خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/157"> الشيخ سلمان العودة . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/157?sub=2"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
أعذار العلماء
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك موضوع بل موضوعات مهمة جداً لطالب العلم، فأبدأ -إن شاء الله- من هذه الليلة بالعرض أو التعرض لهذه الموضوعات ولو بشيء من الاختصار، لعل أن يكون فيها فائدة ونفع -إن شاء الله- وهناك موضوعان متقابلان مهمان، سيكون الحديث عنهما بإذنه تعالى لأسابيع عديدة، الأول منهما: أعذار أهل العلم في ترك العمل بسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم -أعذار العلماء في ترك العمل بحديث من الأحاديث أو سنة من السنن- ويدخل فيه الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين أهل العلم، ويقابله موضوع آخر يمكن أن أختار له عنواناً حول مثالب الطلاب، وهو إشارة إلى آفات طالب العلم التي تعترضه ويلزم التنبيه عليها للحذر منها، ومن هذه الليلة إن شاء الله يكون البدء بالموضوع الأول وهو: الأسباب التي تجعل بعض أهل العلم يتركون العمل بحديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
والذي دعاني إلى طرح هذا الموضوع ما أراه في واقع كثير من طلبة العلم في هذا العصر من الجرأة على العلماء، ورميهم -أحياناً- بالألفاظ القاسية الشديدة، التي لا تتناسب مع مقدارهم ومكانتهم وجهادهم في سبيل الله عز وجل.
وعلى سبيل المثال بين يدي الآن كتاب يقول فيه مؤلفه في مقدمته: وإنه من المؤسف المحزن أن من الناس من يدينون بأديان أئمة مذاهبهم، ومشايخ طرقهم،ثم يقول: ألا فليعلموا أنه لا دين إلا دين الكتاب والسنة، وأئمة المذاهب يأخذون من التوراة والإنجيل أو من أين؟! ثم يقول: وأن التقليد الأعمى من غير دليل كفر بالله العظيم، ولقد آن الأوان لكي نحطم هالات التقديس وتيجان الربوبية التي وضعت فوق رءوس أئمة المذاهب ومشايخ الطرق -ومما يلفت النظر أنه جمع بين أئمة المذاهب ومشايخ الطرق وشتان بينهما- ثم يقول في صلب الكتاب وهو يتعقب الشيخ الألباني في أحد المسائل حين تكلم الشيخ عن موضوع الإيمان واختلاف الناس في مسماه قال -تعقيباً على قول الشيخ الألباني: إن العلماء اختلفوا في ذلك اختلافاً كثيراً- قال هذا المتعقب: إن اختلاف الناس في مسألة من المسائل يرجع إلى أنهم لم يدينوا بدين الكتاب والسنة، وإنما دانوا بأديان أئمتهم ومشايخهم، فلا بد من الاختلاف حتماً، أما دين الله -دين الكتاب والسنة- فليس فيه ذرة اختلاف قطعاً ويقيناً، يقول الحق تبارك وتعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] ثم يقول: فعلمنا يقيناًَ أن الذي من عند غير الله فيه اختلافاً كثيراً -كذا كتبها ملحونةً فهو لا يفرق بين المبتدأ والخبر، والفاعل والمفعول- وعلمنا يقيناً أن الذي من عند الله وحده ليس فيه ذرة اختلاف، ثم قال: وأهدي إلى القارئ الكريم بحثٌ -الصواب (بحثاً) لأنه مفعول به منصوب، بحثاً- من دين الكتاب والسنة لمسمى الإيمان والإسلام، ثم جاء بما فهمه هو من النصوص واعتبره هو دين الكتاب والسنة.
ومثل هذا كثير في هذا العصر، أصبحت تجد كثيراً من الناس يتجرءون على الأئمة والطعن فيهم، وأنهم لم يختلفوا إلا لأنهم لم يدينوا بدين الكتاب والسنة، وهذا يوجب أن نعرف وخاصة ونحن ندرس -بحمد الله- مسائل على ضوء الكتاب والسنة، ونعرض فيها لأقوال الأئمة المتبوعين وغيرهم، فلا بد أن نعرف ما هي الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف هؤلاء الأئمة أو تركهم لعمل بحديث من الأحاديث.
