اللقاء الشهري [55]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، وجعله خاتم النبيين وإمام المتقين، بل وإمام المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

هذا اللقاء يتجاذبه أمران، الأمر الأول: الكلام عن الإجازة، وماذا يفعل الإنسان في هذه الإجازة الطويلة الصيفية. والثاني: النكاح.

أما الأول فقد تكلمنا عنه في خطبة الجمعة الماضية وأرجو أن تكون مسموعةً لكثير منكم، ومن لم يسمعها فإنها موجودة -والحمد لله- في الأشرطة، وأما الثاني وهو مهم بل قد يكون أهم وهو النكاح وما يتعلق به.

اعلم أخي المسلم أن النكاح من أخطر العقود وأهمها وأشدها ضرورة وأشدها ضرراً، فالنكاح من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38].

النكاح استجابة لداعي الفاطر؛ فإن كل إنسان مفطور على ذلك إلا ما ندر، فهو استجابة للفطرة التي خلق الناس عليها، ومن المعلوم أن استجابة الإنسان لما تقتضيه الفطرة من الأمور المطلوبة، يعني: ما تقتضيه فطرتك فإنه من الأمور المطلوبة بل قد يكون واجباً، أرأيتم الأكل والشرب أتستدعيه الفطرة أو لا؟ تستدعيه، ومع ذلك قد يكون واجباً أحياناً، حتى إنه قد يجب عليك أن تأكل الميتة، فإذا خفت الهلاك وجب عليك أن تأكل ما تسد به رمقك ولو من الميتة.

النكاح تستدعيه الفطرة، فالقيام به استجابة لما تستدعيه الفطرة وتقتضيه، ففي النكاح غض البصر، وتحصين الفرج، وتكثير الأمة وتقارب الأمة بعضها إلى بعض، كم من أناس ليس بينهم صلة ويكون النكاح هو سبب الصلة، ولهذا قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً [الفرقان:54] فالنسب القرابة، والصهر: التقارب بين الناس بسبب الزواج.

ولهذا أكثر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل أن يكون له في كل بطن من قريش صلة، وليس إكثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التزوج من أجل إشباع رغبته، ولذلك لم يتزوج بكراً إلا امرأةً واحدة، وهي عائشة رضي الله عنها، ولو كان تعدد الزوجات للرسول عليه الصلاة والسلام من أجل إشباع الرغبة لتزوج الأبكار، ومن الذي يرده؟ أي إنسان يشير عليه الرسول صلى الله عليه وسلم سيجيبه، لكن يريد أن يكون له في كل بطن من بطون قريش صلة؛ لأن التناكح بين الناس من أسباب التقارب والصلة، حتى إن أقارب زوجتك يكونون بالنسبة لأولادك أخوالاً، أو آباءً وأجداداً، أو أمهات وجدات، لذلك نقول: من مصالح النكاح أن يتقارب الناس بعضهم إلى بعض.

من شروط النكاح: رضا الزوج والزوجة

ولكن هذا النكاح لا بد له من شروط نذكر أهمها:

أهمها: رضا كل من الزوج والزوجة، فلا يصح النكاح إلا برضا الزوجين، لا يصح النكاح مع إجبار أحدهما، فلو أن الرجل أجبر ولده على أن يتزوج بنت عمه الذي هو أخو أبيه وقال: لا بد أن تتزوج فإن لم تفعل فسأقاطعك أو سأحبسك أو سأقتلك، لأنه قد تصل الحال إلى القتل -والعياذ بالله- فإذا تزوج الرجل بهذا الإكراه فنكاحه غير صحيح؛ ولهذا يجب على المسلم أن يراعي هذه الحقيقة، وألا يجبر ابنه على أن يتزوج بنت عمه، بل يجعل الخيار له إن شاء تزوج وإن شاء لم يتزوج.

كذلك لا يجوز إكراه البنت أن تتزوج من لا تريده حتى لو كانت بنته، لو كانت ابنته حرم عليه أن يجبرها أن تتزوج من لا تريد التزوج به، فإن فعل وأجبر ابنته على أن يزوجها من لا تريد التزوج به فالنكاح غير صحيح، هو الآن قد سلط هذا الرجل على أن يزني بابنته -والعياذ بالله- لأن النكاح غير صحيح، فإجباره ابنته على أن تتزوج هذا الرجل يعني إجباره إياها على أن يطأها هذا الرجل بغير موجب شرعي، والمسألة خطيرة!

ضد ذلك من يمنع أن يتزوج ابنه بامرأة، كما يوجد ممن عندهم أنفة وكبرياء؛ فلا يمكن أن يتزوج ابنه بمن دونهم سواء في النسب أو في الغنى أو فيما يقال: خضيري وقبيلي، تجد الولد يريد أن يتزوج بهذه المرأة لأنها أعجبته في جمالها وخلقها ودينها ويقول أبوه: لا، لا تتزوج. هذه ما هي من قبيلة فلان، ليست من قبيلتنا، أو نحن أشراف من ذرية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم ليسوا أشرافاً -سبحان الله!- أو يقول: نحن قبايل وأولئك غير قبايل (خضيريين) من قال هذا؟ لا يحل للإنسان أن يمنع ابنه أن يتزوج امرأة يريدها إلا أن تكون كافرة من غير اليهود والنصارى فله أن يمنعها؛ لأن نكاح الكفار حرام إلا اليهود والنصارى فيجوز للمسلم أن يتزوج من نسائهم.

كذلك -أيضاً- من الناس من يمنع ابنته أن يزوجها بخاطب كفء، خاطب مستقيم في دينه وخلقه والبنت تريده ويقول: لا، إما لأغراض شخصية بينه وبين الرجل، أو لأغراض نفسية أو غير ذلك، يمنع ابنته أن يزوجها ممن خطبها وهو كفء وهذا حرام عليه، ويعتبر خيانة للأمانة، قال أهل العلم: ومن تكرر منه ذلك صار فاسقاً من الفاسقين، وسقطت ولايته، وانتقلت الولاية إلى من بعده. هذا كلام العلماء رحمهم الله، كتبهم بين أيدينا، يعني: لو يخطب من الرجل ابنته، تخطب ابنته، والخاطب كفء في دينه وخلقه ويأبى، ويأتي آخر مثله ويأبى، ويأتي ثالث ويأبى قلنا: الآن اجلس في حبسك، لا ولاية لك؛ لأنك الآن فاسق، من يزوجها؟ أقرب الناس إليها، بعد أبيها مثلاً يزوجها أخوها، يزوجها عمها، لكن إذا أبت القرابة أن تزوج إما احتراماً لأبيها، وإما خوفاً من المشاكل فمن يزوجها؟ يزوجها القاضي، ترفع القضية إلى القاضي وهو يزوجها غصباً على أبيها وأخيها وعمها، لأن الحق في النكاح للمرأة، الحق لها.

هذا من أهم الشروط، الرضا من الزوج أو من الزوجة؟ من الاثنين جميعاً، لا بد أن يرضى الزوج والزوجة، فبدون رضا لا يصح.

من شروط النكاح: وجود الولي

من الشروط المهمة: الولي، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) لو أن امرأة عاقلة رشيدة زوجت نفسها فالنكاح غير صحيح، ولو باعت بيتها فالبيع صحيح، لماذا؟

لأن النكاح عقد خطير، والمرأة قاصرة العقل قد تنظر إلى القريب ولا تنظر للبعيد، ووليها لا شك أنه أبصر منها وأدق منها نظراً فلا بد من ولي، وهم مرتبون: أولهم وأولاهم الأب وإن علا، ثم الابن وإن نزل، ثم الأخ الشقيق وأبناؤه، ثم الأخ لأب وأبناؤه، لكن الأخ لأب مقدم على أبناء الأخ الشقيق، ثم العم الشقيق وأبناؤه، ثم العم لأب وأبناؤه.

الإخوة من الأم هل لهم ولاية في النكاح؟

الأخ من الأم لا ولاية له حتى لو لم يوجد عاصب فالقاضي يزوج ولا يزوج الأخ من الأم، لو كان هناك امرأة ليس لها إلا أخوها من أمها وليس لها عصبة وخطبت من أخيها من أمها فمن يزوجها؟

يزوجها القاضي، والخطبة الآن موجهة إلى من؟ إلى الأخ من الأم لأنه قريب لكن ليس له ولاية النكاح، يزوجها القاضي.

فمن أولياء المرأة في النكاح؟

نقول: أولياؤها العصبة، ولا حق لذي فرض ولا حق لذي رحم في ولاية النكاح، إنما هو للعصبة، وترتيبهم أن يبدأ بالأصول ثم بالفروع ثم بالإخوة وأبنائهم ثم بالأعمام وأبنائهم.

