شرح سنن أبي داود [497]


الحلقة مفرغة

أثر ابن عباس في أن إيذاء الزاني نسخ بآية الجلد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجم.

حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجم]، والرجم يكون للمحصن، وهو الذي قد تزوج وحصّل الفائدة عن طريق حلال، ثم بعد ذلك يقع في الحرام، فتكون عقوبته تختلف عن عقوبة البكر الذي لم يذق ولم يستمتع بالحلال، فصارت عقوبة البكر الجلد مائة جلدة وتغريب عام، وأما من كان محصناً سواء كان رجلاً أو امرأة فإنه يرجم.

وكان نزل في القرآن آية الرجم ثم نسخ لفظها وتلاوتها وبقي حكمها، وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم).

وقد جاء بيان أن هذه الآية كانت موجودة وأنها نسخت، وجاء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم في أحاديث كثيرة كما رجم ماعزاً والغامدية ، وكما حصل في قصة والد العسيف الذي قال فيه: سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، ثم في آخر الحديث قال: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها).

فالرجم جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاء في الحديث الذي فيه إضافة الجلد إلى الرجم، من حديث عبادة بن الصامت : (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم والجلد)، وجاء في القرآن مما بقي حكمه ونسخت تلاوته، ومعلوم أنه قد ينسخ الحكم والتلاوة، وينسخ الحكم دون التلاوة، وتنسخ التلاوة دون الحكم، والذي معنا هو شاهد لنسخ التلاوة دون الحكم، فالحكم موجود والرجم ثابت ومستقر، والتلاوة منسوخة.

وعكسها نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ومثاله: قصة اعتداد المتوفى عنها زوجها، فاللاتي يتوفى عنهن أزواجهن كن يتربصن سنة، فنسخت بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر.

وأما نسخ الاثنين الذي هو الحكم والتلاوة، فذلك في العشر الرضعات التي جاءت في الحديث: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات)، فإن الخمس المعلومات منسوخة التلاوة باقية الحكم، والعشر الرضعات منسوخة التلاوة والحكم، وهذا الذي معنا: هو من جنس الخمس الرضعات، حيث نسخت التلاوة مع بقاء الحكم.

أورد أبو داود حديث ابن عباس في قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، ثم قال: نسختها آية النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ]؛ وذلك أنه كما جاء في هذه الآيات: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، فقد جاء أيضاً بيان ذلك في السنة، وأن الله تعالى قد جعل لهن السبيل، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصول الجلد والرجم كما جاء في حديث عبادة بن الصامت ، والجلد وتغريب سنة في حق البكر.

قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ].

الفاحشة: الزنا والعياذ بالله فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ يعني: أنه لا بد من أربعة شهود لثبوت الزنا، ولا يكفي شاهد أو شاهدان أو ثلاثة، بل لا بد من أربعة، وأن يكون هناك جماع صحيح، فلا بد من توافر هذه الشروط؛ وذلك لخطورة هذه الجريمة وصعوبتها، فجاءت الشريعة باشتراط هؤلاء الشهود الأربعة الذين يشهدون؛ ليثبت في ذلك حد الزنا، فإما هذا كله أو الاعتراف كما سيأتي في حديث عمر رضي الله عنه ما يتعلق بالاعتراف والحبل والشهود.

قوله: [ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15] ].

يعني: هذه الآية جاءت في حكم النساء: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، ثم أتى بالحكم الذي يشمل الرجال والنساء وهو قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا .

قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال ].

الرجل ما له ذكر منصوص عليه كما نص على النساء؛ ولكنه ذكر بعد ذلك فيما يتعلق بالجمع، حيث قال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ، يعني: من الرجال والنساء.

وجاء أيضاً ذكر المرأة ثم ذكر الرجل في سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ] ذكرت الآية الزانية ثم الزاني؛ لكن هنا فيما يتعلق بالرجال ما ذكر رجلاً على سبيل الانفراد؛ ولكنه جاء مندرجاً في حال الجمع بين الذكور والإناث.

قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16] ].

(اللذان) يعني الرجل والمرأة.

(يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) يأتيان الفاحشة.

(فآذوهما) يعني بالإيذاء: العقوبة، لكن لا أدري ما نوعها.

(فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا)

يعني: إن تابا وأصلحا ولم يرفع أمرهما إلى السلطان فإنه يعرض عنهما، وأما إذا بلغ أمرهما إلى السلطان فإنه لا بد من إقامة الحد حيث يكون ثابتاً بالبينة أو بالاعتراف والإقرار.

وجاء في أحد حواشي مخطوطات السنن، يقول في حاشية: (ك) زيادة: قال سفيان : فَآذُوهُمَا البكران، فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ : الثيبان.

