شرح سنن أبي داود [546]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حسن الخلق.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني- عن عمرو عن المطلب عن عائشة رحمها الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في حسن الخلق ].

وكتاب الأدب الذي نحن في صدد الكلام فيه كله يتعلق بالأخلاق والآداب، سواء ما كان منها مرغب فيه، أو ما كان منها مرهب ومحذر منه، وهنا حسن الخلق لفظ عام يشمل الأخلاق الكريمة والمعاملة الطيبة للناس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سأله بعض الصحابة أن يوصيه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، ومعلوم أن الصائم القائم عنده تعب ومشقة في كونه يقوم الليل ويصلي الصلوات التي يتطوع فيها لله عز وجل، وكذلك يصوم النهار، فإن ذلك فيه مشقة عليه، ومعلوم أن الأجر حاصل للصائم القائم؛ لأنه يجاهد نفسه في القيام بهذه الأمور التي فيها مشقة وتعب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، والطريق إلى الجنة لا بد فيه من تعب ونصب، ولا بد فيه من مشقة، فصاحب حسن الخلق يكون في درجة هؤلاء، وذلك أن أولئك يجاهدون أنفسهم، وهذا يجاهد نفسه في معاملة الناس المعاملة الطيبة، فيخالقهم بالأخلاق الحسنة، فكونه يروض نفسه ويجاهدها على ذلك فإنه يحصل بذلك درجة الصائم القائم الذي أتعب نفسه وفعل تلك الأمور التي فيها مشقة على النفس، فيكون الصائم القائم بتعبه ونصبه ومشقته له أجر عظيم، وكذلك الذي يجاهد نفسه في مخالقة الناس بخلق حسن، ويعاملهم معاملة طيبة، فإنه يحصل من الأجر مثل أجر الصائم القائم.

والحديث فيه ترغيب في حسن الخلق، وبيان فضله، وعظيم أجره عند الله عز وجل.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يعقوب يعني: الإسكندراني ].

هو يعقوب بن عبد الر حمن الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن عمرو ].

هو عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المطلب ].

هو المطلب بن عبد الله بن حنطب ، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن عائشة ].

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن كثير أخبرنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق).

قال أبو الوليد قال: سمعت عطاء الكيخاراني .

قال أبو داود : وهو عطاء بن يعقوب وهو خال إبراهيم بن نافع، يقال: كيخاراني وكوخاراني ].

أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)، وهذا فيه إثبات الميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وهو يدل على عظيم شأن حسن الخلق وثوابه عند الله عز وجل، وأنه من أثقل ما يكون في الميزان عندما توزن الأعمال؛ لأنه من أجل وأفضل الأعمال.

تراجم رجال إسناد حديث (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو هشام بن عبد الملك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحفص بن عمر ].

هو حفص بن عمر النمري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر التحويل بعد ذكر الصيغة، وذلك أن الأولين عبرا بحدثنا، وأما الأخير فعبر بأخبرنا، والأخير هو محمد بن كثير، وبعض العلماء يقولون: إن (حدثنا) لما سمع من لفظ الشيخ، وهي مثل سمعت، وأما (أخبرنا) فهي لما قرئ على الشيخ وهو يسمع، ومن العلماء من لا يفرق بينهما، ويأتي بحدثنا وأخبرنا فيما سمع من الشيخ وفيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، فإن هذا كله يقال له: تحديث ويقال له: إخبار، ولكن أبا داود رحمه الله ذكر التحويل بعد ذكر الصيغة لبيان الفرق بين الصيغة التي أتى بها الأولان والصيغة التي أتى بها الشيخ الثالث، وهذا يدل على العناية والدقة في المحافظة على الألفاظ، والإتيان بصيغة الراوي كما جاءت.

[ أخبرنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن القاسم بن أبي بزة ].

القاسم بن أبي بزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء الكيخاراني ].

عطاء الكيخاراني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والترمذي .

[ عن أم الدرداء ].

أم الدرداء هي هجيمة ، وهي تابعية ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، أما أم الدرداء الصحابية فاسمها خيرة ، وليس لها رواية، وإنما الرواية هي لـأم الدرداء الصغرى التي هي تابعية، واسمها هجيمة ، وهي ثقة أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الدرداء ].

هو عويمر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو الوليد قال: سمعت عطاء الكيخاراني ].

يعني: أبو الوليد في روايته جاء عن القاسم بن أبي بزة : سمعت في روايته سمعت عطاء الكخاراني ، وأما رواية حفص بن عمر فإنه قال: عن القاسم عن عطاء .

[ قال أبو داود : وهو عطاء بن يعقوب ].

وقيل: هو عطاء بن نافع ، وعطاء بن نافع هو الذي له رواية عند أبي داود ، وأما عطاء بن يعقوب فما رمز له في التقريب إلا لـمسلم ، وليس له رواية عند أبي داود .

[ وهو خال إبراهيم بن نافع ، يقال: كيخاراني وكوخاراني ].

يعني أن هذه النسبة تقال بالياء كيخاراني وبالواو كوخاراني ، فإذا جاء الكيخاراني أو الكوخاراني فهو شيء واحد.

ثقل حسن الخلق في الميزان ومقارنته بثقل الإيمان

وهنا ترد مسألة وهي: أليس التوحيد هو أثقل في الميزان من حسن الخلق؟

فنقول: معلوم أن الإيمان هو الأصل والأساس وكل شيء تابع له، وقد جاء في بعض الأحاديث: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان..) وكذلك حديث: (والحمد لله تملأ الميزان)، فالتوحيد لا شك أنه هو الأساس، وهو الذي به بتميز المسلم عن الكافر، وبه يصير المرء من أهل الإيمان لا من أهل الكفر، ولكن فيما يتعلق بالأمور التي يتعامل الناس بها والتي في غير التوحيد، والتي هي من الأعمال الزائدة عن الأصل، فحسن الخلق من أثقل ما يكون في الميزان فيما يتعلق بهذه الأعمال.

شرح حديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر قال: حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي قال: حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ].

أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، وفيه بيان فضيلة حسن الخلق، وأن تحسين الإنسان لخلقه يوصله إلى الدرجات العالية في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أصناف من الناس: فمنهم من يكون في ربض في الجنة وفي أدناها، ومنهم من يكون في وسطها، ومنهم من يكون في أعلاها، ومعلوم أنه كما أن النار دركات بعضها تحت بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الذي يحسن خلقه يكون له بيت، والبيت هنا هو القصر في الجنة، وقوله: (أنا زعيم) يعني: أنا ضامن وكفيل وملتزم بأن من فعل كذا فله كذا، وهو نظير قول الله عز وجل: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] يعني: أنا ملتزم بحمل البعير لمن أتى بصواع الملك، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ يعني: بهذا الذي وعدت به، وهذا الجعل الذي جُعل فأنا ملتزم به، والمعنى هنا: أنا كفيل وضامن لمن فعل هذا الفعل أن يكون له بيت في الجنة.

قوله: [ (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس.

قوله: [ (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) ].

فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة.

قوله: [ (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ].

وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته.

تراجم رجال إسناد حديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ].

محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي ].

أبو كعب أيوب بن محمد السعدي صدوق، أخرج له أبو داود .

[ حدثني سليمان بن حبيب المحاربي ].

سليمان بن حبيب المحاربي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود وابن ماجة .

[ عن أبي أمامة ].

أبو أمامة هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث من الرباعيات، وهي من أعلى الأسانيد عند أبي داود .

الرد على أهل البدع ليس من الجدال المنهي عنه

إن الرد على المبتدعة ليس من الجدال المنهي عنه، بل هو من الواجب الذي لا بد منه، فالباطل إذا ظهر لا بد أن يبين بطلانه؛ حتى يندحر، وحتى يظهر الحق لأهل الحق، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18].