ولكن هذا النكاح لا بد له من شروط نذكر أهمها:

أهمها: رضا كل من الزوج والزوجة، فلا يصح النكاح إلا برضا الزوجين، لا يصح النكاح مع إجبار أحدهما، فلو أن الرجل أجبر ولده على أن يتزوج بنت عمه الذي هو أخو أبيه وقال: لا بد أن تتزوج فإن لم تفعل فسأقاطعك أو سأحبسك أو سأقتلك، لأنه قد تصل الحال إلى القتل -والعياذ بالله- فإذا تزوج الرجل بهذا الإكراه فنكاحه غير صحيح؛ ولهذا يجب على المسلم أن يراعي هذه الحقيقة، وألا يجبر ابنه على أن يتزوج بنت عمه، بل يجعل الخيار له إن شاء تزوج وإن شاء لم يتزوج.

كذلك لا يجوز إكراه البنت أن تتزوج من لا تريده حتى لو كانت بنته، لو كانت ابنته حرم عليه أن يجبرها أن تتزوج من لا تريد التزوج به، فإن فعل وأجبر ابنته على أن يزوجها من لا تريد التزوج به فالنكاح غير صحيح، هو الآن قد سلط هذا الرجل على أن يزني بابنته -والعياذ بالله- لأن النكاح غير صحيح، فإجباره ابنته على أن تتزوج هذا الرجل يعني إجباره إياها على أن يطأها هذا الرجل بغير موجب شرعي، والمسألة خطيرة!

ضد ذلك من يمنع أن يتزوج ابنه بامرأة، كما يوجد ممن عندهم أنفة وكبرياء؛ فلا يمكن أن يتزوج ابنه بمن دونهم سواء في النسب أو في الغنى أو فيما يقال: خضيري وقبيلي، تجد الولد يريد أن يتزوج بهذه المرأة لأنها أعجبته في جمالها وخلقها ودينها ويقول أبوه: لا، لا تتزوج. هذه ما هي من قبيلة فلان، ليست من قبيلتنا، أو نحن أشراف من ذرية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم ليسوا أشرافاً -سبحان الله!- أو يقول: نحن قبايل وأولئك غير قبايل (خضيريين) من قال هذا؟ لا يحل للإنسان أن يمنع ابنه أن يتزوج امرأة يريدها إلا أن تكون كافرة من غير اليهود والنصارى فله أن يمنعها؛ لأن نكاح الكفار حرام إلا اليهود والنصارى فيجوز للمسلم أن يتزوج من نسائهم.

كذلك -أيضاً- من الناس من يمنع ابنته أن يزوجها بخاطب كفء، خاطب مستقيم في دينه وخلقه والبنت تريده ويقول: لا، إما لأغراض شخصية بينه وبين الرجل، أو لأغراض نفسية أو غير ذلك، يمنع ابنته أن يزوجها ممن خطبها وهو كفء وهذا حرام عليه، ويعتبر خيانة للأمانة، قال أهل العلم: ومن تكرر منه ذلك صار فاسقاً من الفاسقين، وسقطت ولايته، وانتقلت الولاية إلى من بعده. هذا كلام العلماء رحمهم الله، كتبهم بين أيدينا، يعني: لو يخطب من الرجل ابنته، تخطب ابنته، والخاطب كفء في دينه وخلقه ويأبى، ويأتي آخر مثله ويأبى، ويأتي ثالث ويأبى قلنا: الآن اجلس في حبسك، لا ولاية لك؛ لأنك الآن فاسق، من يزوجها؟ أقرب الناس إليها، بعد أبيها مثلاً يزوجها أخوها، يزوجها عمها، لكن إذا أبت القرابة أن تزوج إما احتراماً لأبيها، وإما خوفاً من المشاكل فمن يزوجها؟ يزوجها القاضي، ترفع القضية إلى القاضي وهو يزوجها غصباً على أبيها وأخيها وعمها، لأن الحق في النكاح للمرأة، الحق لها.

هذا من أهم الشروط، الرضا من الزوج أو من الزوجة؟ من الاثنين جميعاً، لا بد أن يرضى الزوج والزوجة، فبدون رضا لا يصح.

من الشروط المهمة: الولي، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي) لو أن امرأة عاقلة رشيدة زوجت نفسها فالنكاح غير صحيح، ولو باعت بيتها فالبيع صحيح، لماذا؟

لأن النكاح عقد خطير، والمرأة قاصرة العقل قد تنظر إلى القريب ولا تنظر للبعيد، ووليها لا شك أنه أبصر منها وأدق منها نظراً فلا بد من ولي، وهم مرتبون: أولهم وأولاهم الأب وإن علا، ثم الابن وإن نزل، ثم الأخ الشقيق وأبناؤه، ثم الأخ لأب وأبناؤه، لكن الأخ لأب مقدم على أبناء الأخ الشقيق، ثم العم الشقيق وأبناؤه، ثم العم لأب وأبناؤه.

الإخوة من الأم هل لهم ولاية في النكاح؟

الأخ من الأم لا ولاية له حتى لو لم يوجد عاصب فالقاضي يزوج ولا يزوج الأخ من الأم، لو كان هناك امرأة ليس لها إلا أخوها من أمها وليس لها عصبة وخطبت من أخيها من أمها فمن يزوجها؟

يزوجها القاضي، والخطبة الآن موجهة إلى من؟ إلى الأخ من الأم لأنه قريب لكن ليس له ولاية النكاح، يزوجها القاضي.

فمن أولياء المرأة في النكاح؟

نقول: أولياؤها العصبة، ولا حق لذي فرض ولا حق لذي رحم في ولاية النكاح، إنما هو للعصبة، وترتيبهم أن يبدأ بالأصول ثم بالفروع ثم بالإخوة وأبنائهم ثم بالأعمام وأبنائهم.

من الأمور التي يجب الاهتمام بها في النكاح تيسير المهور

ومما يجب الاهتمام به في باب النكاح الصداق -المهر- فالأفضل أن يخفف بقدر الإمكان، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) وما مقدار الصداق؟ لو تزوج الإنسان امرأة على درهم واحد لكفى، لكن هل له حد أعلى؟ ليس له حد أعلى؛ لكن كلما كان أقل فهو أفضل وأعظم بركة وأهون.

انظر ماذا يترتب على تخفيف الصداق:

يترتب عليه أنه أفضل، هذه واحدة.

يترتب عليه أنه أيسر للرجال، ولولا غلاء المهور ما بقيت النساء في البيوت الآن، كل امرأة تريد أن تتزوج لكن الحائل والمانع هو كثرة المهر.

قلة المهر فيه تخفيف على الإنسان من جهة أخرى وهي: لو قدر الله عز وجل ألا يكون بين الزوجين وفاق -وهذا واقع، فقد يكون الزواج غير موفق، أليس كذلك؟ إذا كان المهر سهلاً ويسيراً سهل على الزوج أن يطلق زوجته: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] لكن إذا كان المهر كثيراً لا يمكن أبداً أن يطلقها لأنه خسر عليها، وربما استدان أموالاً كثيرة فيصعب عليه جداً أن يطلقها، فيحصل الشر والبلاء.

كثرة المهر توجب كراهة المرأة لأنه ليس كل أنثى يتزوجها الإنسان تعجبه الإعجاب الكامل، أليس كذلك؟ إذا كانت لم تعجبه الإعجاب الكامل فهو يقدر على الصبر عليها لكن يصبر عليها على مضض، وكلما تفرغ قام يفكر: كيف أخسر هذه الأموال العظيمة على هذه المرأة؟ وهو الآن لا يستطيع أن يطلقها لأن المهر كثير، ثم إذا طلقها متى يجد زوجه فتجده يفكر: كيف أخسر هذا المال الكثير على هذه المرأة فيحصل عدم الألفة! وبهذا يصدق الحديث وهو صادق؛ لكن يكون شاهداً لصدق الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة)لذلك ندعو إخواننا المسلمين كل من يسمع كلامنا هذا أن يحرص على تقليل المهر طلباً للأفضل والأيسر، ولئلا تبقى النساء عوانس، ويبقى الرجال لا يتزوجون.

من الأمور التي يجب الاهتمام بها في النكاح

مما يهتم به في باب النكاح: عكس النكاح وهو الطلاق، إذا كان النكاح مرغباً فيه فالطلاق يكون بالعكس، لأن النكاح جمع والطلاق تفريق؛ ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يطلق إلا في حال لا يمكن الصبر معها، وإلا فما دام يمكن الصبر فليصبر، يقول الله تبارك وتعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] لا تطلق إلا عند الحاجة الملحة، اصبر، قد يقول الإنسان: كيف أصبر على امرأة تعصيني ولا تطيعني؟ نقول: اصبر، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة -يعني: لا يكرهها وينفر منها- إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) إذا كره خلقاً ينظر إلى الخلق الآخر الذي يرضى به فيقابل بين هذا وهذا ويحصل الرضا.

إن بعض الحمقى من الناس يطلق على أسهل سبب، لو دخل إلى بيته وهو يظن أن المرأة قد صنعت الشاي ولم يجد الشاي قد جهز تجده أحمق: إلى هذا الحين ما جهزت الشاي؟ أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وهذا واقع يا إخواني، نحن لا نقول عن فراغ، هذا واقع.

كذلك بعض الناس إذا نزل به ضيف وأراد أن يكرمه، يريد الضيف أن يرأف به ويرحمه فيقول: إياك أن تذبح شيئاً، علي الطلاق ما تذبح، سبحان الله! المرأة سهلة حتى تطلقها لأجل أن يذبح لك أو ما يذبح؟!

وأنكى من ذلك أنه إذا قال: علي الطلاق ما تذبح قال الثاني: علي الطلاق لأذبحن فمن تبقى غير المطلقة؟ وكل هذا من الحمق ومن تعدي حدود الله عز وجل، اسمع الله يقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1] وتأمل يا أخي كيف وجه الخطاب للنبي والمراد الأمة: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1] اضبطوها تماماً: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ [الطلاق:1] إذاً لا تسرع في الطلاق، ولذلك يحرم على الإنسان أن يطلق المرأة التي تحيض وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، يحرم عليه ذلك سواء علم أم لم يعلم، مثاله: رجل قال لزوجته: أنت طالق، وهي حائض، نقول: هذا حرام عليك، وقد علم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق زوجته وهي حائض فتغيض عليه الصلاة والسلام وقال لـعمر : (مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق).

ومما يجب الاهتمام به في باب النكاح الصداق -المهر- فالأفضل أن يخفف بقدر الإمكان، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة) وما مقدار الصداق؟ لو تزوج الإنسان امرأة على درهم واحد لكفى، لكن هل له حد أعلى؟ ليس له حد أعلى؛ لكن كلما كان أقل فهو أفضل وأعظم بركة وأهون.

انظر ماذا يترتب على تخفيف الصداق:

يترتب عليه أنه أفضل، هذه واحدة.

يترتب عليه أنه أيسر للرجال، ولولا غلاء المهور ما بقيت النساء في البيوت الآن، كل امرأة تريد أن تتزوج لكن الحائل والمانع هو كثرة المهر.

قلة المهر فيه تخفيف على الإنسان من جهة أخرى وهي: لو قدر الله عز وجل ألا يكون بين الزوجين وفاق -وهذا واقع، فقد يكون الزواج غير موفق، أليس كذلك؟ إذا كان المهر سهلاً ويسيراً سهل على الزوج أن يطلق زوجته: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] لكن إذا كان المهر كثيراً لا يمكن أبداً أن يطلقها لأنه خسر عليها، وربما استدان أموالاً كثيرة فيصعب عليه جداً أن يطلقها، فيحصل الشر والبلاء.

كثرة المهر توجب كراهة المرأة لأنه ليس كل أنثى يتزوجها الإنسان تعجبه الإعجاب الكامل، أليس كذلك؟ إذا كانت لم تعجبه الإعجاب الكامل فهو يقدر على الصبر عليها لكن يصبر عليها على مضض، وكلما تفرغ قام يفكر: كيف أخسر هذه الأموال العظيمة على هذه المرأة؟ وهو الآن لا يستطيع أن يطلقها لأن المهر كثير، ثم إذا طلقها متى يجد زوجه فتجده يفكر: كيف أخسر هذا المال الكثير على هذه المرأة فيحصل عدم الألفة! وبهذا يصدق الحديث وهو صادق؛ لكن يكون شاهداً لصدق الحديث: (أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة)لذلك ندعو إخواننا المسلمين كل من يسمع كلامنا هذا أن يحرص على تقليل المهر طلباً للأفضل والأيسر، ولئلا تبقى النساء عوانس، ويبقى الرجال لا يتزوجون.