خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح سنن أبي داود [598]
الحلقة مفرغة
شرح حديث (يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر...)
حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان وابن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار).
قال ابن السرح : عن ابن المسيب مكان سعيد ، والله أعلم ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسب الدهر ].
وهذا الباب هو آخر باب في كتاب سنن أبي داود ، وهو مشتمل على هذا الحديث، وهو آخر حديث في سنن أبي داود .
خطاب الشرع للرجال خطاب للنساء في عموم النص
خصائص الحديث القدسي
فقوله: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر) ضمير المتكلم هو لله عز وجل، وهو مثل قوله: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) فالذي يقول: يا عبادي! هو الله عز وجل، ولا يصح أن يقول ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، فالضمائر فيه تعود لله عز وجل، وهو مثل قوله: (الصوم لي وأنا أجزي به)، فكل تلك الضمائر ترجع إلى الله عز وجل.
والحديث القدسي له صيغتان: الأولى: قال الله عز وجل، أو يقول الله عز وجل، والثانية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه.
والحديث النبوي غير الحديث القدسي، فالقدسي معناه من الله وكلامه من الرسول صلى الله عليه وسلم، والشريعة كلها من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، وأما السنة فمتعبد بالعمل بها.
والحديث القدسي من كلام الله سبحانه وتعالى، كما هو موجود في الضمائر، (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي) ولا أحد يقول: يا عبادي! إلا الله سبحانه وتعالى، فحتى الرسول لا يقول: يا عبادي! وإنما يحكي كلام الله عز وجل.
وهل اللفظ من الله عز وجل كما أن المعنى منه؟ إن لم تكن هناك رواية بالمعنى، وكان اللفظ لم يأت بعدة صيغ، فهذا الكلام مضاف إلى الله سبحانه وتعالى، لكن إذا دخلت الرواية بالمعنى فعندها لا يقال: إن اللفظ من الله عز وجل، لكن الكلام مضاف إلى الله عز وجل؛ لأن الضمائر إنما هي له، والمتكلم هو، لكن هل هذا الكلام نفسه كلام الله؟ لو لم تدخل الرواية بالمعنى يصير اللفظ والمعنى من الله عز وجل، وإن دخلت الرواية بالمعنى فإن اللفظ لا يقال: إنه من الله، فقد عبر الراوي بالمعنى الذي فهمه عندما لم يتمكن من ضبط اللفظ.
فهذا هو معنى الحديث القدسي.
معنى قوله (يؤذيني ابن آدم)
والإيذاء يحصل من العبد بأن يفعل ما لا يسوغ كمحرم، فإن هذا يقال له: إيذاء لله عز وجل، وهو سبحانه لا تضره معاصي العاصين، ولا تنفعه طاعات المطيعين، بل هو سبحانه وتعالى النافع الضار، ولكن كونه يحصل ما يسخطه ويغضبه فإن هذا يقع من العبد، لكن الله جل وعلا لا يتضرر بهذا الإيذاء الذي صدر من العبد، فهو لا تضره معصية العاصين، ولا تنفعه طاعة المطيعين، ولهذا ينسب إلى العبد فيقال: إنه آذى الله أو يؤذي الله، ولكن لا يقال: إن الإنسان أضر الله عز وجل أو نفع الله، فلا يضاف النفع أو الضر إلى العباد، ولكن جاء في القرآن وفي السنة ذكر الإيذاء، وأنه يصدر منهم الإيذاء لله عز وجل، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب:57]، وقد فسر معنى ذلك بأنهم يحصل منهم الأذى بارتكابهم المعاصي وتركهم الأوامر، فهذا هو الإيذاء، لكن لا تضره هذه المعصية كما أن الطاعة لا تنفعه، وإنما تضر المعاصي أصحابها، وتنفع الطاعات أصحابها، والله عز وجل لا يصل إليه ضر ولا نفع، فلا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضره معاصي العاصين سبحانه وتعالى، بل هو النافع الضار.
معنى قوله (يسب الدهر)
إذاً: هو أن يسب الإنسان الدهر ويضيف الأمور إليه فيقول قائلهم: يا خيبة الدهر، أو يقول: عضنا الدهر بنابه، أو يقول: عادت علينا عوائد الدهر، أو غير ذلك من العبارات التي يضيفونها إلى الدهر، مع أن الدهر -وهو الزمان- ليس متصرفاً ولا فاعلاً، بل الفاعل والمتصرف هو الله عز وجل، فهو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأما الدهر فهو زمان، ولهذا جاء بعد ذكر الدهر (أقلب الليل والنهار)، فإذاً الدهر هو الليل والنهار وهو المقلَّب، ومعلوم أن من سب المقلَّب فإنما ترجع مسبته إلى المقلِّب وهو الله سبحانه وتعالى.
مثلاً: لو أن إنساناً سب جداراً فإن الجدار لم يبن نفسه، وإنما بناه إنسان، فترجع المسبة للباني الذي بناه، فكذلك إذا سب الدهر والدهر زمان ليس فاعلاً ولا متصرفاً، ترجع مسبة الساب إلى الله عز وجل، ولهذا قول الله عز وجل: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر) يعني: من سب الدهر فقد سبني؛ لأن الدهر ليس فاعلاً.
وقوله: (أنا الدهر) ليس معناه أن الله عز وجل يقال له الدهر، أو أن من أسمائه الدهر، فهذا غير صحيح، وإنما أسماء الله عز وجل كلها مشتقة، وليس فيها اسم جامد، وهذا اسم جامد، فأسماء الله مشتقة تدل على معان بألفاظها، مثلاً: الرحمن يدل على الرحمة، والعزيز يدل على العزة، والحكيم يدل على الحكمة، واللطيف يدل على اللطف، والسميع يدل على السمع، والبصير يدل على البصر.. وهكذا أسماء الله عز وجل يشتق منها صفات، وتدل على معاني في الصفات، وأما الدهر فهو اسم جامد، فليس من أسماء الله، وقد قيل: إن ابن حزم قال: إنه من أسماء الله بدليل هذا الحديث، ولكن هذا الاستدلال غير صحيح كما ذكر ذلك العلماء، وقالوا: إن الدهر ليس من أسماء الله، وإنما قوله: (أنا الدهر) يعني: من سب الدهر فقد سبني، ومن سب المقلَّب فقد رجعت مسبته إلى المقلِّب، ومن سب البناء رجعت مسبته إلى الباني؛ لأن الجدار لم يبن نفسه، وإنما الذي بناه إنسان، وهذا الإنسان هو الذي يصل إليه سب من سب الجدار، فمن سب الزمان -والزمان ليس فاعلاً ولا متصرفاً- فمسبته ترجع إلى الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل هو الذي يقلب الليل والنهار، ولهذا قال: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فكل شيء بيد الله عز وجل، وكل شيء بقضاء الله وقدره، وكل شيء تحت تصرفه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وقوله: (أقلب الليل والنهار) يوضح معنى كون الله عز وجل هو المقلب للدهر، والدهر هو الزمان، ولهذا قال: (أقلب الليل والنهار) أي: الدهر، فمن سبه فقد سب الله عز وجل، ومن حصل منه الذم له رجع ذلك الذم وذلك السب إلى الله سبحانه وتعالى.
معاني أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
إذاً: فأسماء الله عز وجل كلها مشتقة وليس فيها اسم جامد، والدهر ليس منها، وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم مشتقة وليس فيها اسم جامد، وما جاء من ذكر (طه ويس) فليس من أسمائه وإنما هي حروف مقطعة في أوائل السورة.
وبالانتهاء من الكلام على هذا الحديث نكون قد انتهينا من شرح هذا الكتاب العظيم الذي هو أحد كتب السنة المشهورة، وأحد الكتب الستة المعروفة، وهي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة، فهذه كتب اشتهرت بأنها الأمهات والأصول؛ وذلك لأنها جمعت من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الشيء الكثير، واختصت بالتأليف فيما يتعلق برجالها ومتونها وأطرافها، وذلك لاشتمالها على الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما وفقتنا لإتمام شرح هذا الكتاب العظيم في مسجد رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، وأن يوفقنا جميعاً لتحصيل العلم النافع، والعمل به، إنه سبحانه وتعالى جواد كريم.
تراجم رجال إسناد حديث (يقول الله عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر...)
محمد بن الصباح بن سفيان صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة .
[ وابن السرح ].
هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ قالا: حدثنا سفيان ].
هو ابن عيينة ، وهو مهمل، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة؛ لأن سفيان ليس معروفاً بالرواية عن الزهري بحيث يأتي مهملاً، فإذا روى عن الزهري فالمراد به ابن عيينة ، وسفيان بن عيينة المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد ].
سعيد بن المسيب ثقة أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وقد جاء في أحد الطريقين ذكر سعيد باسمه فقط، وجاء في الطريقة الثانية عن الشيخ الثاني ابن المسيب بدل سعيد ، أي: أن أحد الشيخين جاء في الإسناد عنده سعيد ، وجاء في إسناد الثاني ابن المسيب .
[ قال ابن السرح : عن ابن المسيب مكان سعيد . ]
يعني: أن أبا داود ساق الحديث على رواية ابن الصباح، ولهذا لما ساقه قال: سعيد ، ثم نبه على أن ابن السرح قال: ابن المسيب بدل سعيد .
وهذا من أمثلة دقة العلماء في المحافظة على الألفاظ التي يأتي بها الرواة، وأنهم يأتون بها كما جاءت ولا يزيدون ولا ينقصون، ولو حصلت زيادة من أجل التنبيه والتوضيح لما قد يكون مهملاً فإنهم يأتون بكلمة تبين ذلك مثل: يعني ابن فلان، أو هو ابن فلان، وإلا فإنهم يحافظون على الألفاظ.
ولهذا أبو داود رحمه الله في هذا الإسناد ساقه على لفظ ابن الصباح وقال: سعيد، وأشار إلى لفظ الشيخ الثاني وهو ابن السرح فقال: قال ابن السرح : ابن المسيب بدل سعيد .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسب الدهر.
حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان وابن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار).
قال ابن السرح : عن ابن المسيب مكان سعيد ، والله أعلم ].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسب الدهر ].
وهذا الباب هو آخر باب في كتاب سنن أبي داود ، وهو مشتمل على هذا الحديث، وهو آخر حديث في سنن أبي داود .