يعني: أنه يرجع إلى الثيبات، لكن معلوم أن الإمساك في البيوت إنما هو للنساء وليس للرجال.

قوله: [ قال: فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ].

وهذا في حق البكرين، فيجلد كل منهما مائة جلدة كما جاء في القرآن، ويغرب كما جاء في السنة.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في أن إيذاء الزاني نسخ بآية الجلد

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ].

أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود .

[ حدثني علي بن الحسين ].

هو علي بن الحسين بن واقد، وهو صدوق، يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في مقدمة صحيحه وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن يزيد النحوي ].

يزيد النحوي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين أيضاً بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعض العلماء قال: إن الآية جاءت ناسخة، وبعضهم قال: إنهاجاءت لتفسير مبهم؛ لأنه قال: (( أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ))، فالسبيل هو كذا وكذا.

وكذلك من قال: إن الإيذاء يمكن أن يكون بالتقريع بالكلام والزجر فنقول: الحكم هو كما جاء في الكتاب والسنة: الجلد والنفي والرجم وحده أو معه الجلد على خلاف في ذلك وفقاً لما جاءت به النصوص.

أثر مجاهد في تفسير قوله تعالى: (أو يجعل الله لهن سبيلاً)، وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى -يعني ابن مسعود - عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: السبيل الحد ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن مجاهد ، وفيه تفسير السبيل في قوله: (( أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا )) بأنه الحد، والحد هو الرجم في حق المحصنين، والجلد والتغريب في حق الأبكار.

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى -يعني: ابن مسعود- ].

أحمد بن محمد بن ثابت مر ذكره، وموسى بن مسعود صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن شبل ].

هو ابن عباد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير.

[ عن ابن أبي نجيح ].

هو عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مجاهد ].

هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وهذا يقال له: مقطوع؛ لأن المتن الذي ينتهي إسناده إلى التابعي ومن دونه يقال له: مقطوع، كما يقال للمتن الذي ينتهي إسناده إلى الصحابي: موقوف، والمتن الذي ينتهي إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون، والمنقطع من صفات الأسانيد، فيسقط واحد أو اثنان أو ثلاثة، فهذا يقال له: انقطاع، وأما الإسناد الذي ينتهي إلى من دون الصحابي فإن اسمه المقطوع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال سفيان : (فآذوهما) البكران (فأمسكوهن في البيوت) الثيبات ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة) ].

أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وفيه بيان تفسير السنة للقرآن حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً)، يفسر قول الله عز وجل: حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا .

قوله: [ (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) ] معناه: أن الجلد يكون للجميع، فمن كان بكراً ومن كان ثيباً فإنه يجلد إلا أن الثيب يضاف إليه الرجم، والبكر يضاف إليه التغريب لمدة سنة، وهذا الذي جاء في حديث عبادة رضي الله عنه فيه زيادة التغريب على ما جاء في القرآن في حق الأبكار؛ لأن الذي جاء في القرآن: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، وجاءت السنة بإضافة التغريب لمدة سنة.

وجاء في هذا الحديث -حديث عبادة بن الصامت - أن الرجم يضاف إليه جلد مائة جلدة.

وقد اختلف العلماء في جلد الثيب مع الرجم، والرجم متفق عليه ولم يخالف فيه إلا بعض الخوارج، وخلافهم لا عبرة به، وكذلك سيأتي أن عمر رضي الله عنه قال: أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، وقد حصل هذا الذي خشيه عمر ، فقد وجد في الخوارج من يقول بذلك، وقال: إن الرجم ليس في كتاب الله فأنكروه.

وإنما اختلف العلماء في الثيب هل يجلد مع الرجم أو أنه يكتفى بالرجم؟ فمن العلماء من ذهب إلى ما جاء في حديث عبادة من الجمع بينهما بأنه يجلد أولاً ثم يأتي بعد ذلك الرجم.

ومنهم من قال: إنه يرجم فقط بدون جلد؛ وذلك لأنه جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها الرجم بدون جلد، كما جاء في آية الرجم، وجاء في قصة العسيف في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، وكذلك فعله حيث أمر برجم ماعز والغامدية ، فبعض أهل العلم أخذ بهذا، وبعضهم أخذ بهذا، والحقيقة المسألة مشكلة، ولهذا لما ذكر صاحب سبل السلام الصنعاني رحمه الله هذه المسألة مال إلى أحد القولين ثم رجع عنه وقال: إني أتوقف حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين.

