خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [581]
الحلقة مفرغة
شرح حديث (... من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه.
حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول حدثني أبو عثمان حدثني سعد بن مالك رضي الله عنه قال: (سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) قال: فلقيت أبا بكرة رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم ].
أورد أبو داود : [ باباً في الرجل ينتمي إلى غير مواليه ] وهنا ذكر الرجل لا مفهوم له؛ فإن المرأة مثله، ولكن غالباً ما تأتي الأحكام وفيها ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الكلام معهم، وإلا فإن النساء مثل الرجال في الأحكام، إلا إذا جاء شيء يدل على تخصيص النساء أو تخصيص الرجال في الحكم، فعند ذلك يميز بين الرجال والنساء في الأحكام.
إذاً: ما جاءت به الشريعة وليس فيه التفريق؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء فيه، فكون العلماء يذكرون في بعض الأبواب: باب في الرجل يفعل كذا وكذا، أو يأتي في الحديث نفسه ذكر الرجل في أمر من الأمور التي لا يختص بها الرجال؛ فإن الأمر لا يخص الرجال وإنما هو للرجال والنساء، ولكن ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الكلام معهم، وقد جاء في الأحاديث شيء من هذا مثل حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً) يعني: ومثله المرأة، وكذلك حديث: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) وكذلك المرأة؛ فإن الأمر لا يختص بالرجال وإنما ذكر الرجال لأن الغالب أن الكلام معهم.
فإذاً: قول أبي داود : [ باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه ] المقصود أن الغالب أن الكلام مع الرجال، وإلا فإن المرأة مثل الرجل لو انتمت إلى غير مواليها أو انتسبت إلى غير أبيها، فإن الحكم واحد ولا فرق بين الرجال والنساء، وأن هذا من الأحكام الذي تشترك فيها الرجال والنساء.
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) .
أولاً: فيه عقوق لوالده؛ لأنه ترك الانتساب إليه.
ثانياً: فيه كذب؛ وذلك لأن انتسابه إلى شخص وهو ليس بأبيه يوهم أنه أبوه.
فكل هذه الأمور موجودة في مثل هذا العمل، ولهذا جاء فيه الوعيد الدال على أنه من الكبائر حيث قال: (فإن الجنة عليه حرام) وهذا من أحاديث الوعيد، وأحاديث الوعيد كما هو معلوم لا يعني أن صاحبها يكون كافراً، ولكنه أتى بأمر خطير وأتى بمعصية كبيرة يستحق عليها دخول النار وعدم دخول الجنة من أول وهلة، وقد يتجاوز الله عز وجل عن العبد الذي حصل منه ارتكاب كبيرة فلا يدخل النار وإنما يدخل الجنة من أول وهلة، وقد يعذب في النار ويدخلها، ولكنه يخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين ويكون من أهل الجنة.
فالحاصل أن هذا من الكبائر وأن فيه عقوقاً وفيه كذباً.
قوله: (سمعته أذناي) ] فيه تأكيد سماع الحديث.
قوله: [ (ووعاه قلبي) ] فيه ما يدل على قوة الضبط، وعلى صحة الأخذ، وأنه تلقى ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أذنيه سمعتاه وأن قلبه وعاه، بحيث إنه لم يأخذه بواسطة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أخذه مباشرة، وأنه أتقنه وضبطه ولم يفته منه شيء.
وهذا مثل الكلام الذي قاله أبو شريح الخزاعي يخاطب عمرو بن سعيد الأشدق كما ثبت في الصحيحين، لما كان يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير قال: (ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي ورأته عيناي وهو يتكلم به) ، كل هذه من الصيغ التي فيها التأكيد وفيها قوة الضبط للحديث الذي يحدث به.
وأبو بكرة أيضاً قال مثل ما قال سعد : (سمعته أذناي ووعاه قلبي) يعني: أن كلاً منهما أتى بهذه الصيغ التي فيها تثبيت السماع وتثبيت الحفظ وتحقق ذلك، وأنه ليس هناك واسطة وإنما تلقياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.
