فتاوى نور على الدرب [476]


الحلقة مفرغة

السؤال: إذا أراد المسافر أن يصلي الجمعة مع المسلمين فهل يلزمه الغسل أم لا؟

الجواب على هذا السؤال ينبني على: هل غسل الجمعة واجب أو سنة مؤكدة؟

في هذا للعلماء ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه واجب مطلقاً.

القول الثاني: أنه سنةً مطلقاً.

القول الثالث: التفصيل: فإن كان على الإنسان وسخ كثير يخشى منه ثوران رائحته في هذا الاجتماع الكبير فإنه يجب عليه الغسل إزالةً للأذى، وإلا فإن الغسل في حقه سنة.

والذي يتبين من الأدلة الشرعية أنه واجب على الإطلاق؛ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، فتأمل كلمة (واجب) ممن صدرت؟ وبماذا أحيطت؟

هذه الكلمة صدرت من أفصح الخلق، وأعلمهم بما يقول، وأنصحهم فيما يريد، وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم معنى كلمة (واجب)، فلو لم يرد بها الإلزام لكان التعبير بها فيه إيهام، ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يأتي بعبارة موهمة ويريد بها خلاف ظاهرها، بل لا يأتي بعبارة إلا وهو يريد ما يستفاد منها من ظاهر اللفظ؛ لأنه أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم لعباد الله.

ثم إن هذه الكلمة أحيطت بما يدل على أن المراد بها الوجوب الإلزامي، وهو قوله: ( على كل محتلم ) أي: على كل بالغ، فإن البلوغ وصف يقتضي إلزام المخاطب بما يوجه إليه من خطاب، فهو وصف مناسب لعلة الإيجاب، وعلى هذا فلا مناص من القول بوجوب الغسل على من أراد الجمعة وأتى إليها، ويدل لذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب يوم الجمعة فدخل عثمان فسأله: لماذا تأخر؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين! ما زدت على أن توضأت، يعني: ثم جاء، فقال له عمر وهو يخطب الناس: والوضوء أيضاً؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل )، وعلى هذا فمن ترك غسل الجمعة فهو آثم؛ لتركه الواجب، لكن الصلاة صحيحة؛ لأن هذا الغسل واجب عن غير حدث، فلا يمنع صحة الصلاة، وحينئذٍ يتبين جواب سؤال السائل أنه إذا كان مسافراً وحضر الجمعة فهل عليه الغسل؟ نقول: نعم، عليه الغسل؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل )، ولكن إذا كان يشق عليه ذلك لكونه لا يجد الماء، أو لا يجد إلا ماءً بارداً في أيام الشتاء ويخاف على نفسه من البرد فإنه لا إثم عليه في هذه الحال؛ لأن الله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ، ويقول جل ذكره: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )، ومن هذه النصوص أخذ العلماء قاعدةً مفيدةً جداً لطالب العلم وهو أنه لا واجب مع عجز، كما أنه لا محرم مع ضرورة؛ لقوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].

السؤال: أردت بيع بيتي، ولكن الوالد رفض ذلك رفضاً قاطعاً، فكرهت أن أبيع الدار وهو غير راغب، فهل يجوز لي؟

الجواب: إذا كره والدك أن تبيع بيتك فلا تبعه، اتباعاً لما يرضي والدك، اللهم إلا في حال الضرورة والحاجة، كما لو كان البيت رفيع الثمن وأنت محتاج إلى الدراهم وتريد أن تبيعه لتشتري دونه، فلا حرج عليك في هذه الحال أن تبيعه ولو كره أبوك ذلك، لكن ينبغي لك أن تداري والدك في هذه الحال، وأن تحاول إقناعه بكل ما تستطيع، أما إذا لم يكن حاجة فإن اتباع رضا والدك خير لك، وربما يكون خيراً لك أيضاً في الدنيا، وربما يكون عدم بيعه خيراً لك في المستقبل.

السؤال: شخص حافظ لكتاب الله عز وجل، وحفظه قوي، ولكنه لا يقوم من الليل شيئاً، ويوتر قبل أن ينام، فهل يأثم بذلك؟

الجواب: لا يأثم بذلك، فإن الإنسان مخير بين الإيتار في أول الليل أو آخره، ولكن من طمع أن يقوم من آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وهي أفضل، ومن خاف أن لا يقوم فليوتر أول الليل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أوصى أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام؛ لأنه كان يشتغل في أول الليل بحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأرشده النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإيتار قبل النوم.

