خطب ومحاضرات
الأسماء والكنى والألقاب (الكنى)
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعـد:
هذه هي الحلقة الرابعة من سلسلة الدروس العلمية العامة، تنعقد في ليلة الإثنين، الثامن من شهر شعبان لعام (1410 هـ).
وفي بداية هذه الحلقة، أود أن أؤكد على بعض التعليقات التي لها تعلق بموضوع الدرس الماضي، وقد تحدثت في الدرس الماضي عن موضوع الأسماء، وبينت معنى الاسم، وما يحمد من الأسماء وما يذم منها، ثم تكلمت عن بعض أحكامها، وأشير -الآن- إلى بعض التعليقات الخفيفة.
أسماء مذمومة تسبق الإشارة إليها
1- الأسماء الأجنبية:
النوع الأول: الأسماء الأجنبية، كأسماء اليهود -مثلاً- أو أسماء النصارى، أو الشيوعيين، أو الكفار على مختلف طوائفهم وأصنافهم، فإن من المعلوم أن لكل طائفة ولكل أمة ولكل ملة أسماء، فـاليهود مثلاً يتميزون بأسماء مثل: (ديفيد) و(باروخ) و(إيلي) و(عزرا) و(ناحوم) وما أشبه ذلك من الأسماء اليهودية، وكذلك النصارى لهم أسماء يتميزون بها مثل: (جورج) و(ميشيل) و(بطرس) و(بولس) و(يوحنا) وغيرها من الأسماء النصرانية المعروفة التي انتشرت عند النصارى سواءً من النصارى، العرب أم من النصارى غير العرب، فهذه الأسماء لا يجوز أن يسمى بها أحد من المسلمين قط.
ومثلها الأسماء التي عُرفت بأشخاص من أئمة الكفر كـالشيوعيين مثل: (لينين) أو (ماركس) أو (إنجلز) أو غيرها، فهذه الأسماء فضلاً عن أنها أجنبية هي أسماء لأناس من أئمة الكفر، فلا يجوز لمسلم أن يسمي ولده بمثل هذه الأسماء؛ لأن هذا من باب التشبه بالكفار، ومن بابٍ آخر فهو فألٌ سيئ، وشؤمٌ على من تسمى بها، فلا يجوز لأحد أن يسمي بها.
ومما ينتشر في مجتمعنا تسمية البنات بالأسماء الأجنبية، التي لا هي معروفة بلغة العرب، ولا هي أسماء تاريخية ولا شرعية، ولا موجودة أصلاً في مجتمعنا، وإنما استوردت من الكفار معلبة وأطلقت على بعض البريئات فكانت شؤماً عليهن وعلى من سماهن، كما نجد -مثلاً- كثيراً من الناس يسمي ابنته: (يارا)، فهذا الاسم ليس له معنى في اللغة العربية وهو اسم أجنبي، فلا يجوز تسمية أحد من الذكور ولا من الإناث بمثل هذه الأسماء، ومثله اسم (ريانا) وأحياناً تجد فتاة مسلمة تسمى (فكتوريا)، وهذه كلها أسماء لنساء من أهل الكتاب، أو أحياناً من الفراعنة، كما نجد بعضهم يسمى (كليوباترا) وفيما أحسب وأعتقد أن هذا اسم فرعوني.
فعلى أية حال، الأسماء الأجنبية سواء كانت من أسماء اليهود، أم من أسماء النصارى، أو الشيوعيين، أو الوثنيين من أعداء الدين، فإنه يحرم التسمي بها لوجوه:
أولاً: إن هذا تشبه، والتشبه حرام أو أقل أحواله أنه حرام.
ثانياً: إن هذا فأل سيء فيمن سمى بذلك أو من سمي به. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يعجبه الفأل الحسن.
التسمي بأسماء آيات القرآن أو سوره
فقد رأيت مرةً رجلاً اسمه: (سبحان الله) ومثل هذا مدعاة إلى أن يهان الذكر بسبب هذا الرجل، فإذا سبه أحد أو شتمه أو تكلم فيه، فإنه يأتي بلفظ: سبحان الله في هذا الموضع، وهذا يتنافى مع الأدب الواجب مع الله تعالى وآياته ورسله وكتابه، ومع الذكر أياً كان الذكر.
فمثلاً: التسمي بسبحان الله، أو بالحمد لله، أو بأمر الله، أو بأسماء سور القرآن، مثل (طسم) أو (يس) أو بعضهم طه، وما أشبه ذلك، وقد ظن بعض العوام أن هذه أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا وإن ذكره بعض المصنفين الذين بالغوا في حشد أسماء للرسول عليه الصلاة والسلام، أوصلها بعضهم إلى مئات، إلا أنه لا دليل عليها، ولهذا قال الإمام ابن القيم: إن هذا لا يعرف بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف، ولا أثر موصول، ولا مقطوع، أن مثل هذه أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من الحروف المقطعة في أوائل السور مثل: (الم) (وحم) (والر) وما أشبه ذلك، فهي حروف مقطعة في أوائل السور تكلم المفسرون حولها.
المقصود أنها ليست أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، والتسمي بها مدعاة لتعرضها أيضاً للإهانة والسب والشتم وسوء الأدب -كما سلف- فلا ينبغي التسمي بمثل هذه الأسماء، ولذلك ورد عن الإمام مالك رحمه الله نص على كراهية التسمي بـ(يس)، فهذا هو الأمر الأول، وهو يتعلق بإضافة قسمين من الأسماء المكروهة الممنوعة.
