شرح سنن أبي داود [487]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ابن عمر في خبر ابن صائد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خبر ابن صائد .

حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـابن صائد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتيك؟ قال: يأتيني صادق وكاذب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئة، وخبأ له: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال ابن صياد : هو الدخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر : يا رسول الله ! ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن تسلط عليه -يعني: الدجال-، وإلا يكنه فلا خير في قتله)].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في خبر ابن صائد ، يقال له: ابن صائد ويقال له: ابن صياد ، وهو رجل من اليهود كان في المدينة، وقد اشتبه أمره بالدجال في بعض الصفات حتى كان يظن أنه الدجال، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم في أول الأمر أن الدجال سيأخر زمنه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث التي مرت، قال: (فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإلا فامرؤ حجيج نفسه)، يعني: كل امرئ يكون حجيج نفسه.

ولكنه بعد ذلك جاء عنه أحاديث تدل على أنه يكون في آخر الزمان، وأن بين يديه أموراً، وبعده أموراً، وأنه لا يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام.

وقد التبس أمر ابن صايد ، ولهذا جاء في نفس الحديث الذي أورده أبو داود هنا عن ابن عمر أنه قال لـعمر : (إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإلا يكن هو فلا حاجة لك في قتله).

ومعنى ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم عنه، وأن أمره ملتبس ومشتبه.

قوله: (عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بابن صائد في نفر في أصحابه فيهم عمر بن الخطاب ، وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام).

أي: مر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة من أصحابه وفيهم عمر ، مروا بـابن صياد وهو يلعب مع الصبيان في ذلك الأطم من أطم بني مغالة، فضرب على ظهر ابن صياد ، وقال له: (أتشهد أني رسول الله؟) فقال: أشهد أنك رسول الأميين) ، والأميون هم العرب، وكما عرفنا أن الغالب عليهم أنهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك جاء بهذا الكلام وبهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

قوله: [ (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسل) ].

قوله: (أتشهد أني رسول الله؟)، قاله ابن صياد ! فقال رسول الله: (آمنت بالله ورسله).

وقد قيل: كيف يقول ابن صياد هذا الكلام وهذه الدعاوى ولا يتعرض له بشيء، بل يتركه، وقد أجيب عن ذلك بجوابين:

أحدهما: أنه غير بالغ وغير مكلف، ولهذا قال في الحديث: (يلعب مع الصبيان

والأمر الثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، وهو من جملة اليهود.

قوله: [ (فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتيك؟ قال: يأتيني صادق وكاذب) ].

قوله: (ما يأتيك؟) يعني: من الأخبار، قال: (يأتيني صادق وكاذب)، يعني: تأتيه أشياء صدقاً وأشياء تكون كذباً، فأشياء تحصل مطابقة للواقع، وأشياء مخالفة للواقع، وهذا يدل على أنه دجال، وأنه من الكهان الذين تأتيهم الشياطين، ويأتيهم مسترق السمع، فيأتي بالكلمة من الحق فيكذبون معها مائة كذبة، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئة، وخبأ له: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال ابن صياد : هو الدخ) ].

قوله: (خبأت لك خبيئة، فقال: هو الدخ) فقال عليه السلام: (اخسأ فلن تعدو قدرك). أي: لن تتجاوز قدرك، وأنك من الكهان الذين يعتمدون على ما تلقيه عليهم الشياطين.

قوله: [ (فقال عمر عمر : يا رسول الله! ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن هو فلن تسلط عليه)].

أي: إن يكن هو الدجال فلن تسلط عليه.

قوله: [ (وإلا يكنه فلا خير في قتله) أي: وإن لم يكن هو الدجال فلا خير لك في قتله.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في خبر ابن صائد

قوله: [ حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم ].

أبو عاصم خشيش بن أصرم ، ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

الزهري مر ذكره.

[ عن سالم ].

سالم بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

التعليق على قول ابن صائد ( أشهد أنك رسول الأميين )

قول ابن صائد : (أشهد أنك رسول الأميين) لا يدل على أن من آمن إيمان تصديق دون إقرار وعمل لا ينفعه ذلك؟

هذا نفس الكلام الذي يقوله بعض اليهود والنصارى، أنه رسول إلى العرب، ولكن من علم أو من شهد بأنه رسول، فالرسول يجب تصديقه، ومن كذب الرسول فقد كفر؛ لأن كل خبر يخبر به الرسول لا بد من تصديقه، وما دام أنهم آمنوا بأنه رسول إلى العرب، وقد أخبر هو بأنه رسول إلى الناس كافة، وأنه رسول للإنس والجن فيجب تصديقه، ومن كذب بذلك فإنه يكون كافراً.

البلوغ ليس شرطاً في تعلم الكهانة

إذا قيل: كيف يكون كاهناً وهو لم يبلغ؟ فالجواب: أنه يمكن أن يكون كاهناً وإن لم يبلغ، فلا يلزم البلوغ في تعلم الكهانة، والكاهن قد يعلم أولاده الكهانة وإن لم يبلغوا، ويحتمل أيضاً أن يكون قد بلغ، وأنه كان يلعب مع الصبيان وهو بالغ، وعلى هذا فإنه يكون غير صغير، ويحتمل أنه لم يبلغ.

شرح أثر ابن عمر (والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني: ابن عبد الرحمن - عن موسى بن عقبة عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد ].

أورد أبو داود هذا الأثر الموقوف على عبد الله بن عمر ، وأنه كان يجزم بأن الدجال هو ابن صياد ، وذلك لما التبس عليهم أمره، فكانوا يظنون أنه هو، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في أول الأمر ملتبساً عليه، ولهذا قال في كلامه لـعمر الذي مر: (إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا لك في قتله)، وهذا يدل على أنه غير متبين لأمره.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر ( والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد )

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ].

يعقوب بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة .

[ عن موسى بن عقبة ].

موسى بن عقبة المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

ابن عمر قد مر ذكره.

شرح أثر جابر في أن الدجال هو ابن صائد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحلف بالله أن ابن الصائد الدجال، فقلت: تحلف بالله؟! فقال: إني سمعت عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن جابر رضي الله عنه، أنه كان يحلف أن ابن صياد هو الدجال، ويستدل على ذلك بأن عمر رضي الله عنه كان يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه.

ولعل هذا -كما هو معلوم- كان على حسب ما ظهر لهم من صفاته، فأمره كان ملتبساً، وكانوا يظنون أنه الدجال، والرسول صلى الله عليه وسلم كان أمره ملتبساً عليه، ثم بعد ذلك تبين أنه إنما يأتي في آخر الزمان.

وفي هذا دليل على أن للإنسان أن يحلف على غالب ظنه، فهذا ليس يقيناً ومع ذلك حلف عليه على غالب الظن.

تراجم رجال إسناد أثر جابر أن الدجال هو ابن صائد

قوله: [ حدثنا ابن معاذ ].

هو: عبيد الله بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبي ].

هو معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شبعة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعد بن إبراهيم ].

سعد بن إبراهيم ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن المنكدر ].

محمد بن المنكدر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

جابر رضي الله عنه، قد مر ذكره.

شرح أثر جابر (فقدنا ابن صياد يوم الحرة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبيد الله -يعني: ابن موسى - حدثنا شيبان عن الأعمش عن سالم عن جابر رضي الله عنه قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة ].

أورد أبو داود أثر جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة، وذلك سنة ثلاثة وستين، وهي الفتنة التي وقعت في الحرة في المدينة، وحصل فيها ما حصل من البلاء، قال: ومعنى ذلك أنهم لا يدرون أين هو.

قوله: (فقدنا ابن صياد يوم الحرة) صحح ابن حجر هذه الرواية، وضعف قول من ذهب إلى أنه مات في المدينة، وأنهم كشفوا عن وجهه، وصلوا عليه، وهذا مذكور في الفتح، في الجزء الثالث عشر.

تراجم رجال إسناد أثر جابر (فقدنا ابن صياد يوم الحرة)

قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ].

هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ حدثنا عبيد الله يعني: ابن موسى ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شيبان ]

هو شيبان بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سالم ].

هو سالم بن أبي الجعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

جابر بن عبد الله قد مر ذكره.

شرح حديث ( لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله)].

سبق ذكر بعض الأحاديث التي أوردها أبو داود في سننه في خبر ابن صياد ، والذي كان أمره مشتبهاً هل هو الدجال أو غير الدجال، ولكنه لا شك من جملة الدجاجلة الذين أخبر عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون، كل يزعم أنه رسول الله).

وهو وإن لم يكن الدجال الأعظم فهو من جملة الدجاجلة الذين جاءوا قبل الدجال الأعظم، والذين أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن الساعة لا تقوم حتى يزعم كل واحد من هؤلاء الدجالين أنه رسول الله، ومحمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين لا نبي بعده صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

فإيراد أبي داود رحمه الله هذا الحديث في باب ابن صياد يفيد أن ابن صياد هو من جملة الدجاجلة وإن لم يكن هو الدجال الأعظم.

تراجم رجال إسناد حديث ( لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله )

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد ].

عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن العلاء ].

هو العلاء بن عبد الرحمن الحرقي ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي هريرة ].

عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً دجالاً كلهم يكذب على الله وعلى رسوله) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله بأنه: (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً كذاباً، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله).

تراجم رجال إسناد حديث (لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً...) من طريق أخرى

[ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].

هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبي ].

هو معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا محمد يعني : ابن عمرو ].

هو محمد بن عمرو بن علقمة الوقاص الليثي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة قد مر ذكره.

شرح أثر عبيدة السلماني في عد المختار الثقفي من الدجالين الثلاثين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الجراح عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني بهذا الخبر، قال: فذكر نحوه، فقلت له: أترى هذا منهم يعني المختار ؟ فقال عبيدة : أما إنه من الرءوس ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن عبيدة السلماني أنه قيل له: أترى المختار -أي: المختار بن أبي عبيد الثقفي - منهم؟ أي: من هؤلاء الدجالين؛ قال: إنه من الرءوس، يعني: من رءوس الدجالين.

و المختار بن أبي عبيد الثقفي هو الذي جاء فيه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يخرج من ثقيف كذاب ومبير)، وهذا هو الذي قالته أسماء بنت أبي بكر في الحجاج لما قتل ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه، قالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا (أنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير)، فأما الكذاب فقد عرفناه، وهو المختار بن أبي عبيد هذا، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه، تعني: فلا أظنه إلا أنت، والمبير هو المهلك.

قوله: [ قال عبيدة : أما إنه من الرءوس ].

يعني: من رءوس الدجاجلة ومن كبارهم.

تراجم رجال إسناد أثر عبيدة السلماني في عد المختار الثقفي من الدجالين الثلاثين

قوله: [ حدثنا عبد الله بن الجراح ].

عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة .

[ عن جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مغيرة ].

هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم ].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيدة ].

هو عبيدة بن عمر السلماني ، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وهذا من رواية المغيرة عن إبراهيم ، ومغيرة معروف بالتدليس ولاسيما عن إبراهيم ، وقد ضعف الألباني هذا، ولعله بسبب رواية مغيرة عن إبراهيم .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في خبر ابن صائد .

حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـابن صائد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين، ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتيك؟ قال: يأتيني صادق وكاذب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئة، وخبأ له: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال ابن صياد : هو الدخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، فقال عمر : يا رسول الله ! ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكنه فلن تسلط عليه -يعني: الدجال-، وإلا يكنه فلا خير في قتله)].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في خبر ابن صائد ، يقال له: ابن صائد ويقال له: ابن صياد ، وهو رجل من اليهود كان في المدينة، وقد اشتبه أمره بالدجال في بعض الصفات حتى كان يظن أنه الدجال، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم في أول الأمر أن الدجال سيأخر زمنه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث التي مرت، قال: (فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإلا فامرؤ حجيج نفسه)، يعني: كل امرئ يكون حجيج نفسه.

ولكنه بعد ذلك جاء عنه أحاديث تدل على أنه يكون في آخر الزمان، وأن بين يديه أموراً، وبعده أموراً، وأنه لا يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام.

وقد التبس أمر ابن صايد ، ولهذا جاء في نفس الحديث الذي أورده أبو داود هنا عن ابن عمر أنه قال لـعمر : (إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإلا يكن هو فلا حاجة لك في قتله).

ومعنى ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يعلم عنه، وأن أمره ملتبس ومشتبه.

قوله: (عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بابن صائد في نفر في أصحابه فيهم عمر بن الخطاب ، وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام).

أي: مر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة من أصحابه وفيهم عمر ، مروا بـابن صياد وهو يلعب مع الصبيان في ذلك الأطم من أطم بني مغالة، فضرب على ظهر ابن صياد ، وقال له: (أتشهد أني رسول الله؟) فقال: أشهد أنك رسول الأميين) ، والأميون هم العرب، وكما عرفنا أن الغالب عليهم أنهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك جاء بهذا الكلام وبهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

قوله: [ (فضرب النبي صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: فنظر إليه ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسل) ].

قوله: (أتشهد أني رسول الله؟)، قاله ابن صياد ! فقال رسول الله: (آمنت بالله ورسله).

وقد قيل: كيف يقول ابن صياد هذا الكلام وهذه الدعاوى ولا يتعرض له بشيء، بل يتركه، وقد أجيب عن ذلك بجوابين:

أحدهما: أنه غير بالغ وغير مكلف، ولهذا قال في الحديث: (يلعب مع الصبيان

والأمر الثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، وهو من جملة اليهود.

قوله: [ (فقال: أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يأتيك؟ قال: يأتيني صادق وكاذب) ].

قوله: (ما يأتيك؟) يعني: من الأخبار، قال: (يأتيني صادق وكاذب)، يعني: تأتيه أشياء صدقاً وأشياء تكون كذباً، فأشياء تحصل مطابقة للواقع، وأشياء مخالفة للواقع، وهذا يدل على أنه دجال، وأنه من الكهان الذين تأتيهم الشياطين، ويأتيهم مسترق السمع، فيأتي بالكلمة من الحق فيكذبون معها مائة كذبة، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلط عليك الأمر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إني قد خبأت لك خبيئة، وخبأ له: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10]، قال ابن صياد : هو الدخ) ].

قوله: (خبأت لك خبيئة، فقال: هو الدخ) فقال عليه السلام: (اخسأ فلن تعدو قدرك). أي: لن تتجاوز قدرك، وأنك من الكهان الذين يعتمدون على ما تلقيه عليهم الشياطين.

قوله: [ (فقال عمر عمر : يا رسول الله! ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يكن هو فلن تسلط عليه)].

أي: إن يكن هو الدجال فلن تسلط عليه.

قوله: [ (وإلا يكنه فلا خير في قتله) أي: وإن لم يكن هو الدجال فلا خير لك في قتله.