السؤال: أعيش ولله الحمد في راحة تامة، ولا يوجد عندي ما يكدر صفوي، ولكني سمعت كلاماً لبعض أهل العلم عن الابتلاء، وأن الأصل في المسلم أن يبتلى على قدر إيمانه، وذكر أن من الابتلاء: أن يبتلى الإنسان، فأرجو من سماحتكم شيئاً من التعليق حول الابتلاء؟

الجواب: الابتلاء هو الاختبار، وقد قال الله تبارك وتعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] .

فأما الخير فالابتلاء فيه أن يبلو الله الإنسان هل يشكر أم يكفر؟ كما قال سليمان عليه الصلاة والسلام حين رأى عرش ملكة سبأ مستقراً عنده: قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل:40] .

وأما الابتلاء بالشر، فإن الله تعالى يبلوا الإنسان بالشر، ليعلم هل يصبر أو يتسخط، فإن صبر واحتسب الأجر من الله كان هذا البلاء كفارةً له، ورفعة لدرجاته، وإن لم يفعل كان هذا الابتلاء محنةً عليه في دنياه وآخرته.

والإنسان الذي أنعم الله عليه بالنعم المالية والبدنية والعقلية والأهلية، وتمت له نعمة الدنيا يجب عليه أن يشكر الله على هذه النعمة، وأن ينظر إلى من هو دونه، حتى يتبين له فضل الله عز وجل عليه، وإذا قام بشكر هذه النعمة فقد أدى ما عليه، وحصل على الأجر، بل وعلى زيادة النعم كما قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها )، ولا تسخط ولا تهتم ولا تغتم إذا لم يبتلك الله عز وجل بالمصائب، فإن الأمر كما قلت لك قد يكون الابتلاء بالخير كما يكون الابتلاء بالشر.

السؤال: سافرت من الرياض إلى القصيم، وأثناء السير حان وقت صلاة المغرب، فتوقفنا وصلينا المغرب والعشاء مع غلبة ظننا أننا سنصل إن شاء الله قبل صلاة العشاء في المسجد، وبالفعل وصلنا مبكرين، فهل عملنا صحيح؟

الجواب: المسافر يشرع له قصر الصلاة من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليها من سفره، وأما الجمع فلا يشرع إلا إذا كان في حاجة إليه، فإذا كان في حاجة إليه سن له أن يجمع، وإلا فالأفضل عدم الجمع، وإن جمع فلا بأس، وبناءً على هذه القاعدة نقول: إن المسافر إذا أقبل على بلده وكان يغلب على ظنه أنه يصل إليه قبل دخول وقت الصلاة الثانية أو في أثناء وقتها فالأفضل ألا يجمع؛ لأنه ليس بحاجة إلى الجمع حينئذٍ، وإن جمع فلا بأس لأنه مسافر، وعلى هذا فعمل هذا السائل الذي جمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم قبل أن يصل إلى بلده عمل صحيح، لكنه مرجوح إذ إن الأفضل ألا يجمع في هذه الحال لكونه يغلب على ظنه أنه يصل إلى بلده قبل وقت الثانية أو في أثنائها.

السؤال: كنت لا أعرف مكان الإحرام فأحرمت من مطار جدة مع العلم بأنني أقلعت من مطار دمشق، فهل الإحرام جائز أو علي كفارة؟

الجواب: المسافر على الطائرة إلى مكة يريد العمرة يجب عليه أن يحرم عند أول ميقات يحاذيه من فوق؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت وقال: ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة ).

ولما سأل أهل العراق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يجعل لهم ميقاتاً، قال: انظروا إلى حذوها -يعني: قرن المنازل- من طريقكم. فدل هذا الأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن محاذاة الميقات كالوصول إلى الميقات بالفعل، وعلى هذا فمن حاذى الميقات من فوق الطائرة فإنه يجب عليه الإحرام منه، ولا يحل له أن يؤخر الإحرام حتى يصل إلى جدة، فإن فعل هذا وكان متعمداً فهو آثم وعليه الفدية وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء، وإن فعل ذلك جاهلاً -كما يفيده سؤال هذا السائل- فإنه لا إثم عليه؛ لأنه معذور بجهله ولكن عليه الفدية جبراً لما نقص من إحرامه وهي شاة يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء، وعلى هذا فنقول للسائل: يذبح فدية في مكة ويوزعها على الفقراء إما بنفسه إن ذهب إلى مكة أو بتوكيل غيره ممن هو في مكة أو قريب منها، يذبحها عنه ويوزعها على الفقراء، هذا إذا كان قادراً على ذلك قدرة مالية، أما إذا كان غير قادر فإنه لا شيء عليه، لا إطعام ولا صيام، وهذا الحكم في كل من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فإن عليه الفدية كما قال أهل العلم: يذبحها في مكة ويوزعها على الفقراء، فإن لم يجد فلا شيء عليه لا إطعام ولا صيام.

السؤال: أصلي منذ عشر سنوات تقريباً وزوجتي لا تصلي، فهل يحق لي أن أهجرها، أفيدونا ماذا أفعل معها من أجل الصلاة، علماً بأنني نصحتها عدة مرات، أرجو النصح والتوجيه؟

الجواب: النصح هنا يتوجه إلى السائل وإلى زوجته، أما توجهه إلى السائل فإننا نقول: إن عليه أن يؤدب امرأته، وأن يلزمها بالصلاة، فإن أبت فليفارقها؛ لأنها إذا لم تصلي فهي كافرة كفراً مخرجاً عن الملة وهو كفر ردة لا يحل له أن يبقى معها بصره؛ لقول الله تبارك وتعالى في المؤمنات المهاجرات: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] .

ولقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] ، هذا بالنسبة إلى الزوج.

أما بالنسبة للزوجة: فإنني أوجه إليها النصيحة بأن تتقي الله عز وجل وتخافه، وترجع إلى دينها الذي خرجت منه إذا كانت لا تصلي أبداً؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة؛ لقول الله تبارك الله وتعالى في المشركين: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11] .

ولقول النبي صلى عليه وآله وسلم: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )؛ ولقوله: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ).

فعليها أن تتقي ربها، وأن ترجع إلى دينها الذي خرجت منه لتبقى مع زوجها وتحيى معه حياة سعيدة، نسأل الله لنا ولها الهداية.

السؤال: أسأل عن ثوب الزفاف، وخاتم الخطوبة، والتشريعة، ما حكمها في الشرع في نظركم؟

الجواب: ثوب الزفاف جائز إذا لم يكن متضمناً لفعل محظور -أي: لفعل محرم-؛ وذلك أن الأصل في اللباس عيناً وكماً وكيفية الحل، فيلبس الإنسان ما شاء من عينة الثياب، ويلبس الثياب على أي كيفية شاء، هذا هو الأصل، ما لم يوجد ما يخرجه عن هذا الأصل، مثل: أن يلبس لباساً على زي لا يفعله إلا الكفار، فحينئذ لا يجوز للإنسان أن يلبس لباساً على زي لا يفعله إلا الكفار؛ لأنه يقع حينئذٍ في التشبه بهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( من تشبه بقوم فهو منهم ).

وكذلك لا يجوز للمرأة أن تلبس لباساً لا يلبسه إلا الرجال، ولا يجوز للرجل أن يلبس لباساً لا يلبسه إلا النساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ).

وإذا خلا الزي عن زي محرم فالأصل فيه الحل، وعلى هذا فلباس الزفاف الذي يلبسه النساء الآن وهو الأبيض الفضفاض الواسع لا بأس به ولا حرج فيه؛ لأن هذا هو الأصل، ولا نعلم أن في ذلك مشابهةً للمشركين والكفار، كما أنه لا يشبه ثياب الرجال.

وأما الشرعة فالشرعة على نوعين:

النوع الأول: أن يكون الزوج مع الزوجة على المنصة فهذه حرام، ولا يحل فعلها، ولا يحل للزوج أن يفعل ذلك، ولا لأهل الزوجة أن يمكنوه من هذا الفعل، فإن ظهور الرجال أمام النساء في هذه الحال فتنة عظيمة.

أما النوع الثاني من الشرعة فهي: أن تقوم الزوجة وحدها فقط على المنصة أمام النساء، فهذا لا بأس به ولا حرج فيه؛ لأنه ليس فيه محظور فيما نعلم، وإن قدر أن فيه محظوراً فالحكم يدور مع علته فإنه يمنع، لكن لا يتبين لنا أن في ذلك محظوراً، وعلى هذا فيكون قيام المرأة على المنصة أمام النساء لا بأس به، والله الموفق.

مداخلة: بالنسبة لخاتم الخطوبة؟

الشيخ: أما خاتم الخطوبة فالأصل أن الخواتيم جائزة، لكن نظراً إلى أن هذا الخاتم يقال: إنه متلقن من عادات النصارى، فإذا ثبت هذا فتجنبه أولى.