كما أن منطوق الحديث ليس فيه ما يدل على جواز الكذب حال المزاح، وإنما يبين أنه حتى في هذه الأمور التي يتساهل الناس فيها فإن الشرع لا يتساهل فيها.

شرح حديث: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري)

قال: والجواظ: الغليظ الفظ ].

أورد أبو داود حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري).

والجواظ: هو الذي عنده فظاظة وعنده غلظة، وعنده قسوة وجفاء، والجعظري، فسر بعدة تفسيرات، منها: أنه الذي ينتفخ بما ليس فيه، أي: كالمتشبع بما لم يعط، والذي يظهر بالشيء وهو ليس من أهله، ويكون فيه شيء من التكبر أو التعالي دون أن يكون عنده سبب ذلك، وهو مثل: العائل المستكبر الذي ما عنده الأسباب التي تجعله يستكبر، وكونه يستكبر مع كونه عائلاً هذا يدل على منتهى السوء، وإن كان الاستكبار قبيح ممن عنده الأسباب وممن ليست عنده الأسباب، ولكن حصوله ممن ليس عنده شيء يدل على منتهى سوئه.

قوله: [ قال: والجواظ: الغليظ الفظ ].

قيل: هو الضخم والذي فيه غلظة وفظاظة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري)

قوله: [ حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة ].

أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة هما أخوان، وهما ثقتان، وكل منهما أخرج له الشيخان، وكل منهما روى له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، فـالترمذي ما خرج لهما، والنسائي خرج لـأبي بكر في السنن، وخرج لأخيه عثمان بن أبي شيبة في عمل اليوم والليلة، وقد جمع بينهما هنا في هذا الإسناد، وقد يظن أن التقديم معتبر، وأن الأول هو الأكبر، بينما العكس هو الصحيح فـعثمان هو الأكبر، وهذا الترتيب ليس له اعتبار؛ لأنه سيأتي بعد قليل حديث رواه عنهما وقدم عثمان على أبي بكر ، فإذاً التقديم والتأخير ليس له اعتبار عند أبي داود فيما يتعلق بهذين الأخوين.

و أبو بكر هو ممن أكثر له مسلم ، بل لم يرو مسلم في صحيحه أكثر من روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة ؛ ولهذا قل أن تمر بصفحة من صفحات صحيح مسلم ، إلا وفيها: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وقد ذكر أن الأحاديث التي رواها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ألف وخمسمائة حديث وزيادة، فهو أكثر من روى مسلم عنه من شيوخه.

اختصاص كتابي الزهرة والخلاصة بذكر عدد الأحاديث المروية للصحابة ولشيوخ البخاري ومسلم

بالنسبة لعدد الأحاديث التي عند البخاري ومسلم فهناك كتاب ينقل عنه الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) إذا أراد ذكر رجل من شيوخ البخاري ومسلم وعدد ما رويا عنه من أحاديث، فيقول: قال في (الزهرة): أخرج له البخاري كذا، وأخرج له مسلم كذا، يعني عدد الأحاديث له عند البخاري كذا، وعدد الأحاديث له عند مسلم كذا، فهذا من المظنة التي يعرف بها عدد أحاديث الرجل عند البخاري وعند مسلم ، وهذا خاص بشيوخ الشيخين البخاري ومسلم ، وأما فيما يتعلق بالصحابة فالأحاديث التي رواها كل صحابي في الكتب الستة يذكرها صاحب (خلاصة تذهيب الكمال) فهو عندما يترجم للصحابي يقول في آخر ترجمته: له كذا حديث، يعني: في الكتب الستة، اتفقا -أي: البخاري ومسلم - على كذا، وانفرد البخاري بكذا، وانفرد مسلم بكذا.

وكتاب (الزهرة) لا يذكر عدد أحاديث كل شيوخ الشيخين، لكن ممن ذكر عدد أحاديثهم عند الإمام البخاري وعند الإمام مسلم الراوي الذي سبق وذكرناه وهو أبو بكر بن أبي شيبة .

تابع تراجم رجال إسناد حديث: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري)

قوله: [ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان غير منسوب فالمراد به الثوري .

[ عن معبد بن خالد ].

معبد بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حارثة بن وهب ].

حارثة بن وهب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

حكم تفسير وتأويل أحاديث الوعيد

قوله: [ (لا يدخل الجنة) ].

من أهل العلم من قال: إن أحاديث الوعيد تبقى على هيبتها وعلى رهبتها؛ ليحصل الانزجار بها، والأصل ألا يشتغل بتأويلها وتفسيرها، ومن أهل العلم من فسرها حتى لا يستدل بها الخوارج والمعتزلة على أن أصحاب الكبائر لا يدخلون الجنة، وأنهم من أهل النار، ففسرها بعض أهل العلم: أنهم لا يدخلونها في أول من دخلها، وليس معنى ذلك أنهم لا يدخلونها أبداً؛ لأن الذين لا يدخلون أبداً هم الكفار، وأما غير الكفار فلا بد من دخولهم الجنة، ومن دخل النار من أهل المعاصي مهما بلغت تلك المعاصي وهي دون الشرك فإنه لا بد من خروجهم من النار وإدخالهم الجنة.

إذاً: من العلماء من رأى ألا يتعرض لها بتفسير، وأن تبقى على رهبتها وهيبتها، ومنهم من قال: إنها تفسر بأن المقصود أنهم لا يدخلونها في أول الأمر مع من يدخلها من أول وهلة، فيبقون في النار فترة يعذبون فيها، ثم يخرجون منها ويدخلون الجنة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حسن الخلق.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني- عن عمرو عن المطلب عن عائشة رحمها الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في حسن الخلق ].

وكتاب الأدب الذي نحن في صدد الكلام فيه كله يتعلق بالأخلاق والآداب، سواء ما كان منها مرغب فيه، أو ما كان منها مرهب ومحذر منه، وهنا حسن الخلق لفظ عام يشمل الأخلاق الكريمة والمعاملة الطيبة للناس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سأله بعض الصحابة أن يوصيه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، ومعلوم أن الصائم القائم عنده تعب ومشقة في كونه يقوم الليل ويصلي الصلوات التي يتطوع فيها لله عز وجل، وكذلك يصوم النهار، فإن ذلك فيه مشقة عليه، ومعلوم أن الأجر حاصل للصائم القائم؛ لأنه يجاهد نفسه في القيام بهذه الأمور التي فيها مشقة وتعب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، والطريق إلى الجنة لا بد فيه من تعب ونصب، ولا بد فيه من مشقة، فصاحب حسن الخلق يكون في درجة هؤلاء، وذلك أن أولئك يجاهدون أنفسهم، وهذا يجاهد نفسه في معاملة الناس المعاملة الطيبة، فيخالقهم بالأخلاق الحسنة، فكونه يروض نفسه ويجاهدها على ذلك فإنه يحصل بذلك درجة الصائم القائم الذي أتعب نفسه وفعل تلك الأمور التي فيها مشقة على النفس، فيكون الصائم القائم بتعبه ونصبه ومشقته له أجر عظيم، وكذلك الذي يجاهد نفسه في مخالقة الناس بخلق حسن، ويعاملهم معاملة طيبة، فإنه يحصل من الأجر مثل أجر الصائم القائم.

والحديث فيه ترغيب في حسن الخلق، وبيان فضله، وعظيم أجره عند الله عز وجل.

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يعقوب يعني: الإسكندراني ].

هو يعقوب بن عبد الر حمن الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن عمرو ].

هو عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن المطلب ].

هو المطلب بن عبد الله بن حنطب ، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن عائشة ].

أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2891 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2837 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2732 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2704 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2689 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2656 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع