شرح بلوغ المرام - كتاب الصلاة - باب صلاة التطوع - حديث 399-404


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم لك الحمد كما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، نحمدك ونشكرك ونثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق.

وعندنا اليوم خمسة أحاديث أو ستة في باب صلاة التطوع، نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، ويزيدنا علماً وعملاً إنه أرحم الراحمين.

الآن نأخذ هذه الأحاديث:

قال المصنف رحمه الله: [ وعن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، أخرجه أبو داود بسند لين، وصححه الحاكم، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة رضي الله عنها: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتوتر قبل أن تنام؟! فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ).

ولهما في رواية عنها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات، يوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة ركعة ).

وفي رواية أخرى: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يسلم بشيء إلا آخرها )، متفق عليه.

وعنها رضي الله عنها قالت: ( من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى وتره إلى السحر )، متفق عليهما ].

أحاديث هذا اليوم فأولها حديث عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا ).

تخريج الحديث

والمصنف عزا هذا الحديث إلى أبي داود بسند لين، وإلى الحاكم أيضاً في مستدركه، وقد روى الحديث -كما أشار المصنف- أبو داود رحمه الله في سننه في كتاب الصلاة، تفريع أبواب الوتر، باب فيمن لم يوتر.

ولفظ أبي داود : ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، ورواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه.

وقد قال المصنف هاهنا: بسند لين، وسر تليين المصنف لهذا الإسناد هو أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي، فهذا الرجل مختلف فيه، ضعفه جماعة، ووثقه آخرون، وممن وثقه ابن معين رحمه الله، وكذا أبو حاتم الرازي قال: صالح الحديث، وهو من الأئمة المتشددين في التعديل، فإذا عدل راوياً فهو إلى الثقة وإلى العدالة أقرب، وقل ما يعدل راوياً ويضعفه غيره، ولعل هذا المثال من الأمثلة القليلة التي خولف فيها أبو حاتم رحمه الله، فهو قال في هذا الراوي: صالح الحديث، وكذلك يحيى بن معين وثق عبيد الله هذا العتكي، وتكلم فيه آخرون، وممن تكلم فيه الإمام النسائي، وهو أيضاً متشدد في الجرح، وابن حبان والعقيلي، وقال ابن عدي في الضعفاء: لا بأس به، وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فإنه ذكره في تقريب التهذيب، وقال: صدوق يهم، وقال هاهنا: بسند لين.

وقد اختلف أهل العلم في درجة: صدوق يهم، فمنهم من اعتبر حديثه حسناً، ومنهم من ضعف حديث الصدوق إذا قيل فيه: يهم؛ لأن هذا دليل على كثرة الوهم عنده، ومذهب سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أن مثل هذا الراوي إذا قيل فيه: صدوق يهم، فدرجته أن حديثه حسن، ويقول: من هو الذي لا يهم، ما من أحد إلا ويهم، ولكن المشهور عند جماعة من علماء الجرح والتعديل أن الصدوق إذا قيل فيه: يهم، فحديثه أقرب وأميل إلى الضعف، بخلاف الصدوق الذي له أوهام، فإنه يرتقي عنه قليلاً، وهذا الحديث كما أسلفت ذكرناه شاهداً لحديث أبي أيوب رضي الله تعالى عنه وأرضاه .

أما حديث أبي هريرة الآخر، والذي لم يسق المصنف لفظه، لكنه أشار إليه بمعناه، ونسبه إلى الإمام أحمد رحمه الله، فإنه قد رواه الإمام أحمد في مسنده في (2/ 443)، ورواه في موضع آخر أيضاً وسنده أيضاً فيه ضعف، كما ذكره المصنف رحمه الله شاهداً لحديث عبد الله بن بريدة، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد.

إذاً: في الحديث علتان:

العلة الأولى: أن فيه الخليل بن مرة وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم والبخاري .. وغيرهما.

العلة الثانية: أنه منقطع بين معاوية بن قرة وبين أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فإن معاوية بن قرة لم يرو عن أبي هريرة شيئاً ولا لقيه، قال ذلك الإمام أحمد، قال: لم يرو معاوية بن قرة عن أبي هريرة رضي الله عنه شيئاً ولا لقيه.

ففي الحديث علتان.

استدلال القائلين بالحديث على وجوب صلاة الوتر

على كل حال هذان الحديثان مع حديث أبي أيوب السابق هما دليلان لمن قال بوجوب صلاة الوتر، وهو مذهب أبي حنيفة كما أسلفت، وخالفه في ذلك صاحباه، وممن وافق أبا حنيفة على ذلك: نقل هذا عن سعيد بن المسيب من التابعين، وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعن الضحاك ومجاهد وقال به بعض فقهاء المالكية والحنابلة، ومن مشاهير المالكية الذين قالوا به: أصبغ بن الفرج، وهو من أصحاب الإمام مالك، وكذلك سحنون وهو من أصحابه أيضاً، وقال به بعض أصحاب الإمام أحمد وهم قليل، وهو خلاف ما عليه الجمهور، بما في ذلك الأئمة الثلاثة كما سبق أن أسلفت.

ويجاب عن هذين الحديثين وما أشبههما بأجوبة، سبق أن ذكرنا شيئاً منها:

منها: أن يقال إن لفظ: (حق) ليس نصاً في الوجوب (الوتر حق).

ومنها: أنه جاء عند ابن المنذر لفظ: ( الوتر حق وليس بواجب ).

ومنها: أن الأحاديث ضعفت هذه، فقد ضعف هذان الحديثان وغيرهما.

والوجه الرابع في الإجابة عنها: أن يقال: على فرض صحتها، وصحتها أيضاً مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لابد من الجمع بينها وبين الأحاديث الأخرى الصريحة في عدم الوجوب، فتحمل هذه الأحاديث على تأكيد الوتر، وشدة استحبابه، وتحمل تلك على عدم الوجوب.

وهناك وجه خامس ظهر لي والله تعالى أعلم إن كان صواباً: أن تحمل هذه الأحاديث على من ترك الوتر بالكلية، يعني: إنسان لا يوتر قط، فهذا لا شك أنه مذموم، وللعلماء فيه كلام، أما من كان يوتر ويترك، فلا يمكن أن يقال: إن هذا آثم بتركه للوتر يوماً أو يومين أو أياماً .

والمصنف عزا هذا الحديث إلى أبي داود بسند لين، وإلى الحاكم أيضاً في مستدركه، وقد روى الحديث -كما أشار المصنف- أبو داود رحمه الله في سننه في كتاب الصلاة، تفريع أبواب الوتر، باب فيمن لم يوتر.

ولفظ أبي داود : ( الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا )، ورواه أيضاً الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه.

وقد قال المصنف هاهنا: بسند لين، وسر تليين المصنف لهذا الإسناد هو أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي، فهذا الرجل مختلف فيه، ضعفه جماعة، ووثقه آخرون، وممن وثقه ابن معين رحمه الله، وكذا أبو حاتم الرازي قال: صالح الحديث، وهو من الأئمة المتشددين في التعديل، فإذا عدل راوياً فهو إلى الثقة وإلى العدالة أقرب، وقل ما يعدل راوياً ويضعفه غيره، ولعل هذا المثال من الأمثلة القليلة التي خولف فيها أبو حاتم رحمه الله، فهو قال في هذا الراوي: صالح الحديث، وكذلك يحيى بن معين وثق عبيد الله هذا العتكي، وتكلم فيه آخرون، وممن تكلم فيه الإمام النسائي، وهو أيضاً متشدد في الجرح، وابن حبان والعقيلي، وقال ابن عدي في الضعفاء: لا بأس به، وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فإنه ذكره في تقريب التهذيب، وقال: صدوق يهم، وقال هاهنا: بسند لين.

وقد اختلف أهل العلم في درجة: صدوق يهم، فمنهم من اعتبر حديثه حسناً، ومنهم من ضعف حديث الصدوق إذا قيل فيه: يهم؛ لأن هذا دليل على كثرة الوهم عنده، ومذهب سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز أن مثل هذا الراوي إذا قيل فيه: صدوق يهم، فدرجته أن حديثه حسن، ويقول: من هو الذي لا يهم، ما من أحد إلا ويهم، ولكن المشهور عند جماعة من علماء الجرح والتعديل أن الصدوق إذا قيل فيه: يهم، فحديثه أقرب وأميل إلى الضعف، بخلاف الصدوق الذي له أوهام، فإنه يرتقي عنه قليلاً، وهذا الحديث كما أسلفت ذكرناه شاهداً لحديث أبي أيوب رضي الله تعالى عنه وأرضاه .

أما حديث أبي هريرة الآخر، والذي لم يسق المصنف لفظه، لكنه أشار إليه بمعناه، ونسبه إلى الإمام أحمد رحمه الله، فإنه قد رواه الإمام أحمد في مسنده في (2/ 443)، ورواه في موضع آخر أيضاً وسنده أيضاً فيه ضعف، كما ذكره المصنف رحمه الله شاهداً لحديث عبد الله بن بريدة، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه عند أحمد.

إذاً: في الحديث علتان:

العلة الأولى: أن فيه الخليل بن مرة وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم والبخاري .. وغيرهما.

العلة الثانية: أنه منقطع بين معاوية بن قرة وبين أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فإن معاوية بن قرة لم يرو عن أبي هريرة شيئاً ولا لقيه، قال ذلك الإمام أحمد، قال: لم يرو معاوية بن قرة عن أبي هريرة رضي الله عنه شيئاً ولا لقيه.

ففي الحديث علتان.

على كل حال هذان الحديثان مع حديث أبي أيوب السابق هما دليلان لمن قال بوجوب صلاة الوتر، وهو مذهب أبي حنيفة كما أسلفت، وخالفه في ذلك صاحباه، وممن وافق أبا حنيفة على ذلك: نقل هذا عن سعيد بن المسيب من التابعين، وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعن الضحاك ومجاهد وقال به بعض فقهاء المالكية والحنابلة، ومن مشاهير المالكية الذين قالوا به: أصبغ بن الفرج، وهو من أصحاب الإمام مالك، وكذلك سحنون وهو من أصحابه أيضاً، وقال به بعض أصحاب الإمام أحمد وهم قليل، وهو خلاف ما عليه الجمهور، بما في ذلك الأئمة الثلاثة كما سبق أن أسلفت.

ويجاب عن هذين الحديثين وما أشبههما بأجوبة، سبق أن ذكرنا شيئاً منها:

منها: أن يقال إن لفظ: (حق) ليس نصاً في الوجوب (الوتر حق).

ومنها: أنه جاء عند ابن المنذر لفظ: ( الوتر حق وليس بواجب ).

ومنها: أن الأحاديث ضعفت هذه، فقد ضعف هذان الحديثان وغيرهما.

والوجه الرابع في الإجابة عنها: أن يقال: على فرض صحتها، وصحتها أيضاً مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لابد من الجمع بينها وبين الأحاديث الأخرى الصريحة في عدم الوجوب، فتحمل هذه الأحاديث على تأكيد الوتر، وشدة استحبابه، وتحمل تلك على عدم الوجوب.

وهناك وجه خامس ظهر لي والله تعالى أعلم إن كان صواباً: أن تحمل هذه الأحاديث على من ترك الوتر بالكلية، يعني: إنسان لا يوتر قط، فهذا لا شك أنه مذموم، وللعلماء فيه كلام، أما من كان يوتر ويترك، فلا يمكن أن يقال: إن هذا آثم بتركه للوتر يوماً أو يومين أو أياماً .

الحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها الذي ساقه المصنف قالت: ( ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت: قلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟! قال: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ). والحديث متفق عليه كما ذكر المصنف.

تخريج الحديث

فقد أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التهجد، الذي هو كتاب التطوع، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وأخرجه أيضاً في موضع آخر في صلاة التراويح، باب فضل قيام رمضان، وأخرجه في موضع ثالث عزب عني، وكذلك أخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وكم عدد ركعاتها، وأخرجه أيضاً أبو داود، والترمذي، والنسائي، ومالك، وأحمد، وعبد الرزاق، والطحاوي، وابن أبي شيبة والبغوي، وابن حبان .. وغيرهم من أهل العلم.

وفي هذه المصادر: ( أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف

سأل عائشة

رضي الله عنها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقالت: ما كان يزيد صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة
) .. إلى آخر الحديث.

معاني ألفاظ الحديث

قولها: ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة )، هذا أحد الأوجه عنها، وقد ورد عنها أوجه عدة غير هذا، منها:

الحديث الذي ذكره المصنف بعد ذلك، وهو قولها رضي الله عنها: ( كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها )، فهذا وجه آخر روي عنها، وهو في الصحيحين أيضاً كما سوف يأتي.

وقد جاء عنها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات )، وجاء عنها خلاف ذلك كما سوف يأتي تفصيل شيء منه.

والجمع بين هذه الوجوه التي وردت عن عائشة رضي الله عنها، الجمع بينها له وجوه:

الوجه الأول: أن يحمل ذكر ثلاث عشرة ركعة على أنها أضافت إلى ذلك راتبة العشاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في البيت كما هو معروف، فيحتمل أن عائشة رضي الله عنها أضافت راتبة العشاء إلى الركعات الإحدى عشرة، فصارت ثلاث عشرة ركعة.

ويحتمل وجه آخر: وهو أن تكون أضافت إليه الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بهما صلاة الليل، فقد روى مسلم في صحيحه : ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين )، وهو من حديث عائشة، من رواية سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها.

ويحتمل وهو وجه ثالث: أن تكون أضافت إلى العدد الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر وهو جالس، وهذا قد صح أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم من حديثها رضي الله عنها، كما في مسلم، وهناك اختلافات أخرى في صلاة الليل عن عائشة رضي الله عنها، غير الاختلاف على الإحدى عشرة، والثلاث عشرة، ويحمل هذا الخلاف على تنوع الأحوال، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشط أحياناً فيزيد، ويصيبه التعب أحياناً فينقص، فتكون عائشة رضي الله عنها روت أحوالاً متعددة من صلاة الليل، بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ومما يؤكد ذلك أن الرواة اختلفوا عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، بمعنى: أن سعد بن هشام سألها فأجابته بجواب، أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سألها فأجابته بجواب، مسروق سألها فأجابته بجواب، فاختلف السائلون واختلفت الأجوبة منها رضي الله عنها، فدل على أن ما نقل عنها يحمل على تعدد الأحوال، وليس اضطراباً في الحديث، لا منها رضي الله عنها، ولا ممن فوقها كما زعمه قوم، وإنما الصواب أنها أحوال متعددة لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل.

أما قولها: (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن)، فالمعنى: أن هذه الركعات الأربع حسنة طويلة، فلا تسأل عن حسنها وطولها، أي: أنها في الطول والحسن بصورة لا يحتاج معها إلى سؤال.

وكونها قالت: (ثم يصلي أربعاً فلا تسأل) يحتمل معنيين:

المعنى الأول: أنه يصلي أربع ركعات بتسليم واحد، ثم يصلي أربع ركعات أيضاً بتسليم واحد، وهذا قال به بعض الشراح، وهو وجه ضعيف؛ وسبب ضعفه أنه معارض للروايات الأخرى، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، وسبق أن بحثنا هذه المسألة، وما يتعلق بصلاة الليل والنهار، وكيف يصلي.

الوجه الثاني: أن المعنى (يصلي أربعاً): يسلم من كل ركعتين، وإنما فصلت رضي الله عنها الأربع الأول عما بعدها؛ لأنه يفصل بينها براحة أو نوم.. أو ما أشبه ذلك، فهو يصلي ركعتين ثم ركعتين متشابهتين، التسليمتان متشابهتان في الطول، ثم يفصل بينهما، ثم يصلي أربعاً أيضاً بتسليمتين، يعني: ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ثم يسلم، فتكون فصلت رضي الله عنها الخبر عن الركعات الأول والخبر عما بعدها؛ إما لأنه يفصل بينها بنوم أو راحة، أو لأن الركعات الأربع الأول والمتشابهة في الطول والركعات التي تليها تكون أقصر منها.

إذاً: يحتمل قولها: (يصلي أربعاً) أن تكون الأربع بتسليم واحد، وهو ضعيف، ويحتمل أن تكون بتسليمتين، أي: يسلم من كل ركعتين وهو الراجح، ويدل عليه ما ورد عن عائشة رضي الله عنها عند أبي داود، وسبق أن ذكرناه، وكذلك ما ورد عن ابن عباس في صحيح مسلم : ( أنه يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ثم يسلم ).. إلى آخره. وهذا هو المشهور من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يسلم من كل ركعتين، وكما في قوله: ( صلاة الليل مثنى مثنى ).

أما قولها: (أتنام قبل أن توتر): فهو يدل على أنه قد استقر في خلدها رضي الله عنها: أن المشروع أن يوتر الإنسان قبل أن ينام، فإن هذا هو الحزم والاحتياط، ولهذا تعجبت من نوم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوتر، فسألته عن ذلك، فأجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)، وهذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم، كأنه يدل على أن هذا الأمر من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أن تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد يكون هذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك ينام قبل أن يوتر، أما غيره من الناس ممن تنام عيونهم وقلوبهم، فالحزم في حقهم ألا يناموا حتى يوتروا، يعني: في آخر الليل إذا قاموا للتهجد، أما في أول الليل، فإن طمع أن يقوم في آخر الليل أخر الوتر إلى آخر الليل، وهو وقت التنزل الإلهي، وإن خشي ألا يقوم فإن السنة في حقه أو يوتر قبل أن ينام، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذر رضي الله عنهما: ( أوصاني خليلي بثلاث -وذكر منها:-وأن أوتر قبل أن أنام ).

عدم نوم قلبه صلى الله عليه وسلم دليل على عدم انتقاض وضوئه

ثم إن قوله عليه الصلاة والسلام: (إن عيني تنام ولا ينام قلبي)، فيه مسائل:

منها: أن النوم الناقض للوضوء: هو النوم الذي يكون معه غفلة القلب ونوم القلب؛ ولهذا قال بعضهم: إن نوم النبي صلى الله عليه وسلم غير ناقض للوضوء؛ لأنه لا ينام قلبه، وهذا فيه نظر والله تعالى أعلم، وإن كان ينام حتى ينفخ عليه الصلاة والسلام ثم يقوم ويصلي، لكن يحمل هذا على أنه نوم لا استغراق معه، أما النوم المستغرق، يعني: إذا وضع جنبه عليه الصلاة والسلام على الفراش، ونام مستغرقاً طويلاً فيحتاج إلى دليل، أن يقال: إن مثل هذا النوم لا ينقض الوضوء، والمعلوم من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا قام من الليل، قام إلى شن معلقة فتوضأ منها، ثم صلى، ولم ينقل عنه أنه كان يصلي بعدما يقوم من الليل دون أن يتوضأ، ولكن نومه ذاك الذي قبل صلاة الفجر نوم خفيف، وإن صاحبه نفخ أو ثقل في النفس.

الجمع بين حديث: (إن عيني تنام ولا ينام قلبي) وحديث: (.. ناموا في الوادي حتى فاتتهم صلاة الفجر)

المسألة الثانية: أنه ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ناموا في الوادي، حتى فاتتهم صلاة الفجر )، فكيف يجمع بين هذا وبين حديث الباب في قوله: (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)؟

الذي وقفت عليه من وجهين:

الأول: قال بعضهم: أن له عليه الصلاة والسلام أحوالاً، فأحياناً تنام عيناه ولا ينام قلبه، وأحياناً تنام عيناه وقلبه، فيكون جوابه عليه الصلاة والسلام لـعائشة هنا عن الحال التي سألته عليها، يعني: نومه قبل الوتر، يكون جوابه في قوله: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) يعني: للنوم الذي حصل قبل أداء الوتر، فهذا جواب، ويكون نومه في الوادي مما اجتمع فيه نوم العينين ونوم القلب.

الجواب الثاني: أن يقال: إن رؤية الشمس وإدراك طلوع الوقت مما يتعلق بالعين لا بالقلب، فقد نامت عيناه صلى الله عليه وسلم، فلم ير طلوع الفجر وبزوغ الشمس حتى طلعت، وهذا لا تعلق له بنوم القلب، هكذا قال بعضهم.

على كل حال هذا ما يتعلق بحديث عائشة رضي الله عنها.

فقد أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التهجد، الذي هو كتاب التطوع، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وأخرجه أيضاً في موضع آخر في صلاة التراويح، باب فضل قيام رمضان، وأخرجه في موضع ثالث عزب عني، وكذلك أخرجه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل، وكم عدد ركعاتها، وأخرجه أيضاً أبو داود، والترمذي، والنسائي، ومالك، وأحمد، وعبد الرزاق، والطحاوي، وابن أبي شيبة والبغوي، وابن حبان .. وغيرهم من أهل العلم.

وفي هذه المصادر: ( أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف

سأل عائشة

رضي الله عنها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقالت: ما كان يزيد صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة
) .. إلى آخر الحديث.

قولها: ( ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة )، هذا أحد الأوجه عنها، وقد ورد عنها أوجه عدة غير هذا، منها:

الحديث الذي ذكره المصنف بعد ذلك، وهو قولها رضي الله عنها: ( كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها )، فهذا وجه آخر روي عنها، وهو في الصحيحين أيضاً كما سوف يأتي.

وقد جاء عنها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات )، وجاء عنها خلاف ذلك كما سوف يأتي تفصيل شيء منه.

والجمع بين هذه الوجوه التي وردت عن عائشة رضي الله عنها، الجمع بينها له وجوه:

الوجه الأول: أن يحمل ذكر ثلاث عشرة ركعة على أنها أضافت إلى ذلك راتبة العشاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في البيت كما هو معروف، فيحتمل أن عائشة رضي الله عنها أضافت راتبة العشاء إلى الركعات الإحدى عشرة، فصارت ثلاث عشرة ركعة.

ويحتمل وجه آخر: وهو أن تكون أضافت إليه الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح بهما صلاة الليل، فقد روى مسلم في صحيحه : ( أنه عليه الصلاة والسلام كان يستفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين )، وهو من حديث عائشة، من رواية سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها.

ويحتمل وهو وجه ثالث: أن تكون أضافت إلى العدد الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر وهو جالس، وهذا قد صح أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم من حديثها رضي الله عنها، كما في مسلم، وهناك اختلافات أخرى في صلاة الليل عن عائشة رضي الله عنها، غير الاختلاف على الإحدى عشرة، والثلاث عشرة، ويحمل هذا الخلاف على تنوع الأحوال، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشط أحياناً فيزيد، ويصيبه التعب أحياناً فينقص، فتكون عائشة رضي الله عنها روت أحوالاً متعددة من صلاة الليل، بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ومما يؤكد ذلك أن الرواة اختلفوا عن عائشة رضي الله عنها في ذلك، بمعنى: أن سعد بن هشام سألها فأجابته بجواب، أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سألها فأجابته بجواب، مسروق سألها فأجابته بجواب، فاختلف السائلون واختلفت الأجوبة منها رضي الله عنها، فدل على أن ما نقل عنها يحمل على تعدد الأحوال، وليس اضطراباً في الحديث، لا منها رضي الله عنها، ولا ممن فوقها كما زعمه قوم، وإنما الصواب أنها أحوال متعددة لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل.

أما قولها: (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن)، فالمعنى: أن هذه الركعات الأربع حسنة طويلة، فلا تسأل عن حسنها وطولها، أي: أنها في الطول والحسن بصورة لا يحتاج معها إلى سؤال.

وكونها قالت: (ثم يصلي أربعاً فلا تسأل) يحتمل معنيين:

المعنى الأول: أنه يصلي أربع ركعات بتسليم واحد، ثم يصلي أربع ركعات أيضاً بتسليم واحد، وهذا قال به بعض الشراح، وهو وجه ضعيف؛ وسبب ضعفه أنه معارض للروايات الأخرى، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: ( صلاة الليل مثنى مثنى )، وسبق أن بحثنا هذه المسألة، وما يتعلق بصلاة الليل والنهار، وكيف يصلي.

الوجه الثاني: أن المعنى (يصلي أربعاً): يسلم من كل ركعتين، وإنما فصلت رضي الله عنها الأربع الأول عما بعدها؛ لأنه يفصل بينها براحة أو نوم.. أو ما أشبه ذلك، فهو يصلي ركعتين ثم ركعتين متشابهتين، التسليمتان متشابهتان في الطول، ثم يفصل بينهما، ثم يصلي أربعاً أيضاً بتسليمتين، يعني: ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ثم يسلم، فتكون فصلت رضي الله عنها الخبر عن الركعات الأول والخبر عما بعدها؛ إما لأنه يفصل بينها بنوم أو راحة، أو لأن الركعات الأربع الأول والمتشابهة في الطول والركعات التي تليها تكون أقصر منها.

إذاً: يحتمل قولها: (يصلي أربعاً) أن تكون الأربع بتسليم واحد، وهو ضعيف، ويحتمل أن تكون بتسليمتين، أي: يسلم من كل ركعتين وهو الراجح، ويدل عليه ما ورد عن عائشة رضي الله عنها عند أبي داود، وسبق أن ذكرناه، وكذلك ما ورد عن ابن عباس في صحيح مسلم : ( أنه يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ثم يسلم ).. إلى آخره. وهذا هو المشهور من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يسلم من كل ركعتين، وكما في قوله: ( صلاة الليل مثنى مثنى ).

أما قولها: (أتنام قبل أن توتر): فهو يدل على أنه قد استقر في خلدها رضي الله عنها: أن المشروع أن يوتر الإنسان قبل أن ينام، فإن هذا هو الحزم والاحتياط، ولهذا تعجبت من نوم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوتر، فسألته عن ذلك، فأجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)، وهذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم، كأنه يدل على أن هذا الأمر من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أن تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد يكون هذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك ينام قبل أن يوتر، أما غيره من الناس ممن تنام عيونهم وقلوبهم، فالحزم في حقهم ألا يناموا حتى يوتروا، يعني: في آخر الليل إذا قاموا للتهجد، أما في أول الليل، فإن طمع أن يقوم في آخر الليل أخر الوتر إلى آخر الليل، وهو وقت التنزل الإلهي، وإن خشي ألا يقوم فإن السنة في حقه أو يوتر قبل أن ينام، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذر رضي الله عنهما: ( أوصاني خليلي بثلاث -وذكر منها:-وأن أوتر قبل أن أنام ).