شرح سنن أبي داود [535]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (يطوي الله السماوات يوم القيامة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرد على الجهمية.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة قال: قال سالم : أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن -قال ابن العلاء : بيده الأخرى- ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟).

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرد على الجهمية ، وقد سبق قبل ذلك باب في الجهمية، والموضوع واحد، وقد جاء هذا الباب في نسخة صحيحة كما ذكر صاحب عون المعبود، وفي غالب النسخ لا يوجد هذا الباب، ولكن إذا حذف هذا الباب على ما هو في أكثر النسخ، فإن الأحاديث التي فيه لا تناسب باب الرؤية، بل هي تتعلق بالرد على الجهمية ، قال: ولعل هذا من عمل النساخ، يعني التقديم والتأخير، وإلا فإن الترجمة مكررة مع السابقة، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بـالجهمية وبيان فساد مذهبهم، وكان أغلب ما جاء في ذلك من النصوص يتعلق بعلو الله عز وجل وفوقيته واستوائه على عرشه؛ فإن الجهمية ينكرون صفات الله عز وجل ويؤولونها، وهذان الحديثان اللذان أوردهما المصنف في هذا الباب يتعلقان بموضوع صفات الله عز وجل، وهما مثل ما تقدم في الباب الذي سبق، وهو باب في الجهمية .

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى).

الطي ضد البسط، وفي قوله: (ثم يأخذهن بيده اليمنى) إثبات اليد لله عز وجل، وإثبات أن لله يدين، فهنا ذكر اليد اليمنى، ثم قال: (بيده الأخرى).

وقد جاء في القرآن الكريم أن لله يدين، قال تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، فلله عز وجل يدان حقيقيتان، وهما من صفاته الذاتية القائمة بذاته سبحانه وتعالى.

والواجب هو الإيمان والتصديق بسائر الصفات على طريقة واحدة، وهي أن يثبت لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تشبيه ومن غير تعطيل، بل هو إثبات مع التنزيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر في قوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، ونفى المشابهة في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، والله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه، وصفاته ثابتة له كما يليق به سبحانه وتعالى، ولا يجوز نفيها عنه، ولا تحريفها ولا تعطيلها.

فالحديث فيه إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى، والجهمية ينكرون ذلك، ويؤولون كل الصفات الثابتة.

قوله: [ (ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) ] في ذلك اليوم لا يكون هناك تجبر ولا تكبر، لأن التجبر والتكبر إنما يكونان في الدنيا، أما في ذلك اليوم فيكون الجميع خاضعين لله عز وجل، وقد سبق أن أشرت قريباً إلى أن قول الله عز وجل: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فيه نص على ملكه يوم الدين مع أنه مالك كل شيء، لأن ذلك اليوم هو اليوم الذي يخضع فيه الجميع لرب العالمين، فلا يوجد تكبر وتجبر، ولهذا قال هنا: (أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) أي الذين كانوا كذلك في الدنيا.

قوله: [ (ثم يطوي الأرضين، ويأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) الله هو المالك لكل شيء، والسماوات والأرض كلها ملك الله، والدنيا والآخرة كلها ملك الله، والله تعالى هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو المتصرف في كل شيء سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (يطوي الله السماوات يوم القيامة)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء ].

عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، ومحمد بن العلاء هو أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة ].

أبو أسامة مر ذكره، وعمر بن حمزة ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ قال: قال سالم ].

سالم هو ابن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عبد الله بن عمر ].

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والحديث فيه ضعف، ولكن قد جاء من طريق أخرى، وهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه في القرآن أيضاً.

شرح حديث (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النزول، وأحاديث النزول متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تدل على علو الله عز وجل، وتدل على أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وأنه ينادي فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟

والمقصود من إيراد الحديث هنا هو ذكر النزول، وهو من صفات الله عز وجل الفعلية؛ لأنه متعلق بالمشيئة والإرادة، أما الصفات الذاتية فلا تتعلق بمشيئة ولا إرادة.

والنزول كغيره من الصفات يقال فيها: كل ما هو ثابت لله في الكتاب والسنة يجب إثباته على الوجه اللائق بكماله وجلاله، ولا يسأل عن كيفيته، لأن الذات لا تعرف كيفيتها، فلا يعرف كيفية الصفات التي تتصف بها، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أننا نثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات، ولا نسأل عن كيفيتها، فكذلك نثبت له الصفات على الوجه اللائق بكماله وجلاله دون أن نسأل عن الكيفية ودون أن يحصل تشبيه، ودون أن يحصل تنزيه يؤدي إلى التعطيل، وإنما هو تنزيه مع الإثبات الذي يكون مطابقاً لما جاء في قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

وإذا كانت الذات لا يعلم كنهها، فلا يعلم كيفية نزولها، والله عز وجل فوق العرش، وينزل كما يليق به، ومعلوم أن المخلوقات لا تحوي الله عز وجل، وأنه لا يكون حالاً في المخلوقات، ولا تكون المخلوقات حالة فيه، وإنما نثبت كل ما جاء في الكتاب والسنة على ما يليق بالله، دون أن نبحث عن الكنه والكيفية.

