شرح كتاب التوحيد [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه.

[عن عمران بن حصين رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، قال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) رواه أحمد بسند لا بأس به.

وله عن عقبة بن عامر مرفوعاً: ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ).

وفي رواية: ( من تعلق تميمة فقد أشرك ).

ولـابن أبي حاتم عن حذيفة : ( أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106] )].

تقدم لنا ما ترجم له المؤلف رحمه الله من قوله: (باب: من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه)، ومناسبة هذا الباب في كتاب التوحيد: أنه يخل بأصل التوحيد أو بكماله، وأنه مما يضاد التوحيد.

وتقدم معنى قول الله عز وجل: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الزمر:38]... إلى آخر الآية.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (عن عمران بن حصين : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) رواه أحمد بسند لا بأس به).

عمران بن حصين الخزاعي صحابي جليل، توفي رضي الله تعالى عنه سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.

وقوله: ( رأى رجلاً في يده حلقة من صفر ) الصفر: نوع من أنواع المعادن، والحلقة: هي الحديدة، أي: شيء مستدير من الصفر.

( فقال: ما هذه؟ ) استفهام إنكاري.

( قال: من الواهنة ) الواهنة: نوع من المرض يصيب اليد. ( فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ) اطرحها. يعني: انزعها اطرحها وهو الجذب بقوة. ( فإنها لا تزيدك إلا وهناً ) يعني: ضعفاً وخوراً.

( فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) الفلاح: هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.

في هذا الحديث: أن لبس الحلقة ونحوها لدفع المرض أو لرفعه بعد وقوعه من الشرك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـعمران بن حصين رضي الله تعالى عنه ( ما أفلحت أبداً ).

وهل هذا شرك أكبر أو شرك أصغر؟

نقول: فيه تفصيل:

إن اعتقد أنها تنفع وتضر من دون الله عز وجل فهو شرك أكبر؛ لأنه جعلها نداً لله عز وجل.

وإن لم يعتقد ذلك، وإنما اتخذها مجرد اتخاذ، فنقول بأنه شرك أصغر. وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق باتخاذ الأسباب، وأن من اتخذ سبباً للبركة لجلب النفع أو دفع الضر ولم يثبت أنه سبب في الشرع أو الحس أو التجربة الظاهرة المباشرة فهذا شرك أصغر، وإن اعتقد أنه ينفع ويضر من دون الله فهو شرك أكبر.

وعلى هذا قوله: ( ما أفلحت أبداً ) نفي الفلاح هنا إن اعتقد أنها تنفع وتضر من دون الله، فهو على ظاهره ما أفلح أبداً؛ لأنه دخل في الشرك الأكبر، وإن اعتقد أنها مجرد سبب فالمقصود هنا: نفي كمال الفلاح.

قال رحمه الله تعالى: (وله) أي: للإمام أحمد رحمه الله (عن عقبة بن عامر مرفوعاً: ( من تعلق تميمة ). من: شرطية، وتعلق: فعل الشرط. وقوله: ( تميمة ). التميمة: هي عبارة عن خرزات يعلقها العرب على الأولاد لدفع العين، والمراد هنا: ما يعلق على البدن من خرز أو من حجارة أو من خرق على البدن أو على المركوب ونحو ذلك؛ لدفع العين أو دفع الشيطان أو دفع الأمراض ونحو ذلك.. إلى آخره.

قال: ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ). هذه يحتمل أن تكون جملة خبرية، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من تعلق هذه التميمة فإن الله لن يتمم أموره، ويحتمل أن تكون جملة إنشائية، بمعنى الدعاء عليه، وأيهما أبلغ: الجملة الخبرية أو الجملة الإنشائية؟ الخبرية أبلغ؛ لأن الأمر منتهه، وأن من تعلق هذه التميمة فإن الله سبحانه وتعالى لن يتمم له أموره، وهذا لا شك أنه عقوبة شديدة.

قال: ( ومن تعلق ودعة ) من: هذه أيضاً شرطية، وتعلق: فعل الشرط.

(ودعة): الودعة: هذه شيء يخرج من البحر يشبه الصدف، أيضاً يعلق على البدن لكي يتقى به العين.

وقوله: ( فلا ودع الله له ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط.

قال: ( فلا ودع الله له ) يعني: لم يجعله الله عز وجل في دعة وسكون. وكما تقدم: هل هذه الجملة جملة خبرية أو جملة إنشائية؟ يحتمل أن تكون جملة خبرية، ويحتمل أن تكون جملة إنشائية، فإن قلنا بأنها جملة إنشائية فهي دعاء عليه، وإن قلنا بأنها خبرية يعني: هذا خبر من النبي صلى الله عليه وسلم أن من تعلق هذه الودعة فإن الله سبحانه وتعالى لا يدعه في سكون، وكون الإنسان لا يكون في سكون ويكون في قلق هذا لاشك أنه عقوبة شديدة.

قال: (وفي رواية: ( من تعلق تميمة فقد أشرك ) هذا واضح.

ووجه الشاهد لما ترجم له المؤلف رحمه الله: أن لبس الخيط والحلقة ونحوها من الشرك، وهذا الحديث صريح في ذلك، وكما تقدم: هل هذا شرك أصغر أو أنه شرك أكبر؟ قلنا بأن في هذا تفصيلاً: إن اعتقد أن هذه التميمة تنفع وتضر من دون الله عز وجل فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنها مجرد سبب وأن النفع والضر بيد الله عز وجل فهو شرك أصغر.

قال رحمه الله تعالى: (ولـابن أبي حاتم عن حذيفة : ( أنه رأى رجلاً ). حذيفة بن اليمان العبسي صحابي جليل، مات رضي الله تعالى عنه سنة ست وثلاثين من الهجرة.

( أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى ) الحمى نوع من أنواع المرض، وإنما لبس هذا الرجل الخيط لكي يتقي به الحمى، يعني: يحتمل أنه أراد أن يتقي به الإصابة من مرض الحمى، ويحتمل أنه أراد أن يرفع الحمى، يعني: هو أصيب بالحمى ثم لبس الخيط لكي يرفع الحمى.

فقطعه حذيفة رضي الله تعالى عنه، وتلا قوله: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

واضح هنا كون حذيفة رضي الله تعالى عنه تلا هذه الآية فيمن لبس هذا الخيط، دل ذلك على أن لبس مثل هذه الخيوط من الشرك، وتقدم لنا: هل هو شرك أصغر أو شرك أكبر؟

المهم أن حذيفة رضي الله تعالى عنه قطعه واعتبره من الشرك.

قال رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الرقى والتمائم].

مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد: أن من الرقى ما يكون شركاً، وهذه الرقى الشركية منها ما يخل بأصل التوحيد، ومنها ما يخل بكمال التوحيد.

فإن كانت هذه الرقى من الشرك الأكبر فإنها تخل بأصل التوحيد، وإن كانت من الشرك الأصغر فإنها تخل بكمال التوحيد، وسيأتي إن شاء الله.

قال رحمه الله: [وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه]. في الصحيح أي: في صحيح البخاري ومسلم.

[عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه: ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً: أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة )]. القلادة: هي ما يعلق في رقبة البعير.

( قلادة من وتر ) الوتر: واحد أوتار القوس.

( أو قلادة إلا قطعت ) (أو): هذه شك من الراوي، يعني: شك هل النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قال: قلادة إلا قطعت؟ وهل النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلادة أو قال: قلادة من وتر؟

وعلى كل حال سواء كانت القلادة من وتر أو من غير وتر فاتخاذ مثل هذه القلائد نوع من الشرك.

الشاهد من هذا: أن تعليق مثل هذه التمائم والأوتار على الأبدان والبعير والمراكب ونحو ذلك نقول: بأن هذا نوع من الشرك؛ ولهذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً بقطع مثل هذه الأوتار.

وتقدم لنا: هل هذا من الشرك الأصغر أو من الشرك الأكبر؟ وذكرنا: إن كان يعتقد أنه ينفع ويضر من دون الله عز وجل فهو شرك أكبر، وإلا نقول بأنه من الشرك الأصغر.

سبحانك اللهم وبحمدك.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب التوحيد [18] 2634 استماع
شرح كتاب التوحيد [22] 2372 استماع
شرح كتاب التوحيد [10] 2287 استماع
شرح كتاب التوحيد [36] 2245 استماع
شرح كتاب التوحيد [8] 2179 استماع
شرح كتاب التوحيد [19] 2168 استماع
شرح كتاب التوحيد [6] 2044 استماع
شرح كتاب التوحيد [29] 2022 استماع
شرح كتاب التوحيد [7] 1878 استماع
شرح كتاب التوحيد [27] 1826 استماع