فهناك أربعة أسباب، لا يخرج عنها حالة واحدة من حالات ترك إمام من الأئمة لحديث من الأحاديث، يعني لا يمكن لإمام من الأئمة المتبوعين الذين أجلتهم الأمة وعرفوا بالذكر الحسن أن يتركوا سنن النبي صلى الله عليه وسلم إلا لأحد أربعة أسباب فلننتبه لها:
السبب الأول: أن لا تبلغه هذه السنة، أي لم تصل إليه، وهذا ما سأتعرض له الآن.
السبب الثاني: أن تبلغه ولا يعتقد أنها تدل على هذا الحكم، أي أن يبلغه الحديث لكن لا يعتقد أنه يدل على الحكم الذي قيل أنه تركه، ويمر علينا من هذا أشياء كثيرة في الدروس، يصل إليه الحديث لكن لا يوافق هذا الإمام على أن هذا الحديث يدل على ما تقولون.
السبب الثالث: أن يبلغه الحديث، ولكنه ينساه، في وقت من الأوقات أو على الدوام، فيفتي بخلافه.
السبب الرابع: أن يبلغه الحديث ويحفظه ولا ينساه ويعتقد دلالته على الحكم المطلوب، لكنه يعتقد أنه منسوخ بدليل آخر، فهذه أربعة أسباب كبرى، كل اختلاف لظواهر القرآن والسنة عند أي إمام من الأئمة المعتبرين لا يخرج عن أحد هذه الأسباب الأربعة البتة، وسنعرض لكل سبب في وقت خاص إن شاء الله.
عدم بلوغ جميع الأحاديث لأي إنسان
ولنلق نظرة سريعة على أعلم الناس وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل وعلى أعلم الصحابة وهم الخلفاء الأربعة، فبالنظر سنجد أن هؤلاء الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم قد فاتهم شيء من السنة، كان عند غيرهم ممن هو أقل منهم علماً وأقل ملازمة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه الذي كان ملازماً للرسول صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول -كما في الصحيح-: دخلت أنا وأبو بكر وعمر، خرجت أنا وأبو بكر وعمر.. فكانا ملازمين له صلى الله عليه وسلم في سائر أحواله، وبالذات أبو بكر رضي الله عنه، ومع ذلك جاءت إليه الجدة تسأله نصيبها من الميراث وهي أم الأم وفي رواية أم الأب، فقال لها: مالك في كتاب الله شيء، وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر لك شيئاً، ولكن ارجعي حتى أسأل الناس.
فصعد أبو بكر رضي الله عنه على المنبر، وسأل الصحابة إن كان أحد منهم يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في ميراث الجدة شيئاً، فقام المغيرة بن شعبة فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال: هل معك أحد؟ فقام محمد بن مسلمة فشهد على ذلك، فأعطاها أبو بكر السدس، والحديث رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والإمام أحمد، وهو من رواية قبيصة بن ذؤيب عن أبي بكر رضي الله عنه، وقبيصة من التابعين لم يلق أبا بكر رضي الله عنه، فروايته عنه مرسلة، فالحديث على هذا مرسل ولكنه يعتضد بالإجماع على الأخذ به، فقد ذكر محمد بن نصر المروزي أن الصحابة والتابعين اتفقوا على أن نصيب الجدة السدس، فهذا أبو بكر رضي الله عنه خفي عليه ميراث الجدة حتى أخبره من هو أقل منه علماً وهو المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ومحمد بن مسلمة، وكذلك وردت هذه السنة عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