أخطاء وبدع في موضوع التسمية
نسبة المجهول إلى من رباه:
فمن الأخطاء أن بعض الناس ينسبون المجهول إلى من رباه، فإذا وجدوا رجلاً منبوذاً، أو فتاة منبوذة، أي مجهول الأبوين، ولا يدرى من أهله حيث أنهم وجدوه في مسجد -مثلاً- أو في غيره، أو أخذوه من الجهات الرسمية، فإنهم ينسبونه إليهم، فيكون اسمه ابن فلان، وفلان أبوه وفلانة أمه، وأحياناً يسجل هذا في الأوراق الرسمية، عن طريق الجهل من الأبوين، وخاصة الأب، فتعرف البنت بأنها ابنة فلان، أو يعرف الولد بأنه ولد فلان، وهو ليس أبوه الحقيقي، وإنما هو الذي رباه، وقد يكون أباً له من الرضاعة، وهذا لا يجوز، لأن الله عز وجل يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] فإذا لم نعلم من أبوه، فإننا نسميه باسم عام كعبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الكريم، وما أشبه ذلك، دون أن ينسب إلى شخص معين، لأن هذه النسبة لا تجوز، وهي خلاف ما ذكر الله عز وجل في كتابه، وأمر به: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] أي: فلا تنسبوهم إلى أحد منكم، فهذا من الأخطاء التي تقع كثيراً.
وقد أبطل الإسلام نظام التبني الذي كان موجوداً في الجاهلية، فقد كانوا في الجاهلية إذا وجد رجل رجلاً، فإنه ينسبه إلى نفسه، كما كان زيد بن حارثة يسمى في الجاهلية زيد بن محمد، لأنه أسر في معركة فكان رقيقاً عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه يبحث عنه، ويبكي الليل والنهار على ولده، حتى كان يقول في ضمن كلامه وشعره، كان يقول:
بكيت على زيد ولم أدرِ ما فعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل |
فوالله ما أدري وإني لسائل أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل |
تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل |
وإن هبت الأرياح هيَّجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وجل |
ثم وجده عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما جاءوا إليه، خيره الرسول عليه الصلاة والسلام، إن شاء جلس عنده، وإن شاء لحق بأبيه وعمه، فقال: ما أنا بالذي يختار عليك أحداً، وهذا قبل النبوة. وذلك لما رأى من حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فخرج به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريش، وقال: {يا معشر قريش! أشهدكم أن هذا ابني أرثه ويرثني} فكان يسمى في الجاهلية زيد بن محمد، ثم جاء الإسلام: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] وأبطل الإسلام نظام التبني وألغاه بالكلية.
ومن الأخطاء التي تقع في التسميات: أن بعضهم ينسبون الولد إلى غير أبيه لسبب أو لآخر، فمن ذلك مثلاً: أن بعضهم قد يخترعون اسماً آخر للولد، فقد يسمي الولد نفسه باسم آخر غير اسمه مع اسمه الأول، فيقول: أنا فلان بن فلان، إضافة إلى اسمه الأصلي، فنسب نفسه إلى غير أبيه، وهذا لا يجوز.
وأحياناً إذا ولد لرجل ولا، سماه باسم مركب كامل، كما يروى في الطرائف والنوادر يقال: إن رجلاً ولد له ولد، فقيل له: ماذا نسميه؟
قال: سموه عمر بن عبد العزيز، فإنه بلغني أنه كان رجلاً صالحاً، وهذا موجود، ويذكر لي أحد الشباب؛ أن رجلاً كان في هذه البلاد، فأحسن إليه رجل له اسم معين، لنفترض أن اسمه عبد الرحمن المحسن ما دام أنه أحسن، فتوفي هذا الرجل، ثم وُلد للآخر ولد، فلا زال يذكر إحسان صاحبه القديم، فلما جاءه ولد سماه عبد الرحمن المحسن، مع أن (أل) هذه عندنا بمعنى (ابن) أو تقوم مقام (آل) فلا ينبغي أن يسمي ولده باسم كامل؛ لأنه يترتب على هذا أن يكون نسبه إلى غير أبيه.
وأحياناً قد يكون الولد قد تربى عند أخواله، إما لأن أمه مطلقة، أو ما أشبه ذلك، فينسب إلى أخواله، وهو ابن ابنتهم، ويشتهر هذا حتى لا يعرف إلا به حتى عند أهله، ولا شك أن ابن البنت ليس ابناً لجده من الأم، كما قال الأول:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
فلا يجوز أن ينسب ابن البنت إلى جده من أمه، وإن كان تربى عندهم، أو رضع عندهم، أو ما أشبه ذلك.
وأحياناً الأجانب ينسبون الزوجة إلى زوجها، وهذا تقليد غربي عند الكفار -النصارى- لأنهم كانوا لا يرون للمرأة قيمة، وكانوا يحتقرون المرأة ويزدرونها، ولا يرون لها قيمة ولا شخصية، ولذلك كانوا ينسبونها إلى زوجها، فإذا تزوجت نسبت إلى زوجها أياً كان، وألحقت بالعائلة التي منها الزوج، وهذا تقليد غربي سرى إلى المسلمين، حتى نجد كثيراً من أمصار المسلمين، سواء من علية القوم أم من سَقَطهم، إذا تزوج الرجل امرأة فإنها تنسب إليه، وكثيراً ما تقرءون هذا في الصحف والمجلات وغيرها، فينسبون المرأة لزوجها وهذا لا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول كما سبق: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] .
حذفة كلمة ابن من الاسم:
ومن الأخطاء التي تقع في موضوع التسمية: أن بعضهم يحذفون كلمة (ابن) من الاسم، وهذا كثير جداً، فبدلاً من أن يقول: محمد بن عبد الله، يقول: محمد عبد الله، محمد صالح علي إبراهيم، أحمد محمد، وهذه مشكلة من الناحية اللغوية ومن الناحية الشرعية، وأنا لا أستطيع أن أقول: إن هذا العمل محرم، وسبق أن المجامع اللغوية درست هذا الأمر، ولم تخرج فيه بنتيجة واضحة وحاسمة، ولكن ليس هناك شك أن الشرع كان على ما هو دارج ومعروف في لغة العرب وفي القرآن والسنة، كانت تسمى الأسماء بغير هذا، كما في قوله تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12] وكذلك في مواضع كثيرة، وفي السنة النبوية من ذلك شيء كثير.
فهذا هو الذي كان معروفاً عند العرب، وهو الذي جاءت به السنة، وجاء به القرآن الكريم، وهو أن الإنسان يقال له: ابن فلان، محمد بن علي مثلاً، وليس محمد علي، وحذف (ابن) هنا يُوجد لبساً، لأنه قد يوهم الناس بأن محمداً هو علي، فعندما تقول: محمد علي، فقد يوهم الناس بأن له اسمان مثلاً محمد، وعلي، والواقع أن محمداً اسمه، وعلياً اسم أبيه.
