اللقاء الشهري [66]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وترك أمته على محجة بيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة: فهذا هو اللقاء الشهري الذي يتم كل شهر في ليلة الأحد الثالثة من كل شهر، وهذا الشهر هو شهر ربيع الأول عام (1420هـ).

تفسير قوله تعالى: (والَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ )

نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه فيما سبق من تفسير آخر سورة الفرقان.

ذكر الله تبارك وتعالى أوصاف عباد الرحمن وسبق كثير منها، ومن أوصافهم: أنهم لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72].

(لا يشهدون الزور) أي: لا يشهدون المنكر من القول والعمل، أي: لا يحضرونه ولا يجلسون إليه؛ لأن شهود الزور يحصل به إثم الزور، بمعنى: أن الإنسان إذا قعد مع قوم على زور فإنه مثلهم وإن لم يعمل عملهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] فهذا يعني أنكم إذا قعدتم إذاً تكونوا مثلهم .. إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] فهم لا يشهدون الزور وإذا لم يشهدوا الزور، لن يعملوا به.

وإنه بهذه المناسبة يشكو كثيرٌ من الناس اليوم حضور اجتماعات الزفاف؛ لأنهم يقولون: لا تخلو كثيرٌ من ليالي الزفاف إلا وفيها منكر، فماذا نصنع؟ هل نحضر مع كرهنا لذلك أو لا نحضر؟

الجواب يا إخواننا أن نقول: إذا كان الإنسان بحضوره يستطيع أن يمنع المنكر وجب عليه أن يحضر؛ وذلك لسببين:

أولاً: أن إجابة وليمة العرس واجبة بالشروط المعروفة.

ثانياً: أنه يستطيع إزالة المنكر، ومن استطاع أن يزيل المنكر وجب عليه أن يزيله، فإن لم يستطع فلا يحضر؛ لأنه إذا حضر شاركهم في الإثم. يقول بعض الناس: إذا لم أحضر يغضب القريب والصديق، فنقول: وليكن ذلك؛ لأنك إذا أغضبته أرضيت الله، وهل ينبغي للمؤمن أن يراعي رضا الناس دون رضا الله؟! لا والله، إن من التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن التمس رضا الله بسخط الناس؛ كفاه الله مئونة الناس، فلا تبالِ يا أخي، وإذا قال لك قريب: لماذا لم تحضر؟ تقل: لو اتقيت الله لحضرنا، ولا نبالي، ولا نحابي أحداً في دين الله، وتقول له بصراحة: لو أنك تخليت عن هذا الأمر الذي هممت به لأجبتك، أما أن تقيم هذه الحفلة المحرمة، وتريد مني أن أحضر، فهذا لا يمكن.

كذلك أيضاً، يوجد أناسٌ يجلسون عند الذين يغتابون الناس، وغيبة الناس من الزور بلا شك، فتجده يجلس ويستمع إلى الغيبة، ويقول: إني كارهٌ لذلك، فهل هذه الدعوى صحيحة؟ ليست صحيحة؛ لأنه لو كان كارهاً لذلك حقيقةً ما جلس، وإذا جلس مع الذين يغتابون الناس وإن لم يشاركهم في الغيبة فهو مشارك لهم في الإثم.

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)

يقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72] واللغو هو الذي ليس بزور وليس بمشروع ومحبوب، يمرون به مر الكرام.. (مروا كراماً) أي: بعيدين عن اللغو، وهذا أيضاً يقع كثيراً بين الناس، تجد الناس الآن في الاستراحات، وفي الدواوين، وفي البيوت، تجد كثيراً من كلامهم لغواً لا فائدة فيه، هؤلاء إذا مروا باللغو مروا كراماً، يسلمون من اللغو ويأتون بالخير والنصيحة.

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ...)

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً [الفرقان:73] أي: إذا نسوا شيئاً من طاعة الله، ثم ذكرهم أحد بذلك قبلوا وسمعوا وأبصروا، فلم يخروا عليها صماً وعمياناً، وإنما يتلقونها بالقبول والراحة، ويقومون بما يجب عليهم.

إن بعض الناس -والعياذ بالله- إذا ذكر بآيات الله استنكف واستكبر، وقال: من أنت حتى تأمرني؟ من أنت حتى تنهاني؟! أنا أكبر منك .. أنا أعلم منك!! وهذا محرم، الواجب إذا ذكرك أحدٌ بطاعة الله أن تتذكر وألا تخر على ذلك أصم أعمى.

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا ...)

قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] يسألون الله سبحانه وتعالى أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين، أي: ما تقر به العين؛ من معاشرة طيبة، وصلاح، وتعاون على البر والتقوى، وغير ذلك مما تقر به عينه.

وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] وهذه أفضل وأعلى من التي قبلها، أي: اجعلنا أئمة للمتقين في التقوى، والدعوة إلى الله، والخير والبر، وهذه -والله- تساوي الدنيا كلها؛ أن تكون إماماً للناس في تقوى الله عز وجل، بحيث يضرب بك المثل، وتتبع أقوالك وأفعالك، ويقتدي الناس بك، والمتقون: هم الذين قاموا بطاعة الله، واجتنبوا ما نهى الله عنه.

تفسير قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ...)

قال تعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75] هذا جزاؤهم، والغرفة هي الجنة، وسميت بذلك لأنها غرف فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلني وإياكم من ساكنيها .. أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75] أي: بسبب صبرهم. قال أهل العلم: والصبر ثلاثة أقسام:

1/ صبر على طاعة الله.

2/ صبر عن معصية الله.

3/ صبر على أقدار الله المؤلمة .. ولنضرب لكل واحدة مثالاً:

الصبر على طاعة الله أن يقاوم الإنسان نفسه ويحملها على فعل الطاعة، فلو قام في آخر الليل في أيام الشتاء، ووجد الماء بارداً لكنه لا يضره، فإنه يحتاج إلى صبر، فليصبر، وإن تألم بالبرد، فإن إسباغ الوضوء على المكاره من الرباط. هذا صبر على طاعة الله.

الصبر عن معصية الله أن تهون عليه نفسه النظر إلى النساء -مثلاً- ويحاول أن يمنعها. هذا صبر عن محارم الله.

الصبر على أقدار الله لا يكاد يسلم أحد من بلاء .. من مرض .. من فقر .. من فقد أقارب .. من فقد أصحاب، والمصائب كثيرة، فليصبر على هذه الأقدار، ويتحمل، فإن الله تعالى مع الصابرين.

قال العلماء رحمهم الله: ومقام الناس بالنسبة لأقدار الله أربعة مقامات:

الأول: الجزع.

الثاني: الصبر.

الثالث: الرضا.

الرابع: الشكر.

كل إنسان يصاب بمصيبة لا بد أن يكون على حال من هذه الأحوال.

الأول: الجزع .. وذلك أنه إذا أصيب بالمصيبة جعل يلطم خده، وينتف شعره، ويدعو بالويل والثبور، ويشق ثوبه .. وهذا عليه وزر، أو إذا مات عليه قريب جعل ينوح عليه نوح الحمام ولا يصبر، والنوح على الأموات من كبائر الذنوب، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة، أي: التي تنوح والتي تستمع لها.

ومن الناس -والعياذ بالله- من يزيد على هذا فيصعد إلى الجبل عند المصيبة ويتردى منه؛ فيهلك نفسه، أو يشرب سماً، فيقتل نفسه، أو يقتل نفسه بحديدة، ولا يصبر، وهل هذا الذي يفعل هذا الفعل ينجو من المصيبة؟ لا والله، بل لا يزداد إلا حسرة؛ لأنه إذا مات وهو الذي قتل نفسه فإنه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم، نسأل الله العافية! وما فعله هذا إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار.

الثاني: الصبر .. وهو أن يتجرع مرارة المصيبة، يتعب نفسياً من المصيبة، لكنه قد حمى سمعه وبصره وجوارحه، ويتحمل، فإن زاد على ذلك الاحتساب، أي: احتساب الأجر من الله على الصبر فهذا نور على نور.

