شرح سنن أبي داود [439]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (اللهم رب الناس، مذهب البأس ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الرقى؟

حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب قال: قال أنس -يعني لـثابت -: ألا أرقيك برقية رسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: بلى، قال: فقال: (اللهم! رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفه شفاء لا يغادر سقماً) ].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب كيف الرقى؟ أي: بأي شيء تكون الرقية؟ وما هي الألفاظ التي يرقى بها؟ وذكر هذا الباب بعد الباب السابق الذي يدل على إثباتها، وبيان ما يجوز، وما لا يجوز، وأن ما كان شركاً أو بكلام غير معروف أو بأشياء مجهولة؛ لا يجوز، وما كان بالقرآن وبذكر الله عز وجل وبالأدعية، فإن ذلك سائغ، وبعد هذا ذكر هذه الترجمة التي هي في كيفية الرقية.

وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال لـثابت البناني ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى، فقال: (اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفه شفاءً لا يغادر سقماً).

والرقية هي الإتيان بالرقية لمن هو بحاجة إليها، وأما إذا كان تعليماً فلا يقال لها: رقية، فالظاهر أنه كان به وجع.

وهذا دعاء عظيم مشتمل على الثناء على الله عز وجل بين يدي الدعاء، وذلك بقوله: (اللهم رب الناس) فإنه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته للناس أن يذهب البأس والمرض والوجع الذي ألم بالمرقي، ثم فيه ثناء على الله بأنه هو الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاءه، ويسأله أن يكون ذلك الشفاء الذي يحصل لا يغادر سقماً، يعني: لا يترك سقماً إلا أزاله، ويحصل منه الشفاء والعافية والصحة والسلامة التامة.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم رب الناس مذهب البأس ...)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عبد الوارث ].

عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد العزيز بن صهيب ].

عبد العزيز بن صهيب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأن فيه أربعة رجال: مسدد وعبد الوارث وعبد العزيز بن صهيب وأنس بن مالك .

شرح حديث (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله القعنبي عن مالك عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال عثمان : وبي وجع قد كاد يهلكني- قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امسحه بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم) ].

أورد أبو داود حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبه وجع، فقال له: (امسحه بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)، ومعنى ذلك أنه ينفث على نفسه مع اللمس والمسح، ويأتي بهذا الدعاء الذي جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ففعل وبعد أن فعل هذا وجد الشفاء والعافية، فكان يأمر أهله وغيرهم بأن يصنعوا كما صنع؛ حتى يستفيدوا كما استفاد.

تراجم رجال إسناد حديث (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد)

قوله: [ حدثنا عبد الله القعنبي ].

عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن يزيد بن خصيفة ].

يزيد بن خصيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن عبد الله بن كعب ].

عمرو بن عبد الله بن كعب وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن نافع بن جبير ].

نافع بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عثمان بن أبي العاص ].

عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث (ربنا الله الذي له ما في السماء تقدس اسمك ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي قال: حدثنا الليث عن زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء! تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين؛ أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ) ].

أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وفيه صفة دعاء يرقى به، ولكن في إسناده زيادة، وهو ضعيف لا يحتج به، ولا يعول عليه.

قوله: [ (من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له) ].

يعني: أنه يرقي نفسه أو يرقي غيره بهذا الدعاء.

قوله: [ (فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك) ].

المراد بالسماء العلو، وليس المراد بها السماء المبنية التي خلقها الله عز وجل، فإن الله تعالى فوق هذه المخلوقات، وهو فوق العرش، والعرش أعلى شيء في المخلوقات، والله تعالى فوقه مستوٍ عليه سبحانه وتعالى، فالمراد بالسماء العلو، وكل ما علا فإنه سماء، فما فوق العرش يقال له: سماء، والله تعالى في السماء، أي: فوق العرش.