فحذف (ابن) هذه -أيضاً- من العادات الأجنبية، وعادة غربية، كما ذكرت دراسة نشرت في المجلة العربية، ومن قبل نشرت في مجلة العرب، وأذكر أنهم ذكروا أن هذه العادة أو هذه الطريقة في النسب، موجودة عند الغربيين، وسرت إلى المسلمين من أعدائهم، فينبغي التعود والتعويد على أن يذكر (ابن) في الاسم فيقال محمد بن عبد الله، وما أشبه ذلك.
وأيضاً من الأخطاء التي نقع فيها خاصة في هذه البلاد: هي إضافة كلمة (أل) في الإسم فتجد مثلاً: اسم فلان محمد العبد الله أو العبد الرحمن، و(أل) فيما يبدو لي أنها مخففة من (آل) من آل عبد الله، أو آل عبد الرحمن، لكنها أحياناً توقع في لبس شديد، خاصة في هذين الاسمين: عبد الله وعبد الرحمن؛ لأنك إذا قلت: العبد الله أو العبد الرحمن قد يوهم -أيضاً- أن العبد هو الله، أو العبد هو الرحمن، وهذا قطعاً ليس مقصوداً لكنه يوهم، وفيه سوء أدب مع اسم الله تعالى، ولذلك ينبغي اتقاء ذلك، وكثيراً ما نجد في اللوحات واللافتات، التي تعلق على الدكاكين والأسواق وغيرها، بهذه الصورة العبد الله العبد الرحمن، وهذا أيضاً من الأشياء التي ينبغي أن تتقى، فيقال: ابن عبد الله، أو آل عبد الرحمن.
بعض العادات البدعية في التسمية:
ومن الطرائف المنكرة في موضوع التسمية؛ أن بعض البلاد وخاصة في مصر في الصعيد -عندهم عادة في التسمية غريبة، وهي أنه إذا ولد الولد عندهم، فإنهم يوقدون سبع شمعات، ويسمون كل شمعة باسم، الشمعة الأولى -مثلاً- اسمها محمد، والثانية علي، والثالثة: صالح، والرابعة: إبراهيم، والخامسة: أحمد، والسادسة: خالد، والسابعة: سليمان -فرضاً- ثم ينتظرون حتى تطفأ جميع الشمعات، فينظرون آخر شمعة انطفأت، فيسمون الولد باسم الشمعة هذه، فإذا كانت آخر شمعة انطفأت هي التي أطلقوا عليها اسم أحمد فإنهم يسموا الولد باسم أحمد، وهم بذلك يتفاءلون بأنه سوف يطول عمره كما طال عمر تلك الشمعة فلم تنطفئ.
وهذه بدعة لا إشكال فيها، وهي من الخرافات التي جاء الدين بالقضاء عليها والنهي عنها.
وكذلك من البدع الموجودة في عدد من الأمصار الإسلامية: أنهم يجعلون للرجل أو للمرأة اسمين، أحدهما ظاهر والآخر خفي، ويعتقدون بذلك معتقدات، فبعضهم يظنون أن هذا ينجيه من المرض، وبعضهم يقول: إنه يقيه من العين، وبعضهم يقول: إنه يقيه من الجن، وكأنهم يعتقدون بوجود لبس عند الجن أو عند العائن فلا يعرف ماذا يعين، والجني لا يعرف ماذا يصيب؛ لأن الرجل له اسمان، اسم ظاهر معلن ينادى به واسم خفي.
وكذلك أحياناً يسمون الذكر باسم الأنثى، فمثلاً بعض الآباء -وهذا موجود عندنا في بعض البيئات، خاصة التي يغلب عليها الجهل- كلما ولد له ولد ذكر مات، فأحياناً يولد له ولد ذكر، فيسميه باسم أنثى، بل يسميه باسم: بنية، فيكون اسمه: بنية هكذا، وهذا الأب يفعل ذلك من أجل أنه لا يموت؛ لأنه تعود أنه كلما جاءه ذكر مات، والإناث يعشن لا يمتن، فسمى الولد باسم أنثى حتى يعيش، وهذه مغالطة صريحة؛ لأن الأمور كلها أقدار بيد الجبار جل وعلا، والاسم لا يقدم ولا يؤخر في الأمر شيئاً، والمقدر سيكون والمكتوب سيجري، سواء سميته أم لم تسمه.
وكذلك بعضهم -وهذه عادة يهودية- لكنها انتشرت عند بعض المسلمين- يغيرون اسم المريض، فإذا كان اسم المريض أحمد ثم مرض، ففي أثناء مرضه يغيرون اسمه إلى صالح أو علي، من أجل أن لا يموت، لأنهم يقولون: قد يكون ملك الموت مكلف بقبض روح أحمد، فإذا غير اسمه لم يقبضه، هذا -ولله الحمد- نحن نضحك منه؛ لأنه أمر بالغ في الجهل مبلغاً عظيماً، لكنه موجود، وهي عادة في الأصل يهودية ثم انتقلت وسرت عدواها إلى بعض البيئات الإسلامية، التي يكون فيها أقليات أو طوائف يهودية، ولا يبعد هذا عن اليهود، بالنسبة لهم فإنه ليس غريباً، لأن اليهود إذا كانوا نسبوا لله جل وعلا كل نقص، كما في القرآن الكريم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] إلى غير ذلك، فإذا كان هذا كلامهم في الله جل وعلا فلا نستغرب أن يحطوا من قدر الملائكة، فيظنون أن ملك الموت يمكن أن يلتبس عليه الأمر إذا غير الاسم مثلاً، كما أنهم حطوا من قدر الأنبياء، ونسبوا إليهم كل نقيصة.
