل: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تنكح الأيم -أي: الثيب- حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) وقال: (البكر يستأذنها، أو قال: يستأمرها أبوها) فنص على البكر ونص على الأب.

وما ذهب إليه بعض العلماء من جواز إجبار الرجل ابنته على الزواج، مستدلين بحديث عائشة حين زوجها أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس لها إلا ست سنين؛ فقولهم ضعيف واستدلالهم باطل؛ لأن أبا بكر زوج عائشة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل يعقل أن عائشة تمانع في هذا؟ أبداً، هو يعلم علم اليقين أنها تفرح بهذا، ولهذا لما نزل قول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:28-29] فالرسول خير النساء: إن كنتن تحببن الدنيا وزينتها فأنا أسرحكن سراحاً جميلاً، وإن كنتن تردن الله ورسوله فلكن الله ورسوله، وبدأ بـعائشة، عائشة البكر الصغيرة خيرها وخاف أن يدركها الشباب وقال لها: (ما عليك أن تستأمري أبويك) أي: شاوري أبويك، خاف أن تتعجل وتقول: أريد الدنيا؛ لأنها صغيرة، قالت: يا رسول الله! أفي هذا أستأمر أبوي أن أخير بين الله ورسوله وبين الدنيا، أفي هذا أستأمر أبوي؟ أريد الله ورسوله. سبحان الله! هل يعقل أن مثل هذه إذا زوجها أبوها بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمانع؟ لا تمانع، إذاً الاستدلال بهذا الحديث خطأ وغلط، لكن أروني بكراً أقر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكاحها وهي كارهة، لا تجدون هذا، وما يفعله بعض البادية يحبس ابنته على كثرة ما يعطى من الأموال فقد خان أمانته، وسقطت ولايته، وفعل إثماً مبيناً والعياذ بالله، ولن تغنيه الدنيا عن الآخرة، وما يدري فلعله لا يستمتع بما اشترط لنفسه من الأموال. هذا هو الشرط الثاني.

الشرط الثالث: تعيين الزوجة .. كأن يسميها باسمها، أو يصفها بوصف لا ينطبق إلا عليها، أو يشير عليها إن كانت حاضرة، فالتعيين يكون بواحد من أمور ثلاثة: أن يسميها باسمها، كأن يكون هناك رجل له ابنتان إحداهما زينب والثانية فاطمة، فقال: زوجتك إحدى ابنتي، من هي؟ لا بد من أن يعين، لكن قال: زوجتك ابنتي فاطمة؛ فهذا تعيين، أو له ابنتان إحداهما طويلة والثانية قصيرة، وقال: زوجتك ابنتي القصيرة، وهذا الوصف لا تتصف به الأخرى، هذا تعيين صحيح، أو بناته عنده في المجلس لكنهن متغطيات، فقال: زوجتك هذه، وأشار إليها، فهذا تعيين صحيح. لعلكم تقولون: أليس صاحب مدين قال لموسى: زوجتك إحدى ابنتي؟ فالجواب بلى، قال: إحدى ابنتي، ما قال هذه ولا هذه، لكننا نعلم أن موسى عينها، فإحدى ابنتي للتخير، أي: خذ من شئت، فعينها فزوجه إياها، فهنا عينها بعد الإبهام وهذا الصحيح.