ثم انظر إلى الخليفة الثاني وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد طالت مدة خلافته فكثرت فتاواه رضي الله عنه، وهو من فقهاء الصحابة المعدودين ولذلك نقل عنه أشياء كثيرة حفيت عليه فيها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، من أشهرها ما في الصحيحين أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه استأذن على عمر بن الخطاب في بيته، فقال: السلام عليكم، هذا عبد الله بن قيس، فكان عمر مشغولاً ببعض شأنه وربما كان يريد أن يؤدب أبا موسى لأن أبا موسى كان والياً على الكوفة وكان عمر يريد أن يبين له أن حجز الناس في الأبواب وحجبهم أمر ثقيل وشاق على النفوس، فاستأذن أبو موسى مرة ثانية، وقال: السلام عليكم هذا أبو موسى، فسكت عمر، فاستأذن مرة ثالثة، وقال: السلام عليكم هذا الأشعري، ثم انصرف، فانتهى شغل عمر وانتبه، وقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ قالوا: بلى، قال: علي به، فنظروا فإذا هو قد ذهب، فجاءوا به إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فقال: ألم أكن أسمع صوتك تستأذن بالباب؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فإن أذن له وإلا فليرجع} فقال عمر: لتأتيني ببينة على ما قلت أو لأودعنك، فـعمر رضي الله عنه كان يشدد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يتثبت الناس في التنقل والرواية، لذلك ضرب المثل بـأبي موسى؛ لأنه يعرف أن أبا موسى لا يمكن أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن أراد أن ينبه الناس إلى أنه هكذا سنفعل، فمن كان غير متثبت فعليه أن لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج أبو موسى من عنده مذعوراً فزعاً، فمر على نفر من الأنصار جلوساً، فقال لهم: هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: الاستئذان ثلاثاً، فتضاحك القوم، فقال لهم: يأتيكم أخوكم فزعاً مذعوراً فتتضاحكوا، فسألوه ما شأنه فأخبرهم، فقال أبي بن كعب: لا يقوم معك إلا أصغرنا، فقام معه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، فذهب إلى عمر رضي الله عنه فشهد عنده أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
وفي صحيح مسلم أن أبياً جلس مع أبي موسى عند المنبر فقال عمر لمن حوله: إن وجد أبو موسى أحداً يشهد له فستجدونه عند المنبر، وإن لم يجد فلن تجدوه، فلما أقبل عمر وجد أبا موسى وأبياً عند المنبر، فقال لـأبي موسى أوجدت أحداً؟ قال: نعم، هذا أبي بن كعب، فقال: ما تقول يا أبا المنذر؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، ثم قال أبي بن كعب: يا ابن الخطاب لا تكن عذاباً على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: إنما سمعت أمراً فأردت أن أتثبت.
فهذا عمر رضي الله عنه وهو من هو في سعة علمه، وجلالة قدره، وثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في الأحاديث الصحاح، حتى أنه ذكر في الحديث الصحيح: {أنه رأى الناس وعليهم قمص، منهم من يبلغ الثدي، ومنهم من دون ذلك، وعلى
وحادثة أخرى لـعمر رضي الله عنه وهي أنه لما ذهب إلى الشام ونـزل بـسرف وهي بلدة على أطراف الجزيرة بحدود الشام، سمع بأن الطاعون قد أصاب أهل الشام وانتشر فيهم، فتحير في ذلك رضي الله عنه فجاء بالمهاجرين الأولين فاستشارهم، فأشاروا عليه برأي ولم يذكروا له سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أحضر الأنصار واستشارهم فأشاروا عليه برأي، ثم أحضر مسلمة الفتح واستشارهم فأشاروا عليه برأي وكان عبد الرحمن بن عوف غائباً في بعض شأنه، فلما جاء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الطاعون: {إذا نـزل الطاعون في أرض وأنتم فيها؛ فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإذا سمعتم به في أرضٍ؛ فلا تقدموا عليه} ففرح بذلك عمر وسر ورجع، فهذه السنة خفيت على عمر رضي الله عنه، بل وعلى جمهور المهاجرين وسائر المسلمين، وحفظها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ولـعمرقصص عديدة غير هذه.
فإذا انتقلت إلى الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه، وجدت أنه لم يعلم بأن المرأة المتوفى عنها تعتد في بيتها، حتى أخبرته بذلك الفريعة بنت مالك، أخت أبي سعيد الخدري أخبرته بقصتها وأنه توفى عنها زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، والحديث رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
فإذا انتقلت إلى الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجدته وابن عباس رضي الله عنهما يقولان: بأن المتوفى عنها وهي حامل تعتد أطول الأجلين من الحمل أو من أربعة أشهر وعشراً، مع أن في الصحيحين وغيرهما من حديث سبيعة الأسلمية حين توفي عنها زوجها سعد بن خولة فوضعت فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها خرجت من عدتها بذلك.
فإذا كان هذا هو الشأن في الصحابة بل في الخلفاء الراشدين؛ فغيرهم من العلماء من باب أولى أنه قد يفوت الواحد منهم شيء من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس يشترط أن يكون محيطاً بالسنة كلها، فإن هذا لو قيل لكان معناه أنه لا مجتهد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى من الصحابة، لأنه سبق أن من الصحابة من قد تخفى عليه السنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا جانب، وهو يتعلق بخفاء السنة على بعض العلماء.
عدم اعتقاد ثبوت الحديث
الشرط الأول: عدالة الراوي.
والشرط الثاني: ضبطه.
والشرط الثالث: اتصال الإسناد.
والشرط الرابع: السلامة من الشذوذ.
والشرط الخامس: السلامة من العلة القادحة.
فهذه خمسة شروط يتوقف عليها تصحيح الحديث، بل ومن العلماء من يضيف شروطاً أخرى ككون الراوي فقيهاً وكونه عالماً، وكونه مشهوراً بحمل العلم، وما أشبه ذلك، وكل شرط من هذه الشروط أهل ومحل لأن يختلف فيه أهل العلم، فإن ما يوجد -مثلاً- بين علماء الجرح والتعديل من الاتفاق والاختلاف، مثل ما يوجد بين غيرهم من أصحاب العلوم الأخرى، فهم يختلفون في توثيق الراوي، ويختلفون في لقائه لشيخه، ويختلفون في العلل، ويختلفون في الاتصال والانقطاع، ويختلفون في الوصل والإرسال، ويختلفون في الشذوذ وعدمه، والأمثلة على هذا أكثر من أن تحصر، ولم أر داعياً لذكر أمثلة لكثرتها أولاً، ولأنه يمر خلال هذه الدروس أمثلة كثيرة جداً، ولو أردنا أن نمثل بأمثلة مما سبق، لوجدنا أن هناك مما اختلف فيه العلماء بسبب اختلافهم في توثيق الراوي أو تضعيفه، وهناك حديث اختلفوا فيه لاختلافهم في اتصال إسناده أو انقطاعه، وهناك ما اختلفوا فيه لاختلافهم في شذوذه أو عدمه، أو اختلافهم في وجود علة فيه من اضطراب، أو إرسال خفي أو نحو ذلك.
فإذا كانت هذه الاختلافات كلها موجودة، ورأيت إماماً ترك العمل بحديث ما، ولو كان صحيحاً في ما اطلعت عليه أنت، فتذكر أن هذا العالم المجتهد قد يرى هذا الحديث ضعيفاً، فحينئذ لا يلزمه أن يقول بموجبه، ولا أن يعمل به، بل يلزمه ألا يعمل به إن وجد أولى منه، من حديث آخر أو ظاهر آية أو قياس جلي أو ما أشبه ذلك مما قد يرجحه بعضهم على الحديث الضعيف، هذا الجانب الأول أو العذر الأول للعلماء في ترك العمل بسنة من السنن، وهو ألا يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذه السنة أو هذا الحديث، إما لأنه لم يبلغه أصلاً وإما أنه لم يصح عنده من وجه صحيح، والله أعلم.