وبالمناسبة: فإن من الشائع عند العامة أن ملك الموت اسمه: عزرائيل، وهذا الاسم ليس له أصل ثابت في الشرع، وقد ذكر ابن كثير، ثم الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وغيرهما من أهل العلم، أن هذا الاسم ليس له أصل في الشرع، إنما هو في القرآن الكريم باسم: ملك الموت، قال الله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة:11] وقال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] فليس لملك الموت اسم معلوم.
وأيضاً من العادات الموجودة عندنا: أن الناس يعتقدون أن الرجل لا يجوز أن يسمى باسم أبيه، وهذا أيضاً لا أعلم له أصلاً في الشرع، صحيح أن فيه مصلحة ظاهرة، وهي ألا يكون اسم الابن على اسم الأب، لأنه قد يحدث لبساً أحياناً، فإذا كان الأب اسمه عبد الله والابن عبد الله فنودي عبد الله فإنه لا يدرى من المقصود، الأب أم الابن، وهذا صحيح لكنه جائز. وقد كان رجل من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله بن عبد الله، وهوp=1002436عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول
، رضي الله عن الابن فإنه كان رجلاً براً مؤمناً صادقاً، وأما الأب فإنه كان رأساً من رءوس النفاق في المدينة، وكثيراً ما تجد كثير من العلماء المشاهير يكون اسمه واسم أبيه وجده وأبي جده واحداً، وأذكر من أمثالهم: أبو حامد الغزالي، فإنه محمد بن محمد بن محمد، ومثل ذلك كثير جداً في المصنفين، فلا بأس بذلك.ومن العادات الموجودة عندنا: أن الناس -أحياناً- يحذفون بعض الحروف من الاسم، فيلحنون فيه ويغيرونه تغييراً شديداً، فبعض الناس عندنا -نظراً للاستعجال- إذا أراد أن ينادي عبد العزيز. فلا ينطق بالاسم كاملاً بل ينطق بالعبد ثم يضيف إليها الياء والزاي، فيقول: عبديز ويكون هذا على سبيل الاستعجال، ويكون بذلك قد عبَّد الاسم لغير الله تعالى، وإن كان هذا غير مقصود لكنه لا يجوز، ولا أرى أن هذا يجوز لمن أدرك وعقل أن يختصر هذا الاختصار، الذي هو يتعلق باسم الله جل وعلا وهو العزيز.
فهذان تعليقان على ما سبق.
أولاً: هناك نوعان من الأسماء المذمومة، لم تسبق الإشارة إليه فيما مضي، على رغم اشتهارها وانتشارها، وهي:
1- الأسماء الأجنبية:
النوع الأول: الأسماء الأجنبية، كأسماء اليهود -مثلاً- أو أسماء النصارى، أو الشيوعيين، أو الكفار على مختلف طوائفهم وأصنافهم، فإن من المعلوم أن لكل طائفة ولكل أمة ولكل ملة أسماء، فـاليهود مثلاً يتميزون بأسماء مثل: (ديفيد) و(باروخ) و(إيلي) و(عزرا) و(ناحوم) وما أشبه ذلك من الأسماء اليهودية، وكذلك النصارى لهم أسماء يتميزون بها مثل: (جورج) و(ميشيل) و(بطرس) و(بولس) و(يوحنا) وغيرها من الأسماء النصرانية المعروفة التي انتشرت عند النصارى سواءً من النصارى، العرب أم من النصارى غير العرب، فهذه الأسماء لا يجوز أن يسمى بها أحد من المسلمين قط.
ومثلها الأسماء التي عُرفت بأشخاص من أئمة الكفر كـالشيوعيين مثل: (لينين) أو (ماركس) أو (إنجلز) أو غيرها، فهذه الأسماء فضلاً عن أنها أجنبية هي أسماء لأناس من أئمة الكفر، فلا يجوز لمسلم أن يسمي ولده بمثل هذه الأسماء؛ لأن هذا من باب التشبه بالكفار، ومن بابٍ آخر فهو فألٌ سيئ، وشؤمٌ على من تسمى بها، فلا يجوز لأحد أن يسمي بها.
ومما ينتشر في مجتمعنا تسمية البنات بالأسماء الأجنبية، التي لا هي معروفة بلغة العرب، ولا هي أسماء تاريخية ولا شرعية، ولا موجودة أصلاً في مجتمعنا، وإنما استوردت من الكفار معلبة وأطلقت على بعض البريئات فكانت شؤماً عليهن وعلى من سماهن، كما نجد -مثلاً- كثيراً من الناس يسمي ابنته: (يارا)، فهذا الاسم ليس له معنى في اللغة العربية وهو اسم أجنبي، فلا يجوز تسمية أحد من الذكور ولا من الإناث بمثل هذه الأسماء، ومثله اسم (ريانا) وأحياناً تجد فتاة مسلمة تسمى (فكتوريا)، وهذه كلها أسماء لنساء من أهل الكتاب، أو أحياناً من الفراعنة، كما نجد بعضهم يسمى (كليوباترا) وفيما أحسب وأعتقد أن هذا اسم فرعوني.
فعلى أية حال، الأسماء الأجنبية سواء كانت من أسماء اليهود، أم من أسماء النصارى، أو الشيوعيين، أو الوثنيين من أعداء الدين، فإنه يحرم التسمي بها لوجوه:
أولاً: إن هذا تشبه، والتشبه حرام أو أقل أحواله أنه حرام.
ثانياً: إن هذا فأل سيء فيمن سمى بذلك أو من سمي به. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يعجبه الفأل الحسن.
النوع الثاني من الأسماء التي ينهى عن التسمي بها. أن يتسمى بعض الناس بأسماء آيات أو سور القرآن الكريم، أو بعض الأذكار.
فقد رأيت مرةً رجلاً اسمه: (سبحان الله) ومثل هذا مدعاة إلى أن يهان الذكر بسبب هذا الرجل، فإذا سبه أحد أو شتمه أو تكلم فيه، فإنه يأتي بلفظ: سبحان الله في هذا الموضع، وهذا يتنافى مع الأدب الواجب مع الله تعالى وآياته ورسله وكتابه، ومع الذكر أياً كان الذكر.
فمثلاً: التسمي بسبحان الله، أو بالحمد لله، أو بأمر الله، أو بأسماء سور القرآن، مثل (طسم) أو (يس) أو بعضهم طه، وما أشبه ذلك، وقد ظن بعض العوام أن هذه أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا وإن ذكره بعض المصنفين الذين بالغوا في حشد أسماء للرسول عليه الصلاة والسلام، أوصلها بعضهم إلى مئات، إلا أنه لا دليل عليها، ولهذا قال الإمام ابن القيم: إن هذا لا يعرف بحديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف، ولا أثر موصول، ولا مقطوع، أن مثل هذه أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من الحروف المقطعة في أوائل السور مثل: (الم) (وحم) (والر) وما أشبه ذلك، فهي حروف مقطعة في أوائل السور تكلم المفسرون حولها.
المقصود أنها ليست أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، والتسمي بها مدعاة لتعرضها أيضاً للإهانة والسب والشتم وسوء الأدب -كما سلف- فلا ينبغي التسمي بمثل هذه الأسماء، ولذلك ورد عن الإمام مالك رحمه الله نص على كراهية التسمي بـ(يس)، فهذا هو الأمر الأول، وهو يتعلق بإضافة قسمين من الأسماء المكروهة الممنوعة.
أسردها باختصار:
نسبة المجهول إلى من رباه:
فمن الأخطاء أن بعض الناس ينسبون المجهول إلى من رباه، فإذا وجدوا رجلاً منبوذاً، أو فتاة منبوذة، أي مجهول الأبوين، ولا يدرى من أهله حيث أنهم وجدوه في مسجد -مثلاً- أو في غيره، أو أخذوه من الجهات الرسمية، فإنهم ينسبونه إليهم، فيكون اسمه ابن فلان، وفلان أبوه وفلانة أمه، وأحياناً يسجل هذا في الأوراق الرسمية، عن طريق الجهل من الأبوين، وخاصة الأب، فتعرف البنت بأنها ابنة فلان، أو يعرف الولد بأنه ولد فلان، وهو ليس أبوه الحقيقي، وإنما هو الذي رباه، وقد يكون أباً له من الرضاعة، وهذا لا يجوز، لأن الله عز وجل يقول: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] فإذا لم نعلم من أبوه، فإننا نسميه باسم عام كعبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الكريم، وما أشبه ذلك، دون أن ينسب إلى شخص معين، لأن هذه النسبة لا تجوز، وهي خلاف ما ذكر الله عز وجل في كتابه، وأمر به: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ [الأحزاب:5] أي: فلا تنسبوهم إلى أحد منكم، فهذا من الأخطاء التي تقع كثيراً.
وقد أبطل الإسلام نظام التبني الذي كان موجوداً في الجاهلية، فقد كانوا في الجاهلية إذا وجد رجل رجلاً، فإنه ينسبه إلى نفسه، كما كان زيد بن حارثة يسمى في الجاهلية زيد بن محمد، لأنه أسر في معركة فكان رقيقاً عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه يبحث عنه، ويبكي الليل والنهار على ولده، حتى كان يقول في ضمن كلامه وشعره، كان يقول:
بكيت على زيد ولم أدرِ ما فعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل |
فوالله ما أدري وإني لسائل أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل |
تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل |
وإن هبت الأرياح هيَّجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وجل |
ثم وجده عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما جاءوا إليه، خيره الرسول عليه الصلاة والسلام، إن شاء جلس عنده، وإن شاء لحق بأبيه وعمه، فقال: ما أنا بالذي يختار عليك أحداً، وهذا قبل النبوة. وذلك لما رأى من حسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فخرج به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريش، وقال: {يا معشر قريش! أشهدكم أن هذا ابني أرثه ويرثني} فكان يسمى في الجاهلية زيد بن محمد، ثم جاء الإسلام: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] وأبطل الإسلام نظام التبني وألغاه بالكلية.
ومن الأخطاء التي تقع في التسميات: أن بعضهم ينسبون الولد إلى غير أبيه لسبب أو لآخر، فمن ذلك مثلاً: أن بعضهم قد يخترعون اسماً آخر للولد، فقد يسمي الولد نفسه باسم آخر غير اسمه مع اسمه الأول، فيقول: أنا فلان بن فلان، إضافة إلى اسمه الأصلي، فنسب نفسه إلى غير أبيه، وهذا لا يجوز.
وأحياناً إذا ولد لرجل ولا، سماه باسم مركب كامل، كما يروى في الطرائف والنوادر يقال: إن رجلاً ولد له ولد، فقيل له: ماذا نسميه؟
قال: سموه عمر بن عبد العزيز، فإنه بلغني أنه كان رجلاً صالحاً، وهذا موجود، ويذكر لي أحد الشباب؛ أن رجلاً كان في هذه البلاد، فأحسن إليه رجل له اسم معين، لنفترض أن اسمه عبد الرحمن المحسن ما دام أنه أحسن، فتوفي هذا الرجل، ثم وُلد للآخر ولد، فلا زال يذكر إحسان صاحبه القديم، فلما جاءه ولد سماه عبد الرحمن المحسن، مع أن (أل) هذه عندنا بمعنى (ابن) أو تقوم مقام (آل) فلا ينبغي أن يسمي ولده باسم كامل؛ لأنه يترتب على هذا أن يكون نسبه إلى غير أبيه.
وأحياناً قد يكون الولد قد تربى عند أخواله، إما لأن أمه مطلقة، أو ما أشبه ذلك، فينسب إلى أخواله، وهو ابن ابنتهم، ويشتهر هذا حتى لا يعرف إلا به حتى عند أهله، ولا شك أن ابن البنت ليس ابناً لجده من الأم، كما قال الأول:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
فلا يجوز أن ينسب ابن البنت إلى جده من أمه، وإن كان تربى عندهم، أو رضع عندهم، أو ما أشبه ذلك.
وأحياناً الأجانب ينسبون الزوجة إلى زوجها، وهذا تقليد غربي عند الكفار -النصارى- لأنهم كانوا لا يرون للمرأة قيمة، وكانوا يحتقرون المرأة ويزدرونها، ولا يرون لها قيمة ولا شخصية، ولذلك كانوا ينسبونها إلى زوجها، فإذا تزوجت نسبت إلى زوجها أياً كان، وألحقت بالعائلة التي منها الزوج، وهذا تقليد غربي سرى إلى المسلمين، حتى نجد كثيراً من أمصار المسلمين، سواء من علية القوم أم من سَقَطهم، إذا تزوج الرجل امرأة فإنها تنسب إليه، وكثيراً ما تقرءون هذا في الصحف والمجلات وغيرها، فينسبون المرأة لزوجها وهذا لا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول كما سبق: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5] .
حذفة كلمة ابن من الاسم:
ومن الأخطاء التي تقع في موضوع التسمية: أن بعضهم يحذفون كلمة (ابن) من الاسم، وهذا كثير جداً، فبدلاً من أن يقول: محمد بن عبد الله، يقول: محمد عبد الله، محمد صالح علي إبراهيم، أحمد محمد، وهذه مشكلة من الناحية اللغوية ومن الناحية الشرعية، وأنا لا أستطيع أن أقول: إن هذا العمل محرم، وسبق أن المجامع اللغوية درست هذا الأمر، ولم تخرج فيه بنتيجة واضحة وحاسمة، ولكن ليس هناك شك أن الشرع كان على ما هو دارج ومعروف في لغة العرب وفي القرآن والسنة، كانت تسمى الأسماء بغير هذا، كما في قوله تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا [التحريم:12] وكذلك في مواضع كثيرة، وفي السنة النبوية من ذلك شيء كثير.
فهذا هو الذي كان معروفاً عند العرب، وهو الذي جاءت به السنة، وجاء به القرآن الكريم، وهو أن الإنسان يقال له: ابن فلان، محمد بن علي مثلاً، وليس محمد علي، وحذف (ابن) هنا يُوجد لبساً، لأنه قد يوهم الناس بأن محمداً هو علي، فعندما تقول: محمد علي، فقد يوهم الناس بأن له اسمان مثلاً محمد، وعلي، والواقع أن محمداً اسمه، وعلياً اسم أبيه.
فحذف (ابن) هذه -أيضاً- من العادات الأجنبية، وعادة غربية، كما ذكرت دراسة نشرت في المجلة العربية، ومن قبل نشرت في مجلة العرب، وأذكر أنهم ذكروا أن هذه العادة أو هذه الطريقة في النسب، موجودة عند الغربيين، وسرت إلى المسلمين من أعدائهم، فينبغي التعود والتعويد على أن يذكر (ابن) في الاسم فيقال محمد بن عبد الله، وما أشبه ذلك.
وأيضاً من الأخطاء التي نقع فيها خاصة في هذه البلاد: هي إضافة كلمة (أل) في الإسم فتجد مثلاً: اسم فلان محمد العبد الله أو العبد الرحمن، و(أل) فيما يبدو لي أنها مخففة من (آل) من آل عبد الله، أو آل عبد الرحمن، لكنها أحياناً توقع في لبس شديد، خاصة في هذين الاسمين: عبد الله وعبد الرحمن؛ لأنك إذا قلت: العبد الله أو العبد الرحمن قد يوهم -أيضاً- أن العبد هو الله، أو العبد هو الرحمن، وهذا قطعاً ليس مقصوداً لكنه يوهم، وفيه سوء أدب مع اسم الله تعالى، ولذلك ينبغي اتقاء ذلك، وكثيراً ما نجد في اللوحات واللافتات، التي تعلق على الدكاكين والأسواق وغيرها، بهذه الصورة العبد الله العبد الرحمن، وهذا أيضاً من الأشياء التي ينبغي أن تتقى، فيقال: ابن عبد الله، أو آل عبد الرحمن.
بعض العادات البدعية في التسمية:
ومن الطرائف المنكرة في موضوع التسمية؛ أن بعض البلاد وخاصة في مصر في الصعيد -عندهم عادة في التسمية غريبة، وهي أنه إذا ولد الولد عندهم، فإنهم يوقدون سبع شمعات، ويسمون كل شمعة باسم، الشمعة الأولى -مثلاً- اسمها محمد، والثانية علي، والثالثة: صالح، والرابعة: إبراهيم، والخامسة: أحمد، والسادسة: خالد، والسابعة: سليمان -فرضاً- ثم ينتظرون حتى تطفأ جميع الشمعات، فينظرون آخر شمعة انطفأت، فيسمون الولد باسم الشمعة هذه، فإذا كانت آخر شمعة انطفأت هي التي أطلقوا عليها اسم أحمد فإنهم يسموا الولد باسم أحمد، وهم بذلك يتفاءلون بأنه سوف يطول عمره كما طال عمر تلك الشمعة فلم تنطفئ.
وهذه بدعة لا إشكال فيها، وهي من الخرافات التي جاء الدين بالقضاء عليها والنهي عنها.
وكذلك من البدع الموجودة في عدد من الأمصار الإسلامية: أنهم يجعلون للرجل أو للمرأة اسمين، أحدهما ظاهر والآخر خفي، ويعتقدون بذلك معتقدات، فبعضهم يظنون أن هذا ينجيه من المرض، وبعضهم يقول: إنه يقيه من العين، وبعضهم يقول: إنه يقيه من الجن، وكأنهم يعتقدون بوجود لبس عند الجن أو عند العائن فلا يعرف ماذا يعين، والجني لا يعرف ماذا يصيب؛ لأن الرجل له اسمان، اسم ظاهر معلن ينادى به واسم خفي.
وكذلك أحياناً يسمون الذكر باسم الأنثى، فمثلاً بعض الآباء -وهذا موجود عندنا في بعض البيئات، خاصة التي يغلب عليها الجهل- كلما ولد له ولد ذكر مات، فأحياناً يولد له ولد ذكر، فيسميه باسم أنثى، بل يسميه باسم: بنية، فيكون اسمه: بنية هكذا، وهذا الأب يفعل ذلك من أجل أنه لا يموت؛ لأنه تعود أنه كلما جاءه ذكر مات، والإناث يعشن لا يمتن، فسمى الولد باسم أنثى حتى يعيش، وهذه مغالطة صريحة؛ لأن الأمور كلها أقدار بيد الجبار جل وعلا، والاسم لا يقدم ولا يؤخر في الأمر شيئاً، والمقدر سيكون والمكتوب سيجري، سواء سميته أم لم تسمه.