قوله: (الثيب بالثيب)، ليس المقصود من ذلك أنه لا يكون الحد إلا إذا كان ثيباً مع ثيب، وإنما المقصود أن الثيب يرجم سواءً كان زناه بثيب أو ببكر، وكذلك المرأة إذا كانت ثيبة لا ينظر إلى الرجل الذي زنى بها أهو بكر أم ثيب، فمع أنه ذكر الثيب مع الثيب والبكر مع البكر إلا أنه لو زنى بكر بثيب أو ثيب ببكر فإن من كان محصناً يرجم سواءً كان رجلاً أو امرأة، ومن كان بكراً فإنه يجلد مائة ويغرب سنة.

فإذاً: قوله: (الثيب بالثيب والبكر بالبكر)، لا يكون خاصاً فيما إذا كان بين بكرين وبين ثيبين بل الرجم مناط بالثيب سواءً كان مع ثيب أو بكر، وكذلك البكر الجلد مناط به مع التغريب، سواءً كان مع بكر أو ثيب.

تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن أبي عروبة ].

سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حطان بن عبد الله الرقاشي ].

حطان بن عبد الله الرقاشي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأصحاب السنن. مسلم .

[ عن عبادة بن الصامت ].

عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية ومحمد بن الصباح بن سفيان قالا: حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن بإسناد يحيى ومعناه قال: (جلد مائة والرجم) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال فيه: (جلد مائة والرجم)، وهو مثل الذي قبله؛ لأنه قال في الأول: (رمي بالحجارة) وهنا قال: (الرجم)، ومعلوم أن الرجم يكون بالحجارة، يعني: الفرق في العبارة وإلا فالمعنى واحد، وإنما فرق بين الثيب والبكر بأن الثيب يرجم بالحجارة ؛ لأنه كما عرفنا قد حصل المتعة بطريق مشروع، فصارت عقوبته أشد، وكان ذلك رمياً بالحجارة؛ حتى يصيبه العقاب من جميع الجوانب؛ لأن اللذة حصلت لجميع الجسد، فتكون العقوبة لجميع الجسد بحيث تأتي الحجارة من كل جانب، فيكون موته بهذه الطريقة، أما من كان بكراً ولم يتمتع بالنكاح فإن عقوبته مخففة، وذلك بأن يجلد مائة جلدة ويغرب مدة سنة.

تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ].

وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ ومحمد بن الصباح بن سفيان ].

محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ قالا: حدثنا هشيم ].

هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور ].

هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن بإسناد يحيى ].

الحسن مر ذكره، ويحيى القطان ، وقوله: [ بإسناد يحيى ] يعني: الذي تقدم قبل هذا.

شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الربيع بن روح بن خليد حدثنا محمد بن خالد -يعني: الوهبي - حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث: (فقال ناس لـسعد بن عبادة : يا أبا ثابت ! قد نزلت الحدود، لو أنك وجدت مع امرأتك رجلاً كيف كنت صانعاً؟ قال: كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا، أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء؟! فإلى ذلك قد قضى الحاجة، فانطلقوا فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! ألم تر إلى أبي ثابت قال كذا وكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالسيف شاهداً، ثم قال: لا لا، أخاف أن يتتايع فيها السكران والغيران) ].

أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وفيه زيادة، وهي أن سعد بن عبادة قيل له: لو أنه وجد رجلاً مع امرأته كيف يصنع؟ فقال: إنه يقطعهما بالسيف حتى يسكتا يعني: حتى يموتا، ولا يتركهما حتى يأتي بأربعة شهود يرون ويشاهدون، فيكون قضى حاجته وهرب، فجاء هؤلاء الذين تحدثوا بهذا الحديث بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كفى بالسيف شاهداً)، يعني: هذا الذي قاله سعد بن عبادة هو الشاهد، ولا يحتاج إلى أن يبحث عن أربعة شهود بل يحصل القتل، ثم قال: (لا لا حتى لا يتتايع فيها) يعني: يتتابع الناس فيستسهلون القتل أو يقدمون على القتل وقد يكون لا يستحق القتل بأن يكون ليس هناك جماع، وأن الزنا ما ثبت، وإنما هو مقدمات تسبق الجماع لا يستحق معها القتل.

قوله: [ (لا لا، أخاف أن يتتايع فيها السكران والغيران) ].

السكران: هو الغضبان، وليس المقصود به السكران الذي فقد وعيه بسبب السكر؛ لأن هذا كما هو معلوم ليس هو المقصود، وإنما المقصود الذي عنده شدة الغضب فيقدم على قتل الإنسان وهو لا يستحق القتل، والغيران: صاحب الغيرة الشديدة الذي قد يقدم على القتل بينما الذي حصل دون ما يستحق به القتل، ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ابن دلهم هذا وهو ضعيف.

تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...) من طريق ثالثة

الوهم من وكيع في إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...)، وتراجم رجال ذلك الإسناد

[ قال أبو داود : روى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجم.

حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجم]، والرجم يكون للمحصن، وهو الذي قد تزوج وحصّل الفائدة عن طريق حلال، ثم بعد ذلك يقع في الحرام، فتكون عقوبته تختلف عن عقوبة البكر الذي لم يذق ولم يستمتع بالحلال، فصارت عقوبة البكر الجلد مائة جلدة وتغريب عام، وأما من كان محصناً سواء كان رجلاً أو امرأة فإنه يرجم.

وكان نزل في القرآن آية الرجم ثم نسخ لفظها وتلاوتها وبقي حكمها، وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم).

وقد جاء بيان أن هذه الآية كانت موجودة وأنها نسخت، وجاء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم في أحاديث كثيرة كما رجم ماعزاً والغامدية ، وكما حصل في قصة والد العسيف الذي قال فيه: سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، ثم في آخر الحديث قال: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها).

فالرجم جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاء في الحديث الذي فيه إضافة الجلد إلى الرجم، من حديث عبادة بن الصامت : (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم والجلد)، وجاء في القرآن مما بقي حكمه ونسخت تلاوته، ومعلوم أنه قد ينسخ الحكم والتلاوة، وينسخ الحكم دون التلاوة، وتنسخ التلاوة دون الحكم، والذي معنا هو شاهد لنسخ التلاوة دون الحكم، فالحكم موجود والرجم ثابت ومستقر، والتلاوة منسوخة.

وعكسها نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ومثاله: قصة اعتداد المتوفى عنها زوجها، فاللاتي يتوفى عنهن أزواجهن كن يتربصن سنة، فنسخت بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر.

وأما نسخ الاثنين الذي هو الحكم والتلاوة، فذلك في العشر الرضعات التي جاءت في الحديث: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات)، فإن الخمس المعلومات منسوخة التلاوة باقية الحكم، والعشر الرضعات منسوخة التلاوة والحكم، وهذا الذي معنا: هو من جنس الخمس الرضعات، حيث نسخت التلاوة مع بقاء الحكم.

أورد أبو داود حديث ابن عباس في قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، ثم قال: نسختها آية النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ]؛ وذلك أنه كما جاء في هذه الآيات: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، فقد جاء أيضاً بيان ذلك في السنة، وأن الله تعالى قد جعل لهن السبيل، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصول الجلد والرجم كما جاء في حديث عبادة بن الصامت ، والجلد وتغريب سنة في حق البكر.

قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ].

الفاحشة: الزنا والعياذ بالله فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ يعني: أنه لا بد من أربعة شهود لثبوت الزنا، ولا يكفي شاهد أو شاهدان أو ثلاثة، بل لا بد من أربعة، وأن يكون هناك جماع صحيح، فلا بد من توافر هذه الشروط؛ وذلك لخطورة هذه الجريمة وصعوبتها، فجاءت الشريعة باشتراط هؤلاء الشهود الأربعة الذين يشهدون؛ ليثبت في ذلك حد الزنا، فإما هذا كله أو الاعتراف كما سيأتي في حديث عمر رضي الله عنه ما يتعلق بالاعتراف والحبل والشهود.

قوله: [ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15] ].

يعني: هذه الآية جاءت في حكم النساء: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، ثم أتى بالحكم الذي يشمل الرجال والنساء وهو قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا .

قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال ].

الرجل ما له ذكر منصوص عليه كما نص على النساء؛ ولكنه ذكر بعد ذلك فيما يتعلق بالجمع، حيث قال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ، يعني: من الرجال والنساء.

وجاء أيضاً ذكر المرأة ثم ذكر الرجل في سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ] ذكرت الآية الزانية ثم الزاني؛ لكن هنا فيما يتعلق بالرجال ما ذكر رجلاً على سبيل الانفراد؛ ولكنه جاء مندرجاً في حال الجمع بين الذكور والإناث.

قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16] ].

(اللذان) يعني الرجل والمرأة.

(يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) يأتيان الفاحشة.

(فآذوهما) يعني بالإيذاء: العقوبة، لكن لا أدري ما نوعها.

(فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا)

يعني: إن تابا وأصلحا ولم يرفع أمرهما إلى السلطان فإنه يعرض عنهما، وأما إذا بلغ أمرهما إلى السلطان فإنه لا بد من إقامة الحد حيث يكون ثابتاً بالبينة أو بالاعتراف والإقرار.

وجاء في أحد حواشي مخطوطات السنن، يقول في حاشية: (ك) زيادة: قال سفيان : فَآذُوهُمَا البكران، فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ : الثيبان.

يعني: أنه يرجع إلى الثيبات، لكن معلوم أن الإمساك في البيوت إنما هو للنساء وليس للرجال.

قوله: [ قال: فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ].

وهذا في حق البكرين، فيجلد كل منهما مائة جلدة كما جاء في القرآن، ويغرب كما جاء في السنة.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع