خطب ومحاضرات
التساهل بصغائر الذنوب والمعاصي
الحلقة مفرغة
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون! اتقوا الله تعالى وأنيبوا إلى ربكم، واشكروا له على نعمه الظاهرة والباطنة.
عباد الله! إن من شكر الله عز وجل على نعمة المطر ترك الذنوب صغيرها وكبيرها، إن كثيراً من الناس يتساهلون بصغائر الذنوب ويصرون عليها، وهذا خلاف شكر الله عز وجل، وعلى المسلم أن يأخذ حذره من سلوك الخاسرين.
إن التساهل بصغائر الذنوب والمعاصي فضلاً عن كبائرها ضد شكر نعمة الله عز وجل، أما الكبائر فأمرها واضح، فلقد رتب عليها الحد في الدنيا أو الوعيد في الآخرة، أو رتب عليها عقوبة خاصة عياذاً بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، ومن أراد الوقوف على ما ورد في حقيقة الكبائر، وفي عددها وما رتب عليها، فعليه بكتاب: الزواجر عن اقتراف الكبائر، لـابن حجر الهيتمي رحمه الله.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذنوب كلها كبائر، وذهب جمهور أهل العلم إلى أن الذنوب قسمان: كبائر وصغائر، وهذا هو الذي دلت عليه النصوص، قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، وقال سبحانه: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم . فالذي بينهن هي الصغائر.
فقد دلت هذه الأدلة وغيرها أن في الذنوب صغائر وهي المعبر عنها باللمم، وقد يعبر عنها بالسيئة، وسميت في الحديث بمحقرات الذنوب؛ وهي ما قل وصغر من الذنوب في أعين الناس، ولا يسلم منها أحد إلا من سلمه الله وعافاه، وروى الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
ذكر بعض الصغائر التي يتساهل بها الناس
ولقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم؛ ذلك لأن النظر هو المدخل الأساسي لتسرب الشهوة إلى النفس وطغيانها، وإفساد القلب، فالغض من البصر يساعد على العفة وحفظ الفرج، وهو شكر لله عز وجل على نعمه، قال الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31].
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل ترك المعاصي وتاب منها وقال: لو ضرب بالسياط ما دخل في معصية أبداً، غير أنه لا يدع النظر، فقال: أي توبة هذه؟!
فالنظرة سبب للفتنة وإشغال القلب، فاتق الله يا عبد الله! وراقب الله فإنه مطلع عليك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قيل لبعض السلف: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى من نظرت إليه.
ولقد كان الربيع بن خثيم رحمه الله من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن الناس أنه أعمى، ولقد طرق الباب يوماً على صاحب له فخرجت الجارية، ثم رجعت إلى سيدها وقالت: إن بالباب صاحبك الأعمى.
ومر يوماً على عصبة من النساء، فقالت واحدة منهن: انظرن إلى هذا الأعمى كفانا الله شر العمى، وليس بأعمى، ولكنه عمي عن الفتنة والباطل، وامتثل قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] وشكر الله عز وجل على نعمه.
عباد الله! ومن صغائر الذنوب: الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات، كما يحصل في المحلات التجارية التي تحتوي على ملابس النساء والأطفال، أو بين الخدم والسائقين في البيت، أو بين الخدم وأهل البيت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم.
وفي صحيح البخاري: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم).
ومن الصغائر: السب دون القذف كالتنابز بالألقاب، ومنها أيضاً: الإشراف على بيوت الناس والتطلع على أحوالهم وأخبارهم.
ومنها: هجر المسلم فوق ثلاث.
ومنها: الأكل بالشمال، وغير ذلك مما لا يترتب عليه عقوبة خاصة.
التحذير من التساهل بصغائر الذنوب
قال بلال بن سعد رحمه الله: لا تنظر إلى صغر الخطيئة أو المعصية، ولكن انظر إلى من عصيت.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسن : يا بني! احذر من أن يراك الله عند معصية، ويفقدك عند طاعة؛ فتكون من الخاسرين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما انضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه).
وروى أنس رضي الله عنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) رواه مسلم في صحيحه. يعني بذلك: المهلكات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا أذنب نكتت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه) رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، يأخذون من الليل ما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
فهذه الذنوب وإن كانت صغائر كلها من ضد شكر نعمة الله عز وجل، ومن شكره سبحانه أن يتوب المسلم وأن يقلع عن هذه الذنوب صغيرها وكبيرها، فبذلك تستتم الزيادة وتحصل البركة.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نعوذ بك من الذنوب صغيرها وكبيرها، اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
عباد الله! من الصغائر التي يتساهل بها الناس: النظر إلى النساء الأجنبيات والشباب المردان، سواء عن طريق مباشر كوجه لوجه، أو من وراء شق، أو عن طريق الصور الثابتة في المجلات ونحوها، أو الصور المتحركة في الأفلام والهواتف النقالة، وأجهزة الاتصال الأخرى.
ولقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بالغض من أبصارهم؛ ذلك لأن النظر هو المدخل الأساسي لتسرب الشهوة إلى النفس وطغيانها، وإفساد القلب، فالغض من البصر يساعد على العفة وحفظ الفرج، وهو شكر لله عز وجل على نعمه، قال الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31].
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل ترك المعاصي وتاب منها وقال: لو ضرب بالسياط ما دخل في معصية أبداً، غير أنه لا يدع النظر، فقال: أي توبة هذه؟!
فالنظرة سبب للفتنة وإشغال القلب، فاتق الله يا عبد الله! وراقب الله فإنه مطلع عليك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قيل لبعض السلف: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى من نظرت إليه.
ولقد كان الربيع بن خثيم رحمه الله من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن الناس أنه أعمى، ولقد طرق الباب يوماً على صاحب له فخرجت الجارية، ثم رجعت إلى سيدها وقالت: إن بالباب صاحبك الأعمى.
ومر يوماً على عصبة من النساء، فقالت واحدة منهن: انظرن إلى هذا الأعمى كفانا الله شر العمى، وليس بأعمى، ولكنه عمي عن الفتنة والباطل، وامتثل قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] وشكر الله عز وجل على نعمه.
عباد الله! ومن صغائر الذنوب: الخلوة والاختلاط بالنساء الأجنبيات، كما يحصل في المحلات التجارية التي تحتوي على ملابس النساء والأطفال، أو بين الخدم والسائقين في البيت، أو بين الخدم وأهل البيت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري ومسلم.
وفي صحيح البخاري: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم).
ومن الصغائر: السب دون القذف كالتنابز بالألقاب، ومنها أيضاً: الإشراف على بيوت الناس والتطلع على أحوالهم وأخبارهم.
ومنها: هجر المسلم فوق ثلاث.
ومنها: الأكل بالشمال، وغير ذلك مما لا يترتب عليه عقوبة خاصة.
عباد الله! لا يعني كون هذه الذنوب صغائر أنها سهلة وهينة، كلا، بل إن المعاصي كلها سبب للضلال والعقوبة، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن:23].
قال بلال بن سعد رحمه الله: لا تنظر إلى صغر الخطيئة أو المعصية، ولكن انظر إلى من عصيت.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لابنه الحسن : يا بني! احذر من أن يراك الله عند معصية، ويفقدك عند طاعة؛ فتكون من الخاسرين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما انضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه).
وروى أنس رضي الله عنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات) رواه مسلم في صحيحه. يعني بذلك: المهلكات.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن إذا أذنب نكتت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه) رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، يأخذون من الليل ما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
فهذه الذنوب وإن كانت صغائر كلها من ضد شكر نعمة الله عز وجل، ومن شكره سبحانه أن يتوب المسلم وأن يقلع عن هذه الذنوب صغيرها وكبيرها، فبذلك تستتم الزيادة وتحصل البركة.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بقوم فتنة أن تقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نعوذ بك من الذنوب صغيرها وكبيرها، اللهم أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحكام الصيام | 2892 استماع |
حقيقة الإيمان - تحريم التنجيم | 2514 استماع |
مداخل الشيطان على الإنسان | 2494 استماع |
الأمن مطلب الجميع [2] | 2438 استماع |
غزوة الأحزاب | 2376 استماع |
نصائح وتوجيهات لطلاب العلم | 2366 استماع |
دروس من قصة موسى مع فرعون | 2354 استماع |
دروس من الهجرة النبوية | 2351 استماع |
شهر الله المحرم وصوم عاشوراء | 2210 استماع |
حقوق الصحبة والرفقة | 2181 استماع |