شرح سنن أبي داود [500]


الحلقة مفرغة

شرح حديث رجم المرأة الغامدية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة.

حدثنا مسلم بن إبراهيم أن هشاماً الدستوائي وأبان بن يزيد حدثاهم المعنى عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين : (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولياً لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها، فإذا وضعت فجئ بها، فلما أن وضعت جاء بها، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟) لم يقل عن أبان : فشكت عليها ثيابها ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة ]، أي: المرأة الجهنية التي زنت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها، ومعلوم أن الأحاديث التي جاءت في الرجم متعددة، ومنها ما جاء في قصة ماعز وما جاء في غيره، وما جاء في قصة الجهنية وهي الغامدية ، وما جاء في قصة امرأة الذي كان عنده العسيف، وكذلك أيضاً حديث عمر الذي فيه أنها جاءت في كتاب الله، وكذلك الحديث الذي فيه الجمع بين الجلد والرجم، فقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على رجم المحصن.

أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها زنت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أوليائها أن يحسن إليها، فلما وضعت أمر بها فشكت عليها ثيابها ورجمت)، والحديث فيه اختصار؛ لأنه جاء في غيره أنها كانت حبلى، وأنه أمر أن يحسن إليها، وأنها لما ولدت أمرها بأن تبقى حتى تفطم ولدها، ثم بعد ذلك أمر بها فرجمت.

فحديث عمران بن حصين رضي الله عنه يدل على رجم المحصن، وأن الرجم إذا كان هناك ما يمنع من إقامته في وقت معين فإنه ينتظر الوقت الذي يمكن إقامته فيه، كأن تكون المرأة حاملاً، سواءً كان حملها من زنا أو حملها من نكاح، فإنه ينتظر في رجمها الولادة، وإرضاع الطفل وفطمه، ثم بعد ذلك يقام عليها الحد، وذلك لئلا يجنى على من كان بريئاً وهو الجنين الذي في بطنها، فإن رجمها أو جلدها يؤثر على جنينها؛ ولهذا يؤخر إقامة الحد عليها حتى لا يتعدى إقامة الحد عليها إلى شخص آخر ألا وهو الجنين.

قوله: [ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى) ].

يعني: اعترفت بأنها زنت، وأنها حبلى، وهي بالإضافة إلى اعترافها هناك شيء زائد يدل على ذلك الاعتراف، وهو وقوع الحمل وأنه كان من زنا.

قوله: [ (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ولياً لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها) ].

أحسن إليها يعني: في القيام بها، وصد العدوان عنها لو أراد أحد من قبيلتها أن يعتدي عليها؛ لأنه قد يعتدي عليها أحد من قبيلتها لما في فعلها من العار عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصيانتها والمحافظة عليها حتى تلد وحتى تفطم ولدها، وبعد ذلك يقام عليها الحد.

قوله: [ (فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها) ].

وقد جاء بيان ذلك في بعض الروايات الأخرى التي فيها أنه أخر ذلك حتى تفطم ولدها؛ لأنه بحاجة إليها، وإذا كان محتاجاً إلى رضاعها ولا سبيل له إلى عيشه إلا بذلك فإنها تبقى ويؤخر رجمها حتى تفطمه وحتى يستغني عن رضاعها وعن لبنها.

قوله: [ (فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها) ].

يعني: شدت عليها ثيابها حتى لا يحصل لها تكشف عند الرجم، وعند اضطرابها نتيجة ذلك، فهذه هي فائدة كونها تشد عليها ثيابها، ثم أمرهم فصلوا عليها، فدل هذا على أن الذي يقام عليه الحد أنه يصلى عليه، وكل مسلم يموت فإنه يصلى عليه سواءً كان عليه حد أو ليس عليه حد، ولو كان من العصاة، ولكن يمكن أن يتأخر الإمام أو من له أهمية ومنزلة إذا كان في ذلك ردع للناس عن الوقوع في مثل ذلك العمل الذي تركت الصلاة عليه من أجله من بعض من لهم شأن ومنزلة.

قوله: [ (فقال عمر : يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟! قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟!) ].

ثم إن عمر رضي الله عنه لما صلوا عليها وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتصلي عليها وقد زنت؟ وذلك لاستعظامهم الزنا وأنه أمر خطير وعظيم، فحصل منهم استغراب من أن الرسول يصلي عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، ثم قال: (وهل رأيت أفضل من أن جادت بنفسها؟ ) معناه: أرخصت نفسها وبذلتها لله من أجل أن تطهر من الجرم الذي وقعت فيه، ومن الذنب الذي حصل لها، وكان بإمكانها أن تستتر بستر الله، ولكنها أرادت أن يحصل لها تطهير من هذا الذنب الذي قد حصل لها؛ فإذاً: دل هذا على أنه يصلى على من أقيم عليه الحد، ويصلى على كل مسلم، ثم عرفنا فيما مضى أن الحدود جوابر تجبر النقص، وأن الإنسان إذا عذب في الدنيا بعقوبة فيها حد فإنه لا يعذب على ذلك في الآخرة، بل هذا هو نصيبه من العذاب بهذه الجناية، أو بهذه الجريمة التي حصلت منه؛ لأن الحدود كفارات كما ثبتت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث رجم المرأة الغامدية

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن هشاماً الدستوائي ].

هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وأبان بن يزيد ].

هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن يحيى ].

هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي قلابة ].

هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبو المهلب ].

وهو عم أبي قلابة ، وهو أبو المهلب الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عمران بن حصين ].

عمران بن حصين أبي نجيد رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ لم يقل: عن أبان فشكت عليها ثيابها ].

يعني: طريق أبان ليس فيها فشكت عليها ثيابها وإنما هي من طريق رفيقه وقرينه هشام الدستوائي .

أثر الأوزاعي في تفسير (فشكت عليها ثيابها) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال: (فشكت عليها ثيابها) يعني: فشدت ].

وهذا أثر مقطوع ينتهي إلى الأوزاعي ، وهو تفسير لشكت، وأن المقصود بذلك ربطت وشدت، والمقطوع هو المتن الذي ينتهي إسناده إلى من دون الصحابي، فيقال له: مقطوع.

قوله: [ حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ].

محمد بن الوزير الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا الوليد ].

هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأوزاعي ].

هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث رجم المرأة الغامدية من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن امرأة -يعني: من غامد- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد فجرت، فقال: ارجعي، فرجعت، فلما أن كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ؟ فوالله إني لحبلى، فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته فقال لها: ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت، وكان خالد فيمن يرجمها، فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وأمر بها فصلى عليها ودفنت) ].

أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: أن امرأة من غامد، وفي رواية: من جهينة قال بعض أهل العلم: إنهما قصتان، فقصة الغامدية غير قصة الجهنية، وبعضهم قال: إنها قصة واحدة، والمرأة هي واحدة نسبت إلى جهينة في بعض الأحاديث، ونسبت إلى غامد في بعض الأحاديث، وكل من غامد وجهينة من قحطان، أي: من القبائل اليمنية، وليسوا من القبائل العدنانية، وبعضهم قال: إن غامداً هم من جهينة.

وقد قال أبو داود بعد تخريج الحديث: غامد وجهينة وبارق شيء واحد، يعني: أن المرأة هي واحدة، وهي جهنية وغامدية؛ لأن جهينة وغامداً شيء واحد، فهم من أصل واحد ومن قبيلة واحدة، ومنهم من يقول: إن غامداً من جهينة.

قوله: [ (أن امرأة من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد فجرت فقال: ارجعي فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك) ].

يعني: هذه المرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها فجرت يعني: زنت فقال لها: ارجعي فلما رجعت وجاءت من الغد قالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً ؟ ومرادها من ذلك أنها تختلف عن ماعز لأن في بطنها ولداً، وأنها قد حملت من الزنا، وهذا بخلاف الرجل، فإنه ما عنده إلا الاعتراف، وأما هي فإن عندها اعترافاً وشيئاً آخر وراء الاعتراف، وهو أن في بطنها ولداً بسبب الزنا، فقالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً .

ثم ينبغي أن يعلم أنه لا علاقة لـماعز بـالغامدية ، وأن قولها: كما رددت ماعزاً لا يدل أنه هو الذي زنى بها، فقد عرفنا أن ماعزاً زنى بجارية من الحي من قبيلته التي هي أسلم، فلا يقال: إن قولها: كما رددت ماعزاً يدل على أن مسألتهما واحدة، بل قصته غير قصتها، وليس زناه بها، وإنما زنى ماعز بن مالك بجارية من حيه وقبيلته.

وأما الغامدية فإنما أرادت أن تذكر أن ماعزاً يختلف عنها؛ لأن ماعزاً رجل ليس عنده إلا الاعتراف، وأما هي فعندها الاعتراف، وعندها شيء أكثر من الاعتراف، وهو الولد الذي في بطنها من الزنا، ومعلوم أن الولد لا يأتي إلا من نكاح أو سفاح، وهو لم يأت هنا من نكاح، فإذاً: هو سفاح، فاعترفت أنها زنت وأنها حامل من الزنا.

قوله: [ قالت: (لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ؟ فوالله إني لحبلى! فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته فقال لها: ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها) ].

ثم إن المرأة لما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنها حبلى فقال لها: (ارجعي حتى تلدي) يعني: انتظري حتى تلدي، لأنه لا يقام الحد عليها وهي حامل؛ لأن إقامة الحد عليها يتعدى إلى الجنين فيموت تبعاً لها، وهي نفس أخرى لا علاقة لها بالجريمة، وإن كانت هي نتيجة للجريمة؛ لكن لا علاقة لها من حيث الجرم، وإنما الذي حصل منه الجرم هو الذي يعاقب، والذي ما حصل منه جرم لا عقاب عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتظر حتى تلد ما في بطنها، ولما جاءت إليه بعد أن ولدته قالت: هذا الولد أتيت به، قال: ارجعي حتى تفطميه، فرجعت وأرضعته، ثم جاءت به وبيده شيء يأكله، يعني: إشارة إلى أنه قد استغنى عن اللبن، وأنه يأكل الطعام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يحفر لها حفرة، وهذا يدل على أن المرأة يحفر لها حفرة، حتى يكون أستر لها، فأمر بها فرجمت وهي في حفرتها حتى ماتت، ثم أمر بالصلاة عليها وصلى عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

قوله: [ (وأمر بها فرجمت وكان خالد فيمن يرجمها، فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها) ].

وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه من جملة الذين رجموها، ولما رجمها وقعت قطرة من دمها على وجنته يعني: طار الدم وانتشر حتى وصل إليه ووقع على وجنته فسبها.

قوله: [ (فقال: مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ].

يعني: لا تسبها فإنها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وهذا يدلنا على خطورة المكس، وعلى خطورة عقوبة صاحب المكس، وهو الذي يأخذ الضرائب من الناس في غير حق، فإنه يكثر خصومه يوم القيامة، ويكثر الآخذون من حسناته يوم القيامة؛ لكونه قد ظلمهم، وقد جاء في حديث المفلس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس الذي لا درهم عنده ولا متاع)، أرادوا مفلس الدنيا، وهو عليه الصلاة والسلام أراد مفلس الآخرة، فقال: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار)، فهو يدل على شدة عقوبته، وعلى عظم جرمه، وذلك لكثرة خصومه وكثرة من ظلمهم، وأنهم يخاصمونه يوم القيامة ويأخذون من حسناته أو يطرح عليه من سيئاتهم، ولهذا مثل به النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (مهلاً يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وأمر بها فصلى عليها ودفنت) ].

يعني: هو صلى عليها ودفنت، وهذا يدل على جواز الصلاة على مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد أو لم يقم عليه الحد، كل ذلك يصلى عليه، وكل مسلم يصلى عليه، وإنما يمكن أن يتأخر بعض الناس الذين تأخرهم يؤثر على الناس، ويكون سبباً في بعدهم عن الوقوع في مثل ذلك الذنب.

تراجم رجال إسناد حديث رجم المرأة الغامدية من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].

إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عيسى بن يونس ].

هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بشير بن المهاجر ].

بشير بن المهاجر صدوق لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الله بن بريدة ].

هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن زكريا أبي عمران قال: سمعت شيخاً يحدث عن ابن أبي بكرة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة). قال أبو داود : أفهمني رجل عن عثمان . قال أبو داود : قال الغساني : جهينة وغامد وبارق واحد ].

أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) يعني: إلى ثديها، وهو يدل على الحفر، والحفر دل عليه الحديث السابق؛ وذلك لأنه يكون أستر لها وأمكن في عدم هروبها أو تكشفها.

وقد تكون شدت عليها ثيابها، يعني: ربطت عليها، ووضعت في حفرة، ولكنها ما دفنت فيها، والمقصود من ذلك حتى لا تتمكن من الفرار؛ لأنها لو وضعت في حفرة إلى ثديها فإنها لن تستطيع الخروج.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا وكيع بن الجراح ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زكريا أبي عمران ].

زكريا أبو عمران هو زكريا بن سليم ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ قال: سمعت شيخاً يحدث عن ابن أبي بكرة ].

شيخ يحدث عن ابن أبي بكرة وهذا الشيخ مبهم.

و ابن أبي بكرة هو عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

هو نفيع بن الحارث ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : أفهمني رجل عن عثمان ].

يعني: كأنه ما أتقن اللفظ من عثمان ، ولكنه أفهمه رجل عنه، بحيث إنه كان الأمر ملتبساً عليه، فاستفهم من شخص آخر سمع منه عن عثمان ، يعني: أن ما سمعه من عثمان ليس متحققاً منه، وإنما فيه شيء من الخفاء فأوضحه له رجل آخر.

فلفظ (الرجل) مبهم، ثم أيضاً الرجل المبهم الذي هو الشيخ الذي يروي عن ابن أبي بكرة ، ولكن لفظ الحفر جاء في الحديث الذي قبله فهو شاهد له.

[ قال أبو داود : قال الغساني : جهينة وغامد وبارق واحد ].

يعني: أنها قبيلة واحدة، وأنهم يرجعون إلى أصل واحد، وهذا يريد أن يبين أن قصة الغامدية وقصة الجهنية لا فرق بينهما وهما قصة واحدة، فوصفت بأنها جهنية في بعض الأحاديث، ووصفت بأنها غامدية في بعض الأحاديث، وبارق ليس لها علاقة فيما يتعلق بحديث المرجومة هذه، ولكن أراد أن يبين أن هذه القبائل الثلاث كلها ترجع إلى قبيلة واحدة.

والغساني هو أبو بكر بن أبي مريم ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) من طريق أخرى

[ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث أنه قال: حدثنا زكريا بن سليم بإسناده نحوه زاد: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال: ارموا واتقوا الوجه، فلما طفئت أخرجها فصلى عليها) وقال في التوبة نحو حديث بريدة) ].

أورد أبو داود حديث ابن أبي بكرة من طريق أخرى وفيه: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة).

يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ برميها، وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فبدأ بالرمي وهم رموا وراءه، ولكن هذا غير ثابت، والإمام ليس بلازم أنه يباشر الرمي وإنما يأمر به، وإن كان بعض أهل العلم قال: إنه يستحب له أن يباشر وأن يشارك فيه، ولكن الأمر في ذلك واسع، إن شارك شارك، وإن لم يشارك فالأمر ليس بلازم، ولكن كون الرسول شارك وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فإن هذه الحجرة الصغيرة التي تساوي هذه الحبة الصغيرة التي يقال لها الحمصة لا تؤثر، فالحديث ضعيف وليس هناك ما يشهد له، والذي حدث أبا داود مجهول غير معروف؛ لأنه قال: حدثت، ففيه انقطاع، وفيه أيضاً ذلك الشخص المقبول الذي هو زكريا أبو عمران الذي سبق أن مر وهو زكريا بن سليم ، وفيه أيضاً الشيخ المبهم، يعني: فيه ثلاث علل وليس له شواهد.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة ) من طريق أخرى

[ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث ].

عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زكريا بن سليم بإسناده نحوه ].

زكريا بن سليم مر ذكره وهو زكريا أبو عمران .

الجمع بين قوله: (فحفر لها إلى الثندوة) وقوله: (ارموا واتقوا الوجه)

قال في هذا الحديث: (ارموا واتقوا الوجه)، وفي الحديث السابق: (فحفر لها إلى الثندوة)، ومن المعلوم أنه إذا حفر لها إلى الثدي لم يبق إلا الرأس بما فيه من الوجه.

على كل: ما دام أنه إلى الثندوة ففيه الرقبة، وفيه الظهر، وفيه قفاء الرأس، ثم أيضاً هذا اللفظ (ارموا واتقوا الوجه) ما جاء إلا من هذه الطريق التي فيها ضعف، فهذه الرواية ضعيفة؛ ولأن المقصود في هذا أنه ينتهي بالقتل، وسواءً جاء الرجم من قبل الوجه أو جاء من جميع الجهات، ثم أيضاً يصعب اتقاء الوجه للذي يرجم من جهات مختلفة، والإسناد كما عرفنا ضعيف.

شرح حديث العسيف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه: (أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله! فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم قال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -والعسيف الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد إليك، وجلد ابنه مائة، وغربه عاماً وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهما، وأنهما قالا: إن رجلين جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -يعني: كان أجيراً عند هذا الرجل الذي هو خصمه- وأنه زنى بامرأته، وأنه أخبر بأن ابنه عليه الرجم، فأراد أن يخلص ابنه فدفع إلى ذلك الرجل الذي هو زوج المرأة مائة من الغنم ووليدة أي: جارية، ثم بعد ذلك سأل أهل العلم وقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً وقال: اغد يا أنيس -وهو رجل من أسلم- إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها).

هذا الحديث فيه إثبات الرجم على من كان محصناً، وإثبات الجلد مائة وتغريب عام لمن كان غير محصن، والحديث مشهور بحديث العسيف؛ لأنه جاء فيه: (إن ابني كان عسيفاً على هذا) وجاء بعض الرواة ففسر العسيف بأنه الأجير؛ لأن قوله: والعسيف: الأجير، هذا تفسير من بعض الرواة وبيان أن العسيف هو الأجير وزناً ومعنى.

فقال زوج المرأة: اقض بيننا بكتاب الله، والثاني قال: اقض بيننا بكتاب الله يعني: كما قال صاحبي، وائذن لي أن أتكلم، ثم إنهما قالا: (اقض ب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة.

حدثنا مسلم بن إبراهيم أن هشاماً الدستوائي وأبان بن يزيد حدثاهم المعنى عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين : (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولياً لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها، فإذا وضعت فجئ بها، فلما أن وضعت جاء بها، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟) لم يقل عن أبان : فشكت عليها ثيابها ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة ]، أي: المرأة الجهنية التي زنت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها، ومعلوم أن الأحاديث التي جاءت في الرجم متعددة، ومنها ما جاء في قصة ماعز وما جاء في غيره، وما جاء في قصة الجهنية وهي الغامدية ، وما جاء في قصة امرأة الذي كان عنده العسيف، وكذلك أيضاً حديث عمر الذي فيه أنها جاءت في كتاب الله، وكذلك الحديث الذي فيه الجمع بين الجلد والرجم، فقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على رجم المحصن.

أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها زنت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أوليائها أن يحسن إليها، فلما وضعت أمر بها فشكت عليها ثيابها ورجمت)، والحديث فيه اختصار؛ لأنه جاء في غيره أنها كانت حبلى، وأنه أمر أن يحسن إليها، وأنها لما ولدت أمرها بأن تبقى حتى تفطم ولدها، ثم بعد ذلك أمر بها فرجمت.

فحديث عمران بن حصين رضي الله عنه يدل على رجم المحصن، وأن الرجم إذا كان هناك ما يمنع من إقامته في وقت معين فإنه ينتظر الوقت الذي يمكن إقامته فيه، كأن تكون المرأة حاملاً، سواءً كان حملها من زنا أو حملها من نكاح، فإنه ينتظر في رجمها الولادة، وإرضاع الطفل وفطمه، ثم بعد ذلك يقام عليها الحد، وذلك لئلا يجنى على من كان بريئاً وهو الجنين الذي في بطنها، فإن رجمها أو جلدها يؤثر على جنينها؛ ولهذا يؤخر إقامة الحد عليها حتى لا يتعدى إقامة الحد عليها إلى شخص آخر ألا وهو الجنين.

قوله: [ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى) ].

يعني: اعترفت بأنها زنت، وأنها حبلى، وهي بالإضافة إلى اعترافها هناك شيء زائد يدل على ذلك الاعتراف، وهو وقوع الحمل وأنه كان من زنا.

قوله: [ (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ولياً لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها) ].

أحسن إليها يعني: في القيام بها، وصد العدوان عنها لو أراد أحد من قبيلتها أن يعتدي عليها؛ لأنه قد يعتدي عليها أحد من قبيلتها لما في فعلها من العار عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصيانتها والمحافظة عليها حتى تلد وحتى تفطم ولدها، وبعد ذلك يقام عليها الحد.

قوله: [ (فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها) ].

وقد جاء بيان ذلك في بعض الروايات الأخرى التي فيها أنه أخر ذلك حتى تفطم ولدها؛ لأنه بحاجة إليها، وإذا كان محتاجاً إلى رضاعها ولا سبيل له إلى عيشه إلا بذلك فإنها تبقى ويؤخر رجمها حتى تفطمه وحتى يستغني عن رضاعها وعن لبنها.

قوله: [ (فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها) ].

يعني: شدت عليها ثيابها حتى لا يحصل لها تكشف عند الرجم، وعند اضطرابها نتيجة ذلك، فهذه هي فائدة كونها تشد عليها ثيابها، ثم أمرهم فصلوا عليها، فدل هذا على أن الذي يقام عليه الحد أنه يصلى عليه، وكل مسلم يموت فإنه يصلى عليه سواءً كان عليه حد أو ليس عليه حد، ولو كان من العصاة، ولكن يمكن أن يتأخر الإمام أو من له أهمية ومنزلة إذا كان في ذلك ردع للناس عن الوقوع في مثل ذلك العمل الذي تركت الصلاة عليه من أجله من بعض من لهم شأن ومنزلة.

قوله: [ (فقال عمر : يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟! قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟!) ].

ثم إن عمر رضي الله عنه لما صلوا عليها وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتصلي عليها وقد زنت؟ وذلك لاستعظامهم الزنا وأنه أمر خطير وعظيم، فحصل منهم استغراب من أن الرسول يصلي عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، ثم قال: (وهل رأيت أفضل من أن جادت بنفسها؟ ) معناه: أرخصت نفسها وبذلتها لله من أجل أن تطهر من الجرم الذي وقعت فيه، ومن الذنب الذي حصل لها، وكان بإمكانها أن تستتر بستر الله، ولكنها أرادت أن يحصل لها تطهير من هذا الذنب الذي قد حصل لها؛ فإذاً: دل هذا على أنه يصلى على من أقيم عليه الحد، ويصلى على كل مسلم، ثم عرفنا فيما مضى أن الحدود جوابر تجبر النقص، وأن الإنسان إذا عذب في الدنيا بعقوبة فيها حد فإنه لا يعذب على ذلك في الآخرة، بل هذا هو نصيبه من العذاب بهذه الجناية، أو بهذه الجريمة التي حصلت منه؛ لأن الحدود كفارات كما ثبتت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.