وكذلك بعضهم -وهذه عادة يهودية- لكنها انتشرت عند بعض المسلمين- يغيرون اسم المريض، فإذا كان اسم المريض أحمد ثم مرض، ففي أثناء مرضه يغيرون اسمه إلى صالح أو علي، من أجل أن لا يموت، لأنهم يقولون: قد يكون ملك الموت مكلف بقبض روح أحمد، فإذا غير اسمه لم يقبضه، هذا -ولله الحمد- نحن نضحك منه؛ لأنه أمر بالغ في الجهل مبلغاً عظيماً، لكنه موجود، وهي عادة في الأصل يهودية ثم انتقلت وسرت عدواها إلى بعض البيئات الإسلامية، التي يكون فيها أقليات أو طوائف يهودية، ولا يبعد هذا عن اليهود، بالنسبة لهم فإنه ليس غريباً، لأن اليهود إذا كانوا نسبوا لله جل وعلا كل نقص، كما في القرآن الكريم: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة:64] إلى غير ذلك، فإذا كان هذا كلامهم في الله جل وعلا فلا نستغرب أن يحطوا من قدر الملائكة، فيظنون أن ملك الموت يمكن أن يلتبس عليه الأمر إذا غير الاسم مثلاً، كما أنهم حطوا من قدر الأنبياء، ونسبوا إليهم كل نقيصة.
وبالمناسبة: فإن من الشائع عند العامة أن ملك الموت اسمه: عزرائيل، وهذا الاسم ليس له أصل ثابت في الشرع، وقد ذكر ابن كثير، ثم الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، وغيرهما من أهل العلم، أن هذا الاسم ليس له أصل في الشرع، إنما هو في القرآن الكريم باسم: ملك الموت، قال الله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة:11] وقال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] فليس لملك الموت اسم معلوم.
وأيضاً من العادات الموجودة عندنا: أن الناس يعتقدون أن الرجل لا يجوز أن يسمى باسم أبيه، وهذا أيضاً لا أعلم له أصلاً في الشرع، صحيح أن فيه مصلحة ظاهرة، وهي ألا يكون اسم الابن على اسم الأب، لأنه قد يحدث لبساً أحياناً، فإذا كان الأب اسمه عبد الله والابن عبد الله فنودي عبد الله فإنه لا يدرى من المقصود، الأب أم الابن، وهذا صحيح لكنه جائز. وقد كان رجل من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله بن عبد الله، وهوp=1002436عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول
، رضي الله عن الابن فإنه كان رجلاً براً مؤمناً صادقاً، وأما الأب فإنه كان رأساً من رءوس النفاق في المدينة، وكثيراً ما تجد كثير من العلماء المشاهير يكون اسمه واسم أبيه وجده وأبي جده واحداً، وأذكر من أمثالهم: أبو حامد الغزالي، فإنه محمد بن محمد بن محمد، ومثل ذلك كثير جداً في المصنفين، فلا بأس بذلك.ومن العادات الموجودة عندنا: أن الناس -أحياناً- يحذفون بعض الحروف من الاسم، فيلحنون فيه ويغيرونه تغييراً شديداً، فبعض الناس عندنا -نظراً للاستعجال- إذا أراد أن ينادي عبد العزيز. فلا ينطق بالاسم كاملاً بل ينطق بالعبد ثم يضيف إليها الياء والزاي، فيقول: عبديز ويكون هذا على سبيل الاستعجال، ويكون بذلك قد عبَّد الاسم لغير الله تعالى، وإن كان هذا غير مقصود لكنه لا يجوز، ولا أرى أن هذا يجوز لمن أدرك وعقل أن يختصر هذا الاختصار، الذي هو يتعلق باسم الله جل وعلا وهو العزيز.
فهذان تعليقان على ما سبق.
أما ما يختص بهذا الدرس فإنه يتعلق بالكنى، والكنى لها شأن عجيب، وهي من الموضوعات الممتعة والطريفة، وفيها أشياء مفيدة.
فالكنية مأخوذة من الكناية، وهي: التعريض بالشيء دون التصريح باسمه، فعادة الناس أنهم قد يعرضون بالشيء، ولا يصرحون بذكر اسمه، فهذا يسمى كناية أو كنية، فالكنية مشتقة من الكناية.
والكنية معروفة عند العرب، حتى كان العرب يكنون الصبي من يوم أن يولد، فيسمونه ويكنونه في نفس الوقت، بخلاف العجم والفرس، فإنهم كانوا لا يستخدمون الكنية بل يستخدمون اللقب، كما سيأتي في موضوع الألقاب.
وكانت العرب تتيمن بتكنية الولد تفاؤلاً بأنه سيطول عمره حتى يتزوج وينجب ويسمي، وهذا فأل حسن، وورد الشرع به، فهو محمود، كما أنهم كانوا يقولون: كنوا أولادكم -أو بادروا أولادكم بالكنى- حتى لا تغلب عليهم الألقاب، لأنهم يرون أن الإنسان إن لم يكنى، فإنه قد يلقب، وهذا موجود الآن في كثير من مجتمعاتنا، لا تكاد تجد صغيراً ولا كبيراً إلا له لقب، واللقب: هو شئ يعتبر به، ويكون غالباً من الألقاب المذمومة غير المحمودة، فالكنية هي البديل الشرعي لهذه الألقاب المكروهة التي يتداولها الناس، خاصة في البيئات والمجتمعات الريفية -في القرى والأرياف والمدن الصغيرة- حيث يكثر التلقيب بالأسماء المكروهة، والكنية هي البديل الشرعي، كأبي فلان أو ما أشبه ذلك.
النقطة الثانية: هي موضوع ذكر الكنى المكروهة، أو التي ورد النهي عنها.