قوله: [ (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) ].
أما: إذا كان الإنسان قد اشتهر بشيء ثم ذكر فيما اشتهر به، فإن ذلك لا يؤثر مثل ما جاء عن المقداد بن الأسود ، فإن الأسود ليس أباه وإنما اشتهر بالنسبة إليه؛ لأنه تبناه لما كان التبني سائغاً، وإلا فهو المقداد بن عمرو ، وكذلك الشخص قد ينسب إلى أمه؛ لأنه اشتهر بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)
قوله: [ حدثنا النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد بن النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
زهير بن معاوية مر ذكره.
[ حدثنا عاصم الأحول ].
هو عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو عثمان ].
هو عبد الرحمن بن مُل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني سعد بن مالك ].
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وأبو بكرة هو نفيع بن الحارث ، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
جهود الصحابة في نشر السنة وضبطهم لها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: عاصم فقلت: يا أبا عثمان ! لقد شهد عندك رجلان أيما رجلين، فقال: أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله أو في الإسلام، يعني: سعد بن مالك رضي الله عنه، والآخر قدم من الطائف في بضعة وعشرين رجلاً على أقدامهم، فذكر فضلاً ].
يعني: هذا تعظيم لشأنهما وحسبك بهما، فهما رجلان عظيمان، فأكد هذا الكلام الذي قاله عاصم فقال: نعم. أما أحدهما فأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، وهو سعد بن أبي وقاص ، وأما الثاني فقد جاء مع بضعة وعشرين رجلاً من الطائف، وذكر شيئاً من فضائله، وهو أبو بكرة رضي الله تعالى عنه.
مكانة الحديث المسلسل بالتحديث عند رواة الحديث
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال النفيلي حيث حدث بهذا الحديث: والله إنه عندي أحلى من العسل، يعني: قوله: حدثنا وحدثني ].
يعني: هذا الحديث وهذا الإسناد هو عندي أحلى من العسل؛ لأنه مسلسل بالتحديث فهو بين حدثنا وحدثني، ففي أوله حدثنا مرتين وفي آخره حدثني مرتين.
وجه تفضيل الإمام أحمد لحديث أهل البصرة على حديث أهل الكوفة
[ قال أبو علي : وسمعت أبا داود يقول: سمعت أحمد يقول: ليس لحديث أهل الكوفة نور، قال: وما رأيت مثل أهل البصرة كانوا تعلموه من شعبة ].
أبو علي اللؤلؤي الذي روى كتاب السنن عن أبي داود يقول: سمعت أبا داود يخبر عن الإمام أحمد أنه قال: ليس لحديث أهل الكوفة نور، ويقصد بذلك الفقهاء الذين لم يكن عندهم العناية بالحديث مثل ما عند المحدثين، وإلا فإن أهل الكوفة فيهم كثير من المحدثين ممن يهتمون بالأسانيد والأخذ بالأحاديث الصحيحة.
وأهل البصرة من ناحية الحديث وإتقانه هم مثل المحدثين من أهل الكوفة، لكن كونهم تعلموه من شعبة بن الحجاج فاقوا أهل الكوفة؛ وذلك لأن شعبة بن الحجاج كان من المتمكنين في الحديث، وكان لا يروي عن المدلسين، وكان يعتني بالحديث وانتقائه.
و شعبة بن الحجاج كان من أهل واسط ثم صار من أهل البصرة.
فإذاً: وجوده في البصرة نفعهم.
شرح حديث (من تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين...)
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا معاوية -يعني ابن عمرو - حدثنا زائدة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) يعني: لا يقبل منه فريضة ولا نافلة، وهذا يدل على شدة الوعيد في هذا الأمر.
قوله: [ (من تولى قوماً بغير إذن مواليه) ]. هذا لا مفهوم له، فلو حصل الإذن منهم فإنه لا يجوز؛ لأن الولاء كما هو معلوم لحمة كلحمة النسب، لا يتصرف فيه كما لا يتصرف في النسب، فلا يباع ولا يوهب، وإنما هو شيء ثابت مستقر لأهله؛ كما أن النسب ثابت ومستقر لا يتصرف فيه، فكذلك لا يتصرف في الولاء.
فإذاً: قوله: [ (بغير إذن مواليه) ]. لا مفهوم له، وإنما هي صفة كاشفة لا مخصصة، مثل قوله عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ [المؤمنون:117]. فإنه لا يمكن أن يأتي إنسان يدعو مع الله آخر ويكون عنده برهان، فهي صفة كاشفة وليست مخصصة.
تراجم رجال إسناد حديث (من تولى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين...)
قوله:[ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب ].
حجاج بن أبي يعقوب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .
[ حدثنا معاوية يعني ابن عمرو ].
معاوية بن عمرو وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا زائدة ].
هو زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ].
قد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث (من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة)
قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا عمر بن عبد الواحد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني سعيد بن أبي سعيد ونحن ببيروت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة) ].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك وهو يجمع بين الحديثين السابقين، الحديث الذي فيه ذكر الانتساب لغير الأب، والحديث الذي فيه تولي غير الموالي، فهو جمع بينهما بقوله: (من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة).
تراجم رجال إسناد حديث (من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة)
قوله:[ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ].
سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي هو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا عمر بن عبد الواحد ].
عمر بن عبد الواحد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ].
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني سعيد بن أبي سعيد ].
سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه.
حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول حدثني أبو عثمان حدثني سعد بن مالك رضي الله عنه قال: (سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) قال: فلقيت أبا بكرة رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي من محمد صلى الله عليه وآله وسلم ].
أورد أبو داود : [ باباً في الرجل ينتمي إلى غير مواليه ] وهنا ذكر الرجل لا مفهوم له؛ فإن المرأة مثله، ولكن غالباً ما تأتي الأحكام وفيها ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الكلام معهم، وإلا فإن النساء مثل الرجال في الأحكام، إلا إذا جاء شيء يدل على تخصيص النساء أو تخصيص الرجال في الحكم، فعند ذلك يميز بين الرجال والنساء في الأحكام.
إذاً: ما جاءت به الشريعة وليس فيه التفريق؛ فإن الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء فيه، فكون العلماء يذكرون في بعض الأبواب: باب في الرجل يفعل كذا وكذا، أو يأتي في الحديث نفسه ذكر الرجل في أمر من الأمور التي لا يختص بها الرجال؛ فإن الأمر لا يخص الرجال وإنما هو للرجال والنساء، ولكن ذكر الرجال؛ لأن الغالب أن الكلام معهم، وقد جاء في الأحاديث شيء من هذا مثل حديث: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً) يعني: ومثله المرأة، وكذلك حديث: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) وكذلك المرأة؛ فإن الأمر لا يختص بالرجال وإنما ذكر الرجال لأن الغالب أن الكلام معهم.
فإذاً: قول أبي داود : [ باب في الرجل ينتمي إلى غير مواليه ] المقصود أن الغالب أن الكلام مع الرجال، وإلا فإن المرأة مثل الرجل لو انتمت إلى غير مواليها أو انتسبت إلى غير أبيها، فإن الحكم واحد ولا فرق بين الرجال والنساء، وأن هذا من الأحكام الذي تشترك فيها الرجال والنساء.
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) .
أولاً: فيه عقوق لوالده؛ لأنه ترك الانتساب إليه.
ثانياً: فيه كذب؛ وذلك لأن انتسابه إلى شخص وهو ليس بأبيه يوهم أنه أبوه.
فكل هذه الأمور موجودة في مثل هذا العمل، ولهذا جاء فيه الوعيد الدال على أنه من الكبائر حيث قال: (فإن الجنة عليه حرام) وهذا من أحاديث الوعيد، وأحاديث الوعيد كما هو معلوم لا يعني أن صاحبها يكون كافراً، ولكنه أتى بأمر خطير وأتى بمعصية كبيرة يستحق عليها دخول النار وعدم دخول الجنة من أول وهلة، وقد يتجاوز الله عز وجل عن العبد الذي حصل منه ارتكاب كبيرة فلا يدخل النار وإنما يدخل الجنة من أول وهلة، وقد يعذب في النار ويدخلها، ولكنه يخرج منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين ويكون من أهل الجنة.
فالحاصل أن هذا من الكبائر وأن فيه عقوقاً وفيه كذباً.
قوله: (سمعته أذناي) ] فيه تأكيد سماع الحديث.
قوله: [ (ووعاه قلبي) ] فيه ما يدل على قوة الضبط، وعلى صحة الأخذ، وأنه تلقى ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أذنيه سمعتاه وأن قلبه وعاه، بحيث إنه لم يأخذه بواسطة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أخذه مباشرة، وأنه أتقنه وضبطه ولم يفته منه شيء.
وهذا مثل الكلام الذي قاله أبو شريح الخزاعي يخاطب عمرو بن سعيد الأشدق كما ثبت في الصحيحين، لما كان يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير قال: (ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي ورأته عيناي وهو يتكلم به) ، كل هذه من الصيغ التي فيها التأكيد وفيها قوة الضبط للحديث الذي يحدث به.
وأبو بكرة أيضاً قال مثل ما قال سعد : (سمعته أذناي ووعاه قلبي) يعني: أن كلاً منهما أتى بهذه الصيغ التي فيها تثبيت السماع وتثبيت الحفظ وتحقق ذلك، وأنه ليس هناك واسطة وإنما تلقياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.
قوله: [ (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) ].
أما: إذا كان الإنسان قد اشتهر بشيء ثم ذكر فيما اشتهر به، فإن ذلك لا يؤثر مثل ما جاء عن المقداد بن الأسود ، فإن الأسود ليس أباه وإنما اشتهر بالنسبة إليه؛ لأنه تبناه لما كان التبني سائغاً، وإلا فهو المقداد بن عمرو ، وكذلك الشخص قد ينسب إلى أمه؛ لأنه اشتهر بذلك.
قوله: [ حدثنا النفيلي ].
هو عبد الله بن محمد بن النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا زهير ].
زهير بن معاوية مر ذكره.
[ حدثنا عاصم الأحول ].
هو عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني أبو عثمان ].
هو عبد الرحمن بن مُل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني سعد بن مالك ].
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وأبو بكرة هو نفيع بن الحارث ، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: عاصم فقلت: يا أبا عثمان ! لقد شهد عندك رجلان أيما رجلين، فقال: أما أحدهما فأول من رمى بسهم في سبيل الله أو في الإسلام، يعني: سعد بن مالك رضي الله عنه، والآخر قدم من الطائف في بضعة وعشرين رجلاً على أقدامهم، فذكر فضلاً ].
يعني: هذا تعظيم لشأنهما وحسبك بهما، فهما رجلان عظيمان، فأكد هذا الكلام الذي قاله عاصم فقال: نعم. أما أحدهما فأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، وهو سعد بن أبي وقاص ، وأما الثاني فقد جاء مع بضعة وعشرين رجلاً من الطائف، وذكر شيئاً من فضائله، وهو أبو بكرة رضي الله تعالى عنه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال النفيلي حيث حدث بهذا الحديث: والله إنه عندي أحلى من العسل، يعني: قوله: حدثنا وحدثني ].
يعني: هذا الحديث وهذا الإسناد هو عندي أحلى من العسل؛ لأنه مسلسل بالتحديث فهو بين حدثنا وحدثني، ففي أوله حدثنا مرتين وفي آخره حدثني مرتين.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2649 استماع |