شرح عمدة الأحكام [58]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [باب الوصايا:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده).

زاد مسلم قال ابن عمر: (فوالله ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا وعندي وصيتي).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ( جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله! قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: لا. قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في فيّ امرأتك. قال: قلت: يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم! لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة).

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير)].

تعريف الوصية والوصي

الوصايا: ما يوصي به الإنسان بعد موته، والوصي هو: الوكيل على هذه الوصايا، والإنسان قد يعرف من نفسه أنه سوف يموت، فيحتاج إلى من يخلفه في ذريته، ليكون وصياً عليهم، ويخلفه في ماله ليكون حافظاً له، ومنفقاً منه على ذريته ونحوهم، أو يخلفه في وقفه وفي صدقاته؛ ليوزعها ويعطيها لمن يستحقها وهكذا.

فلأجل ذلك شرعت الوصية، قال الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [البقرة:180]، وهذا قد كان مفروضاً، والكتب هو: الإيجاب، كما في قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، فكان الرجل عند الموت يوصي فيقول: لوالدي من المال كذا، ولأخي من المال كذا، أو لابني أو لزوجي. ونحو ذلك، يوصي لهم بهذه الوصايا، فإذا أوصى لهم فبعد موته تنفذ تلك الوصايا، ولما نزلت آيات المواريث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصيه لوارث) فاستقرت الفرائض لأهلها، والوصية لغير الوارث.

الحث على الوصية

على الإنسان أن يهتم بما عنده من الحقوق فيكتبه، ففي هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، والشيء الذي حث على كتابته مثل الأمانات والديون والأوقاف وكذلك وصيته ووصايا أبويه إذا كانت على يديه، فيكتب ما يخرجه من ماله، ويكتب مصارفه الذي يصرف فيها، ويكتب الناظر عليه والوكيل، ويكتب الديون التي في ذمته، والديون التي له مثلاً، ويكتب الحقوق والأمانات التي عنده، ويكتب الأشياء التي قد يجهلها غيره وهو يعلمها من الأملاك أو نحو ذلك، حتى لو فجأة الموت لم يكن مفرطاً، بل وجد ما عنده مكملاً، أما لو فرط ومات فجأةً بقيت ذمته مشغولة، وبقيت حقوق الناس وأماناتهم عنده وديونهم في ذمته؛ لأن الورثة قد لا يعلمون شيئاً عن ذلك، فيقتسمون ما خلف من الأموال، وقد يكون بعضها أو أكثرها لغيره، فيأكلون ما لا يستحقون، وسبب ذلك تفريطه هو حيث لم يثبت ما عنده من الأمور.

فلأجل ذلك يقول ابن عمر : (ما أتت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ووصيتي عندي)، وبعضهم يجعلها تحت رأسه، كلما تجدد له شيء زاد فيها وغير ونقص وأضاف، حتى إذا مات يكون قد أكملها، وقد روي في الآثار عن بعض السلف أنهم كانوا يكتبون في مقدمة وصيتهم: هذا ما أوصيت به، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، فهذه وصية بمعنى الشهادة.

وكذلك يوصي أهله فيقول: أوصيكم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب قال الله تعالى: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ [البقرة:133] وقال تعالى: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [البقرة:131-132]، ووصاهم بقوله: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]، وويوصيهم بتقوى الله، فإنها وصية الله للأولين والآخرين كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، ويوصيهم بالوالدين مثلاً لقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ [العنكبوت:8].

الوصية في المال

في حديث سعد هذا الوصية بالمال، وقد أمره أن يقتصر على الثلث، فذكر سعد رضي الله عنه أنه مرض مرضاً شديداً في حجة الوداع في سنة عشر، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في ذلك الوقت ليس له أولاد إلا بنت واحده وعنده أموال، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه خاف من الموت، وقال: إن المرض قد بلغ بي ما ترى، فأخبر بأن المرض قد اشتد به، وأنه يخشى أن يفجأه الموت، وأنه له أموال كثيرة، وليس له ورثة إلا زوجته وبنته فيكفيهم بعض ماله، وأراد أن يتصدق بالثلثين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك، ثم انتقل إلى النصف، فأراد أن يتصدق بنصف المال، ويترك للورثة النصف، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم منعه أيضاً، فانتقل إلى الثلث، فرخص له في الثلث، ولكن قال له: (الثلث والثلث كثير).

وابن عباس رضي الله عنه يقول: (لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع) أي: اقتصروا على الربع فإنه فيه الكفاية، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر بأن الثلث كثير، فالربع يكون وسطاً، ليس بقليل ولا كثير، وقد نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: (أختار لنفسي ما اختاره الله، إن الله تعالى اختار الخمس أو رضي لنفسه الخمس في قوله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الأنفال:41]) فأوصى بالخمس، وهكذا غيره من الصحابة أوصوا الخمس من أموالهم ليكون صدقة من بعدهم؛ لأجل ذلك يقول العلماء: إن النهاية هو الثلث، فلا يزيد الموصي على الثلث إلا برضا الورثة، إلا إذا لم يكن ورثة فإن له أن يتصدق بجميع ماله؛ لأنه ما منع إلا لأجل الورثة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بن أبي وقاص : (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) يقول: إنك إذا خلفت مالاً أغنيت ورثتك، وتركت لهم ما يتمتعون به، وما يأكلون منه وينتفعون به، وهذا أفضل لك إذا كانوا أغنياء، فينتفعون ويدعون لك بالرحمة وبالجنة، وتقر أعينهم ويرضون عنك، بخلاف ما إذا تصدقت بأموالك كلها، وتركتهم فقراء يسألون الناس، فإنهم سيمدون أكفهم، هذا معنى قوله: (عالة يتكففون الناس ) أي: يسألونهم بأكفهم.

ما يستفاد من حديث سعد

في قصة سعد رضي الله عنة أنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، خاف أن يموت بمكة فقال: (يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي) يعني: هل أموت في هذا المكان أو أشفى وأخلف؟ فقال: (إنك لن تخلف -يعني: تعافى- فتنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها)، أية نفقة تنفقها على أهلك حتى اللقمة ترفعها في في امرأتك أي: حتى ما تطعم زوجتك، فإذا ابتغيت بذلك وجه الله فلك أجر عند الله تعالى.

ويقول أيضاً في هذا الحديث: (ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون)، واستجاب الله دعوة نبيه، فشفي سعد من هذا المرض، ورزق بعد ذلك بأولاد كثير، منهم مصعب وعامر وعمر وغيرهم. وكذلك انتفع به أقوام، فقاد جيش القادسية الذي حصل به الوقعة العظيمة، وبقي إلى أن أدرك خلافة معاوية ، فانتفع به أقوام، ورويت عنه أحاديث، وتضرر به آخرون من أعداء الله الذين قتلوا بسيفه وقتلوا بقيادته، فنفع الله به من أراد الله به خيراً.

ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، ولكن البائس سعد بن خولة . يرثي له النبي صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة)، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم تركوا مكة لله، هاجروا منها لما أوذوا فيها، واستبدلوا بها دار هجرتهم وهي المدينة، وكانوا يكرهون أن يموتوا في مكة التي انتقلوا عنها، فـسعد يكره أن يموت بها؛ لأنه قد تركها لله، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أمضي لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم) أي: لا تردهم إلى بلادهم التي تركوها لله، بل اشفهم وامض لهم هجرتهم، أما سعد بن خولة رضي الله عنه فإنه مرض في مكة ومات بها، مع كونه قد هاجر منها، فرثى له النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل له، وسماه بائساً مع أنه معذور في ذلك؛ لأنه جاء مكة لأجل الحج فأصابه مرض فمات بها.

وبكل حال، الشاهد من هذا الحديث هو: ذكر الوصية التي اشتمل عليها هذا الحديث، وهو: أنه يستحب للإنسان أن يوصي من ماله، فيقال: إذا كان المال كثيراً، وسوف يترك للورثة ما يكفيهم ويغنيهم، جاز أن يتصدق منه بعد موته بثلثه أو بأكثر إذا لم يضر الورثة، ووافق الورثة على ما زاد عن الثلث، أما الثلث فلا خيار لهم فيه، بل يخرجه إذا أراد ولو كره الورثة، وعليهم أن ينفذوه، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم صدقة من الميت على نفسه رحمة من الله تعالى ورخصة له، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) أي: زيادة في حسناتكم أن تخرجوا هذا الثلث، ويكون صدقة منكم على أنفسكم، تجدون ثوابها، ولا تجوز الزيادة على الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدده بقوله: (الثلث والثلث كثير).

الحث على الصدقة في الحياة

الإنسان ما دام حياً فإن له أن يتصدق بما أرد، فقد ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه أخرج جميع ماله صدقة لله، في حديث عمر قال: (أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فوافق ذلك عندي مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن كنت سابقاً له. فأتيت بنصف مالي فقال عليه الصلاة والسلام: ما تركت لأهلك؟ فقلت: مثله، وإن أبا بكر أتى بجميع ما عنده فقال له: ما تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله)، هكذا في الحياة جاء أبو بكر بجميع ماله الذي عنده، ووثق بأن الله سيرزقه وسيجعل له رزقاً، وجاء عمر بنصف ما كان عنده من المال، وترك النصف ليتمتع به، ويعطي منه أهله، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وقد ورد الحث على الصدقة في الحياة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمسك حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان) فيرشد إلى أن يخرج الصدقة ويتصدق بها ما دام حياً، وما دام سليماً قوياً، وهذا يدل على أنه أنفقها لله، وابتغاء مرضاة الله؛ ليكون ذلك أجراً له في الآخرة، وهذا يدل على كونه قد وقي شح نفسه وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9].

أما الذي يمسك أمواله، وكأنه سوف يعمر مئات السنين، ثم إذا حضره الموت أخرج أو قال: تصدقوا وأعطوا وأعطوا، فنقول: لا ينفذ من عطاياه في مرض الموت إلا الثلث، وما زاد عن الثلث فإنه لا ينفذ إلا برضا الورثة، أما الثلث فإنه ينفذ ولو لم يرض الورثة، إلا إذا خص به بعض الورثة، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث)، فلا يعطي أحد أولاده في الحياة أو عند الممات أكثر من الثاني بغير مبرر، ولا يعطي لزوجته أو زوجاته ولا لإخوته إذا كانوا وارثين ولا لغيرهم من الورثة، بل يجعل المال على ما قسمه الله عليه، ويجعل الوصية لغير الوارثين.

كذلك أيضاً يجعل الوصية في العمل الصالح الذي يعود عليه بالخير وهو الوقف الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فالصدقة الجارية هي الوقف الذي يخرجه في حياته ليتصدق منه بعد موته، أو الوصية التي يخرجها في حياته ليصل إليه أجرها بعد موته.

وجوه مصارف الصدقات

وجوه المصارف كثيرة ومتعددة، وأفضلها الصدقة على الفقراء، فإذا كانت الأوقاف أو الوصايا فيها ثمرات، كبستان فيه نخيل وفيه ثمار، فيقول: هذا النخل قد تصدقت به بعد موتي، ويخرج منه الثلث، ففي هذه الحال يتصدق به على المساكين وعلى المستضعفين من قريب وبعيد، ويخص القريب ويفضله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصله).

ومن وجوه الخير: بناء المساجد، وبناء المدارس العلمية لتحفيظ القرآن ونحوه، وطبع الكتب والمصاحف ونشرها، سيما في البلاد التي يعوزها الحصول على الكتب والرسائل ونحوها، وكذلك الأشرطة الإسلامية إذا جعل من ثلثه جزءاً تشترى به هذه الأشرطة الإسلامية وترسل إلى البلاد التي تحتاج إليها، والتي يكون لها نفع وتأثير، زيادة على الرسائل والكتب والخطب وما يشبهها.

ومن وجوه الخير: الجهاد في سبيل الله، فإذا كان هناك جهاد فإنه يشترى بهذه الوصية أسلحة وعدة للمجاهدين، يتقوون بها، ونفقة ينفقون منها على أنفسهم، ولاشك أن ذلك من القربات التي يكون تأثيرها نافعاً لكل من وفقه الله تعالى.

ووجوه الخير كثيرة، ومن جملتها الصدقات، وقد ذكر العلماء أن من الصدقات: الأضاحي التي تذبح في يوم عيد الأضحى، فإذا أوصى بها فإنها تنفذ وصيته، وإذا لم يوص بها فإنه يتصدق على المساكين بما يكون قائماً مقامها، وبالأخص في الأوقات الفاضلة، فالصدقة في رمضان أو في أوقات الجوع وفي البلاد التي يكثر فيها الجوع، ويغلب على أهلها الضرر أفضل، وما أكثرهم في هذه الأزمنة!

واجب الوصي في الوصية

وبكل حال إذا كان الإنسان له أموال كثيرة فإن الثلث لا يضر الورثة، أما إذا كان ورثته محتاجين فالأولى له ألا يوصي، وأن يترك ماله لورثته ليستغنوا به عن التكفف، سيما إذا كانوا ذوي حاجة، وأما إذا لم يكن له ورثة من أولاد وأقارب فإن له أن يتصدق بماله كله في حياته وبعد موته.

وإذا أوصى إلى شخص فإن ذلك الشخص -الذي هو الوكيل- عليه أن يتقي الله وأن يراقبه في ذلك؛ ولهذا قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:181-182] يعني: قد يحيف بعض الموصين على ورثته، ويحاول أن يضرهم، فمثل هذا لا يجوز، فإذا وفقك الله أو كنت حاضراً عنده فأصلح بينهم وأرشده إلى ألا يجور في الوصية، ولا يخرج عن الحد المعتاد؛ حتى يقبل الله منه وصيته، وحتى يرضى عنه ورثته.