خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/317"> الشيخ عبد المحسن العباد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/317?sub=65404"> شرح سنن أبي داود
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح سنن أبي داود [570]
الحلقة مفرغة
شرح حديث (أن رسول الله كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ...)
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول: إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرؤيا ].
والرؤيا: هي بعض ما يحصل في المنام، لأن الذي يحصل في المنام رؤيا وحلم، والحلم هو من تلاعب الشيطان بالإنسان، وهو الذي يقال له: أضغاث أحلام، والرؤيا هي التي تدل وتشير إلى شيء وتعبر، بخلاف الحلم فإنه لا يعبر.
والرؤيا التي يراها النائم في منامه منها ما يكون تأويلها مطابقاً للمرئي في المنام، ومنها ما يكون على ضرب المثال، وقد جاء في القرآن رؤيا الفتيين اللذين كانا مع يوسف عليه الصلاة والسلام في السجن، واللذين طلبا منه أن يعبر لهما الرؤيا، وكانت النتيجة أن أحدهما كانت رؤياه مطابقة لما حصل له في اليقظة، والثانية على صورة المثال، فالذي رأى في المنام أنه يعصر خمراً فقد كان في اليقظة يعصر خمراً، وتأويل رؤياه كانت مطابقة للمرئي، وأما الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، فإنما يقتل ويصلب وتأتي الطير وتأكل من رأسه بعد صلبه وقتله، وتأويل رؤيا هذا ليست مطابقة للمرئي، وإنما هي على صورة التمثيل.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة قال: [ (هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟) ] يعني: ليعبرها له، وإنما كان يقول ذلك صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الغداة؛ لأن الإنسان حديث عهد بالرؤيا، فيستطيع أن يأتي بها دون أن ينساها، أو يحصل عنده عدم إدراك لها، بخلاف ما إذا مضى عليها وقت فقد يحصل شيء من النسيان لشيء منها؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، لكن هذا لا يعني أنه كان دائماً وأبداً يسأل وأن هذا ديدنه، وأنه كلما سلم من صلاة فإنه كان يفعل ذلك، ولكن معنى هذا بيان أن هذا من شأنه وأن هذا من عادته، وإن لم يكن ذلك دائماً وأبداً.
ومن المعلوم أنه إذا قال للناس في بعض الأحيان: من رأى منكم رؤيا، فإن الإنسان عندما يرى رؤيا فإنه يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلب منه تأويلها وتفسيرها، ولكن لا يدل لفظ (كان) هنا على الدوام والاستمرار، وأنه لا يتركه أبداً.
قوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ] ليس معنى ذلك أن النبوة باقية، فالنبوة وصف له صلى الله عليه وسلم، والوحي انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، ولا ينزل وحي على أحد من الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الوحي الذي هو شرع الله والذي جاء به رسول الله والذي هو دين الإسلام قد اكتمل واستقر قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فليس هناك تشريع يأتي بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما كل ما يعول عليه الرجوع إلى ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ].
يعني: أن أمور الغيب لا تعرف إلا عن طريق النبوة، ولكن الرؤيا الصالحة هي من الأمور التي يمكن أن يعرف بها شيء مغيب مستقبل يراه المرء فتعبر رؤياه ثم تقع طبقاً لما رآه الرائي.
فإذاً: هذه الرؤيا ليست هي من النبوة ولا جزءاً من النبوة؛ لأن النبوة هي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي عنه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه ليس هناك أحكام شرعية تؤخذ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك أنه كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام يخبر عن أمور مستقبلة بالوحي، فإنه بقي من الأمور التي هي من هذا النوع ما يمكن أن يحصل عن طريق الرؤيا، يعني: أنه سيحصل شيء في المستقبل بسبب هذه الرؤيا، فهذا وجه قوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ] يعني: المبشرات أو هذه الأمور التي ترى في المنام، وليس معنى ذلك أن النبوة باقية وأن الوحي مستمر.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟...)
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زفر بن صعصعة ].
زفر بن صعصعة وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ عن أبيه ].
هو صعصعة بن مالك وهو ثقة، أخرج له أبو داود .
