شرح عمدة الأحكام [56]


الحلقة مفرغة

يقول المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه:

[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له).

وفي لفظ: (من أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أعطيها، لا ترجع للذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاءً وقعت فيها المواريث، وقال جابر : إنما العمرى التي أجازها الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يقول: هي لك ولعقبك، أما إذا قيل: هي لك ما عشت، فإنها ترجع إلى صاحبها).

وفي لفظٍ لـمسلم ، (أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها، حياً وميتاً، ولعقبه)].

معنى العمرى والرقبى

يتعلق هذا الحديث برواياته بباب العطية، أو الهبة، وتسمى العمرى، وتسمى أيضاً الرقبى، وهي نوعٌ من العطية، وظاهر هذه الروايات الاختلاف، ونذكر قبل ذلك صورتها ثم نذكر الراجح فيها.

ونمثل بالسكنى في الدار: إذا كان عنده منزل زائد عن حاجته أعطاه قريباً له أو صديقاً، وقال: قد أعمرتك هذه الدار، أي: جعلتها لك حياتك ومدة عمرك، أو يقول: قد أرقبتك هذه الدار لتسكن فيها، أو مثلاً أرضاً أرقبتها لتزرعها أو نحو ذلك، تسمى عمرى ورقبى، وسميت عمرى لأنها له مدى عمره، وسميت رقبى لأن صاحبها يرتقب موته حتى تعود إليه تلك الأرض التي وهبها هبةً مؤقتة، هذا مثالها في العقار.

وتكون أيضاً في المنقول: فقد يعطيه مثلاً سيفاً ويقول: هو لك ما عشت، أو هو لك عمرك تقاتل به مثلاً، أو يعطيه إناءً يطبخ فيه، ويقول: هو لك حياتك، هو لك عمرك، أو يعطيه مثلاً دابةً يركبها ويقول: هي لك حياتك، يعني ما دمت حياً، كفرس يقاتل عليها، أو خلفةً يحلبها أو يركبها أو ما أشبه ذلك، فيعطيه إياها عطية مؤقتة، وتكون بمنزلة العارية التي لها حدٌ وهو منتهى حياته، فهذه تسمى العمرى وتسمى الرقبى، هذا اسمها قبل الإسلام.

فلما جاء الإسلام وكانت العمرى والرقبى مشهورة في تلك المجتمعات التي صارت مجتمعات إسلامية، تغيّر الحكم، فاختلفت الأحاديث: هل تكون هبةً يملكها المهدى له، أم ترجع إلى المهدي والمعطي بعد موت المهدى له؟ في ذلك خلاف.

اختلاف الأحاديث في الرجوع في العمرى والرقبى

فكثيرٌ من الروايات التي سمعنا تفيد أنها لا ترجع بل تجري فيها المواريث، أي: هذه الدار التي قلت لصاحبك: هي لك ما عشت، أو هي لك حياتك، أو هي لك عمرك، في الرواية الأولى وفي كثير من الروايات: أنها تدخل ملكه، وتقع فيها المواريث وتقسم بين ورثته على قدر سهامهم، فتكون بمنزلة العطية المنجزة أو الهدية المملوكة، سواء كانت عقاراً أو منقولاً، وسواء نقصها الاستعمال أو لم ينقصها.

هذا مقتضى أكثر الروايات، حتى الروايات التي قال فيها: (أمسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها، من أعمر شيئاً فإنه للذي أعمر)، يعني: أنه يبقى للذي أعمر.

ولكن الرواية الأخرى تقتضي أنها ترجع إلى مالكها الأول؛ لأنه وقَّت عطاءه، حيث قال: هي لك ما عشت أو هي لك حياتك، فإذا مات رجعت إلى مالكها بمنزلة العارية المحددة، هذا مقتضى الرواية الثانية التي قال: (إنها ترجع إلى صاحبها).

وذلك بمنزلة العواري: فإذا أعرت صاحبك كتاباً وقلت له: اقرأ فيه حتى تقضي حاجتك منه، فقد أردت أن تسترده، كذلك إذا حددت وقتاً وقلت مثلاً: هذا الكتاب عارية عندك تقرأ فيه، أو هذا القدر عارية عندك تطبخ فيه، أو هذه السكين عارية عندك تقطع بها، ولم تحدد، جاز لك أن تسترده ولو بعد يوم أو بعد شهر، وجاز لك أن تبقيه ما دمت مستغنياً عنه، ولكنه لا يدخل في ملك المعار، بل هو عارية مستردة ومؤداة.

وأما إذا حددت المدة فإنك لا ترجع فيه إلا بعد نهايتها، فلو قلت مثلاً: هذا البيت لك تسكنه عشر سنين، ففي هذه الحال لا ترجع قبل تمام عشر سنين، وذلك لأنك أعطيته والمسلم لا يرجع في عطيته، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه).

والعطية والهبة تعم المنافع وتعم الأعيان، فأنت مثلاً إذا أعطيته عيناً ينتفع بها كقدر، وقلت: هو لك، فلا يجوز لك أن تعود فيه، أو ثوباً يلبسه وقلت: هو هدية لك أو هبة لك، لم يجز أن تسترده، أو مثلاً بقرة يحلبها لم يجز لك أن تستردها، لأنك أعطيته عطية وهبة.

فكذلك إذا حددت فقلت مثلاً: لك هذه الشاة تحلبها ما دام فيها لبن، فلا ترجع فيها بعد شهر أو بعد شهرين مادام فيها لبن، فإذا نشف لبنها فإن لك الرجوع.

أو حددت مدة، قلت مثلاً: هذا القدر لك أن تطبخ فيه لمدة سنة، فبعد السنة يحق لك أن تعود فيه وترجع.

فيقال كذلك في الأموال التي تحدد بأوقات: فإذا أعطيته هذه الدار يسكنها، وقلت: هي لك حياتك، فإذا مات فإن لك أن تستعيدها، لأن عطيتك له هو، لا للوارث، بل هي خاصة بذلك الذي أعطيته، فلا تجري فيها سهام الورثة، هذه هي العمرى التي ذكر في الأحاديث أنها ترجع إلى صاحبها.

أما إذا قال: هي لك ولعقبك، يعني: أولادك ومن جاء بعدك، أو هي لك ولذريتك، فمثل هذه نسميها عطية منجزة وهبة، فليس له أن يرجع فيها، سواء في حياة المعطى أو بعده، فإن رجوعه في هذه يسمى رجوعاً في الهبة وعوداً فيها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه.

كذلك إذا حدد الوقت فليس له أن يرجع فيها قبل نهاية الوقت، فرجوعه قبل نهاية الوقت يكون رجوعاً في الهبة، وكأنه عائدٌ في قيئه.

الراجح في حكم الرجوع في العمرى والرقبى

فالحاصل أن العمرى تنقسم إلى قسمين:

- قسم يحدد فيه المدة بأن يقول: هي لك حياتك، أو لك عشر سنين، أو لك شهراً، فلا يرجع إذا جعلها شهراً إلا بعد نهايته، أو بعد نهاية عشر سنين، أو بعد انتهاء حياته يرجع بعد موته.

- وقسم يقول: هي لك ولعقبك، أو يقول: هي لك ويسكت، ففي هذه الحال نعتبرها هبة تدخل فيها سهام المواريث.

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم)، ومعلوم أنه إذا شرط في الهبة أنها ترجع فإنها تعتبر مؤقتة، يعني: كالعارية، أباح لك أن تنتفع بها، وعند حاجته يرجع فيها، أو عند نهاية المدة، أو عند استغنائك، فإذا حدد المدة باستغنائك بأن قال: هي لك حتى تستغني عنها، فإذا استغنيت ووجدت ما يقوم مقامها، فإنه يملك استرجاعها، هذه هي العمرى والرقبى.

يتعلق هذا الحديث برواياته بباب العطية، أو الهبة، وتسمى العمرى، وتسمى أيضاً الرقبى، وهي نوعٌ من العطية، وظاهر هذه الروايات الاختلاف، ونذكر قبل ذلك صورتها ثم نذكر الراجح فيها.

ونمثل بالسكنى في الدار: إذا كان عنده منزل زائد عن حاجته أعطاه قريباً له أو صديقاً، وقال: قد أعمرتك هذه الدار، أي: جعلتها لك حياتك ومدة عمرك، أو يقول: قد أرقبتك هذه الدار لتسكن فيها، أو مثلاً أرضاً أرقبتها لتزرعها أو نحو ذلك، تسمى عمرى ورقبى، وسميت عمرى لأنها له مدى عمره، وسميت رقبى لأن صاحبها يرتقب موته حتى تعود إليه تلك الأرض التي وهبها هبةً مؤقتة، هذا مثالها في العقار.

وتكون أيضاً في المنقول: فقد يعطيه مثلاً سيفاً ويقول: هو لك ما عشت، أو هو لك عمرك تقاتل به مثلاً، أو يعطيه إناءً يطبخ فيه، ويقول: هو لك حياتك، هو لك عمرك، أو يعطيه مثلاً دابةً يركبها ويقول: هي لك حياتك، يعني ما دمت حياً، كفرس يقاتل عليها، أو خلفةً يحلبها أو يركبها أو ما أشبه ذلك، فيعطيه إياها عطية مؤقتة، وتكون بمنزلة العارية التي لها حدٌ وهو منتهى حياته، فهذه تسمى العمرى وتسمى الرقبى، هذا اسمها قبل الإسلام.

فلما جاء الإسلام وكانت العمرى والرقبى مشهورة في تلك المجتمعات التي صارت مجتمعات إسلامية، تغيّر الحكم، فاختلفت الأحاديث: هل تكون هبةً يملكها المهدى له، أم ترجع إلى المهدي والمعطي بعد موت المهدى له؟ في ذلك خلاف.

فكثيرٌ من الروايات التي سمعنا تفيد أنها لا ترجع بل تجري فيها المواريث، أي: هذه الدار التي قلت لصاحبك: هي لك ما عشت، أو هي لك حياتك، أو هي لك عمرك، في الرواية الأولى وفي كثير من الروايات: أنها تدخل ملكه، وتقع فيها المواريث وتقسم بين ورثته على قدر سهامهم، فتكون بمنزلة العطية المنجزة أو الهدية المملوكة، سواء كانت عقاراً أو منقولاً، وسواء نقصها الاستعمال أو لم ينقصها.

هذا مقتضى أكثر الروايات، حتى الروايات التي قال فيها: (أمسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها، من أعمر شيئاً فإنه للذي أعمر)، يعني: أنه يبقى للذي أعمر.

ولكن الرواية الأخرى تقتضي أنها ترجع إلى مالكها الأول؛ لأنه وقَّت عطاءه، حيث قال: هي لك ما عشت أو هي لك حياتك، فإذا مات رجعت إلى مالكها بمنزلة العارية المحددة، هذا مقتضى الرواية الثانية التي قال: (إنها ترجع إلى صاحبها).

وذلك بمنزلة العواري: فإذا أعرت صاحبك كتاباً وقلت له: اقرأ فيه حتى تقضي حاجتك منه، فقد أردت أن تسترده، كذلك إذا حددت وقتاً وقلت مثلاً: هذا الكتاب عارية عندك تقرأ فيه، أو هذا القدر عارية عندك تطبخ فيه، أو هذه السكين عارية عندك تقطع بها، ولم تحدد، جاز لك أن تسترده ولو بعد يوم أو بعد شهر، وجاز لك أن تبقيه ما دمت مستغنياً عنه، ولكنه لا يدخل في ملك المعار، بل هو عارية مستردة ومؤداة.

وأما إذا حددت المدة فإنك لا ترجع فيه إلا بعد نهايتها، فلو قلت مثلاً: هذا البيت لك تسكنه عشر سنين، ففي هذه الحال لا ترجع قبل تمام عشر سنين، وذلك لأنك أعطيته والمسلم لا يرجع في عطيته، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه).

والعطية والهبة تعم المنافع وتعم الأعيان، فأنت مثلاً إذا أعطيته عيناً ينتفع بها كقدر، وقلت: هو لك، فلا يجوز لك أن تعود فيه، أو ثوباً يلبسه وقلت: هو هدية لك أو هبة لك، لم يجز أن تسترده، أو مثلاً بقرة يحلبها لم يجز لك أن تستردها، لأنك أعطيته عطية وهبة.

فكذلك إذا حددت فقلت مثلاً: لك هذه الشاة تحلبها ما دام فيها لبن، فلا ترجع فيها بعد شهر أو بعد شهرين مادام فيها لبن، فإذا نشف لبنها فإن لك الرجوع.

أو حددت مدة، قلت مثلاً: هذا القدر لك أن تطبخ فيه لمدة سنة، فبعد السنة يحق لك أن تعود فيه وترجع.

فيقال كذلك في الأموال التي تحدد بأوقات: فإذا أعطيته هذه الدار يسكنها، وقلت: هي لك حياتك، فإذا مات فإن لك أن تستعيدها، لأن عطيتك له هو، لا للوارث، بل هي خاصة بذلك الذي أعطيته، فلا تجري فيها سهام الورثة، هذه هي العمرى التي ذكر في الأحاديث أنها ترجع إلى صاحبها.

أما إذا قال: هي لك ولعقبك، يعني: أولادك ومن جاء بعدك، أو هي لك ولذريتك، فمثل هذه نسميها عطية منجزة وهبة، فليس له أن يرجع فيها، سواء في حياة المعطى أو بعده، فإن رجوعه في هذه يسمى رجوعاً في الهبة وعوداً فيها، والعائد في هبته كالعائد في قيئه.

كذلك إذا حدد الوقت فليس له أن يرجع فيها قبل نهاية الوقت، فرجوعه قبل نهاية الوقت يكون رجوعاً في الهبة، وكأنه عائدٌ في قيئه.