ماذا في الإجازة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراًً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

أيها الإخوة، أيها الوجوه الطيبة: نحييكم في بيت من بيوت الله، نتلو فيه كتاب الله، ونتدارسه فيما بيننا، ونستمع إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكما تعلمون فالناس في هذه البلاد يستقبلون أيام العطلة الصيفية، هذه الأشهر، وهذه الأيام، وهذه الساعات، التي هي من أعمارنا، تحسب علينا وتسجل، ويوم القيامة تنشر الدواوين.

من الناس من يجعل هذه الأيام من عمره فرصة يعتبرها من حقيقة عمره،فيستغلها في طاعة الله، ويستغلها فيما يقرب إلى الله عز وجل، ومن الناس من يعتبرها من الوقت الضائع، فلا يهتم بها، ولا ينظر إليها، بل يعتبر الوقت وقت رفاهية ونـزهة، والذهاب يمنة ويسرة حتى يمضي العمر سبهللاًً، وتمضي الأيام حتى يقال فلان مات.

إخوتي الأكارم: أسأل الله تعالى أن يوفقني لأن أتكلم في هذه الجلسة بكلام مفيد، وأن يجعلكم ممن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وحقيقة فقد عقد الشيخ لساني عن الكلام بارك الله فيه بهذا الثناء الذي أشهد لله أنني لا أستحق بعضه، فأقول كما قال الصديق رضي الله عنه: [[اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون]].

ماذا في الإجازة؟

الناس أيها الإخوة: وخاصة الشباب والطلاب يستقبلون الإجازة الصيفية بعدما ودعوا أيام الامتحانات، بما فيها من سهر وتعب ودراسة وعناء واجتهاد، ولذلك فإن الإجازة هي للشباب ذكوراً وإناثاً أكثر من غيرهم، فإن الفلاح مثلاً طيلة عمره في عمل وجهد، وكذلك التاجر والموظف وغيره، فإن الإجازة هي للشباب أكثر من غيرهم، والجميع يستقبلون الإجازة ويخططون لاستقبالها بالطريقة التي تناسبهم.

أيها الإخوة: المطلوب أننا طيلة العام نُعد الشباب لأن يكونوا على مستوى استغلال واستثمار هذه الفرص، وهذه الإجازات بالشكل الذي يفيد؛ بحيث نربي أولادنا وبناتنا على تحمل المسئولية، فإن قضية الإجازة مثل بقية العام يتوقف استثمارها على عقلية الشاب، وعلى تربيته، ومستواه.

فمثلاً: إذا وجد شاب على مستوى من الفهم والعلم والإدراك والشعور بالمسئولية؛ فإنه يستثمر أيام العام الدراسي في غير وجه، ويستثمر الإجازة، ويستثمر شهر رمضان، ويستثمر مناسبة الحج وغيرها من المناسبات بالصورة المناسبة الجيدة التي تتناسب مع مستواه، مع تربيته، وفهمه ومع عقله.

ولذلك حتى حين يكون مشغولاً؛ يكون مشغولاً فيما يفيد، ويحرص على أن يختلس من وقته ولو شيئاً يسيراً يستفيد منه، وعلى العكس من ذلك الشاب الضائع الذي لم يترب التربية الحسنة، ربما لو كان وقته فارغاً من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فإنه لا يستثمر الوقت بالطريقة المناسبة، ليس لديه أهداف معينة يسعى إلى تحقيقها.

تحديد الهدف عامل مهم لحفظ الوقت

فالمصيبة كل المصيبة -أيها الإخوة- في أن شبابنا يفقدون الهدف الذي يسعون من أجله، تسأل الشاب: لماذا يعمل؟ لماذا يعيش؟ ما هو الهدف الذي يسعى من أجله؟ تجد أهداف بعض الشباب محدودة جداً.

أما أن يخطط الشاب إلى أهداف ولو أهداف قريبة يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها، فهذا غائب لدى كثير من الشباب.

إذاً: حين يوجد الشاب الذي يحمل الأهداف الصحيحة، ويفكر التفكير الصحيح، حتى لو كان هذا الشاب مريضاً يتقلب على فراش المرض، فإنه يستفيد من وقته، وقد زرت أحد الشباب الذين تعرضوا لأحداث وحوادث، وأصبحوا مُقعَدين فوجدت هذا الشاب يستثمر كل دقيقة من وقته، في حفظ كتاب الله، في قراءته، في دراسة العلم، في مجالسة الصالحين، حتى أنه لا يستقبل الضيوف والزوار إلا في أوقات معلومة، مع أنه أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويسلي نفسه باستقبال هؤلاء وتوديع أولئك، وتبادل الحديث معهم، لكنه رأى أن في ذلك مضيعة لوقته، فأصبح وهو على سرير المرض مقعداً لا يتحرك، لا يمشي ولا يقوم يستثمر وقته بصورة صحيحة جيدة.

وزرت آخرين وهم في السجون ممن من الله عليهم بالهداية في داخل السجون، فوجدت أن هؤلاء الذين لا يتحركون إلا داخل أربعة جدران، وجدتهم يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، وفي مقابل ذلك أرى وترون أن كثيراً من الناس الذين أعطوا المال، والصحة، والسلامة، والحرية، والوقت، مع ذلك تجد هؤلاء الناس يضيعون أوقاتهم دون حساب.