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
ذكر مناسبة إيراد المصنف للرؤيا في كتاب الأدب
عدم اختصاص الرؤيا بوقت معين من الليل
حقيقة تعبير الرؤيا والفرق بين الرؤيا والحلم
وتعبير الرؤى يبدو أنه استنتاج واستنباط؛ لأنه أحياناً يكون التعبير من الألفاظ نفسها، كما سيأتي أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام كأنه في دار عقبة بن رافع وأنه أتي برطب من رطب ابن طاب ، فأول ذلك أن الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن الدين قد طاب وكمل، فأخذ التعبير من نفس اللفظ، وليست القضية قضية إلهام يلهمه بعض الناس؛ لأن من الناس من يهتم بهذا الشيء فيحرص عليه، فيكون عنده بالمران والاستمرار والتأمل في الأمور، فهو شيء يحتاج إلى تأمل.
وهناك فرق بين الرؤيا والحلم، فالحلم غالباً يأتي الإنسان عندما يفكر في شيء ويهتم له فيأتي في منامه، هذا في الغالب جاء نتيجة لاهتمامه وانشغال باله، فهذا يكون من قبيل أضغاث الأحلام، وكذلك أيضاً الأشياء التي لا تعقل مثل قصة ذاك الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (رأيت أن رأسي انقطع وتدحرج أمامي، وصرت ألحقه، فقال: هذا من تلاعب الشيطان بك) .
شرح حديث (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ] وفسر هذا بتفسيرات منها: أن النبوة مدتها ثلاث وعشرون سنة، من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمره أربعون سنة وحتى أكمل ثلاثاً وستين سنة ثم توفاه الله عز وجل، وكان ثلاث عشرة سنة منها في مكة وعشر سنوات في المدينة.
وقد قيل في تفسير ذلك: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يبعث يرى الرؤيا الصالحة، فتأتي مثل فلق الصبح واضحة جلية، ورؤيا الأنبياء وحي، فقيل: إن ستة أشهر كان يرى فيها الرؤيا الصالحة، ومعلوم أن ستة أشهر هي نصف سنة، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من ثلاث وعشرين سنة؛ لأن ثلاثاً وعشرين سنة تعتبر ستة وأربعين نصف سنة، ومن المعلوم أن رؤيا المؤمن إنما تدل على ما تدل عليه مما يأتي عن طريق النبوة، فمن يرى رؤيا فهي من المبشرات وكانت رؤيا مؤمن، فإن فيها معرفة شيء من علم الغيب، ومن الأمور المستقبلة، ولكن عن طريق الرؤيا التي تشبه ما كان يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه، إلا أن رؤيا الأنبياء وحي، ورؤيا غير الأنبياء ليست بوحي.
وقد يرى المؤمن في منامه رؤيا ثم يقع هذا الذي رآه طبقاً لما رآه في المستقبل، فيكون معناه أنه حصل على معرفة شيء مما هو مغيب في المستقبل، وعرف عن طريق الرؤيا.
تراجم رجال إسناد حديث (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[ عن عبادة بن الصامت ]
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث من رواية صحابي عن صحابي.
حكم الاشتغال بتعبير الرؤيا
والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى، ولكن يمكن للإنسان أن يستنتج ويفهم مثل ما عمل ابن القيم رحمه الله في كتابه (إعلام الموقعين) فإنه عندما جاء عند ذكر التشبيه والقياس، ذكر أن الرؤى تعرف عن طريق التشبيه وعن طريق القياس، ثم ذكر جملة من الرؤى، بناء على إلحاق الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير، وذلك عند ما شرح كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ؛ لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري كتاباً في القضاء يتكون من صفحة واحدة، وشرحه ابن القيم في مجلد من إعلام الموقعين، وكان من جملة ما جاء فيه أنه أتى بالأمثال التي ضربت في القرآن من أوله إلى آخره، وتكلم على تلك الأمثال، ثم تكلم على الرؤى والاستنتاج، وأن تعبير الرؤى يمكن أن يعرف عن طريق ضرب الأمثال، وذكر كلاماً كثيراً حول تعبير الرؤى في ذلك الموضع.
لكن كون الإنسان يشتغل بالرؤى وتعبير الرؤى فهذا يحتاج إلى وقت ليبحث ويقرأ عن فلان وعن فلان؛ ولهذا نجد الآن بعض المعبرين الذين تصدوا للتعبير سوقهم رائجة، والناس يشغلونه أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين وفي مسائل الفقه والأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم، وما أكثر من يسأل عن الرؤيا، يتصل بالهاتف يريد أن يسأل عن رؤيا، أما أنا فليس عندي سوى جواب واحد: أني لا أعرف تعبير الرؤيا، فإذا سألني أحد وقال: أريد أن أقص عليك رؤيا، أقول له: لا تقص علي، فأنا لا أعرف تعبير الرؤى، ولا أريد أن أبحث ولا أريد أن أشغل نفسي بتعبير الرؤيا.
وأذكر أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى سمعته مرة من المرات في الإذاعة في سؤال في برنامج نور على الدرب، سألته امرأة فقالت: رأيت أن لي لسانين، قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا، لكن قد يكون عندك لغتان؛ لأن اللسان يطلق على اللغة، فهذا كتاب لسان العرب لـابن منظور يعني: لغة العرب، والله تعالى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] يعني: بلغة قومه، فاللسان يأتي بمعنى اللغة.
فهو رحمه الله قال: قد يكون عندك لغتان أو ستحصلين على لغتين، ولم يحدد، بل قال: أنا لا أعرف تعبير الرؤيا؛ لأنه لا يريد أن يشغل نفسه في هذه الأمور، لأنها تشغله عما هو أهم منها، مثل الذي ينشغل بالشعر ويهتم به ويصير هو ديدنه فإنه ينشغل عما هو أهم منه.
شرح حديث (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب...)
قال: أبو داود : (إذا اقترب الزمان) يعني: إذا اقترب الليل والنهار، يعني: يستويان ].
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب) ] وفسر أبو داود اقتراب الزمان أنه إذا استوى الليل والنهار، فعند استواء الليل والنهار تكون الرؤيا صادقة ولا تكون كاذبة.
وقيل: إن المقصود بقرب الزمان هو آخر الأمر وآخر الدنيا، يعني: ليس المقصود هو استواء الليل والنهار؛ لأن اقتراب الزمان وما يتعلق بالزمان يأتي مراداً به ما يستقبل، ومن العلماء من فسره بهذا التفسير الذي ذكره أبو داود .
قوله: [ (وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) ] الإنسان الذي تعود الصدق في حديثه في اليقظة يصدق في رؤياه وتكون رؤياه صادقة، ومن يكون بخلاف ذلك بأن يكون كاذباً أو من أكذب الناس فقد تكون رؤياه في المنام مثل حالته في اليقظة.
قوله: [ (والرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، والرؤيا تحزين من الشيطان) ].
يعني: تنقسم الرؤيا إلى ثلاثة أقسام: صالحة وهي بشرى من الله، وهي التي جاء في الحديث: (فإنه لا يبقى إلا المبشرات) وهي الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له، والرؤيا التي فيها تحزين من الشيطان وفيها شيء يسوء الإنسان، ورؤيا هي حديث نفس.
قوله: [ (ورؤيا ما يحدث بها المرء نفسه) ] يعني: يكون في اليقظة مشغولاً بأمر يفكر فيه، وهذا الذي يراه في منامه إما أن يكون ساراً , وإما أن يكون محزناً، وإما أن يكون شيئاً مطابقاً لحديث النفس الذي كان يحدث نفسه به في اليقظة.
قوله: [ (فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس) ].
يعني: الرؤيا التي فيها تحزين من الشيطان يقوم الإنسان بعدها ويشتغل بالصلاة ويشتغل بذكر الله عز وجل، حتى يلهي نفسه عن هذا الذي أفزعه وعن هذا الذي أحزنه.
قوله: [ (قال: وأحب القيد وأكره الغل) ].
يعني: وأحب رؤية القيد؛ لأنه ثبات في الدين، وأكره الغل؛ لأنه شيء مذموم، وهو الغل الذي يكون في العنق.
[ قال أبو داود : (إذا اقترب الزمان) يعني: إذا اقترب الليل والنهار، يعني: يستويان ].
يقول الخطابي : في اقتراب الزمان قولان:
أحدهما: أنه قرب زمان الساعة ودنو وقتها.
