شرح عمدة الأحكام [73]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [باب القضاء:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)].

أهمية القضاء بين الناس

بعدما أورد المؤلف الأحاديث التي تتعلق بالحدود والعقوبات والمعاصي والأيمان والنذور ذكر باب القضاء، وهو الحكم بين الناس فيما يختلفون فيه؛ وذلك لأنه من ضروريات الحياة، فالواقع أن الناس يحصل من بعضهم اعتداء وظلم وأخذ لغير ما يستحقه، وادعاءات منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، فكان لابد أن يكون هناك من يفصل بينهم، ويحسم النزاع الذي يوجد فيما بينهم، ويكون هذا الذي يفصله هو القاضي الذي يحكم بين الناس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولى القضاء في حياته، عندما يختلف اثنان ويتنازعان يترافعان إليه، فيقضي بينهما، ويخبر بمن عليه الحق، ويأمره بأداء الحق الذي عليه، وهكذا الخلفاء بعده، وكان قد أرسل عليه الصلاة والسلام إلى بعض الجهات من يقضي بين الناس، فأرسل معاذاً إلى اليمن، وأمره أن يقضي بين الناس، وأرسل علياً أيضاً إلى جهة أخرى من اليمن، وأمره أن يقضي بينهم فيما يختلفون فيه، وعلمه شيئاً مما يقضي به، فثبت عنه أنه قال: (إذا سمعت كلام الخصم فلا تقضي حتى تسمع كلام الآخر، فإنك تعرف كيف تقضي)، قال علي : فما زلت قاضياً، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقضاكم علي ، وأفرضكم زيد ...) إلخ الحديث، فجعل علياً ممن له معرفة بالقضاء، وجرت له مسائل قضى فيها بين الناس، ووافقه عليها أهل زمانه.

القضاء في الأصل هو الفصل فيما يختلف فيه الناس، قال الله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص:26] والحكم بين الناس هو القضاء بينهم بالحق الذي أنزله الله.

ويقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] أي: إذا قضيتم بينهم فالتمسوا الحق والعدل، فهذا هو المراد بالقضاء، وقد اشترطوا للقضاء شروطاً، واشترطوا في القاضي صفات لابد أن تتوافر فيه، وهي مذكورة في كتب الأحكام وكتب الفقه، لابد أن تتوافر تلك الشروط فيه حتى يتمكن من القضاء، وإذا تخلفت أو تخلف بعضها اختلت أهليته للقضاء.

وعلى كل حال الأحاديث التي فيها تعليم القضاء ليس فيها شيء متفق عليه بين البخاري ومسلم ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)، ومثل قوله: (كيف تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي)، وهو حديث معاذ ، وغيرها من الأحاديث التي لم تثبت على شرط الشيخين، فلذلك لم يذكرها المؤلف صاحب العمدة.

يجب على القاضي تحري السنة

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لـمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

هذا حديث جامع يعتمد في إثبات السنن وفي رد البدع، فيعتمد في أن القاضي عليه أن يتحرى السنة، وعليه أن يعمل بها، وعليه أن يعمل بما ورد منها، وأن يتجنب القضاء الذي يتبع فيه الهوى، ويتجنب أن يحكم بين الناس برأيه، ويتجنب أن يجور في الحكم، وأن يظلم هذا لهذا، فإن هذا كله خلاف ما أمر الله به، وخلاف ما عليه أمر الله وأمر رسوله، ولا شك أن هذا الحديث جاء في بيان الشريعة، وهو أن شريعة الله سبحانه قد بلغها النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأحكام، وفيما يتعلق بالآداب وبالحلال والحرام، وبالسنن وبالواجبات وما أشبهها.

هذا الحديث (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فيه إثبات السنن ورد البدع، وأن كل من عمل عملاً مضافاً إلى الشريعة لا أصل له بالدين فإنه مردود، سواء كان تغييراً في العبادة، أو بزيادة فيها، أو شرعية عبادة أخرى، ويدخل في ذلك الإضافات التي يضيفها المبتدعة سواء في أذكار أو في أدعية أو ما أشبه ذلك.

اجتهاد القاضي بما لا يخالف الكتاب والسنة

إن القضاء من أمر الله ومن أمر رسوله، وعلى القاضي أن يتقيد بكتاب الله، فإذا جاءه أمر في كتاب الله قضى به، وإذا لم يجد فإنه يتقيد بسنة رسول الله، فإذا لم يجد اجتهد، فإذا قضى مخالفاً لأمر الله فقضاؤه مردود ولو كان من كان، كما لو أمر بمنكر أو نهى عن معروف أو قضى للظالم وظلم بعض الناس، وقضى على هذا بأنه ظالم مع أنه مظلوم، وقضى على هذا بأنه مظلوم مع أنه ظالم، وحكمه يرد إذا ثبت أنه مخالف لعين الصواب، فيقال: هذا مردود؛ لأنه عمل ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله، فاستدلوا بذلك على نقض حكم الحاكم الذي خالف فيه الصواب، ولو كان من كان؛ وذلك لأن الحاكم بشر، وحكمه يصدر عن اجتهاد، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بأنه لا يعلم الغيب، وإنما يجتهد بحسب ما يصل إليه إدراكه وفهمه فقال: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها)، يعض بذلك المتخاصمين اللذين اختلفا، هذا يقول: الحق معي، وهذا يقول: الحق معي، فإذا كان أحدهما يعلم أنه كاذب وأنه ظالم فإن حكم الحاكم لا يبرر موقفه، ولا يحل له ما كان حراماً، يقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188] يعني: إلى القضاة لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] فإذا غلط القاضي وحكم لك بشيء من حق أخيك -ولو شيئاً يسيراً شبراً من الأرض أو درهماً أو جزءاً يسيراً من المال- فلا تأخذه وأنت تعلم أنك كاذب لا تستحقه، والقاضي متى تبين له خطأ نفسه فإن عليه الرجوع، والقضاة الآخرون إذا علموا جور هذا القاضي وعرفوا أنه مخطئ في حكمه؛ لم يجز إبقاؤه على هذا، بل يرد حكمه، فيقال: حكمك مردود ولو كنت من كنت.

بعدما أورد المؤلف الأحاديث التي تتعلق بالحدود والعقوبات والمعاصي والأيمان والنذور ذكر باب القضاء، وهو الحكم بين الناس فيما يختلفون فيه؛ وذلك لأنه من ضروريات الحياة، فالواقع أن الناس يحصل من بعضهم اعتداء وظلم وأخذ لغير ما يستحقه، وادعاءات منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، فكان لابد أن يكون هناك من يفصل بينهم، ويحسم النزاع الذي يوجد فيما بينهم، ويكون هذا الذي يفصله هو القاضي الذي يحكم بين الناس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولى القضاء في حياته، عندما يختلف اثنان ويتنازعان يترافعان إليه، فيقضي بينهما، ويخبر بمن عليه الحق، ويأمره بأداء الحق الذي عليه، وهكذا الخلفاء بعده، وكان قد أرسل عليه الصلاة والسلام إلى بعض الجهات من يقضي بين الناس، فأرسل معاذاً إلى اليمن، وأمره أن يقضي بين الناس، وأرسل علياً أيضاً إلى جهة أخرى من اليمن، وأمره أن يقضي بينهم فيما يختلفون فيه، وعلمه شيئاً مما يقضي به، فثبت عنه أنه قال: (إذا سمعت كلام الخصم فلا تقضي حتى تسمع كلام الآخر، فإنك تعرف كيف تقضي)، قال علي : فما زلت قاضياً، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقضاكم علي ، وأفرضكم زيد ...) إلخ الحديث، فجعل علياً ممن له معرفة بالقضاء، وجرت له مسائل قضى فيها بين الناس، ووافقه عليها أهل زمانه.

القضاء في الأصل هو الفصل فيما يختلف فيه الناس، قال الله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص:26] والحكم بين الناس هو القضاء بينهم بالحق الذي أنزله الله.

ويقول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء:58] أي: إذا قضيتم بينهم فالتمسوا الحق والعدل، فهذا هو المراد بالقضاء، وقد اشترطوا للقضاء شروطاً، واشترطوا في القاضي صفات لابد أن تتوافر فيه، وهي مذكورة في كتب الأحكام وكتب الفقه، لابد أن تتوافر تلك الشروط فيه حتى يتمكن من القضاء، وإذا تخلفت أو تخلف بعضها اختلت أهليته للقضاء.

وعلى كل حال الأحاديث التي فيها تعليم القضاء ليس فيها شيء متفق عليه بين البخاري ومسلم ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)، ومثل قوله: (كيف تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي)، وهو حديث معاذ ، وغيرها من الأحاديث التي لم تثبت على شرط الشيخين، فلذلك لم يذكرها المؤلف صاحب العمدة.

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وفي رواية لـمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

هذا حديث جامع يعتمد في إثبات السنن وفي رد البدع، فيعتمد في أن القاضي عليه أن يتحرى السنة، وعليه أن يعمل بها، وعليه أن يعمل بما ورد منها، وأن يتجنب القضاء الذي يتبع فيه الهوى، ويتجنب أن يحكم بين الناس برأيه، ويتجنب أن يجور في الحكم، وأن يظلم هذا لهذا، فإن هذا كله خلاف ما أمر الله به، وخلاف ما عليه أمر الله وأمر رسوله، ولا شك أن هذا الحديث جاء في بيان الشريعة، وهو أن شريعة الله سبحانه قد بلغها النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأحكام، وفيما يتعلق بالآداب وبالحلال والحرام، وبالسنن وبالواجبات وما أشبهها.

هذا الحديث (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فيه إثبات السنن ورد البدع، وأن كل من عمل عملاً مضافاً إلى الشريعة لا أصل له بالدين فإنه مردود، سواء كان تغييراً في العبادة، أو بزيادة فيها، أو شرعية عبادة أخرى، ويدخل في ذلك الإضافات التي يضيفها المبتدعة سواء في أذكار أو في أدعية أو ما أشبه ذلك.

إن القضاء من أمر الله ومن أمر رسوله، وعلى القاضي أن يتقيد بكتاب الله، فإذا جاءه أمر في كتاب الله قضى به، وإذا لم يجد فإنه يتقيد بسنة رسول الله، فإذا لم يجد اجتهد، فإذا قضى مخالفاً لأمر الله فقضاؤه مردود ولو كان من كان، كما لو أمر بمنكر أو نهى عن معروف أو قضى للظالم وظلم بعض الناس، وقضى على هذا بأنه ظالم مع أنه مظلوم، وقضى على هذا بأنه مظلوم مع أنه ظالم، وحكمه يرد إذا ثبت أنه مخالف لعين الصواب، فيقال: هذا مردود؛ لأنه عمل ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله، فاستدلوا بذلك على نقض حكم الحاكم الذي خالف فيه الصواب، ولو كان من كان؛ وذلك لأن الحاكم بشر، وحكمه يصدر عن اجتهاد، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بأنه لا يعلم الغيب، وإنما يجتهد بحسب ما يصل إليه إدراكه وفهمه فقال: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها)، يعض بذلك المتخاصمين اللذين اختلفا، هذا يقول: الحق معي، وهذا يقول: الحق معي، فإذا كان أحدهما يعلم أنه كاذب وأنه ظالم فإن حكم الحاكم لا يبرر موقفه، ولا يحل له ما كان حراماً، يقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ [البقرة:188] يعني: إلى القضاة لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188] فإذا غلط القاضي وحكم لك بشيء من حق أخيك -ولو شيئاً يسيراً شبراً من الأرض أو درهماً أو جزءاً يسيراً من المال- فلا تأخذه وأنت تعلم أنك كاذب لا تستحقه، والقاضي متى تبين له خطأ نفسه فإن عليه الرجوع، والقضاة الآخرون إذا علموا جور هذا القاضي وعرفوا أنه مخطئ في حكمه؛ لم يجز إبقاؤه على هذا، بل يرد حكمه، فيقال: حكمك مردود ولو كنت من كنت.

من القضايا التي قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة مع امرأة أبي سفيان، فقد ذكرت له أن أبا سفيان بخيل وشحيح، لا يعطيها كامل حقها من النفقة، فاستأذنت أن تأخذ من ماله -وهو لا يدري- نفقتها ولأولادها، ما يكفيها لإطعامهم ولكسوتهم ولفرشهم وحاجاتهم، فرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم في أن تأخذ بالمعروف، يعني: لا تأخذ زيادة على ما تستحقه، وإنما تأخذ الذي تستحقه دون الزيادة، حتى لا يكون عليها جناح فقال: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، واختلف العلماء: هل هذا قضاء أو فتيا؛ لأنه لم يحضر الخصم الثاني الذي هو أبو سفيان؟

فالذين قالوا: إنه قضاء قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم عرف صدقها؛ لأنه يعرف أبا سفيان واتصافه بالإمساك وقلة الإنفاق، وكأن ذلك أمر مشهور عنه، فقضى لها وقال: خذي من ماله قدر الكفاية، فجعلوا هذه القضية دعوى ادعتها هند على أبي سفيان فقضى لها، ومعروف أنه واجب عليه نفقتها ونفقة عيالها بحكم الزوجية، فهي زوجته، والمرأة ينفق عليها زوجها، لقول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، فمعلوم أنه يلزمه نفقتها، وإذا كان يلزمه، وقد عرف بالبخل؛ فقد حكم لها بأن تأخذ حقها، هكذا قال الذين ادعوا أنه حكم وقضية.

وقال آخرون: ليس هو حكم، وإنما هو فتيا؛ وذلك لأنه في غيبة أبي سفيان ، وهو عليه الصلاة والسلام قال: (إذا سمعت كلام خصم فلا تقضي له حتى تسمع كلام الخصم الثاني) أو كما قال، فنهى القاضي أن يحكم لأحد الخصمين قبل أن يحضر الخصم الثاني، فربما يكون عند الخصم الثاني حجج قوية تبرر موقفه، وتبين عذره، فلا يسمع من أحد خصميه بل يسمع منهما معاً، فقالوا: إنه فتيا، وأيضاً فقد أفتاها بقوله: ( إن أعطاك ما يكفيك وإلا فخذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف ) فجعل هذا لها كأنه يقول: أفتي بأنه يلزمه النفقة، وأن المرأة لها الحق في أن تأخذ نفقتها من مال زوجها إذا أمسك نفقتها ونفقة ولدها، أي: بما يكفيهم، هذا دليل من يقول: إنها فتيا، وليست حكماً وقضاءً.

وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده

من الأبواب التي تذكر في كتب الفقه باب النفقة، ويذكرون أن الزوج يلزمه أن ينفق على زوجته، وأن ينفق على أولاده نفقة تكفيهم، وأنه مطالب بذلك؛ وذلك لأنه إنما يجمع المال ويكتسبه لأجل أن ينفق عليهم، فيطعمهم ويكسوهم، ويعطيهم ما يكفيهم، ويكنهم ويسكنهم، ويقضي لهم الحاجات، فكل ذلك متعلق بوالدهم، والمرأة متعلق حقها بزوجها؛ وذلك لأنه أخذها من أبويها، واستباح نكاحها، وحل له وطؤها، فأصبحت في حوزته، وفي حجره، وتحت إمرته، وتحت تصرفه، لا تقدر أن تتكسب إلا بإذنه، ولا تقدر أن تخرج من بيته إلا بإذنه، فأصبح لها حق عليه، وأصبحت هي تشتغل في بيته وتخدمه وتخدم ولده، وتربي له أولاده، فلابد أن ينفق عليها، وأن يعطيها ما يكفيها مقابل تمكينها له من الاستمتاع بها، ومن قضاء وطره، فلابد أن ينفق عليها، وأن يعطيها حقها، وهذا مجمع عليه.

وقد ذكر العلماء أن الناس ثلاثة أقسام:

غني ومتوسط وفقير، وأن الغني ينفق على أهله من أفضل النفقة وأعلاها، النفقة المعتادة من البر ومن الأرز مثلاً، وكذلك من الأطعمة المعتادة من اللحوم ومن الفواكه وما أشبه ذلك على عادة أهل بلده، والتوسع في ذلك قد نهي عنه.

وأما المتوسط فإنه يقتصد في النفقة، فينفق من أوسط الطعام في البلد، فلا يتكلف شراء الغالي ورفيع الثمن، سواء من الطعام كالبر والأرز، أو من اللحوم، بل يأخذ من الوسط.

وأما الفقير فإنه يأخذ من أرخص الأطعمة؛ وذلك لفقره، ولأنه لو أنفق زيادة على ذلك لاحتاج إلى الاستدانة؛ ولذلك يؤمر بأن ينفق على أهله من أرخص الأطعمة، وألا يشتري الأشياء التي ليست ضرورية، بل يقتصر على الخبز مثلاً أو على الأرز دون أن يتكلف بشراء اللحوم، وبشراء الفواكه، وبشراء الخضار وما أشبه ذلك.

وهكذا أيضاً في الكسوة، فكسوة الغني الثري أن يشتري لأولاده ولزوجته كسوة في كل سنة مرة أو مرتين، وتكون من أرفع الأقمشة وأحسنها وأضمنها، والمتوسط من متوسطها، والفقير من أرخصها.

وهكذا في سائر الأمتعة التي يحتاج إليها، وهذا كله داخل في قوله: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) أي: لا تأخذ زيادة، فإذا كان هو من الأغنياء فالمعروف هو نفقة الأغنياء، وإذا كان من المتوسطين فالمعروف نفقة أمثاله من المتوسطين سواء في الغذاء أو في الكسوة أو في الفرش أو في الأواني أو ما أشبه ذلك.

وبهذا يعلم أن الشريعة تكلفت ببيان كل ما يحتاج إليه، فبينت أمور النفقة، وتدخل الفقهاء في أمور الناس، وذكروا كيفية إنفاق المنفق من كثير أو من قليل، ومع ذلك كله فإنهم نهوا عن الإسراف وعن الإفساد وعن التبذير الذي فيه إتلاف للمال في غير فائدة، ولو أثرى الإنسان وامتلك مئات الألوف أو ألوف الألوف فلا يجوز له أن يفسد الأموال لا في الأطعمة ولا في الأكسية ولا في الأواني ونحوها، بل يمسك المال ولا يسرف فيه ولا يفسده، ويصرفه في وجوهه التي يؤجر عليها، فإنه سوف يجد من يتقبله من الفقراء، وسوف يجد مشاريع خيرية ينفق فيها ويصرف فيها هذا الزائد الذي ليس بحاجة إليه، وبذلك يخرج من قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ [النساء:5]، ومن قوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27].

من الأبواب التي تذكر في كتب الفقه باب النفقة، ويذكرون أن الزوج يلزمه أن ينفق على زوجته، وأن ينفق على أولاده نفقة تكفيهم، وأنه مطالب بذلك؛ وذلك لأنه إنما يجمع المال ويكتسبه لأجل أن ينفق عليهم، فيطعمهم ويكسوهم، ويعطيهم ما يكفيهم، ويكنهم ويسكنهم، ويقضي لهم الحاجات، فكل ذلك متعلق بوالدهم، والمرأة متعلق حقها بزوجها؛ وذلك لأنه أخذها من أبويها، واستباح نكاحها، وحل له وطؤها، فأصبحت في حوزته، وفي حجره، وتحت إمرته، وتحت تصرفه، لا تقدر أن تتكسب إلا بإذنه، ولا تقدر أن تخرج من بيته إلا بإذنه، فأصبح لها حق عليه، وأصبحت هي تشتغل في بيته وتخدمه وتخدم ولده، وتربي له أولاده، فلابد أن ينفق عليها، وأن يعطيها ما يكفيها مقابل تمكينها له من الاستمتاع بها، ومن قضاء وطره، فلابد أن ينفق عليها، وأن يعطيها حقها، وهذا مجمع عليه.

وقد ذكر العلماء أن الناس ثلاثة أقسام:

غني ومتوسط وفقير، وأن الغني ينفق على أهله من أفضل النفقة وأعلاها، النفقة المعتادة من البر ومن الأرز مثلاً، وكذلك من الأطعمة المعتادة من اللحوم ومن الفواكه وما أشبه ذلك على عادة أهل بلده، والتوسع في ذلك قد نهي عنه.

وأما المتوسط فإنه يقتصد في النفقة، فينفق من أوسط الطعام في البلد، فلا يتكلف شراء الغالي ورفيع الثمن، سواء من الطعام كالبر والأرز، أو من اللحوم، بل يأخذ من الوسط.

وأما الفقير فإنه يأخذ من أرخص الأطعمة؛ وذلك لفقره، ولأنه لو أنفق زيادة على ذلك لاحتاج إلى الاستدانة؛ ولذلك يؤمر بأن ينفق على أهله من أرخص الأطعمة، وألا يشتري الأشياء التي ليست ضرورية، بل يقتصر على الخبز مثلاً أو على الأرز دون أن يتكلف بشراء اللحوم، وبشراء الفواكه، وبشراء الخضار وما أشبه ذلك.

وهكذا أيضاً في الكسوة، فكسوة الغني الثري أن يشتري لأولاده ولزوجته كسوة في كل سنة مرة أو مرتين، وتكون من أرفع الأقمشة وأحسنها وأضمنها، والمتوسط من متوسطها، والفقير من أرخصها.

وهكذا في سائر الأمتعة التي يحتاج إليها، وهذا كله داخل في قوله: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) أي: لا تأخذ زيادة، فإذا كان هو من الأغنياء فالمعروف هو نفقة الأغنياء، وإذا كان من المتوسطين فالمعروف نفقة أمثاله من المتوسطين سواء في الغذاء أو في الكسوة أو في الفرش أو في الأواني أو ما أشبه ذلك.

وبهذا يعلم أن الشريعة تكلفت ببيان كل ما يحتاج إليه، فبينت أمور النفقة، وتدخل الفقهاء في أمور الناس، وذكروا كيفية إنفاق المنفق من كثير أو من قليل، ومع ذلك كله فإنهم نهوا عن الإسراف وعن الإفساد وعن التبذير الذي فيه إتلاف للمال في غير فائدة، ولو أثرى الإنسان وامتلك مئات الألوف أو ألوف الألوف فلا يجوز له أن يفسد الأموال لا في الأطعمة ولا في الأكسية ولا في الأواني ونحوها، بل يمسك المال ولا يسرف فيه ولا يفسده، ويصرفه في وجوهه التي يؤجر عليها، فإنه سوف يجد من يتقبله من الفقراء، وسوف يجد مشاريع خيرية ينفق فيها ويصرف فيها هذا الزائد الذي ليس بحاجة إليه، وبذلك يخرج من قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ [النساء:5]، ومن قوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء:27].


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام [4] 2581 استماع
شرح عمدة الأحكام [29] 2579 استماع
شرح عمدة الأحكام [47] 2517 استماع
شرح عمدة الأحكام [36] 2499 استماع
شرح عمدة الأحكام 6 2439 استماع
شرح عمدة الأحكام 9 2368 استماع
شرح عمدة الأحكام 53 2354 استماع
شرح عمدة الأحكام [31] 2338 استماع
شرح عمدة الأحكام 56 2329 استماع
شرح عمدة الأحكام 7 2328 استماع