نسيان الإمام للحديث
فما يتعلق بالنسيان فهو أمر جبلي طبيعي في البشر، لا ينفك منه إنسان مهما كانت منـزلته، ومهما كان علمه وحفظه، والنسيان على نوعين:
النوع الأول: نسيان مطلق كامل، بمعنى أن ينسى الإنسان الشيء فيذكر به فلا يذكره، وهذا غير ممكن في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مبلغ عن الله عز وجل فيما يتعلق بالرسالة والتبليغ والوحي، إلا أن يكون في مجال النسخ، أن ينسخ شيء فيحتمل أن ينساه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعلى:6-7] وكما في قوله تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106] أما أن ينسى الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبر به من أمور التشريع والوحي فيذكر به ولا يذكره، فهذا غير ممكن في شأن النصوص المحكمة، ولكنه ممكن في حق غيره من البشر أياً كانوا من الصحابة فمن دونهم.
أما النوع الثاني: فهو أن ينسى الإنسان شيئاً فإذا ذكر به تذكر، وهذا جائز حتى في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت قارئ يقرأ في المسجد في الليل، فقال: رحم الله فلاناً كم من آية أذكرنيها كنت أنسيتها} أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد دلت رواية البخاري على أن فلاناً هذا هو عباد، يعني عباد بن بشر الصحابي الجليل المشهور، وفي رواية أنه عبد الله بن زيد، وكونه عباد أقوى لأنها في البخاري، فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم نسي آية فلما سمع عباداً يقرؤها تذكرها صلى الله عليه وسلم.
ثم من بعده من الصحابة والتابعين وسائر علماء الإسلام يعرض لهم من النسيان من النوع الأول والنوع الثاني، وسأذكر الآن بعض الأمثلة التي فيها ذكر نسيان من بعض الصحابة أو غيرهم، سواء ذُكِّروا فتذكروا أم ذكروا فلم يتذكروا، من غير تمييز بين هذا وذاك.
فمن الروايات الصحيحة المتفق عليها عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يجنب في السفر -رجل مسافر تصيبه الجنابة وليس معه ماء كيف يصنع؟!- فقال عمر رضي الله عنه: لا يصلي حتى يغتسل، فقال له عمار بن ياسر رضي الله عنه: أتذكر يا أمير المؤمنين يوم كنت أنا وأنت في الإبل فأجنبنا، فأما أنا فتمرغت بالتراب تمرغ الدابة، وأما أنت فلم تصل، فلما أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك فقال: إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب بكفيه الأرض، لوجهه ويديه، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال عمار: إن شئت لم أحدث به يا أمير المؤمنين، قال عمر رضي الله عنه: بل نوليك من ذلك ما توليت، يعني أذن له أن يحدث به ويتحمل مسئولية هذا الخبر الذي نسيه عمر رضي الله عنه ولم يذكره.
وأبلغ من ذلك ما ورد عند أبي يعلى وسعيد بن منصور أن عمر رضي الله عنه صعد المنبر يوماً فقال: أيها الناس، لا تغالوا في صُدق النساء، فإني لا أعلم رجلاً زاد في الصداق على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته إلا رددته، وكان مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ثنتي عشرة أوقية ونشاً ونصفاً، فقامت امرأة وقالت: لم يا أمير المؤمنين؟ ثم تلت قوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [النساء:20] فسكت عمر رضي الله عنه، ورجع إلى قولها، وهذا الإسناد فيه مجانب بن سعيد وفيه لين، ولكن ورد الحديث من طرق عديدة في مصنف عبد الرزاق عن أبي عبد الرحمن السلمي، وفي الموفقيات للزبير بن بكار عن عبد الله بن مصعب، وفي غيرها من الكتب، فالظاهر أن الرواية قوية، وقد ذكرها السيوطي في الدر المنثور وقال: بسند جيد، وفي بعضها أن عمر لما ذكرت المرأة الآية، قال: أخطأ رجل وأصابت امرأة، أو أخطأ عمر وأصابت امرأة، ورجع على نفسه باللوم: أن كل الناس أفقه منك يا عمر، وهذا دأب المؤمن يزدري نفسه ويهضمها ولا يرفعها فوق قدرها، فها أنت ترى أن عمر رضي الله عنه نسي هذه الآية وما تدل عليه من أنه يجوز أن يكون المهر قنطاراً وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً [النساء:20] ثم ذكرته هذه المرأة فتذكر.
بل لماذا نذهب بعيداً ونحن نجد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قد أطبقوا على نسيان مفهوم قوله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144] بعد أن دهشوا لموته صلى الله عليه وسلم، حتى قام عمر وهو من أقوى الناس وأثبتهم وأجلدهم، يقول: إن قوماً زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ويصفهم بالنفاق، وأنه سوف يأتي ويقطع رقابهم، فلما صعد أبو بكر وتلى هذه الآية تناقلها الناس حتى كأنهم لم يسمعوها قبل اليوم، وصارت تتلى في كل بيت كأنها نـزلت الساعة.
ومما يذكر من نسيان بعض الصحابة ما رواه الحاكم والبيهقي وغيرهما أن الزبير رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: {هل تحب
فقال الزبير: بلى ولكني نسيت، ثم لوى عنق راحلته وشق الصفوف وخرج من المعركة، وذهب حتى نـزل في وادٍ يقال له وادي السباع، فاتبعه رجل يقال له عمر بن جرموز فقتله غيلة، واحتز رأسه -والله حسيبه- ثم جاء برأسه إلى علي بن أبي طالب واستأذن عليه فقال علي: لا تأذنوا له وبشروه بالنار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {بشر قاتل
ولذلك صنف أهل العلم كتباً خاصة بهذا الباب، فصنف الإمام الدارقطني كتاباً أو جزءاً فيمن حدث ونسي، ثم تبعه على ذلك الإمام الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المشهور بـالخطيب البغدادي، فصنف جزءاً فيمن حدث ونسي، وتبعهم السيوطي فلخص كتاب الخطيب البغدادي في جزءٍٍ سماه تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي، وذكر فيه ما يربوا على ثلاثين حالة حدث فيها أهل العلم الثقات بأحاديث ثم نسوها.
ومن الطريف أنهم ينسونها أحياناً، فيقول من روى عنه إنك حدثتني بهذا، فيبدأ الشيخ يروي عن فلان أنني حدثته عن فلان، ومن ذلك ما رواه سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل} والحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عن الحديث فلم يعرفه.
ومن ذلك أيضاً ما رواه ربيعة بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين} والحديث أيضاً رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، قال العلماء: فنسي سهيل بن أبي صالح هذا الحديث، فكان يقول: حدثني ربيعة بن عبد الرحمن، -الذي أخذ عنه هذا الحديث- أنني حدثته عن أبي عن أبي هريرة: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين} وقد ذهب أكثر أهل العلماء من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين إلى أنه تقبل هذه الرواية وإن نسيها صاحبها ما دام الراوي عنه ثقة، وذهب بعض الأحناف إلى عدم قبولها، ولذلك ضعفوا الحديث الأول وأجازوا أو أجاز كثير منهم أن تنكح المرأة البالغة العاقلة نفسها، ولكن الصحيح أنه يقبل إذا كان الراوي ثقة إذا كان الذي أخذ عن هذا الرجل الذي نسي ثقة.
والمقصود أن النسيان يعرض لابن آدم، وقد يتذكر وقد لا يتذكر، فقد ينسى إمام من الأئمة أو عالم من العلماء آية قرآنية أو حديثاً نبوياً فيقول بخلاف ما يدل عليه، فإن ذكر وكان الحديث ظاهراً أو كان الدليل آية قرآنية تذكر ورجع كما رأيتم، وقد يذكر فلا يتذكر، ويبقى على نسيانه سواء لعلة ظهرت له كما حصل لبعضهم، أو لأنه شرد من ذهنه هذا الحديث ولم يستطع أن يتذكره، والإنسان من طبيعته أن ينسى بعض الأشياء كما قيل: (قد يغلط الحافظ أحياناً) مهما يكن في الحفظ والإتقان، فهذا من الأعذار التي تلتمس لأهل العلم الثقات المعتبرين المتبوعين في نسيانهم في مخالفتهم لبعض الأحاديث النبوية.