والقول الآخر: إن معنى اقتراب الزمان اعتداله واستواء الليل والنهار.
والمعبرون يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع، ووقت اعتدال الليل والنهار.
يعني: هذا مطابق لما جاء عن أبي داود ، أو لعلهم أخذوه من قول أبي داود .
قال المنذري : وقد قيل هو قرب الساعة، وقد قيل: لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب، ويحتمل أن يراد اقتراب الموت عند علو السن، فإن الإنسان في ذلك الوقت غالباً يميل إلى الخير والعمل به، ويقل تحديثه نفسه بغير ذلك.
وهذا ليس على إطلاقه، فيمكن أن يتقدم في السن وتحدثه نفسه بأمور كثيرة.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب ...)
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الوهاب ].
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ]
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد ].
هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]
أبو هريرة قد مر ذكره.
شرح حديث (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر...)
أورد أبو داود حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت) ] يعني: أنها إذا عبرت تقع، وليس معنى ذلك أنه لا بد أن تقع؛ لأنه كما جاء في حديث تعبير أبي بكر رضي الله عنه فإنه أول من عبرها، ومع ذلك ما وقعت طبقاً لما عبر به رضي الله عنه، وإن كان قد أصاب في بعض شيء وأخطأ في أشياء أخرى، لكن قد تعبر بشيء ليس بمحمود فيقع له، فعلى الإنسان ألا يشغل نفسه بتعبير رؤيا إذا كانت غير سليمة، كما سبق أن مر وقال: (ولا يحدث بها الناس) وأنها تقع، ولكن قد يكون الأمر أنها تعبر ولا تقع، وقد تصدق وقد تكذب؛ لأنه قال: (لم تكد رؤيا المؤمن أن تكذب)، يعني: أنها قد تكون رؤيا كاذبة غير صحيحة.
تراجم رجال إسناد حديث ( الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر ...)
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا يعلى بن عطاء ].
يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن وكيع بن عدس ].
وكيع بن عدس وهو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عمه أبي رزين ].
هو أبو رزين العقيلي رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
والحديث فيه هذا المقبول، ولكن الألباني ذكر له شاهداً بلفظ آخر قريب منه، فيكون عاضداً له.
شرح حديث (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ...)
أورد أبو داود حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) ].
الرؤيا: هي التي ليست أضغاث أحلام وإنما هي رؤيا قد تنفع وقد تضر.
والحلم من الشيطان: وهو ما كان أضغاث أحلام يتلاعب فيه الشيطان بالإنسان في نومه، مثلما يتلاعب به في يقظته، فالشيطان يتلاعب بالإنسان في اليقظة ويشغله، فيحصل له ذلك في المنام، وقد يحصل له شيء في المنام لا علاقة له باليقظة، ولكنه من الشيطان.
قوله: [ (فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من شرها؛ فإنها لا تضره) ] وهذا من الآداب التي تجعل الإنسان يتخلص من الفزع الذي أصابه بسبب ما رآه في النوم، فإنه يأتي بهذه الأسباب التي تجعل تلك الرؤيا لا تضره ولا تقع على وجه يضره.
تراجم رجال إسناد حديث (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان...)
هو عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[ سمعت زهيراً ].
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا قتادة ].
هو الحارث بن ربعي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا حديث مسلسل بصيغة سمعت؛ لأن كل واحد من الرواة أتى بها إلا أبا داود .
شرح حديث جابر (إذا رأى أحدكم ما يكرهه...)
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه وفيه ما في الذي قبله، مع زيادة التحول عن الجنب الذي كان عليه، وعلى هذا فقد ورد من الأمور التي يفعلها الإنسان ومن الآداب التي تفعل عند حصول ما يكره في منامه أنه يصلي، وأنه ينفث عن يساره ثلاثاً، ويتعوذ بالله من الشيطان، ويتحول عن الجنب الذي كان عليه عندما حصلت له هذه الرؤيا المحزنة.
فيتحول عن الجنب الذي كان عليه، ولو كان على الجنب الأيمن فإنه يتحول إلى الجنب الأيسر؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث جابر (إذا رأى أحدكم ما يكرهه...)
يزيد بن خالد الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[ وقتيبة بن سعيد ].
قتيبة بن سعيد مر ذكره.
[ أخبرنا الليث ].
هو الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزبير ].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة...)
أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) ] هذا يحمل على أمرين: إن كان الشخص في زمانه صلى الله عليه وسلم ولم يكن قد رآه ثم رآه في المنام، فإنه قد ييسر الله له أن يراه، و
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرؤيا:
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول: إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرؤيا ].
والرؤيا: هي بعض ما يحصل في المنام، لأن الذي يحصل في المنام رؤيا وحلم، والحلم هو من تلاعب الشيطان بالإنسان، وهو الذي يقال له: أضغاث أحلام، والرؤيا هي التي تدل وتشير إلى شيء وتعبر، بخلاف الحلم فإنه لا يعبر.
والرؤيا التي يراها النائم في منامه منها ما يكون تأويلها مطابقاً للمرئي في المنام، ومنها ما يكون على ضرب المثال، وقد جاء في القرآن رؤيا الفتيين اللذين كانا مع يوسف عليه الصلاة والسلام في السجن، واللذين طلبا منه أن يعبر لهما الرؤيا، وكانت النتيجة أن أحدهما كانت رؤياه مطابقة لما حصل له في اليقظة، والثانية على صورة المثال، فالذي رأى في المنام أنه يعصر خمراً فقد كان في اليقظة يعصر خمراً، وتأويل رؤياه كانت مطابقة للمرئي، وأما الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، فإنما يقتل ويصلب وتأتي الطير وتأكل من رأسه بعد صلبه وقتله، وتأويل رؤيا هذا ليست مطابقة للمرئي، وإنما هي على صورة التمثيل.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة قال: [ (هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟) ] يعني: ليعبرها له، وإنما كان يقول ذلك صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الغداة؛ لأن الإنسان حديث عهد بالرؤيا، فيستطيع أن يأتي بها دون أن ينساها، أو يحصل عنده عدم إدراك لها، بخلاف ما إذا مضى عليها وقت فقد يحصل شيء من النسيان لشيء منها؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، لكن هذا لا يعني أنه كان دائماً وأبداً يسأل وأن هذا ديدنه، وأنه كلما سلم من صلاة فإنه كان يفعل ذلك، ولكن معنى هذا بيان أن هذا من شأنه وأن هذا من عادته، وإن لم يكن ذلك دائماً وأبداً.
ومن المعلوم أنه إذا قال للناس في بعض الأحيان: من رأى منكم رؤيا، فإن الإنسان عندما يرى رؤيا فإنه يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلب منه تأويلها وتفسيرها، ولكن لا يدل لفظ (كان) هنا على الدوام والاستمرار، وأنه لا يتركه أبداً.
قوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ] ليس معنى ذلك أن النبوة باقية، فالنبوة وصف له صلى الله عليه وسلم، والوحي انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، ولا ينزل وحي على أحد من الناس بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الوحي الذي هو شرع الله والذي جاء به رسول الله والذي هو دين الإسلام قد اكتمل واستقر قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فليس هناك تشريع يأتي بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما كل ما يعول عليه الرجوع إلى ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ].
يعني: أن أمور الغيب لا تعرف إلا عن طريق النبوة، ولكن الرؤيا الصالحة هي من الأمور التي يمكن أن يعرف بها شيء مغيب مستقبل يراه المرء فتعبر رؤياه ثم تقع طبقاً لما رآه الرائي.
فإذاً: هذه الرؤيا ليست هي من النبوة ولا جزءاً من النبوة؛ لأن النبوة هي ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقي عنه قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه ليس هناك أحكام شرعية تؤخذ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود من ذلك أنه كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام يخبر عن أمور مستقبلة بالوحي، فإنه بقي من الأمور التي هي من هذا النوع ما يمكن أن يحصل عن طريق الرؤيا، يعني: أنه سيحصل شيء في المستقبل بسبب هذه الرؤيا، فهذا وجه قوله: [ (إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) ] يعني: المبشرات أو هذه الأمور التي ترى في المنام، وليس معنى ذلك أن النبوة باقية وأن الوحي مستمر.