المسائل المستجدة في نوازل الزكاة [4]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونصلي ونسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فمن المسائل أيضاً المتعلقة بنوازل الزكاة ما يتعلق بزكاة الورش، والمصانع ونحو ذلك، فمثلاً: ورش النجارة وورش الحدادة وورش تصنيع الأبواب وورش إصلاح السيارات والمصانع.. كيف تجب الزكاة في هذه الأشياء؟ وكيف نخرج زكاة هذه الأشياء،.. إلخ؟

نقول: ننظر إلى مقتنيات هذه الورشة أو هذا المصنع، ما الذي يضمه؟ وما الذي يشتمله؟ وما هي مقتنياته؟

نقول: مقتنياته تشتمل على أمور:

الأمر الأول: أعيان المستغَلات، والمقصود بها المكائن والمعدات والآلات ونحو ذلك من الأشياء الثابتة.

الأمر الثاني: المستغلات، يعني: الأشياء المنتَجة.

الأمر الثالث: المواد الخام، يعني: الأشياء التي اشتُرِيَتْ لكي تُصنَّع.

الأمر الرابع: المواد المساعدة في التصنيع، مثل: الزيوت والغاز والتشحيم ونحو ذلك.

الأمر الخامس: المواد التي يُحتاج إليها بعد التصنيع، مثل: الكراتين والعلب ونحو ذلك من الأشياء التي يحتاج إليها بعد التصنيع.

ما هي الأشياء التي تجب فيها الزكاة؟ وما هي الأشياء التي لا تجب فيها الزكاة..إلخ؟

فنقول: أولاً: أعيان المستغلات، هذه الأشياء الثابتة، المكائن..إلخ، هذه لا زكاة فيها، فإذا كانت الورشة فيها مكائن لعمل الأبواب أو لعمل النوافذ.. إلخ، فهذه الأشياء لا تجب فيها الزكاة، وكل الأشياء الثابتة كالمكتب وآلات الكتابة ونحو ذلك، هذه كلها لا تجب فيها الزكاة، ويدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا زكاة على المسلم في عبده ولا فرسه)، يعني: الأشياء التي اختص بها، فالفرس اختص به للركوب، والرقيق اختص به للخدمة، فهذه الأشياء لا زكاة فيها.

الثاني: المستغلات، يعني: الأشياء التي صنعت، فهذه لا تراد للبقاء وإنما تراد للبيع، فهي عروض تجارة، وعلى هذا يجب فيها ربع العشر.

ثالثاً: المواد الخام، وهي المواد التي اشتريت، كمن اشترى أخشاباً لكي يصنعها أبواباً، أو اشترى ألومنيوم لكي يصنعه نوافذ، أو اشترى حديداً لكي يصنعه أبواباً.

وهذه المواد الخام هل اشتريت للبقاء أم اشتريت للبيع؟ اشتريت للبيع، فحينئذ نقول: تجب فيها زكاة عروض تجارة ربع العشر.

الأمر الرابع: المواد المساعدة في التصنيع كالزيوت ونحو ذلك، نقول: هذه تابعة للأعيان، والأعيان لا زكاة فيها، فكذلك أيضاً هذه الأمور لا زكاة فيها.

الأمر الخامس: الأشياء التي يحتاج إليها بعد التصنيع، كالتغليف ونحو ذلك، فهذه لا تراد للبقاء وإنما تراد للبيع مع المستغلات، فهذه تجب فيها الزكاة.

فأصبح عندنا نوعان لا تجب فيهما الزكاة: أعيان ومستغلات، الآلات والمكائن ونحوها لا تجب فيها الزكاة، والمواد المساعدة في التصنيع من زيوت ونحو ذلك لا تجب فيها الزكاة.

وثلاثة أشياء تجب فيها الزكاة: المواد المصنعة، والمواد الخام، والمواد التي يحتاج إليها بعد التصنيع، هذه تجب فيها الزكاة، كيف تُزكَّى؟

نقول: صاحب المصنع يجعل له حولاً، فإذا حال الحول ينظر إلى المواد الخام التي عنده والمواد التي صنعها وقد تكون صنعت في المستودعات.. إلخ، المهم أن المواد التي اشتراها لكي يبيعها فهذه يحصى كم ثمنها، ثم بعد ذلك يخرج ربع العشر عليها.

كذلك أيضاً من المسائل التي يحتاج إليها: ما يتعلق بحفر الآبار من أموال الزكاة: هل يجوز حفر الآبار من أموال الزكاة، أو لا يجوز حفر الآبار من أموال الزكاة؟

لكي يتبين لنا هذا الحكم لابد من ذكر أمرين وبيان مسألتين ذكرهما العلماء رحمهم الله تعالى، أما المسألة الأولى: أن الزكاة يشترط فيها أن تملك للفقير، ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، قال له: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فأضاف الصدقة إلى الفقراء، مما يدل على أن الفقير لابد أن يملك هذه الزكاة، فإذا حفر بئراً من الزكاة فإنه لا يكون ملكاً لهذا الفقير، وإنما يكون ملكاً عاماً.

الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى بين مصارف الزكاة، فقال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، هذه مصارف الزكاة الثمانية، وإذا حفرنا بئراً من الزكاة فإن هذا البئر لا يكون خاصاً بهذه المصارف وإنما يكون عاماً، حتى للأغنياء يستفيدون منه.

ومن خلال هذين الأمرين يتبين لنا أنه لابد من تمليك الفقير، وأن الزكاة لها مصارف خاصة .. إلخ، فعلى هذا.. ما يتعلق بحفر الآبار من أموال الزكاة لا يجوز، لأن الفقير لا يملك هذا البئر وإنما يكون ملكاً لعموم المسلمين.

وثانياً: أن هذا البئر ليس خاصاً بالفقراء والمساكين، وإنما هو عام وشامل حتى للأغنياء يستفيدون منه، فيتبين لنا أنه لا يجوز حفر هذه الآبار من أموال الزكاة، وإنما تحفر هذه الآبار من أموال الصدقات والأوقاف.. إلخ، أما بالنسبة لأموال الزكاة فنقول: هذا لا يجوز.

شراء بيت للفقير من الزكاة

أيضاً من المسائل: شراء بيت للفقير من الزكاة، إذا كان الفقير يحتاج إلى بيت فهل يجوز أن نشتري له بيتاً من أموال الزكاة، أو نعطيه أجرة؟ لأن البيت قد يكلف مثلاً مائتي ألف، والأجرة تكلف عشرة آلاف، فهل يجوز أن نشتري من الزكاة بيتاً للفقير، أو نقول: هذا غير جائز.. إلخ؟

لكي يتبين هذا الحكم نبين ما هو الحد الذي يأخذه الفقير من الزكاة.

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن الفقير يأخذ كل عام من الزكاة كفايته وكفاية من يموله، يعني: ينفق عليه من النفقات والحوائج الأصلية، من نفقات الطعام والشراب، والحوائج الأصلية من أجرة المسكن والملبس وأواني البيت والآلات التي يحتاجها.. إلخ، فإذا كان هذا الفقير كفايته في العام تساوي عشرين ألفاً فإننا نعطيه من الزكاة عشرين ألفاً، وإذا كانت كفايته أقل، مثلاً عنده مرتب ألف ريال، وكفايته في العام عشرون ألفاً، فمرتبه يساوي اثني عشر ألفاً، وبقي عليه ثمانية آلاف، فإننا نعطيه من الزكاة ثمانية آلاف، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أننا نعطيه كفايته وكفاية من يموله، فنعطيه كل الكفاية إذا كان لا يجد شيئاً، أو نعطيه تمام الكفاية إذا كان يجد بعض الكفاية، هذا الرأي الأول.

الرأي الثاني وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: هو أنه يُعطَى أقل من نصاب الفضة، يعني: أقل من مائتي درهم، ومائتا درهم تساوي بالغِرامات خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً من الفضة، وغرامات الفضة الآن تساوي خمسمائة ريال، فعلى رأي أبي حنيفة رحمه الله نعطيه أقل من خمسمائة ريال.

الرأي الثالث: أنه يعطى كفاية العمر، وهذا رأي الشافعي رحمه الله تعالى، وهذا أوسع المذاهب، فننظر ما الذي يكفيه طيلة عمره ونعطيه ما يكفيه، مثلاً: ثلاثون ألفاً، أربعون ألفاً، مائة ألف، فنعطيه من النفقات ما يكفيه.

والراجح في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وهو أن الفقير يعطى من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية ما يكفيه لمدة عام؛ لأن الزكاة تتكرر كل عام، ففي هذا العام نعطيه، ثم في العام القادم نعطيه.. وهكذا، وعلى هذا يتبين أنه لا يجوز أن نشتري من الزكاة بيتاً لهذا الفقير، وإنما يعطى أجرة يستأجر بها.

لكن كما ذكر بعض العلماء رحمهم الله أن الفقير لو اشترى بيتاً لكي يسكنه، وهذا البيت يشتري بمثله بيتاً يسكنه فهو غارم، مثلاً: هو فقير يسكن ما يسكن الفقراء واشترى بيتاً بمائتي ألف، أو بثلاثمائة ألف، فإذا اشترى هذا البيت فإنه يكون غارماً، وحينئذ يدخل في باب الغارمين، فنعطيه من الزكاة ما يسدد به غرمه.

فعندنا رجلان: رجل يريد أن يأخذ الزكاة لكي يشتري بيتاً، فهذا لا يعطى، ورجل اشترى بيتاً ولحقه غرم، فهذا نعطيه من الزكاة ما يسدد به غرمه؛ لأنه داخل في عموم قول الله عز وجل: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60].

شراء السيارة للفقير من الزكاة

ومثل ذلك أيضاً: شراء السيارة، هل نعطي الفقير مالاً لكي يشتري سيارة ونحو ذلك؟

نقول: إن كان سيشتري هذه السيارة لكي يعمل عليها وينفق على أهله، فهذا نعطيه من الزكاة كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ لأن هذا رجل يحتاج إلى سيارة يعمل عليها لكي يؤاجرها، ويحمل عليها البضائع ونحو ذلك، فهذا نعطيه من الزكاة ما يشتري به هذه السيارة ويقيم نفسه، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولا بأس أيضاً أن نعطي الفقير من الزكاة ما يشتري به آلات الحرفة، ونعطيه من الزكاة إذا كان ذا تجارة، فنعطيه مثلاً عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو ثلاثين ألفاً لكي يتاجر بحسب ما ينفق على نفسه وأهله، كل هذا لا بأس به.

كذلك أيضاً: نعطيه من الزكاة ما يشتري به سيارة لكي يعمل عليها، هذا جائز ولا بأس به.

فالقسم الأول يأخذ من الزكاة لكي يشتري مركوباً يعمل عليه وينفق على أهله، فهذا جائز ولا بأس به.

القسم الثاني: أن يأخذ من الزكاة لكي يشتري سيارة يركبها، فهذا على كلام الفقهاء رحمهم الله تعالى أننا لا نعطيه من الزكاة، وإنما نعطيه من الزكاة ما يستأجر به السيارة، وإذا كان يحتاج إلى أن يستأجر في شهر في شهرين، في ثلاثة أشهر، نعطيه أجرة، أما أن نعطيه زكاة يشتري بها مركوباً فهذا لا يعطى من الزكاة.

وفي الحقيقة يمكن أن يكون هناك فرق بين السيارة والبيت، يعني: يمكن أن نعطيه من الزكاة حتى يشتري سيارة لكي يركبها، لأن الأجرة قد تكون قريبة من القيمة، وعلى كل حال إذا اشترى سيارة ولحقه غرم فنعطيه؛ لأنه يكون داخلاً في الغارمين، لكن لو لم يشتر سيارة ويلحقه غرم، فهل نعطيه أو لا نعطيه؟ الذي يظهر والله أعلم أن هناك فرقاً بين مسألة البيت؛ لأن المال يكون كثيراً، أما بالنسبة للسيارة فيظهر والله أعلم أننا نعطيه من الزكاة ما يشتري به سيارة، لأننا إذا كنا نعطيه أجرة، فستكون قريبة من القيمة، والأجرة ستتكرر كل عام.. إلخ، فيظهر والله أعلم أننا نعطيه من الزكاة ما يشتري به سيارة للركوب، أما إن كانت السيارة للعمل فهذا -كما أسلفنا- جائز ولا بأس به.. إلخ.

صرف العلاج للفقير من الزكاة

أيضاً من المسائل صرف العلاج للفقير: هل نعطي الفقير من الزكاة لكي يتعالج بأموال الزكاة، أو لا نعطيه من الزكاة؟

من المعلوم اليوم أنه بسبب تقدم الطب وترقيه وحصل بذلك مصحات كثيرة ووجدت كثير من المصحات والمشافي التجارية التي قد لا يتمكن الفقير من أن يتعالج عندها بماله، فهو بحاجة إلى مال الزكاة، فكثير من العلماء رحمهم الله تعالى رخص للفقير أن يأخذ من الزكاة ليتعالج في هذه المصحات والمشافي، لكن هذا بشروط.

الشرط الأول: ألا يتوفر علاجه مجاناً، إذا كان هناك مصحات حكومية تعالج الناس بالمجان ويمكن أن يتعالج من هذا المرض بهذه المصحات، فإنه لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة.

الشرط الثاني: أن يكون العلاج مما تمس الحاجة إليه، أما إن كان العلاج لأمر لا تمس الحاجة إليه كأمور التجميل والأمور الكمالية ونحو ذلك، فإنه لا يجوز له أن يأخذ الزكاة لأجل هذا العلاج.

الشرط الثالث: أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج بأن ينظر إلى أقل هذه المصحات تكلفة في العلاج؛ لأن أموال الزكاة لها مستحقون ولها فقراء، وهو سيزاحم أهلها في هذا المال، فإذا كان لا يحتاجه فإنه لا يجوز له؛ لأن الزكاة تتعلق به حقوق الآخرين وحقوق الفقراء، فنقول: عليه أن ينظر إلى أقل هذه المصحات تكلفة ويتعالج عندها، فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة جاز أن يتعالج من مال الزكاة.

شراء الأدوات الكتابية لأولاد الفقراء

كذلك أيضاً من المسائل: شراء الأدوات الكتابية لأولاد الفقراء من الأقلام والدفاتر ونحو ذلك، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟ نقول: هذا جائز ولا بأس به، والعلماء رحمهم الله تعالى يقولون: الزكاة تصرف في النفقات الشرعية والحوائج الأصلية، والمراد بالحوائج الأصلية ما يحتاج إليه من آلات البيت كالآلات الكهربائية مثل الثلاجة والغسالة والمدفأة والفرش وآلات الطبخ، فهذه كلها حوائج أصلية يجوز أن نصرف الزكاة فيها.

صرف الزكاة للموظفين في الجمعيات الخيرية

أيضاً من المسائل المتعلقة بنوازل الزكاة: ما يتعلق بالعاملين على الزكاة، والمراد هنا ما يوجد بالجمعيات الخيرية من موظفين، فهؤلاء الموظفون هل يجوز أن نعطيهم رواتب من الزكاة مقابل عملهم، أو نقول بأنه لا يجوز؟

الآن توجد كثير من الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإغاثية.. إلخ، فهل يجوز أن نصرف لهم رواتب من الزكاة بحيث يكونون داخلين في العاملين؟

العاملون على الزكاة يستحقون من الزكاة؛ لقول الله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60].

وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله تعالى لما تكلم عن العاملين قال: هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها وجمعها وحفظها ونقلها وسعيها.. إلى أن قال: وكل ما يحتاج إليه فيها.

ونأخذ من كلامه رحمه الله تعالى أن العاملين هم السعاة الذين يبعثهم الإمام، فيشترط أن يكون هؤلاء السعاة الذين بعثهم ووظفهم هو الإمام أو أذن في توظيفهم، فحينئذ يعطون من الزكاة، أما الذين يعملون على الزكاة لأفراد الناس فهؤلاء لا يجوز لهم أن يأخذوا أو يُعطَوْا من الزكاة، بل صاحب الزكاة إذا أراد أن يعطيهم فإنما يعطيهم من ماله ولا يعطيهم من الزكاة، فلو أن تاجراً عنده أموال وأعطاها شخصاً لكي يفرقها، فهذا الشخص ليس من العاملين؛ لأن العامل على الزكاة هو الذي يبعثه الإمام، وحينئذ لا يجوز له يأخذ من الزكاة، وإنما إذا أرد أن يعطيه فإنما يعطيه من حر ماله وليس من الزكاة.

وبالنسبة للموظفين في الجمعيات الخيرية وجمعيات البر والمؤسسات الإغاثية ونحو ذلك، هل يعطون رواتب من الزكاة أو لا؟ نقول بأنهم ينقسمون إلى أقسام:

القسم الأول: أن يكون هؤلاء الموظفون في هذه المؤسسات والجمعيات تصرف لهم الحكومة رواتب، فهؤلاء لا يجوز أن يأخذوا من الزكاة اكتفاءً بما تصرفه لهم الحكومة.

القسم الثاني: أن تكون الحكومة لا تصرف لهم رواتب، وإنما أذنت في فتح هذه الجمعية أو هذه المؤسسة، فهذه الجمعية أو المؤسسة الإغاثية نائبة عن الإمام؛ لأن الإمام قد أذن في فتحها، فحينئذ يجوز أن تدفع لموظفيها رواتب، فإذا كانت هذه الجمعية أو المؤسسة قد أذنت فيها الحكومة فهي نائبة عن الإمام، والإمام يعطي من الزكاة السعاة، فنقول: لا بأس أن يُعطَوْا من الزكاة رواتب.

القسم الثالث: أن تكون هذه الجمعية أو المؤسسة الإغاثية لم يأذن فيها الإمام، فلا يجوز أن نعطي الموظفين رواتب من الزكاة؛ لأنه يشترط في السعاة أن يكون الذي بعثهم هو الإمام أو نائبه كهذه الجمعيات، أما هذه الجمعيات فلم يأذن فيها الإمام، إنما أسسها أفراد من الناس.. إلخ، وليس لها إذن، فحينئذ لا يجوز أن نعطي العاملين عليها من الزكاة، وإنما لا بأس أن نعطيهم رواتب من الصدقات، أما بالنسبة للزكوات فإنهم لا يعطَوْن منها.

إعطاء الزكاة للزواج

كذلك أيضاً من المسائل: صرف الزكاة في نفقات الزواج، في مهور الزواج، للفقير إذا أراد أن يتزوج، فهل يجوز أن نصرف من الزكاة في المهر ونحو ذلك مما يحتاج إليه؟

أولاً: الأب إذا كان قادراً على أن يزوج ولده فإنه يجب عليه أن يزوجه؛ لأن الزواج داخل في النفقة، والأب يجب عليه أن ينفق على أولاده، والنفقة ليست خاصة بالطعام والشراب فقط، بل تشمل الطعام والشراب واللباس والسكن والزواج، فإذا كان قادراً على أن يزوج ولده فإنه يجب عليه أن يزوجه، والله عز وجل يقول: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، فالمولود له الأب يجب عليه أن ينفق على من يرضع ولده، فولده من باب أولى.

إذا كان هناك شخص ليس له أب ينفق عليه نفقة الزواج، واحتاج إلى المهر، فنقول: لا بأس أن نعطيه من الزكاة ما يدفع به المهر، إذْ إنّ الزواج يكون به حفظ العرض وحفظ النسل، وهذه الأشياء من الضرورات التي اتفقت الشرائع على حفظها، لأن الشرائع السماوية تتفق على حفظ الضرورات الخمس: حفظ الدين، حفظ العرض، حفظ العقل، حفظ النفس، حفظ المال، فإذا كنا نعطيه الزكاة لكي يحفظ نفسه، فيأكل ويشرب، فكذلك أيضاً نعطيه من الزكاة لحفظ العرض والنسل، فالفقير لا بأس أن نعطيه من الزكاة ما يدفع به المهر، وكذلك أيضاً نعطيه من الزكاة ما يحتاج إلى شرائه من الأثاث -كما قلنا- من الحوائج الأصلية من الفرش وآلات البيت والماعون وآلات الطبخ ونحو ذلك، إذا كان لا يتمكن.

أيضاً من المسائل: شراء بيت للفقير من الزكاة، إذا كان الفقير يحتاج إلى بيت فهل يجوز أن نشتري له بيتاً من أموال الزكاة، أو نعطيه أجرة؟ لأن البيت قد يكلف مثلاً مائتي ألف، والأجرة تكلف عشرة آلاف، فهل يجوز أن نشتري من الزكاة بيتاً للفقير، أو نقول: هذا غير جائز.. إلخ؟

لكي يتبين هذا الحكم نبين ما هو الحد الذي يأخذه الفقير من الزكاة.

المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن الفقير يأخذ كل عام من الزكاة كفايته وكفاية من يموله، يعني: ينفق عليه من النفقات والحوائج الأصلية، من نفقات الطعام والشراب، والحوائج الأصلية من أجرة المسكن والملبس وأواني البيت والآلات التي يحتاجها.. إلخ، فإذا كان هذا الفقير كفايته في العام تساوي عشرين ألفاً فإننا نعطيه من الزكاة عشرين ألفاً، وإذا كانت كفايته أقل، مثلاً عنده مرتب ألف ريال، وكفايته في العام عشرون ألفاً، فمرتبه يساوي اثني عشر ألفاً، وبقي عليه ثمانية آلاف، فإننا نعطيه من الزكاة ثمانية آلاف، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أننا نعطيه كفايته وكفاية من يموله، فنعطيه كل الكفاية إذا كان لا يجد شيئاً، أو نعطيه تمام الكفاية إذا كان يجد بعض الكفاية، هذا الرأي الأول.

الرأي الثاني وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى: هو أنه يُعطَى أقل من نصاب الفضة، يعني: أقل من مائتي درهم، ومائتا درهم تساوي بالغِرامات خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً من الفضة، وغرامات الفضة الآن تساوي خمسمائة ريال، فعلى رأي أبي حنيفة رحمه الله نعطيه أقل من خمسمائة ريال.

الرأي الثالث: أنه يعطى كفاية العمر، وهذا رأي الشافعي رحمه الله تعالى، وهذا أوسع المذاهب، فننظر ما الذي يكفيه طيلة عمره ونعطيه ما يكفيه، مثلاً: ثلاثون ألفاً، أربعون ألفاً، مائة ألف، فنعطيه من النفقات ما يكفيه.

والراجح في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وهو أن الفقير يعطى من النفقات الشرعية والحوائج الأصلية ما يكفيه لمدة عام؛ لأن الزكاة تتكرر كل عام، ففي هذا العام نعطيه، ثم في العام القادم نعطيه.. وهكذا، وعلى هذا يتبين أنه لا يجوز أن نشتري من الزكاة بيتاً لهذا الفقير، وإنما يعطى أجرة يستأجر بها.

لكن كما ذكر بعض العلماء رحمهم الله أن الفقير لو اشترى بيتاً لكي يسكنه، وهذا البيت يشتري بمثله بيتاً يسكنه فهو غارم، مثلاً: هو فقير يسكن ما يسكن الفقراء واشترى بيتاً بمائتي ألف، أو بثلاثمائة ألف، فإذا اشترى هذا البيت فإنه يكون غارماً، وحينئذ يدخل في باب الغارمين، فنعطيه من الزكاة ما يسدد به غرمه.

فعندنا رجلان: رجل يريد أن يأخذ الزكاة لكي يشتري بيتاً، فهذا لا يعطى، ورجل اشترى بيتاً ولحقه غرم، فهذا نعطيه من الزكاة ما يسدد به غرمه؛ لأنه داخل في عموم قول الله عز وجل: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60].


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
المسائل المستجدة في نوازل الزكاة [1] 1453 استماع
المسائل المستجدة في نوازل الزكاة [2] 1153 استماع
المسائل المستجدة في نوازل الزكاة [3] 1069 استماع