لماذا؟ لأنهم لم يوفقوا للتربية السليمة، ولم يحملوا أهدافاً صحيحة يعملون من أجلها، غابت عنهم الأهداف؛ فأصبحت أوقاتهم تضيع سدى.

تكافل مؤسسات المجتمع للإعداد السليم للفرد

الأصل -أيها الإخوة- أننا نعمل طيلة العام على إعداد الشاب، لا بد أن يعرف كيف يستثمر أوقاته، أوقات الإجازة وغيرها، والأصل أيضاً أن جميع المؤسسات الموجودة في المجتمع تعمل لهذا الهدف.

مثلاً: المسجد؛ يعمل على إعداد الشباب من خلال: الصلوات، الجمعة، الجماعة، الدروس، المكتبات، الأشرطة، المحاضرات.

المدرسة بما فيها من المدرسين، والنشاطات، والمناهج الدراسية وغيرها، تسعى إلى الهدف نفسه.

البيت يسعى إلى الهدف نفسه من خلال جهود الآباء في تربية الأبناء، من خلال الإصلاح، من خلال القنوات التي يستفيدون منها في تربية أولادهم، حتى الشارع، الأصل أن الشارع يساعد في تربية الولد، وهكذا قل مثل ذلك في أجهزة الإعلام، المفروض والأصل أنها تساعد في بناء الشباب بناءً تربوياً صحيحاً إلى غير ذلك من الوسائل.

من قصص السلف

فالأصل أن كل هذه الوسائل يجب أن تصب في بناء وإعداد الشباب والفتيات الذين يحملون أهدافاً صحيحة، ويسعون إلى استثمار أوقاتهم فيما يفيد، ويكون هدفهم الأعلى إعادة سيرة الشباب السابقين من أجدادهم وزعماء هذه الأمة الكبار.

عبد الله بن عباس:

يعيدون لنا سيرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه -مثلاً- الذي مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لما يبلغ الاحتلام، في أول سن الاحتلام والبلوغ، ومع ذلك كان من أحبار هذه الأمة، وكان يحمل من علم الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، حتى أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بسلوكه وسيرته وحسن أدبه فقال {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}.

ذات مرة وضع ماء للوضوء يتوضأ به، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مبيته عند خالته ميمونة، وحمل من العلم الشيء الكثير؛ حتى كان هذا الشاب الثقف العالم الجليل يجلس عند باب الرجل من الأنصار بعد صلاة الظهر ليأخذ عنه العلم، فيجد هذا الرجل نائماً، فيتوسد رداءه، فتأتي الريح فتسفي عليه التراب، فإذا قام الأنصاري لصلاة العصر وجد ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عند بابه، فيقول ابن عباس! فيقول: نعم، فيقول: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول: نعم، ما الذي جاء بك؟! قال: جئت أسألك عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: لو أرسلت إلي فأتيتك، أي: آتي إليك، قال: لا، العلم أحق أن يؤتى إليه.

وكان ابن عباس يأخذ بركاب زيد بن ثابت، ويخدمه ويسوق به الراحلة، ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا.

عبد الله بن عمر:

يجددون لنا سيرة عبد الله بن عمر رضي الله عنه، الذي يقول: عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يبلغ، وعرض عليه في الخندق وهو ابن خمس عشرة فقبله، فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذه القصة؛ قال: إن هذا يصلح حداً للفصل بين الكبير والصغير، أن يبلغ خمس عشرة سنة، وهذا فيمن تتوفر له وسائل البلوغ الأخرى.

المهم أن ابن أربع عشرة سنة كانت طموحاته واهتماماته تتعلق بالقتال والجهاد، حتى قبل أن يبلغ يأتي لعله أن يقبل، فإذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد، عرض نفسه مرة أخرى في الخندق، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وخاض المعركة وعمره خمس عشرة سنة.

عمير بن أبي وقاص:

يجددون لنا سيرة عمير بن أبي وقاص، لما أرادوا الخروج إلى المعركة وكان طفلاً صغيراً فرده الرسول عليه السلام، فعبر عن حزنه كما يعبر الصبية الصغار عن حزنهم، ذهب إلى أمه يبكي في حجرها، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخبره أجازه وقبله، فجاء أخوه سعد بن أبي وقاص يُعِدّ له سيفه ونصله ورمحه، فكان السيف يخط في الأرض من قصره وصغره، ومع ذلك خاض المعركة وقتل فيها شهيداً. رضي الله عنهم وأرضاهم.

مصعب بن عمير:

يعيدون لنا سيرة مصعب بن عمير، الذي كان شاباً من أعطر وأجمل وأترف فتيان مكة، حتى إنه كان إذا مشى في طرف الشارع؛ شمت الفتيات في البيوت رائحة طيبه في طرف الشارع الآخر، كانت كل فتاة تنظر إليه ترجو أن يكون هو فارس أحلامها، وفتاها وشريك حياتها.

فلما دخل الإسلام، قَلَبه رأساً على عقب، وغير مجرى حياته، حتى إنه أقبل يوماً من الأيام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب لا يكاد يستره من العري والفقر الذي أصابه بسبب إيمانه، فطأطأ الرسول صلى الله عليه وسلم وبكى وقال: والله لقد رأيتك بـمكة وما فيها فتىً أحسن جمة منك، ثم أنت أشعث الرأس في بردة، ولما مات رضي الله عنه لم يجدوا ما يكفنونه به -كما في صحيح البخاري- إلا بردة لا تستره، إذا غطوا بها رأسه بدت رجليه، وإذا غطوا بها رجلاه بدت رأسه.

فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر، وهو نبت معروف في الحجاز.

سفيان بن عيينة:

يجددون لنا سيرة علماء الحديث الذين كان الواحد منهم يحضر مجلس التعليم والفقه وهو ابن عشر سنوات وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة، حتى إن سفيان بن عيينة يقول: كنت أختلف إلى الزهري وأنا صبي صغير، حتى إن له جعابتين تجدل رأسه كما يفعل الصبيان الصغار.

قال: فاختلفوا يوماً عند الزهري في حديث، قال بعضهم عن سعيد، وقال بعضهم عن أبي سلمة، قال: فقال الزهري: ما تقول يا صبي فيما اختلف فيه هؤلاء الرجال الكبار، هل الحديث عن سعيد أم عن أبي سلمة؟ قال فقلت له: (عن كُلاهما) بضم الكاف، قال: فضحك مني، عجب من قوة حفظي، وضحك من لحني لأني أخطأت في اللغة العربية لكنه ضبط الحديث.

وكذلك الرجل الآخر الذي يقول: كنت أغدو على مجلس علماء الحديث ووجهي كالدينار، وطولي سبعة أشبار، وفي أذني أقراط كآذان الفأر، فإذا رأوني وفي يدي المحبرة والكتاب، قالوا: أفسحوا للشيخ الصغير، فكان هؤلاء يتربون في أتون المعارك، أو في مجالس العلم، أو المساجد، أو أماكن العبادة والتقوى حتى إن الواحد منهم كان يتعلم التعبد والخشوع والورع والدين قبل أن يتلقى الحديث وغيره.

الاستفادة من جميع المؤثرات:

فنحن بحاجة إلى أن تتوفر جميع الأجهزة الموجودة في المجتمع، أولاً: المسجد، ثم البيت، ثم المدرسة، ثم الشارع، ثم الأجهزة الأخرى المؤثرة، مثل أجهزة الإعلام، والأجهزة التابعة لرعاية الشباب وغيرها، الأصل أن هذه الأشياء كلها تتوفر لبناء الشاب الذي يعرف كيف يستثمر وقته في ما يفيد، والذي يصدق عليه وصف الشاعر الذي يقول:

غلام من سراة بني لؤي      كلابي الأبوة والجدود

جدير عن تكامل خمس عشر     بإنجاز المواعد والوعيد

غلام من سراة بني لؤي منابي الأبوة والجدود، يعني ينتسب فيها بني لؤي إلى بني عبد مناف، تلقى علم الرجولة والشهامة والتقوى والأريحية جدير عند تكامل خمس عشرة سنة بإنجاز المواعد والمواعيد، عمره خمس عشرة سنة، لكن مع ذلك يستطيع أن ينجز ما وعد أصدقاءه، أو ما توعد أعداءه، فإذا توعد أعداءه بشيء أنجز.، وإذا وعد أصدقاءه بشيء أنجز.

أما نحن اليوم؛ فنحن لا ننجز وعداً ولا وعيداً، نعد الناس بأشياء كثيرة أننا سوف نفعل ونفعل ولا ننجز، ونتوعد أعداءنا بأننا سنلقي بهم في البحر، ونقتلهم قتل عاد، ونفعل بهم، ونشجب ونستنكر، ولكننا لا نفعل شيئاً من ذلك.

ولذلك حق علينا قول الشاعر:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً     أبشر بطول سلامة يا مربع

لا يرغب فينا صديق، ولا يرهب منا عدو، هذا كبيرنا فضلاً عن صغيرنا.

نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة محمد بن القاسم الذي يقود الجيوش وعمره خمس عشرة سنة.

إن الشجاعة والسماحة والندى      لـمحمد بن القاسم بن محمد

قاد الجيوش لخمس عشرة حجة     يا قرب ذلك سؤدد من مولد

قاد الجيوش لخمس عشرة حجة     ولهاته عن ذاته أشغال

زملاؤه يلعبون في الشوارع لا زالوا أطفالاً وصبياناً، وهو يقود الجيوش والمعارك.

نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة ابن تيمية رحمه الله، جلس للتعليم وعمره (19) سنة ولما أكمل (20) سنة كانت حلقته حلقة هائلة لا يدرك مداها، وكان الشيوخ الذين قد شابت لحاهم في الإسلام يحملون الدفاتر والمحابر ويكتبون ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

فالمصيبة كل المصيبة -أيها الإخوة- في أن شبابنا يفقدون الهدف الذي يسعون من أجله، تسأل الشاب: لماذا يعمل؟ لماذا يعيش؟ ما هو الهدف الذي يسعى من أجله؟ تجد أهداف بعض الشباب محدودة جداً.

أما أن يخطط الشاب إلى أهداف ولو أهداف قريبة يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها، فهذا غائب لدى كثير من الشباب.

إذاً: حين يوجد الشاب الذي يحمل الأهداف الصحيحة، ويفكر التفكير الصحيح، حتى لو كان هذا الشاب مريضاً يتقلب على فراش المرض، فإنه يستفيد من وقته، وقد زرت أحد الشباب الذين تعرضوا لأحداث وحوادث، وأصبحوا مُقعَدين فوجدت هذا الشاب يستثمر كل دقيقة من وقته، في حفظ كتاب الله، في قراءته، في دراسة العلم، في مجالسة الصالحين، حتى أنه لا يستقبل الضيوف والزوار إلا في أوقات معلومة، مع أنه أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويسلي نفسه باستقبال هؤلاء وتوديع أولئك، وتبادل الحديث معهم، لكنه رأى أن في ذلك مضيعة لوقته، فأصبح وهو على سرير المرض مقعداً لا يتحرك، لا يمشي ولا يقوم يستثمر وقته بصورة صحيحة جيدة.

وزرت آخرين وهم في السجون ممن من الله عليهم بالهداية في داخل السجون، فوجدت أن هؤلاء الذين لا يتحركون إلا داخل أربعة جدران، وجدتهم يستثمرون أوقاتهم بصورة صحيحة وجيدة، وفي مقابل ذلك أرى وترون أن كثيراً من الناس الذين أعطوا المال، والصحة، والسلامة، والحرية، والوقت، مع ذلك تجد هؤلاء الناس يضيعون أوقاتهم دون حساب.

لماذا؟ لأنهم لم يوفقوا للتربية السليمة، ولم يحملوا أهدافاً صحيحة يعملون من أجلها، غابت عنهم الأهداف؛ فأصبحت أوقاتهم تضيع سدى.

الأصل -أيها الإخوة- أننا نعمل طيلة العام على إعداد الشاب، لا بد أن يعرف كيف يستثمر أوقاته، أوقات الإجازة وغيرها، والأصل أيضاً أن جميع المؤسسات الموجودة في المجتمع تعمل لهذا الهدف.

مثلاً: المسجد؛ يعمل على إعداد الشباب من خلال: الصلوات، الجمعة، الجماعة، الدروس، المكتبات، الأشرطة، المحاضرات.

المدرسة بما فيها من المدرسين، والنشاطات، والمناهج الدراسية وغيرها، تسعى إلى الهدف نفسه.

البيت يسعى إلى الهدف نفسه من خلال جهود الآباء في تربية الأبناء، من خلال الإصلاح، من خلال القنوات التي يستفيدون منها في تربية أولادهم، حتى الشارع، الأصل أن الشارع يساعد في تربية الولد، وهكذا قل مثل ذلك في أجهزة الإعلام، المفروض والأصل أنها تساعد في بناء الشباب بناءً تربوياً صحيحاً إلى غير ذلك من الوسائل.

فالأصل أن كل هذه الوسائل يجب أن تصب في بناء وإعداد الشباب والفتيات الذين يحملون أهدافاً صحيحة، ويسعون إلى استثمار أوقاتهم فيما يفيد، ويكون هدفهم الأعلى إعادة سيرة الشباب السابقين من أجدادهم وزعماء هذه الأمة الكبار.

عبد الله بن عباس:

يعيدون لنا سيرة عبد الله بن عباس رضي الله عنه -مثلاً- الذي مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لما يبلغ الاحتلام، في أول سن الاحتلام والبلوغ، ومع ذلك كان من أحبار هذه الأمة، وكان يحمل من علم الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، حتى أعجب الرسول صلى الله عليه وسلم بسلوكه وسيرته وحسن أدبه فقال {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل}.

ذات مرة وضع ماء للوضوء يتوضأ به، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مبيته عند خالته ميمونة، وحمل من العلم الشيء الكثير؛ حتى كان هذا الشاب الثقف العالم الجليل يجلس عند باب الرجل من الأنصار بعد صلاة الظهر ليأخذ عنه العلم، فيجد هذا الرجل نائماً، فيتوسد رداءه، فتأتي الريح فتسفي عليه التراب، فإذا قام الأنصاري لصلاة العصر وجد ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عند بابه، فيقول ابن عباس! فيقول: نعم، فيقول: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيقول: نعم، ما الذي جاء بك؟! قال: جئت أسألك عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: لو أرسلت إلي فأتيتك، أي: آتي إليك، قال: لا، العلم أحق أن يؤتى إليه.

وكان ابن عباس يأخذ بركاب زيد بن ثابت، ويخدمه ويسوق به الراحلة، ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا.

عبد الله بن عمر:

يجددون لنا سيرة عبد الله بن عمر رضي الله عنه، الذي يقول: عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فردني الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يبلغ، وعرض عليه في الخندق وهو ابن خمس عشرة فقبله، فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذه القصة؛ قال: إن هذا يصلح حداً للفصل بين الكبير والصغير، أن يبلغ خمس عشرة سنة، وهذا فيمن تتوفر له وسائل البلوغ الأخرى.

المهم أن ابن أربع عشرة سنة كانت طموحاته واهتماماته تتعلق بالقتال والجهاد، حتى قبل أن يبلغ يأتي لعله أن يقبل، فإذا رده الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد، عرض نفسه مرة أخرى في الخندق، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وخاض المعركة وعمره خمس عشرة سنة.

عمير بن أبي وقاص:

يجددون لنا سيرة عمير بن أبي وقاص، لما أرادوا الخروج إلى المعركة وكان طفلاً صغيراً فرده الرسول عليه السلام، فعبر عن حزنه كما يعبر الصبية الصغار عن حزنهم، ذهب إلى أمه يبكي في حجرها، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخبره أجازه وقبله، فجاء أخوه سعد بن أبي وقاص يُعِدّ له سيفه ونصله ورمحه، فكان السيف يخط في الأرض من قصره وصغره، ومع ذلك خاض المعركة وقتل فيها شهيداً. رضي الله عنهم وأرضاهم.

مصعب بن عمير:

يعيدون لنا سيرة مصعب بن عمير، الذي كان شاباً من أعطر وأجمل وأترف فتيان مكة، حتى إنه كان إذا مشى في طرف الشارع؛ شمت الفتيات في البيوت رائحة طيبه في طرف الشارع الآخر، كانت كل فتاة تنظر إليه ترجو أن يكون هو فارس أحلامها، وفتاها وشريك حياتها.

فلما دخل الإسلام، قَلَبه رأساً على عقب، وغير مجرى حياته، حتى إنه أقبل يوماً من الأيام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب لا يكاد يستره من العري والفقر الذي أصابه بسبب إيمانه، فطأطأ الرسول صلى الله عليه وسلم وبكى وقال: والله لقد رأيتك بـمكة وما فيها فتىً أحسن جمة منك، ثم أنت أشعث الرأس في بردة، ولما مات رضي الله عنه لم يجدوا ما يكفنونه به -كما في صحيح البخاري- إلا بردة لا تستره، إذا غطوا بها رأسه بدت رجليه، وإذا غطوا بها رجلاه بدت رأسه.

فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر، وهو نبت معروف في الحجاز.

سفيان بن عيينة:

يجددون لنا سيرة علماء الحديث الذين كان الواحد منهم يحضر مجلس التعليم والفقه وهو ابن عشر سنوات وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة، حتى إن سفيان بن عيينة يقول: كنت أختلف إلى الزهري وأنا صبي صغير، حتى إن له جعابتين تجدل رأسه كما يفعل الصبيان الصغار.

قال: فاختلفوا يوماً عند الزهري في حديث، قال بعضهم عن سعيد، وقال بعضهم عن أبي سلمة، قال: فقال الزهري: ما تقول يا صبي فيما اختلف فيه هؤلاء الرجال الكبار، هل الحديث عن سعيد أم عن أبي سلمة؟ قال فقلت له: (عن كُلاهما) بضم الكاف، قال: فضحك مني، عجب من قوة حفظي، وضحك من لحني لأني أخطأت في اللغة العربية لكنه ضبط الحديث.

وكذلك الرجل الآخر الذي يقول: كنت أغدو على مجلس علماء الحديث ووجهي كالدينار، وطولي سبعة أشبار، وفي أذني أقراط كآذان الفأر، فإذا رأوني وفي يدي المحبرة والكتاب، قالوا: أفسحوا للشيخ الصغير، فكان هؤلاء يتربون في أتون المعارك، أو في مجالس العلم، أو المساجد، أو أماكن العبادة والتقوى حتى إن الواحد منهم كان يتعلم التعبد والخشوع والورع والدين قبل أن يتلقى الحديث وغيره.

الاستفادة من جميع المؤثرات:

فنحن بحاجة إلى أن تتوفر جميع الأجهزة الموجودة في المجتمع، أولاً: المسجد، ثم البيت، ثم المدرسة، ثم الشارع، ثم الأجهزة الأخرى المؤثرة، مثل أجهزة الإعلام، والأجهزة التابعة لرعاية الشباب وغيرها، الأصل أن هذه الأشياء كلها تتوفر لبناء الشاب الذي يعرف كيف يستثمر وقته في ما يفيد، والذي يصدق عليه وصف الشاعر الذي يقول:

غلام من سراة بني لؤي      كلابي الأبوة والجدود

جدير عن تكامل خمس عشر     بإنجاز المواعد والوعيد

غلام من سراة بني لؤي منابي الأبوة والجدود، يعني ينتسب فيها بني لؤي إلى بني عبد مناف، تلقى علم الرجولة والشهامة والتقوى والأريحية جدير عند تكامل خمس عشرة سنة بإنجاز المواعد والمواعيد، عمره خمس عشرة سنة، لكن مع ذلك يستطيع أن ينجز ما وعد أصدقاءه، أو ما توعد أعداءه، فإذا توعد أعداءه بشيء أنجز.، وإذا وعد أصدقاءه بشيء أنجز.

أما نحن اليوم؛ فنحن لا ننجز وعداً ولا وعيداً، نعد الناس بأشياء كثيرة أننا سوف نفعل ونفعل ولا ننجز، ونتوعد أعداءنا بأننا سنلقي بهم في البحر، ونقتلهم قتل عاد، ونفعل بهم، ونشجب ونستنكر، ولكننا لا نفعل شيئاً من ذلك.

ولذلك حق علينا قول الشاعر:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً     أبشر بطول سلامة يا مربع

لا يرغب فينا صديق، ولا يرهب منا عدو، هذا كبيرنا فضلاً عن صغيرنا.

نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة محمد بن القاسم الذي يقود الجيوش وعمره خمس عشرة سنة.

إن الشجاعة والسماحة والندى      لـمحمد بن القاسم بن محمد

قاد الجيوش لخمس عشرة حجة     يا قرب ذلك سؤدد من مولد

قاد الجيوش لخمس عشرة حجة     ولهاته عن ذاته أشغال

زملاؤه يلعبون في الشوارع لا زالوا أطفالاً وصبياناً، وهو يقود الجيوش والمعارك.

نحن بحاجة إلى من يجدد لنا سيرة ابن تيمية رحمه الله، جلس للتعليم وعمره (19) سنة ولما أكمل (20) سنة كانت حلقته حلقة هائلة لا يدرك مداها، وكان الشيوخ الذين قد شابت لحاهم في الإسلام يحملون الدفاتر والمحابر ويكتبون ما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

هذا هو الواجب،أما الواقع الذي نعاني منه أيها الإخوة فهو واقع مرير من عدة نواحٍ:

مخططات النصارى

فمن جهة: فإن الأعداء يخططون ليس للإجازات فقط، بل يخططون لإتلاف وتدمير شبابنا، ومن ضمن تخطيطهم استغلال الإجازات في مزيد من التدمير للعنصر الشبابي في هذه الأمة.

فمثلاً: نجد أنهم يخططون للحفلات التي يستقبلون فيها الشباب، لتدمير أخلاقهم ودينهم، ونشر المخدرات والفساد فيما بينهم، وقد تجد من صحفنا ومجلاتنا ونشراتنا من يساعدهم في ذلك، وقد اطلعت على إحدى صحفنا المحلية وقد نشرت إعلاناً بالخط العريض عن حفلة سوف تقام في إحدى الدول المجاورة، وأن الحفلة حفلة مختلطة بين قوسين:للعائلات، يعني يدخلها الشباب والفتيات، الرجال والنساء على حد سواء.

وكلكم يعرف أنه ليس هناك شيء يعرف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك البلاد، لتنظم الأمر، أو تمنع أو تعزل، فالقضية مفتوحة على مصراعيها، فإذا كانت حفلة للعائلات لكل واحد منا أن يتصور ماذا سيجري؟ هم يخططون ويسهلون، وما عليك سوى أن تتصل بالهاتف، لتحجز وأن تسافر مع تخفيض للتذاكر، ومع خدمات متوفرة في أماكن مختلفة.

يخططون لإقامة المخيمات التي تستقبل شبابنا، بحجة أنها تدرب الشباب، تدربهم على العمالة، والمهارات، واللغة الإنجليزية، ودروس التقوية، تستقبل الطلاب الراسبين بصور شتى، وحقيقتها أنها تريد أن تستغل هذا الشاب لتوفر له جواً من الفساد والانحلال بعيداً عن رقابة الأبوين، بعيداً عن رقابة المجتمع، بعيداً عن المؤثرات الطيبة الموجودة في المجتمع.

المجتمع هنا مهما كان فإنها توجد فيه مؤثرات طيبة، وإذا وجد جهاز يدمر فإن هناك أجهزة أخرى تبني، لكن هناك يتفردون بالشاب حتى يستطيعوا أن يحشوا وقته وعقله وفكره ولبه بأشياء سيئة، ولا يوجد ما ينافسهم في ذلك.

فهم يستغلون الإجازات في برامج التلبية والتخدير، التي تدمر عقول الشباب، وتهمش اهتماماتهم، أي أنها تجعل اهتماماتهم هامشية لا تتعدى الكرة، وأي فريق يفوز، وحضور المباريات، والمنافسة فيها، ولا تكاد تجاوز ذلك إلا شيئاً قليلاً.

الأعداء يخططون حتى إن أجهزة التنصير التي تدعو إلى الديانة النصرانية وتقوم عليها الفاتيكان، وهي أغنى دولة في العالم، وتبذل الآن أموال طائلة لإدخال نصارى جدد من أولاد المسلمين، يستغلون حتى المباريات الرياضية لنشر الدعايات، ونشر الوسائل المختلفة التي تدعو إلى الديانة النصرانية، أو على الأقل تربط الشباب بمؤسسات تنصيرية، حتى المباريات الرياضية يستغلون هذا الجمع الغفير بالدعوة إلى الديانة النصرانية، ونشر بعض الأوراق والكتب والنشرات والبرامج التي تدعو إلى دينهم.

بل أدهى من ذلك وأمر أنهم يستغلون صناديق البريد لمراسلة الشباب، وقد رأيت صوراً مما يبعثون به إلى بعض الشباب، حيث يدعونهم إلى ممارسة الحرية، والاشتراك في الأندية، ومؤسسات وأجهزة موجودة في بلادهم، تمنح الشاب حق الفساد والانحلال وتوصل إليه الصور الخليعة، والأفلام المنحلة، والأشرطة السيئة، وتمكنه من ممارسة الرذيلة بكل وسيلة.

فضلاً عن تلك المجلات التي تخصص زوايا وصفحات خاصة لما يسمونه بالتعارف، وضمن التعارف، تنشر صور فتيات، وأسماء فتيات في أنحاء بلاد العالم الإسلامي، وتجد كثيراً من الشباب -مع الأسف- بسذاجة وبلاهة يراسلون ويكتبون ويقيمون علاقات، وقد يكون كثير من هذه البؤر وهذه الفتيات وهذه المؤسسات هي مصايد لاصطياد الشباب وتجنيدهم ليكونوا جواسيس، أو إيقاعهم في شباك المخدرات، أو استغلالهم ليسيئوا إلى بلادهم وأوطانهم قبل أن يسيئوا إلى دينهم وأنفسهم.

لكن كثيراً من شبابنا فيهم بلاهة وسذاجة وغفلة، ويظنون القضية مجرد ترفيه، كأس، وخمرة، وامرأة وأغنية وسيجارة، ويظنون أن الأمر يتوقف عند هذا الحد، ولا يدركون ماذا وراء الأكمة؟!

أجهزة الهدم

أما أجهزتنا التي يفترض فيها أن تقوم بدور مضاد، فإن الواقع أن أحسن ما يقال فيها: إنها تتناقض، ففي الوقت الذي تجد أن المسجد يبني ولا يهدم -ورواد المساجد هم خير الناس وبحمد الله، على ما هم عليه- فالذين يترددون على المسجد، ويصلون الجمعة والجماعة، ويحضرون الدروس والمحاضرات، ويشاركون في حلقات العلم، ودروس القرآن الكريم، والمكتبات الخيرية هم بلا شك خير الناس، إجمالاً هم خير الناس.

لكن هذا الجهد الذي يبذل في المساجد توجد وسيلة أخرى تعمل على هدمه، فإن الشاب إذا بنى المجدد لحلقة من إيمانه، أو سلسلة من يقينه في المسجد، فإن ذلك تهدمه الأغنية الخليعة، والمشهد الفاجر، والصورة العارية، وتهدمه أجهزة الرياضة، وقد تهدمه المدرسة أحياناً إذا وجد في المدرسة من لا يحسن تربية الشباب، ومع الأسف قد يهدمه البيت.

فكم من شاب يشتكي بيته، يشتكي من أبويه، حيث إن كثيراً من الآباء الذين لم يكتب لهم الاستقامة في شبابهم، أصبحوا يغارون أن يصبح أولادهم خيراً وأصلح منهم، فأصبح الأب، أو أصبحت الأم يضعون العراقيل في وجوه أبنائهم، فالأب يتحدى ولده، كيف أنت تذهب إلى المسجد قبلي؟ كيف أنت تحارب التلفاز الموجود في البيت ونحن تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا، ومنذ طفولتنا؟! كيف تمتنع عن أكل المال الحرام الذي آتي به من البنك؟ تتحداني!

وأصبحت الأم هي الأخرى تحارب بناتها أحياناً؛ ولا أقول: إن هذا هو الوضع الغالب، لكنه موجود، فأصبحت الأم تنتقد بناتها على إعراضهن عن سماع الغناء، أو مشاهدة التلفاز، أو امتناعهن من الخروج، أو من الوقوع في الغيبة والنميمة، أو من الأكل الحرام، أو من الوقيعة في أعراض الناس، أو من غير ذلك من المحرمات التي ربما تكون بعض الأمهات قد اعتادت عليها.

إذاً: هناك وسائل كثيرة تهدم ما يبنيه المسجد، أو ما تبنيه وسائل التربية الأخرى، المدرسة قد تبني، والبيت قد يبني؛ لكن على أي حال نحن موافقون ومتفقون على أن هنالك أجهزة تهدم ما تبنيه تلك الوسائل الصالحة.

ولذلك كانت المحصلة النهائية هي أننا وجدنا كثيراً من شباب الأمة يعيشون حالة من التناقض والتذبذب، تجد له وجهين: فيه خير وفيه شر، فيه إيمان وفيه نفاق، فيه تقوى وفيه فجور، فيه حب للخير ولكن فيه ميل إلى الهوى والشر!

مثال لضحية من ضحايا الهدم

وكذلك أذكر لكم مشهداً أو نموذجاً يعتبر نتيجة لمثل هذا، ولا أقول: إن هذا النموذج غالب وأعممه، لكنني أقول: إنه نموذج لشباب لم يتربوا التربية الصحيحة فصاروا ضحية هذا التناقض:

خلال فترة الامتحان الماضية كنت أتجول بين الطلبة، فلفت نظري ماسة من ماسات الطلاب كالعادة طلابنا يملون ماساتهم بالكتابات، كتابات غير هادفة؛ لكنها في كثير من الأحيان كتابات ساذجة عادية، ليس فيها شيء، لكن هناك ماسة أصبحت مثل السبورة، فيها ألوان وأشكال وصور ورسوم، فلفتت نظري، وقلت: أريد أن أعرف عقلية هذا الشاب الذي يجلس على هذه الماسة من خلال ما يكتب.

هذه الكتابات التي أمامي في اعتقادي أنها تمثل عقله، وتربيته ومستواه الخلقي والفكري والتربوي، فماذا وجدت في هذه الماسة؟! وماذا كتب هذا الطالب؟! طالب في كلية شرعية -مع الأسف- تجد في أعلى الماسة رسم هذا الشاب قلباً قد طعنه سهم، وهذا تعبير عن أن هذا الشاب يتكلم في قضايا الحب والغرام والغزل التي يتحدث عنها السفهاء وشباب الشوارع، فهو قد رسم قلباً قد طعنه سهم الحب، تحت هذا القلب كلمة: "الحب عذاب"، وهذه أيضاً من كلمات الشوارع التي لا تستغرب أن تجدها مكتوبة في شارع، أو في مكان سيئ، لكن أن توجد في مستوى كهذا، فهذا مؤشر خطير!

وتحت هذه الكلمة تجد شعارات رياضية: يعيش فريق كذا، ويسقط فريق كذا، وفريق كذا بطل العالم، وفريق كذا بطل الشرق الأوسط، وفريق كذا، وهلم جراً، وفي زاوية أخرى تجد مقطعاً من أغنية يقول: يا حبيبي سلطة العاشق كبيرة. أنا في الواقع لم أسمع هذا البيت إلا من خلال قراءتي في هذه الماسة! يا حبيبي سلطة العاشق كبيرة.

إذاً: هذه عقلية طالب في مستوى كلية شرعية، فما بالك في طالب ثانوية أو في متوسط! هذه ثمرة وهذا نموذج وعينة من ثمرة الشباب الذين لم يوفقوا في أن يتربوا في مسجد، أو في حلقة العلم، أو في درس القرآن، أو في مركز صيفي، على يد أستاذ، أو شيخ أو معلم ناضح أو في بيت سليم، إنما وقعوا ضحية نوادي الكرة، وأجهزة الإعلام، وأصدقاء السوء، فكانت النهاية هي هذا، عقليات محدودة، واهتمامات متخلفة.

فمن جهة: فإن الأعداء يخططون ليس للإجازات فقط، بل يخططون لإتلاف وتدمير شبابنا، ومن ضمن تخطيطهم استغلال الإجازات في مزيد من التدمير للعنصر الشبابي في هذه الأمة.

فمثلاً: نجد أنهم يخططون للحفلات التي يستقبلون فيها الشباب، لتدمير أخلاقهم ودينهم، ونشر المخدرات والفساد فيما بينهم، وقد تجد من صحفنا ومجلاتنا ونشراتنا من يساعدهم في ذلك، وقد اطلعت على إحدى صحفنا المحلية وقد نشرت إعلاناً بالخط العريض عن حفلة سوف تقام في إحدى الدول المجاورة، وأن الحفلة حفلة مختلطة بين قوسين:للعائلات، يعني يدخلها الشباب والفتيات، الرجال والنساء على حد سواء.

وكلكم يعرف أنه ليس هناك شيء يعرف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك البلاد، لتنظم الأمر، أو تمنع أو تعزل، فالقضية مفتوحة على مصراعيها، فإذا كانت حفلة للعائلات لكل واحد منا أن يتصور ماذا سيجري؟ هم يخططون ويسهلون، وما عليك سوى أن تتصل بالهاتف، لتحجز وأن تسافر مع تخفيض للتذاكر، ومع خدمات متوفرة في أماكن مختلفة.

يخططون لإقامة المخيمات التي تستقبل شبابنا، بحجة أنها تدرب الشباب، تدربهم على العمالة، والمهارات، واللغة الإنجليزية، ودروس التقوية، تستقبل الطلاب الراسبين بصور شتى، وحقيقتها أنها تريد أن تستغل هذا الشاب لتوفر له جواً من الفساد والانحلال بعيداً عن رقابة الأبوين، بعيداً عن رقابة المجتمع، بعيداً عن المؤثرات الطيبة الموجودة في المجتمع.

المجتمع هنا مهما كان فإنها توجد فيه مؤثرات طيبة، وإذا وجد جهاز يدمر فإن هناك أجهزة أخرى تبني، لكن هناك يتفردون بالشاب حتى يستطيعوا أن يحشوا وقته وعقله وفكره ولبه بأشياء سيئة، ولا يوجد ما ينافسهم في ذلك.

فهم يستغلون الإجازات في برامج التلبية والتخدير، التي تدمر عقول الشباب، وتهمش اهتماماتهم، أي أنها تجعل اهتماماتهم هامشية لا تتعدى الكرة، وأي فريق يفوز، وحضور المباريات، والمنافسة فيها، ولا تكاد تجاوز ذلك إلا شيئاً قليلاً.

الأعداء يخططون حتى إن أجهزة التنصير التي تدعو إلى الديانة النصرانية وتقوم عليها الفاتيكان، وهي أغنى دولة في العالم، وتبذل الآن أموال طائلة لإدخال نصارى جدد من أولاد المسلمين، يستغلون حتى المباريات الرياضية لنشر الدعايات، ونشر الوسائل المختلفة التي تدعو إلى الديانة النصرانية، أو على الأقل تربط الشباب بمؤسسات تنصيرية، حتى المباريات الرياضية يستغلون هذا الجمع الغفير بالدعوة إلى الديانة النصرانية، ونشر بعض الأوراق والكتب والنشرات والبرامج التي تدعو إلى دينهم.

بل أدهى من ذلك وأمر أنهم يستغلون صناديق البريد لمراسلة الشباب، وقد رأيت صوراً مما يبعثون به إلى بعض الشباب، حيث يدعونهم إلى ممارسة الحرية، والاشتراك في الأندية، ومؤسسات وأجهزة موجودة في بلادهم، تمنح الشاب حق الفساد والانحلال وتوصل إليه الصور الخليعة، والأفلام المنحلة، والأشرطة السيئة، وتمكنه من ممارسة الرذيلة بكل وسيلة.

فضلاً عن تلك المجلات التي تخصص زوايا وصفحات خاصة لما يسمونه بالتعارف، وضمن التعارف، تنشر صور فتيات، وأسماء فتيات في أنحاء بلاد العالم الإسلامي، وتجد كثيراً من الشباب -مع الأسف- بسذاجة وبلاهة يراسلون ويكتبون ويقيمون علاقات، وقد يكون كثير من هذه البؤر وهذه الفتيات وهذه المؤسسات هي مصايد لاصطياد الشباب وتجنيدهم ليكونوا جواسيس، أو إيقاعهم في شباك المخدرات، أو استغلالهم ليسيئوا إلى بلادهم وأوطانهم قبل أن يسيئوا إلى دينهم وأنفسهم.

لكن كثيراً من شبابنا فيهم بلاهة وسذاجة وغفلة، ويظنون القضية مجرد ترفيه، كأس، وخمرة، وامرأة وأغنية وسيجارة، ويظنون أن الأمر يتوقف عند هذا الحد، ولا يدركون ماذا وراء الأكمة؟!