التكني بأبي عيسى
لكن العبرة في الواقع بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام كنى المغيرة بـأبي عيسى، وثبت هذا، فنقول: إن الواقع أن كنية أبي عيسى لا بأس بها، وقد تكنى بها طائفة كثيرة من أهل العلم، من أشهرهم: الإمام أبو عيسى محمد بن سورة الترمذي صاحب السنن، فإنه يكنى بـأبي عيسى.
الكنى المخالفة للشرع وللواقع
الكنى التي فيها تعريض للإهانة
الأمر الأول: لكي لا يكنى الإنسان بكنية تكون مدعاة إلى إهانة شيء من الذكر.
الأمر الآخر: الإشارة إلى أن من أهل الأدب والطرف، من يكون عندهم شيء من المجانة والاستخفاف، فيتوسعون في رواية الحكايات والقصص والطرائف والنكت المتعلقة بالقرآن الكريم، أو بالسنة النبوية، أو بالله جل وعلا، أو بالرسل، وهذا لا يجوز، لأن القرآن لم ينـزل ليكون نكتة يتداولها الأدباء والشعراء، وهذا الموضوع -موضوع النكت والطرائف إن شاء الله- سوف أفرد له جلسة خاصة؛ لأتحدث عن ما يسوغ له وما لا يسوغ، والآداب العامة المتعلقة به، وأذكر أمثلة مما يصلح وما لا يصلح.
فأقول: في بعض كتب الأدب ككتاب نثر الدر والعقد الفريد وغيرها، يقول: إن رجلاً قيل له: ما كنيتك؟ فقال: كنيتي أبو عبد رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين. فقال له رجل: حياك الله يا نصف القرآن. فهذا فيه:
أولاً: هم يسوقون مثل هذه الأشياء للتندر، والتندر بالآيات القرآنية لا يجوز، وربما أن الناس إذا سمعوا نكته تتعلق بآية -أحياناً- أنها تسرع إليهم النكتة أكثر مما يسرع إليهم التأثر بالآية، أو الخشوع عندها، أوتدبر معانيها.
وذكروا من هذا أشياء كثيرة، لا أرى أنه يصلح أو يسوغ أن أستطرد في ذكرها، إنما قصدت مجرد المثال.
التكني بأبي الكلام
ومن الكنى التي نقل النهي عنها: كنية: أبو عيسى. فقد روى أبو داود والبيهقي بسند حسن، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن عمر كان له ابن يكنى بأبي عيسى، فضربه عمر وغير كنيته، وكذلك كان للمغيرة كنيتان: أبو عيسى وأبو عبد الله، فقال له عمر: ألا يكفيك أن تكنى بـأبي عبد الله؟ قال المغيرة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كناني بـأبي عيسى، فقال عمر رضي الله عنه: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنا بعدُ في جلحتنا -بفتح الجيم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة- والمقصود بالجَلْحَة: الرأس، واحدة الجلاح وهي الرءوس، كأن عمر يقول: نحن في عداد أمثالنا ونظرائنا وأشباهنا، ولا ندري ما يصنع بنا، ونهاه عمر أن يكنى بـأبي عيسى، فلم يزل يكنى بـأبي عبد الله حتى مات رضي الله عنه وأرضاه.
لكن العبرة في الواقع بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، فما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام كنى المغيرة بـأبي عيسى، وثبت هذا، فنقول: إن الواقع أن كنية أبي عيسى لا بأس بها، وقد تكنى بها طائفة كثيرة من أهل العلم، من أشهرهم: الإمام أبو عيسى محمد بن سورة الترمذي صاحب السنن، فإنه يكنى بـأبي عيسى.
ومن الكنى المكروهة أو الممنوعة: الكنى المخالفة للواقع أو المخالفة للشرع، فقد ذكر ابن قتيبة وابن عبد ربه في العقد الفريد وغيرهما: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، سمع رجلاً ينادي رجلاً آخر يقول له: يا أبا العقلين! فقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: لو كان عاقلاً لكفاه أحدهما، فهذا خلاف الواقع، وخلاف ما دلت عليه نصوص الشريعة، فلا ينبغي أن يكنى أحد باسم مخالف للواقع، أو مخالف للشرع.
وكذلك من الكنى المكروهة والممنوعة ما كان فيه تعريض للإهانة كما سبق في الأسماء، كأن يسمى باسم سورة من السور، أو باسم ذكر من الأذكار، وفي كتب الأدب والطرائف أشياء من هذا القبيل، أنا أذكرها لأمرين:
الأمر الأول: لكي لا يكنى الإنسان بكنية تكون مدعاة إلى إهانة شيء من الذكر.
الأمر الآخر: الإشارة إلى أن من أهل الأدب والطرف، من يكون عندهم شيء من المجانة والاستخفاف، فيتوسعون في رواية الحكايات والقصص والطرائف والنكت المتعلقة بالقرآن الكريم، أو بالسنة النبوية، أو بالله جل وعلا، أو بالرسل، وهذا لا يجوز، لأن القرآن لم ينـزل ليكون نكتة يتداولها الأدباء والشعراء، وهذا الموضوع -موضوع النكت والطرائف إن شاء الله- سوف أفرد له جلسة خاصة؛ لأتحدث عن ما يسوغ له وما لا يسوغ، والآداب العامة المتعلقة به، وأذكر أمثلة مما يصلح وما لا يصلح.
فأقول: في بعض كتب الأدب ككتاب نثر الدر والعقد الفريد وغيرها، يقول: إن رجلاً قيل له: ما كنيتك؟ فقال: كنيتي أبو عبد رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين. فقال له رجل: حياك الله يا نصف القرآن. فهذا فيه:
أولاً: هم يسوقون مثل هذه الأشياء للتندر، والتندر بالآيات القرآنية لا يجوز، وربما أن الناس إذا سمعوا نكته تتعلق بآية -أحياناً- أنها تسرع إليهم النكتة أكثر مما يسرع إليهم التأثر بالآية، أو الخشوع عندها، أوتدبر معانيها.
وذكروا من هذا أشياء كثيرة، لا أرى أنه يصلح أو يسوغ أن أستطرد في ذكرها، إنما قصدت مجرد المثال.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |