شرح كتاب التوحيد [16]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فقال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله.

وقول الله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [التوبة:108].

عن ثابت بن الضحاك قال: ( نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم ). رواه أبو داود ، وإسناده على شرطهما.

باب من الشرك النذر لغير الله، وقول الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7].

وقوله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270].

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) ].

قال رحمه الله تعالى: [ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ].

تقدم بنا حكم الذبح، وأن الذبح ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: الذبح التعبدي.

والقسم الثاني: الذبح البدعي.

والقسم الثالث: الذبح الشركي.

والقسم الرابع: الذبح العادي.

وذكرنا حكم كل قسم من هذه الأقسام.

وهنا ذكر المؤلف رحمه الله قال: (لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله).

لما ذكر الذبح لغير الله عز وجل ذكر النهي عن الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله، حتى ولو كان الذبح لله لا يذبح به إذا كان يذبح في هذا المكان لغير الله عز وجل؛ لأن هذا من باب منع وسائل الشرك والتشبه بأهل الشرك، فهذا الباب تابع لما قبله، فهو عندما ذكر ما يتعلق بالذبح لغير الله عز وجل وأنه ممنوع أيضاً ذكر المنع من الذبح بمكان يذبح فيه لغير الله عز وجل ولو كان الذبح لله عز وجل؛ لأنه يكون وسيلة إلى الذبح لغير الله عز وجل، فهنا لما ذكر المنع من المقاصد ذكر المنع من الوسائل والتشبه بأهل الشرك، فهذا الباب تابع لما قبله.

تفسير قوله تعالى: (لا تقم فيه أبداً...)

قال رحمه الله: (وقول الله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [التوبة:108]). لا: هذه نافية.

و لا تَقُمْ فِيهِ [التوبة:108]. الضمير يعود إلى مسجد الضرار.

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [التوبة:108]. أسس: يعني: بني على التقوى، والمقصود من هذا المسجد الذي أسس على التقوى: هو مسجد قباء.

على التقوى يعني: على طاعة الله ورسوله.

[ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة:108] ]. يعني: أن تصلي فيه؛ لأن هذا المسجد الذي بناه المنافقون إنما بنوه مضارة لمسجد قباء.

قال: [ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108] ]. يعني: الذين يتطهرون من الأنجاس الحسية والمعنوية، الحسية كالطهارة من الخبث، والمعنوية كالطهارة من الشرك والغل والحسد والبدع ونحو ذلك.

المهم الشاهد من هذا: منع الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله عز وجل قياساً على منع الصلاة في مسجد بني للمعصية والمضارة، فكما أن المسجد الذي بني للمضارة والمعصية تمنع الصلاة فيه فكذلك يمنع من الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله عز وجل.

شرح حديث: (نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة..) وذكر الشاهد منه

قال رحمه الله: (عن ثابت بن الضحاك قال: ( نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ) ).

النذر في اللغة: الإيجاب.

وأما في الاصطلاح: فهو إيجاب مكلف على نفسه طاعة غير واجبة.

وقوله: ( ببوانة ). بوانة هذه: هضبة من وراء ينبع، قريباً من البحر الأحمر.

( فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ ).

لماذا هذا الرجل نذر أن يذبح هذه الإبل في هذا الموضع؟ فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: ( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ ). والوثن: هو كل ما عبد من دون الله عز وجل، وتقدم لنا أنه إذا كان على شكل صورة فهو صنم.

قال: ( قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ ). العيد: هو اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد. فالسؤال الأول: هل كان فيها وثن؟ سؤال عن الشرك، والسؤال الثاني: (وهل كان فيها عيد من أعيادهم)؟ سؤال عن وسيلة الشرك وسبب الشرك.

قال: ( قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم ). لا وفاء لنذر في معصية الله.

وقد جاء فيه حديث عائشة في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ). لكن إذا نذر معصية فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يجوز له أن يوفي بالنذر؛ لأنه نذر معصية، لكن تجب عليه كفارة اليمين، وعند جمهور أهل العلم أنه لا تجب عليه كفارة.

قال: ( ولا فيما لا يملك ابن آدم ). يعني: أيضاً ما لا يملكه ابن آدم ديناً أو قدراً ليس له أن ينذره، فلا يملك أن ينذر الصدقة بمال غيره، هذا لا يملكه شرعاً وديناً، ولا يملك أن ينذر أن يقلب الحجر ذهباً، هذا لا يملكه قدراً؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( ولا فيما لا يملك ابن آدم ).

قال: (رواه أبو داود ، وإسناده على شرطهما). يعني: على شرط البخاري ومسلم .

الشاهد من هذا الحديث: المنع من الذبح لله عز وجل في المكان الذي فيه وثن من أوثان الجاهلية أو فيه عيد من أعيادهم؛ لأن هذا المكان إذا كان فيه وثن يعبد من دون الله عز وجل فالأصل أنه يذبح له، ففيه المنع من الذبح لله عز وجل في هذا المكان الذي فيه وثن تصرف له أنواع العبادة، ومن هذه العبادات الذبح.

قال رحمه الله: (وقول الله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [التوبة:108]). لا: هذه نافية.

و لا تَقُمْ فِيهِ [التوبة:108]. الضمير يعود إلى مسجد الضرار.

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [التوبة:108]. أسس: يعني: بني على التقوى، والمقصود من هذا المسجد الذي أسس على التقوى: هو مسجد قباء.

على التقوى يعني: على طاعة الله ورسوله.

[ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة:108] ]. يعني: أن تصلي فيه؛ لأن هذا المسجد الذي بناه المنافقون إنما بنوه مضارة لمسجد قباء.

قال: [ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108] ]. يعني: الذين يتطهرون من الأنجاس الحسية والمعنوية، الحسية كالطهارة من الخبث، والمعنوية كالطهارة من الشرك والغل والحسد والبدع ونحو ذلك.

المهم الشاهد من هذا: منع الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله عز وجل قياساً على منع الصلاة في مسجد بني للمعصية والمضارة، فكما أن المسجد الذي بني للمضارة والمعصية تمنع الصلاة فيه فكذلك يمنع من الذبح في مكان يذبح فيه لغير الله عز وجل.