إذاً: فالله سبحانه وتعالى فوق العرش، والله في السماء أي: في العلو، وليس المراد السماء المبنية، ولا يجوز أن يتصور ذلك، فالله عز وجل لا يحويه مخلوق، بل هو أجل وأعظم من أن يحل في مخلوق أو يحويه مخلوق سبحانه وتعالى، وهذا مثل قول الله عز وجل: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: أأمنتم من في العلو، وفي حديث الجارية التي سألها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أين الله؟ قالت: في السماء) أي: في العلو، فلا يجوز أن يفهم أن المراد بالسماء السماء المخلوقة التي هي دون العرش، فالسموات السبع دون العرش وتحت العرش.

وبعض أهل العلم فسر (مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: على السماء، (ففي) بمعنى (على)، ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] أي: على جذوع النخل، وليس المراد أنه يشق الجذوع ويدخلهم فيها، لكن تفسير السماء بالعلو أوضح.

قوله: (تقدس اسمك) أي: أنه ذو قداسة، فهو منزه، واسمه منزه، وصفاته منزهة عن كل نقص وعيب.

قوله: [ (أمرك في السماء والأرض) ].

يعني: أمر الله عز وجل نافذ في السماوات وفي الأرض، فله الخلق والأمر، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فأمره في السماوات وفي الأرض؛ لأن الأمر أمره، والخلق خلقه.

قوله: [ (كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض) ].

أي: أن الله عز وجل رحمته في السماء وفي الأرض، ولكن الذين في السماء -وهم الملائكة- معصومون، ولا يحصل منهم إلا طاعة الله عز وجل، وأما الذين في الأرض ففيهم من يطيع الله، وفيهم من يعصي الله عز وجل، فسأل الله أن تكون رحمته في الأرض بأن يحصل الخير الكثير، والنفع العميم، وليس معنى ذلك أن الأرض يكون كل من فيها مهتدياً ومستقيماً، فإن الله تعالى قضى وقدر أن يكون الناس فريقين: فريقاً في الجنة، وفريقاً في السعير، ولو شاء الله عز وجل أن يكون الناس جميعاً مهتدين لفعل، كما قال الله عز وجل: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]، والرحمة العامة تحصل لكل أحد، بمعنى: أن يغدق عليهم النعم، ويوسع عليهم النعم، فهذه رحمة للمؤمنين والكفار، لكن هذا العطاء والإنعام يكون ابتلاءً وامتحاناً، فالله تعالى يبلو بالخير وبالشر كما قال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].

قوله: [ (اغفر لنا حوبنا وخطايانا) ].

المقصود بالحوب الذنوب الكبيرة والعظيمة كما قال الله: إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2]، والخطايا هي الصغائر، فجمع بين الحوب وبين الخطايا ليعم الكبيرة والصغيرة، يعني: يغفر لنا ما كان صغيراً وما كان كبيراً من ذنوبنا ومعاصينا.

قوله: [ (أنت رب الطيبين) ].

الله تعالى رب كل شيء ومليكه، لكن ذكر ربوبيته للطيبين مثل ربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل، فهو ثناء على الله عز وجل وتوسل بربوبيته لبعض خلقه.

قوله: [ (أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع) ].

أي: الذي يرقيه، ويدعو لحصول الشفاء منه.

تراجم رجال إسناد حديث (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ...)

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي ].

يزيد بن خالد بن موهب الرملي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا الليث ].

الليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيادة بن محمد ].

زيادة بن محمد، وقد يصحف إلى زياد؛ لأن اسم زياد هو الجادة المعروفة بخلاف زيادة فإن هذا الاسم غير مألوف، والتصحيف يكون من الشيء غير المألوف إلى الشيء المألوف، مثل نابت وثابت، فإن ثابتاً هو الجادة، ونابتاً على خلاف الجادة، وأحمد هو الجادة وأجمد بالجيم على خلاف الجادة، وأبا أناس على خلاف الجادة، وأبا إياس على الجادة، وهنا اسم زيادة غير مألوف وغير مشهور، والمشهور هو زياد.

وزيادة هذا منكر الحديث، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن محمد بن كعب القرظي ].

محمد بن كعب القرظي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن فضالة ].

فضالة بن عبيد وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن .

[ عن أبي الدرداء ].

أبو الدرداء عويمر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (كان يعلمهم من الفزع كلمات ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون).

وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فأعلقه عليه ].

ثم أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وأليم عقابه، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون)، وكلمات الله هنا هي الكونية والشرعية، فالكلمات الشرعية هي كلامه الذي تكلم به، ومن ذلك القرآن، وكلام الله عز وجل الذي لا يتناهى ولا ينحصر، والكلمات الكونية مقاديره التي قدر بها الأشياء بقوله: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117]، فهذه كلمات كونية، وكلها في غاية التمام، والله تعالى لا راد لحكمه، ولا راد لقضائه وقدره، فإرادته نافذة، ومشيئته نافذة، ولا يتخلف ما أراد الله كوناً أن يكون، وكذلك كلمات الله عز وجل الشرعية تامة في أخبارها فكلها صدق، وفي أوامرها ونواهيها فكلها عدل وحكمة، قال الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام وفي الأوامر والنواهي.

قوله: (من غضبه وأليم عقابه) يعني: من كونه يغضب، فمن صفاته سبحانه وتعالى الغضب، وينتج عن الغضب العقاب. (ومن همزات الشياطين وأن يحضرون) يعني: ما يحصل منهم من وسوسة، وأن يحضرون بأن يكونوا معه؛ لأنهم إذا ابتعدوا عن العبد فهو في خير، وإذا قربوا منه فهو في شر.

قوله: [ وكان ابن عمرو يعلمها بنيه، ومن لم يعقل فإنه يكتبها ويعلقها عليه ] يعني: من لا يعرف أن يتكلم لصغره يعلقها عليه، وهذا الذي جاء عن ابن عمرو مخالف لما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن تعليق التمائم، وبيان أنها من الشرك، وهذا الأثر لم يثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما؛ لأن فيه عنعنة ابن إسحاق ، ولكن هذا الدعاء جاء ما يدل عليه ويشهد له، وأما الأثر فليس بثابت، وهو مخالف لما جاء في الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من النهي عن التمائم.

قوله في الحديث: (وأن يحضرون) مثل قوله تعالى: وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:98] والنون من (يحضرون) مكسورة، وهي بدون ياء بعدها، ولكونها في آخر الآية يوقف عليها ولا يتنبه الإنسان إلى حركتها؛ لأن الحركة لا تعرف إلا عن طريق الوصل، فقد يظن الإنسان أنها مفتوحة، ومثل هذه الآية الآية التي في آخر سورة الذاريات: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ [الذاريات:59] فالنون مكسورة، وقد يظن الإنسان أنها مفتوحة.

تراجم رجال إسناد حديث (كان يعلمهم من الفزع كلمات ..)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن محمد بن إسحاق ].

محمد بن إسحاق المدني صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عمرو بن شعيب ].

عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القرءة وأصحاب السنن.

[عن أبيه ].

شعيب بن محمد وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن جده ].

عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن أبي سريد الرازي أخبرنا مكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة رضي الله عنه فقلت: ما هذه؟ فقال: أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة ، فأتي بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنفث في ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة) ].

أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه رئي فيه مكان ضربة في رجله فسئل عنها، فقال: أصابتني في إحدى الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: أصيب سلمة ، فجيء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فنفث عليه ثلاث نفثات فشفي فلم يشتك بعد ذلك، وليس في الحديث ذكر المرقي به، ولكن ذكر كيفية الرقية وأنها بالنفث.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ..)

قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ].

أحمد بن أبي سريج الرازي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ أخبرنا مكي بن إبراهيم ].

مكي بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ البخاري الكبار الذين روى عنهم بعض الثلاثيات في صحيحة، فقد روى الثلاثيات عن بعض شيوخه الكبار المتقدمين الذين هم من أتباع التابعين، فـ البخاري إذا روى عن ثلاثة فهم صحابي وتابعي وتابع تابعي، فـمكي بن إبراهيم من أتباع التابعين؛ لأنه يروي عن يزيد بن أبي عبيد وهو تابعي، ويزيد بن أبي عبيد يروي عن سلمة بن الأكوع وهو صحابي، فـمكي بن إبراهيم أحد شيوخ البخاري الكبار الذين روى عنهم بعض الثلاثيات، والثاني أبو عاصم النبيل ، والثالث محمد بن عبد الله الأنصاري .

[ حدثنا يزيد بن أبي عبيد ].

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سلمة ].

سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (تربة أرضنا بريقة بعضنا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد ربه -يعني ابن سعيد - عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول للإنسان إذا اشتكى، يقول بريقه ثم قال به في التراب: تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربنا) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى أحد يقول بريقه -أي: أنه يضع إصبعه على ريقه فيصيبه البلل- ثم يضعه على التراب، ثم يمسح به على المكان الذي فيه الوجع، والإصبع يكون فيها ببلل، والبلل علق به تراب من الأرض، ثم بعد ذلك ينفث مع تحريك الإصبع.

قوله: (تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفي سقيمنا، بإذن ربنا).

قوله: (تربة أرضنا) قيل المقصود بها: سائر الأرض، فهذا يفعل في كل مكان، ومنهم من يقول: المراد بها تربة المدينة، وتعميمه أظهر؛ لأنه لم يأت شيء يبين أن هذا خاص بالمدينة وأنه لا يستعمل إلا في المدينة.

قوله: (يشفي سقيمنا) أي: يشفي الله سقيمنا، فالفاعل هو الله، والسقيم هو المفعول به، وإن كان الضبط بالضم فالسقيم المشفي نائب فاعل، أي: يُشفى سقيمنا.

تراجم رجال إسناد حديث (تربة أرضنا بريقة بعضنا ..)

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي .

[ وعثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا سفيان بن عيينة ].

سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد ربه يعني ابن سعيد ].

عبد ربه بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرة ].

عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية وهي ثقة مكثرة من الرواية عن عائشة ، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن زكريا قال: حدثني عامر عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه رضي الله عنه (أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم، ثم أقبل راجعاً من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيء تداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرئ، فأعطوني مائة شاة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال: هل إلا هذا؟ وقال مسدد في موضع آخر: هل قلت غير هذا؟ قلت: لا، قال: خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن عم خارجة بن الصلت رضي الله تعالى عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم، ورجع فلقي قوماً عندهم رجل مجنون به مس موثق بالحديد، فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل فهل عندك من شيء تعالجه به؟ فقال: نعم، فرقاه بفاتحة الكتاب فشفي، فأعطوه مائة من الغنم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)، وهذا يدل على مشروعية الرقية بفاتحة الكتاب، وأن أخذ شيء على الرقية سائغ؛ لأن هذا من قبيل ا

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الرقى؟

حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب قال: قال أنس -يعني لـثابت -: ألا أرقيك برقية رسول صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: بلى، قال: فقال: (اللهم! رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفه شفاء لا يغادر سقماً) ].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب كيف الرقى؟ أي: بأي شيء تكون الرقية؟ وما هي الألفاظ التي يرقى بها؟ وذكر هذا الباب بعد الباب السابق الذي يدل على إثباتها، وبيان ما يجوز، وما لا يجوز، وأن ما كان شركاً أو بكلام غير معروف أو بأشياء مجهولة؛ لا يجوز، وما كان بالقرآن وبذكر الله عز وجل وبالأدعية، فإن ذلك سائغ، وبعد هذا ذكر هذه الترجمة التي هي في كيفية الرقية.

وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال لـثابت البناني ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: بلى، فقال: (اللهم رب الناس، مذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، اشفه شفاءً لا يغادر سقماً).

والرقية هي الإتيان بالرقية لمن هو بحاجة إليها، وأما إذا كان تعليماً فلا يقال لها: رقية، فالظاهر أنه كان به وجع.

وهذا دعاء عظيم مشتمل على الثناء على الله عز وجل بين يدي الدعاء، وذلك بقوله: (اللهم رب الناس) فإنه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته للناس أن يذهب البأس والمرض والوجع الذي ألم بالمرقي، ثم فيه ثناء على الله بأنه هو الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاءه، ويسأله أن يكون ذلك الشفاء الذي يحصل لا يغادر سقماً، يعني: لا يترك سقماً إلا أزاله، ويحصل منه الشفاء والعافية والصحة والسلامة التامة.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع