شرح سنن أبي داود [592]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ( إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المصافحة.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن أبي بلج عن زيد أبي الحكم العنزي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المصافحة ].

لما ذكر الأبواب المتعلقة بالسلام ذكر المصافحة التي هي متممة له، وتابعة له، وهي لا تكون بدون سلام.

والمصافحة هي: أن يضع كل واحد يمينه في يمين الآخر، وقيل لها مصافحة؛ لأنها مأخوذة من صفحة اليد، ولأن كل واحد يمد صفحة يده إلى الآخر، فيكون كل منهما أخذ بصفحة يد غيره. وقد جاءت السنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان الصحابة إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وقد أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما) وهذا فيه إثبات المصافحة، وأنهما إذا تلاقيا وتصافحا غفر لهما مع السلام.

والمصافحة جاءت في أحاديث متعددة منها هذا الحديث، لكن القيد الذي جاء فيه هو: الحمد والاستغفار، وهي لا تخلوا من كلام، وأما ما يتعلق بالمصافحة، فإنه جاء فيها أحاديث أخرى.

قوله: [وحمدا الله عز وجل واستغفراه]، هذا القيد هو الذي جاء من هذه الطريق وفيه كلام، وأما قضية المصافحة من أصلها فقد جاءت في هذا الحديث وغيره. (... غفر لهما).

وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على المغفرة.

تراجم رجال إسناد حديث ( إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما )

قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

عمرو بن عون ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بلج ].

أبو بلج هو يحيى بن سليم، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن زيد أبي الحكم العنزي ].

زيد أبو الحكم العنزي مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن البراء بن عازب ].

البراء بن عازب رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث ( إذا التقى المسلمان فتصافحا ... ) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد وابن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) ].

أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، ولكن ليس فيه ذكر الحمد والاستغفار، وفيه أنه يغفر لهما قبل أن يفترقا.

قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ].

أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[ حدثنا أبو خالد ].

هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وابن نمير ].

ابن نمير هو عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأجلح ].

صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن أبي إسحاق ].

هو أبو إسحاق السبيعي، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن البراء ].

هو البراء بن عازب رضي الله عنه مر ذكره.

حديث (... قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة ) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: (لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) وقد ذكر أن هذه الأولية مدرجة وليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا حميد ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

عن [ أنس بن مالك ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود وهي الرباعيات.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المصافحة.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن أبي بلج عن زيد أبي الحكم العنزي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المصافحة ].

لما ذكر الأبواب المتعلقة بالسلام ذكر المصافحة التي هي متممة له، وتابعة له، وهي لا تكون بدون سلام.

والمصافحة هي: أن يضع كل واحد يمينه في يمين الآخر، وقيل لها مصافحة؛ لأنها مأخوذة من صفحة اليد، ولأن كل واحد يمد صفحة يده إلى الآخر، فيكون كل منهما أخذ بصفحة يد غيره. وقد جاءت السنة في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان الصحابة إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وقد أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا التقى المسلمان فتصافحا، وحمدا الله عز وجل واستغفراه غفر لهما) وهذا فيه إثبات المصافحة، وأنهما إذا تلاقيا وتصافحا غفر لهما مع السلام.

والمصافحة جاءت في أحاديث متعددة منها هذا الحديث، لكن القيد الذي جاء فيه هو: الحمد والاستغفار، وهي لا تخلوا من كلام، وأما ما يتعلق بالمصافحة، فإنه جاء فيها أحاديث أخرى.

قوله: [وحمدا الله عز وجل واستغفراه]، هذا القيد هو الذي جاء من هذه الطريق وفيه كلام، وأما قضية المصافحة من أصلها فقد جاءت في هذا الحديث وغيره. (... غفر لهما).

وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على المغفرة.

قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

عمرو بن عون ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بلج ].

أبو بلج هو يحيى بن سليم، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن زيد أبي الحكم العنزي ].

زيد أبو الحكم العنزي مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن البراء بن عازب ].

البراء بن عازب رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد وابن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا) ].

أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله، ولكن ليس فيه ذكر الحمد والاستغفار، وفيه أنه يغفر لهما قبل أن يفترقا.

قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ].

أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[ حدثنا أبو خالد ].

هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وابن نمير ].

ابن نمير هو عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأجلح ].

صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن أبي إسحاق ].

هو أبو إسحاق السبيعي، وهو عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن البراء ].

هو البراء بن عازب رضي الله عنه مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: (لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة) وقد ذكر أن هذه الأولية مدرجة وليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا حميد ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

عن [ أنس بن مالك ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا من الأسانيد العالية عند أبي داود وهي الرباعيات.

شرح حديث أبي ذر في التزام النبي له

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المعانقة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو الحسين -يعني خالد بن ذكوان - عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي عن رجل من عنزة: (أنه قال لـأبي ذر حيث سير من الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي، فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود) ].

أورد أبو داود باباً في المعانقة.

فهو لما ذكر السلام، ثم ذكر المصافحة، ذكر بعد ذلك المعانقة، فجمع بين ثلاثة أمور: السلام، والمصافحة، والمعانقة، وقد جاء عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وعلى هذا فلا تكون معانقة بدون مصافحة، ولا يكونان بدون سلام، بل يجمع بين الأمور الثلاثة.

أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه لما سير من الشام فلقيه رجل وقال له: إني سائلك عن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً.

يعني: من الأشياء التي ليس من المناسب إشاعتها وإظهارها، ومن المعلوم أن هناك أشياء يمكن أن تخفى، مثل ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال: (لا تبشرهم فيتكلوا) وكذلك أيضاً فيما يتعلق بحديث أبي هريرة لما ذهب الصحابة يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقيه أبو هريرة في حائط، فأعطاه نعليه، وخرج إلى الناس يخبرهم ويبشرهم بالبشارة التي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بها، فطعنه عمر رضي الله عنه في صدره، وطلب منه ألا يخبر الناس بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه الأشياء إذا ذكرت تؤثر على الناس، وتحملهم على الاتكال عليها، وتجعلهم لا يعملون، فمثل ذلك إذا كان يترتب على نشره مثل هذه المفسدة فإنه لا ينشر.

فقال: إنه ليس بسر، وسأله عن المصافحة، وأخبره أبو ذر أنه ما لقي رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا صافحه، وجاء إليه مرة والتزمه.

والحديث في إسناده ضعف، ولكن المعانقة جاءت عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي ذكرته من أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، والمعانقة هي: كون الإنسان يخالف بين عنقه وعنق الآخر بحيث يكون عنق واحدهم على عاتق الآخر.

قوله: [ قلت: إنه ليس بسر ].

يعني: هذا السؤال ليس بسر فهو يتعلق بالمصافحة.

قوله: [ هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: (ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل لي، فأتيته وهو على سريره، فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود) ].

تراجم رجال إسناد حديث أبي ذر في التزام النبي له

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا أبو الحسين -يعني خالد بن ذكوان - ].

خالد بن ذكوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي ].

أيوب بن بشير مستور، يعني: مجهول الحال، أخرج له أبو داود .

[ عن رجل من عنزة ].

وهو مجهول مبهم غير مسمى.

قال الحافظ في المبهمات: هو عبد الله ولا يعرف، أخرج له أبو داود .

يعني: أنه عرف اسمه، ولا يعرف شيئاً عنه.

ففيه شخصان متكلم فيهما.

[ عن أبي ذر ].

أبو ذر هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (...قوموا إلى سيدكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في القيام.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري: (أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد أرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء على حمار أقمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم، أو إلى خيركم، فجاء حتى قعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ].

أورد أبو داود باباً في القيام، والقيام يكون للرجل، ويكون إلى الرجل، ويكون على الرجل، فله أحوال ثلاثة:

القيام للرجل: بأن يقوم احتراماً له بلا مصافحة ولا معانقة وإنما هو محض قيام وجلوس، وهذا هو الذي لا يسوغ، وهذا هو الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلونه لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم له، وأما إذا كان لاستقباله أو لمعانقته أو لمصافحته فإن ذلك سائغ؛ لأنه قيام إليه وليس قياماً له، ومن ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس، لما نزل بنو قريظة على حكمه وجاء على حمار، قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا إلى سيدكم أو قوموا إلى خيركم) فهذا قيام إليه، إما لمساعدته في النزول أو لمرافقته أو لاستقباله، وليس هذا قياماً له؛ لأن القيام له هو قيام احترام وتوقير فقط بدون سلام أو بدون استقبال أو أنه يكرمه بذلك، وأما القيام على الرجل فهو القيام على رأسه وهو جالس، وهذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حيث كان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه ومعه السيف، فهذا قيام سائغ إذا دعت الحاجة إليه وحصل أمر يقتضيه، مثلما حصل في هذه القصة، وعلى هذا فالقيام له ثلاثة أحوال، والذي في الحديث هو الحالة الثانية التي هي القيام إليه، فالقيام إليه سائغ، والقيام له غير سائغ، والقيام عليه سائغ عندما تدعو الحاجة إليه.

تراجم رجال إسناد حديث (...قوموا إلى سيدكم)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ] .

حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا شعبة ] .

هو شعبة بن الحجاج الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعد بن إبراهيم ].

سعد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ].

أبو أمامة بن سهل بن حنيف اسمه أسعد له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سعيد الخدري ].

أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام مشهور بكنيته أبو سعيد ومشهور بنسبته وهي الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث (...قوموا إلى سيدكم...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة بهذا الحديث، قال: (فلما كان قريباً من المسجد قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم) ].

ثم أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

محمد بن بشار الملقب بندار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد بن جعفر ] .

محمد بن جعفر الملقب غندر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شعبة بهذا الحديث ].

شعبة مر ذكره.

شرح حديث قيام النبي لفاطمة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال حدثنا الحسن بن علي وابن بشار قالا: حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة قالت: (ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً -وقال الحسن : حديثاً وكلاماً، ولم يذكر الحسن السمت والهدي والدل- برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الذي تبين فيه أنها ما رأت أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم في مشيته وهيئته من فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنها، وكانت إذا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس (قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه) يعني: أوسع لها وأجلسها معه في مجلسه، وهذا فيه التقبيل، وفيه القيام إلى الرجل أو إلى المرأة؛ لأن هذا قيام إليها، وهذا يدل على أن الإنسان إذا وجد في مجلس وكان في المجلس مصافحة أو معانقة فإنه يقوم؛ لأنه هنا قام إليها وقبلها، فمثل ذلك المعانقة والمصافحة، وكذلك إذا جاء إليها في منزلها قامت إليه وقبلته وأجلسته في مجلسها، يعني: معها في مجلسها، وبالمكان الذي جلست فيه بحيث جلسا متجاورين.

تراجم رجال إسناد حديث قيام النبي لفاطمة

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

هو الحسن بن علي الحواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ وابن بشار ].

ابن بشار مر ذكره.

[ حدثنا عثمان بن عمر ].

عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا إسرائيل ].

إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ميسرة بن حبيب ].

ميسرة بن حبيب صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن المنهال بن عمرو ].

المنهال بن عمرو صدوق أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن عائشة بنت طلحة ].

عائشة بنت طلحة ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أم المؤمنين عائشة ].

أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المعانقة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو الحسين -يعني خالد بن ذكوان - عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي عن رجل من عنزة: (أنه قال لـأبي ذر حيث سير من الشام: إني أريد أن أسألك عن حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً قلت: إنه ليس بسر، هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل إلي، فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود) ].

أورد أبو داود باباً في المعانقة.

فهو لما ذكر السلام، ثم ذكر المصافحة، ذكر بعد ذلك المعانقة، فجمع بين ثلاثة أمور: السلام، والمصافحة، والمعانقة، وقد جاء عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وعلى هذا فلا تكون معانقة بدون مصافحة، ولا يكونان بدون سلام، بل يجمع بين الأمور الثلاثة.

أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه لما سير من الشام فلقيه رجل وقال له: إني سائلك عن حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذاً أخبرك به إلا أن يكون سراً.

يعني: من الأشياء التي ليس من المناسب إشاعتها وإظهارها، ومن المعلوم أن هناك أشياء يمكن أن تخفى، مثل ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال: (لا تبشرهم فيتكلوا) وكذلك أيضاً فيما يتعلق بحديث أبي هريرة لما ذهب الصحابة يبحثون عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقيه أبو هريرة في حائط، فأعطاه نعليه، وخرج إلى الناس يخبرهم ويبشرهم بالبشارة التي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بها، فطعنه عمر رضي الله عنه في صدره، وطلب منه ألا يخبر الناس بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه الأشياء إذا ذكرت تؤثر على الناس، وتحملهم على الاتكال عليها، وتجعلهم لا يعملون، فمثل ذلك إذا كان يترتب على نشره مثل هذه المفسدة فإنه لا ينشر.

فقال: إنه ليس بسر، وسأله عن المصافحة، وأخبره أبو ذر أنه ما لقي رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا صافحه، وجاء إليه مرة والتزمه.

والحديث في إسناده ضعف، ولكن المعانقة جاءت عن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي ذكرته من أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، والمعانقة هي: كون الإنسان يخالف بين عنقه وعنق الآخر بحيث يكون عنق واحدهم على عاتق الآخر.

قوله: [ قلت: إنه ليس بسر ].

يعني: هذا السؤال ليس بسر فهو يتعلق بالمصافحة.

قوله: [ هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: (ما لقيته قط إلا صافحني، وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي، فلما جئت أخبرت أنه أرسل لي، فأتيته وهو على سريره، فالتزمني فكانت تلك أجود وأجود) ].

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، أخبرنا أبو الحسين -يعني خالد بن ذكوان - ].

خالد بن ذكوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي ].

أيوب بن بشير مستور، يعني: مجهول الحال، أخرج له أبو داود .

[ عن رجل من عنزة ].

وهو مجهول مبهم غير مسمى.

قال الحافظ في المبهمات: هو عبد الله ولا يعرف، أخرج له أبو داود .

يعني: أنه عرف اسمه، ولا يعرف شيئاً عنه.

ففيه شخصان متكلم فيهما.

[ عن أبي ذر ].

أبو ذر هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في القيام.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبي سعيد الخدري: (أن أهل قريظة لما نزلوا على حكم سعد أرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاء على حمار أقمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى سيدكم، أو إلى خيركم، فجاء حتى قعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ].

أورد أبو داود باباً في القيام، والقيام يكون للرجل، ويكون إلى الرجل، ويكون على الرجل، فله أحوال ثلاثة:

القيام للرجل: بأن يقوم احتراماً له بلا مصافحة ولا معانقة وإنما هو محض قيام وجلوس، وهذا هو الذي لا يسوغ، وهذا هو الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلونه لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم له، وأما إذا كان لاستقباله أو لمعانقته أو لمصافحته فإن ذلك سائغ؛ لأنه قيام إليه وليس قياماً له، ومن ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس، لما نزل بنو قريظة على حكمه وجاء على حمار، قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا إلى سيدكم أو قوموا إلى خيركم) فهذا قيام إليه، إما لمساعدته في النزول أو لمرافقته أو لاستقباله، وليس هذا قياماً له؛ لأن القيام له هو قيام احترام وتوقير فقط بدون سلام أو بدون استقبال أو أنه يكرمه بذلك، وأما القيام على الرجل فهو القيام على رأسه وهو جالس، وهذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حيث كان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه ومعه السيف، فهذا قيام سائغ إذا دعت الحاجة إليه وحصل أمر يقتضيه، مثلما حصل في هذه القصة، وعلى هذا فالقيام له ثلاثة أحوال، والذي في الحديث هو الحالة الثانية التي هي القيام إليه، فالقيام إليه سائغ، والقيام له غير سائغ، والقيام عليه سائغ عندما تدعو الحاجة إليه.