الثالث: الرضا .. ومعناه: أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة قال: هذه من عند الله، ورضي بها واستسلم، ولم يكن في قلبه ذلك الحزن البالغ الذي قد يحمله على مكروه، بل يقول: أنا عبد الله عز وجل يفعل بي ما شاء، إن أصابني بضراء صبرت فكان خيراً لي، وإن أصابني بسراء شكرت فكان خيراً لي.

الرابع: الشكر .. لكن كيف يشكر الإنسان على المصيبة؟ يشكر على المصيبة من وجهين:

الوجه الأول: أنه إذا قاسها بما هو أعظم شكر الله.

الثاني: أنه إذا قاسها باعتبار أجرها شكر الله؛ لأن الأجر خيرٌ من المصيبة: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

نرجع إلى الآيات .. قال الله تعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً [الفرقان:75] تتلقاهم الملائكة بالتحية والسلام، وإدخال الأنس والسرور، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً [الفرقان:76] (خالدين فيها) أي: في الغرفة، والمراد غرفات الجنات .. (حسنت مستقراً ومقاماً) والفعل إذا بني على (فعُل) فمعناه التعجب، أي: ما أحسنها مستقراً ومقاماً!

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من ساكني هذه الغرف، وأن يتوفانا على الإيمان، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.

نبتدئ هذا اللقاء بما انتهينا إليه فيما سبق من تفسير آخر سورة الفرقان.

ذكر الله تبارك وتعالى أوصاف عباد الرحمن وسبق كثير منها، ومن أوصافهم: أنهم لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72].

(لا يشهدون الزور) أي: لا يشهدون المنكر من القول والعمل، أي: لا يحضرونه ولا يجلسون إليه؛ لأن شهود الزور يحصل به إثم الزور، بمعنى: أن الإنسان إذا قعد مع قوم على زور فإنه مثلهم وإن لم يعمل عملهم، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] فهذا يعني أنكم إذا قعدتم إذاً تكونوا مثلهم .. إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] فهم لا يشهدون الزور وإذا لم يشهدوا الزور، لن يعملوا به.

وإنه بهذه المناسبة يشكو كثيرٌ من الناس اليوم حضور اجتماعات الزفاف؛ لأنهم يقولون: لا تخلو كثيرٌ من ليالي الزفاف إلا وفيها منكر، فماذا نصنع؟ هل نحضر مع كرهنا لذلك أو لا نحضر؟

الجواب يا إخواننا أن نقول: إذا كان الإنسان بحضوره يستطيع أن يمنع المنكر وجب عليه أن يحضر؛ وذلك لسببين:

أولاً: أن إجابة وليمة العرس واجبة بالشروط المعروفة.

ثانياً: أنه يستطيع إزالة المنكر، ومن استطاع أن يزيل المنكر وجب عليه أن يزيله، فإن لم يستطع فلا يحضر؛ لأنه إذا حضر شاركهم في الإثم. يقول بعض الناس: إذا لم أحضر يغضب القريب والصديق، فنقول: وليكن ذلك؛ لأنك إذا أغضبته أرضيت الله، وهل ينبغي للمؤمن أن يراعي رضا الناس دون رضا الله؟! لا والله، إن من التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن التمس رضا الله بسخط الناس؛ كفاه الله مئونة الناس، فلا تبالِ يا أخي، وإذا قال لك قريب: لماذا لم تحضر؟ تقل: لو اتقيت الله لحضرنا، ولا نبالي، ولا نحابي أحداً في دين الله، وتقول له بصراحة: لو أنك تخليت عن هذا الأمر الذي هممت به لأجبتك، أما أن تقيم هذه الحفلة المحرمة، وتريد مني أن أحضر، فهذا لا يمكن.

كذلك أيضاً، يوجد أناسٌ يجلسون عند الذين يغتابون الناس، وغيبة الناس من الزور بلا شك، فتجده يجلس ويستمع إلى الغيبة، ويقول: إني كارهٌ لذلك، فهل هذه الدعوى صحيحة؟ ليست صحيحة؛ لأنه لو كان كارهاً لذلك حقيقةً ما جلس، وإذا جلس مع الذين يغتابون الناس وإن لم يشاركهم في الغيبة فهو مشارك لهم في الإثم.