شرح سنن أبي داود [560]


الحلقة مفرغة

شرح حديث الربيع بنت معوذ (جاء رسول الله فدخل علي صبيحة بُني بي ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن الغناء.

حدثنا مسدد حدثنا بشر عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي صبيحة بُني بي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إلى أن قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال: دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في النهي عن الغناء، والأحاديث التي أوردها ليس فيها نهي، وإنما فيها ذكر الغناء فقط، وليس فيها ذكر تحريمه أو النهي عنه، وسيأتي في الباب الذي بعده ما يدل على كراهية الغناء كما تدل عليه هذه الترجمة، وعلى هذا فإن ذكر النهي هنا غير مستقيم، ولعل الترجمة ليس فيها ذكر النهي؛ لأن الحديثين اللذين أوردهما لا نهي فيهما، وإنما فيهما إخبار فقط عن حصول الغناء.

وقد أورد أبو داود حديث الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها صبيحة بُني بها وعندها جوارٍ يضربن بالدف ويغنين ويندبن ما حصل لآبائها يوم بدر، وفيه قولهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهن هذه الكلمة، وأقرهن على ما حصل منهن، وهذا يدل على أن الضرب بالدف في الأعراس من النساء سائغ ومشروع، وقد جاء ذلك في أحاديث عديدة ومنها هذا الحديث.

وفي هذا الحديث أنه إذا حصل غناء فيه مثل هذا الكلام الذي ليس فيه محذور وهو خاص بالنساء ولا يتعداهن إلى الرجال؛ فإنه لا بأس به، لكن لا يكون على طريقة الإطراب، وإنما على طريقة ذكر شيء من النشيد الذي فيه معانٍ جميلة، ولكن يكون خاصاً بالنساء، والنبي صلى الله عليه وسلم أنكر المنكر وأقر ما سوى ذلك، والمنكر هو قولهن أو قول إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ لأن هذا مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34].

وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب على الإطلاق؛ لأن الغيب على الإطلاق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله عز وجل أن يقول: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50]، وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، فهذا يبين أن علم الغيب على الإطلاق من خصائص الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وقد أطلعه على كثير من الغيوب، ولكنه لم يطلعه على كل غيب.

تراجم رجال إسناد حديث الربيع بنت معوذ (جاء رسول الله فدخل علي صبيحة بُني بي ... )

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا بشر ].

بشر بن مفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خالد بن ذكوان ].

خالد بن ذكوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ].

الربيع بنت معوذ رضي الله عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

حكم ضرب الرجال للدف وسماعه

ولا يجوز سماع هذا الغناء من قبل الرجال، والرجال لا يضربون بالدفوف، وإنما يضرب بالدفوف النساء، وأيضاً لا يجوز أن تسمع النساء الرجال؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفتنة، وإنما يكون بينهن وخاصاً بهن فلا يتعداهن إلى غيرهن من الرجال.

حكم ضرب المرأة الدف لزوجها

ولا يجوز للزوجة أن تضرب الدف لزوجها في غير العرس.

حكم ضرب النساء للدف عند الرجال

والجواري اللاتي كن موجودات عنده صلى الله عليه وسلم كن جواري صغيرات، ومعلوم أن النساء لا يحضرن عند الرجال ولا يضربن الدف بين الرجال، وإنما يكون النساء وحدهن ويضربن وحدهن، فلعلهن كن صغيرات.

حكم القول بأن الرسول يعلم الغيب

وقولهن: (وفينا نبي يعلم ما في غد) قول لا يجوز، ولا شك أن الكفر الذي فيه خفاء والذي يكون فيه اشتباه لابد فيه من إقامة الحجة، ولكن ليس كل كفر فيه اشتباه؛ لأن من الكفر ما لا يكون فيه اشتباه مثل سب الله عز وجل، فهذا لا يقال: فيه اشتباه، ولا يقال: يحتاج إلى أن تقام على من فعله الحجة، وأما الأمور التي فيها خفاء فتقام على صاحبها الحجة.

ثم أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم حصل له في الجملة اطلاع على أمور مستقبلة، وقد جاءت أحاديث كثيرة عن الرسول فيها ذكر أمور علمها بتعليم الله عز وجل إياه، لكن إطلاق القول بأن كل ما يكون في المستقبل يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم هو الخطأ والغلط، وإلا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم علم كثيراً من الغيوب في المستقبل، ومن ذلك ما أخبر به الرسول عن أشراط الساعة، وعما يجري في المستقبل من الفتن، وكذلك ما كان قريباً من زمانه عليه الصلاة والسلام من الأمور التي أخبر بها مثل قوله: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، وكذلك قوله عن الحسن : (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) فكل هذا إخبار عن أمر مستقبل أطلعه الله تعالى عليه، لكن المنكر هو القول بأنه يعلم الغيب في المستقبل على الإطلاق.

دخول الرسول صلى الله عليه وسلم على غير محارمه

والرسول صلى الله عليه وسلم جاء في هذا الحديث أنه دخل على الربيع بنت معوذ ، ولكن لا يعني ذلك أنه كان وحده معها، بل يجوز أن يكون زوجها موجوداً، ولكن حتى لو لم يحصل وجود زوجها فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه شيء لا يلحق به غيره ولا يقاس غيره عليه.

حكم تلحين ما يسمى بالأناشيد الإسلامية

اشتغل كثير من الشباب المسلم اليوم بما يسمى بالأناشيد الإسلامية، ويدعي بعضهم أنها وسيلة من وسائل الدعوة، وغالباً ما يكون هذا من أجل محبة الأصوات ومحبة النشيد أو الطريقة التي يكون بها النشيد، وهذا غير لائق، وإنما الشعر وإلقاؤه يكون بالطريقة التي كانت معروفة في زمنه صلى الله عليه وسلم، مثلما كان حسان يلقي، أما أن يجتمع أناس ويأتون بأصوات يتغنون بها، أو تكون عند بعض الناس هي المقصودة وليس المقصود المعنى فهذا مما لا ينبغي، ولهذا فإن هذه الأناشيد أو هذه الطريقة لم تكسب الدعوة الإسلامية شيئاً، بل كانت نتيجتها أن افتتن بمثل سماع هذه الأصوات التي قد تطرب أو قد تعجب بعض الناس، وأما كون الناس يستفيدون منها ويترتب عليها فائدة فهذا ما لم يكن.

شرح حديث (لما قدم رسول الله المدينة لعبت الحبشة لقدومه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه فرحاً بذلك، لعبوا بحرابهم) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه وفيه: (أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة فرحاً بقدومه، لعبوا بحرابهم) وهذا ليس فيه ذكر غناء، إلا أن يكون جاء في بعض طرقه شيء من ذلك، وإلا فإن الغناء لا ذكر له في هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث (لما قدم رسول الله المدينة لعبت الحبشة لقدومه ...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ثابت ].

هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن الغناء.

حدثنا مسدد حدثنا بشر عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي صبيحة بُني بي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إلى أن قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال: دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في النهي عن الغناء، والأحاديث التي أوردها ليس فيها نهي، وإنما فيها ذكر الغناء فقط، وليس فيها ذكر تحريمه أو النهي عنه، وسيأتي في الباب الذي بعده ما يدل على كراهية الغناء كما تدل عليه هذه الترجمة، وعلى هذا فإن ذكر النهي هنا غير مستقيم، ولعل الترجمة ليس فيها ذكر النهي؛ لأن الحديثين اللذين أوردهما لا نهي فيهما، وإنما فيهما إخبار فقط عن حصول الغناء.

وقد أورد أبو داود حديث الربيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها صبيحة بُني بها وعندها جوارٍ يضربن بالدف ويغنين ويندبن ما حصل لآبائها يوم بدر، وفيه قولهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهن هذه الكلمة، وأقرهن على ما حصل منهن، وهذا يدل على أن الضرب بالدف في الأعراس من النساء سائغ ومشروع، وقد جاء ذلك في أحاديث عديدة ومنها هذا الحديث.

وفي هذا الحديث أنه إذا حصل غناء فيه مثل هذا الكلام الذي ليس فيه محذور وهو خاص بالنساء ولا يتعداهن إلى الرجال؛ فإنه لا بأس به، لكن لا يكون على طريقة الإطراب، وإنما على طريقة ذكر شيء من النشيد الذي فيه معانٍ جميلة، ولكن يكون خاصاً بالنساء، والنبي صلى الله عليه وسلم أنكر المنكر وأقر ما سوى ذلك، والمنكر هو قولهن أو قول إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ لأن هذا مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34].

وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب على الإطلاق؛ لأن الغيب على الإطلاق لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أمره الله عز وجل أن يقول: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50]، وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188]، فهذا يبين أن علم الغيب على الإطلاق من خصائص الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، وقد أطلعه على كثير من الغيوب، ولكنه لم يطلعه على كل غيب.

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا بشر ].

بشر بن مفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خالد بن ذكوان ].

خالد بن ذكوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ].

الربيع بنت معوذ رضي الله عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

ولا يجوز سماع هذا الغناء من قبل الرجال، والرجال لا يضربون بالدفوف، وإنما يضرب بالدفوف النساء، وأيضاً لا يجوز أن تسمع النساء الرجال؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفتنة، وإنما يكون بينهن وخاصاً بهن فلا يتعداهن إلى غيرهن من الرجال.

ولا يجوز للزوجة أن تضرب الدف لزوجها في غير العرس.