ذكر عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال لشاب عندما سمعه يتكلم في ذات الله وصفاته ويشبهها: صف لي طائراً بثلاثة أجنحة، كيف ركب الثالث؟ فسكت الشاب. فقال له: كيف بخلقٍ من خلق الله وهو جبريل له ستمائة جناح، كيف ركبت؟ فسكت الشاب، فقال ابن مهدي : كيف تتكلم في ذات الله؟ قيل: فتاب الشاب من التشبيه!

وهذا الأثر رواه اللالكائي، وهو مثال طيب، فإذا كان هذا مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، جاء وصفه بأن له هذه الأجنحة، ومع ذلك لا يعرف الإنسان كيف ركبت؛ لأنه لا يعرف ذات الملك حتى يعرف اتصافه بتلك الصفة، والله عز وجل أخفى عن الناس الملائكة وكيفيتهم، وإذا رأوهم فإنما يرونهم بصورة البشر، كما جاءوا إلى إبراهيم وإلى لوط، وجاء جبريل إلى مريم، وجاء إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بصورة رجل من أصحابه، وبصورة رجل غير معروف، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم على الكيفية التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وقد رآه فوق السماوات عندما عرج به إلى السماء صلى الله عليه وسلم؛ فإذا كان هذا في مخلوق من مخلوقات الله، فالواجب أن يسكت عن التفكير في كيفية ذات الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، وهو من صغار التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].

أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عبد الله الأغر ].

هو سلمان الأغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرد على الجهمية.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة قال: قال سالم : أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن -قال ابن العلاء : بيده الأخرى- ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟).

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرد على الجهمية ، وقد سبق قبل ذلك باب في الجهمية، والموضوع واحد، وقد جاء هذا الباب في نسخة صحيحة كما ذكر صاحب عون المعبود، وفي غالب النسخ لا يوجد هذا الباب، ولكن إذا حذف هذا الباب على ما هو في أكثر النسخ، فإن الأحاديث التي فيه لا تناسب باب الرؤية، بل هي تتعلق بالرد على الجهمية ، قال: ولعل هذا من عمل النساخ، يعني التقديم والتأخير، وإلا فإن الترجمة مكررة مع السابقة، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بـالجهمية وبيان فساد مذهبهم، وكان أغلب ما جاء في ذلك من النصوص يتعلق بعلو الله عز وجل وفوقيته واستوائه على عرشه؛ فإن الجهمية ينكرون صفات الله عز وجل ويؤولونها، وهذان الحديثان اللذان أوردهما المصنف في هذا الباب يتعلقان بموضوع صفات الله عز وجل، وهما مثل ما تقدم في الباب الذي سبق، وهو باب في الجهمية .

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى).

الطي ضد البسط، وفي قوله: (ثم يأخذهن بيده اليمنى) إثبات اليد لله عز وجل، وإثبات أن لله يدين، فهنا ذكر اليد اليمنى، ثم قال: (بيده الأخرى).

وقد جاء في القرآن الكريم أن لله يدين، قال تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، فلله عز وجل يدان حقيقيتان، وهما من صفاته الذاتية القائمة بذاته سبحانه وتعالى.

والواجب هو الإيمان والتصديق بسائر الصفات على طريقة واحدة، وهي أن يثبت لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تشبيه ومن غير تعطيل، بل هو إثبات مع التنزيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت السمع والبصر في قوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، ونفى المشابهة في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، والله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه، وصفاته ثابتة له كما يليق به سبحانه وتعالى، ولا يجوز نفيها عنه، ولا تحريفها ولا تعطيلها.

فالحديث فيه إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى، والجهمية ينكرون ذلك، ويؤولون كل الصفات الثابتة.

قوله: [ (ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) ] في ذلك اليوم لا يكون هناك تجبر ولا تكبر، لأن التجبر والتكبر إنما يكونان في الدنيا، أما في ذلك اليوم فيكون الجميع خاضعين لله عز وجل، وقد سبق أن أشرت قريباً إلى أن قول الله عز وجل: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فيه نص على ملكه يوم الدين مع أنه مالك كل شيء، لأن ذلك اليوم هو اليوم الذي يخضع فيه الجميع لرب العالمين، فلا يوجد تكبر وتجبر، ولهذا قال هنا: (أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) أي الذين كانوا كذلك في الدنيا.

قوله: [ (ثم يطوي الأرضين، ويأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) الله هو المالك لكل شيء، والسماوات والأرض كلها ملك الله، والدنيا والآخرة كلها ملك الله، والله تعالى هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو المتصرف في كل شيء سبحانه وتعالى.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2727 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2696 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع