شرح سنن أبي داود [438]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (اكشف البأس رب الناس)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرقى.

حدثنا أحمد بن صالح وابن السرح قال أحمد: حدثنا ابن وهب وقال ابن السرح : أخبرنا ابن وهب ، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن يحيى عن يوسف بن محمد، وقال ابن صالح : محمد بن يوسف بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده رضي الله عنهما: (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه دخل على ثابت بن قيس ، قال أحمد : وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس ، ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء وصبه عليه).

قال أبو داود: قال ابن السرح : يوسف بن محمد، وهو الصواب ].

أورد أبو داود باب في الرقى، والرقى منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فالسائغ ما كان بالقرآن وبالأذكار والأدعية المباحة، وغير السائغ ما كان فيه شرك وتعلق بغير الله، أو فيه أمور مجهولة بلغة غير معروفة، أو بكلام غير معروف.

وأورد أبو داود حديث ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه يعوده وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس)، وهذا دعاء.

قوله: [ (ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء وصبه عليه) ].

محل الشاهد قوله: (نفث عليه) يعني: نفث على الماء رقية، وصبه عليه، وهذا الحديث فيه دلالة على جواز النفث في الماء، وعلى الرقية في الماء واستعمال المريض لها، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه يوسف بن محمد وهو مقبول، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أثر صحيح في مصنف ابن أبي شيبة أنها كانت لا ترى بأساً أن يقرأ في الماء، ثم يسقى المريض أو يصب على المريض، وأما صب الماء على التراب فلم يأت إلا من هذه الطريق التي فيها يوسف ، فيكون غير ثابت، والذي ثبت هو أثر عائشة أنها كانت ترى أن ينفث في الماء، ويشربه المريض أو يصب على المريض.

تراجم رجال إسناد حديث (اكشف البأس رب الناس)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ وابن السرح ].

أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ قال أحمد: حدثنا ابن وهب ، وقال ابن السرح : أخبرنا ابن وهب ].

يعني: اختلفا في الصيغة، فالأول قال: حدثنا، والثاني قال أخبرنا، وكلاهما يروي عن ابن وهب ، وهو عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا داود بن عبد الرحمن ].

داود بن عبد الرحمن وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن يحيى ].

عمرو بن يحيى المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يوسف بن محمد، وقال ابن صالح : محمد بن يوسف ].

محمد بن يوسف مقلوب، وقد رجح أبو داود أنه يوسف بن محمد ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود.

[ عن أبيه ].

وهو محمد بن ثابت له رؤية، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن أبيه ].

هو ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

شرح حديث: (... لا بأس بالرقى مالم تكن شركاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني معاوية عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) ].

أورد أبو داود حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: (اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فأتى بقاعدة عامة، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).

إذاً: فالرقى تنقسم إلى قسمين:

الأول: أن تكون شركاً أو تشتمل على شيء مجهول لا يدرى معناه، وقد يكون مشتملاً على شرك، فهذا لا يجوز الإتيان به.

الثاني: ما كان فيه ذكر لله، وتلاوة القرآن، وأدعية مباحة، فهذا يجوز الرقية به.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لا بأس بالرقى مالم تكن شركاً)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني معاوية ].

معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الرحمن بن جبير ].

عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عوف بن مالك ].

عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (ألا تعلِّمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا علي بن مسهر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها أنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عند حفصة رضي الله عنها فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة) ].

أورد أبو داود حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي عند حفصة فقال لها: (ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟)، والنملة قروح تكون في الجنب وتعالج بالرقى، ولعل هذه الرقية التي كانت عند الشفاء كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها، ولم يكن فيها شيء محذور، وكانت علمت حفصة الكتابة، وفي هذا دليل على جواز تعليم النساء الكتابة وأنه لا بأس بذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر ذلك في هذا الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث (ألا تعلّمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة)

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ].

إبراهيم بن مهدي المصيصي مقبول، أخرج له أبو داود .

[ حدثنا علي بن مسهر ].

علي بن مسهر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ].

عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن صالح بن كيسان ].

صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ].

أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن الشفاء بنت عبد الله ].

الشفاء رضي الله عنها، وحديثها أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي .

شرح حديث: (لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عثمان بن حكيم حدثتني جدتي الرباب قالت: سمعت سهل بن حنيف رضي الله عنه يقول: (مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموماً، فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مروا أبا ثابت يتعوذ، قالت: فقلت: يا سيدي! والرقى صالحة؟ فقال: لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة) ].

قوله: [ (مررنا بسيل فاغتسلت فيه، فخرجت منه محموماً، فنمي ذلك) ] يعني: بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أنه دخل في السيل، وأنه خرج محموماً قد أصابته الحمى.

قوله: (مروا أبا ثابت يتعوذ) أبو ثابت هي كنية سهل بن حنيف، ومعنى يتعوذ: يستعيذ بالله من الشيطان.

قوله: [ (لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة) ].

النفس هي العين، والحمة هي حصول اللدغ من ذوات السموم، واللدغة بمعنى الحمة.

وقول الرباب: (يا سيدي!) أي: أنها تخاطب سهل بن حنيف ، وهي ليست صحابية، ويحتمل أن القائل: (يا سيدي) هو سهل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام.

وقوله: (يتعوذ) لم يذكر الرقية، إلا أن يكون تعوذاً معه رقية.

والحديث في سنده الرباب وهي مقبولة، فالحديث ضعيف من أجلها.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد ].

عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عثمان بن حكيم ].

عثمان بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثتني جدتي الرباب ].

الرباب مقبولة، أخرج لها أبو داود والنسائي .

[ سمعت سهل بن حنيف ].

سهل بن حنيف صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : الحمة من الحيات وما يلسع ].

يعني: وما يلسع من غير الحيات.

شرح حديث: (لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود حدثنا شريك ح وحدثنا العباس العنبري حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي ، قال العباس: عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لارقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ).

لم يذكر العباس العين، وهذا لفظ سليمان بن داود ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ).

وقد تقدم تفسير العين والحمة، ومعنى (دم يرقأ): دم ينزف كالرعاف، فتكون الرقية ليرقأ، أي: ليقف.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم يرقأ)

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ].

سليمان بن داود الزهراني أبو الربيع ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا شريك ].

شريك بن عبد الله النخعي الكوفي وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ح وحدثنا العباس العنبري ].

العباس العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا يزيد بن هارون ].

يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا شريك عن العباس بن ذريح ].

العباس بن ذريح ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن الشعبي ].

هو عامر بن شراحيل مر ذكره.

[ عن أنس ].

أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والشيخ الألباني ضعف هذا الحديث، ولا أدري وجه تضعيفه هل هو من جهة شريك أو لشيء آخر؟ وهذا الحديث يشهد له ما تقدم إلا قوله: (أو دم يرقأ).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الرقى.

حدثنا أحمد بن صالح وابن السرح قال أحمد: حدثنا ابن وهب وقال ابن السرح : أخبرنا ابن وهب ، قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن يحيى عن يوسف بن محمد، وقال ابن صالح : محمد بن يوسف بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده رضي الله عنهما: (عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه دخل على ثابت بن قيس ، قال أحمد : وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس ، ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء وصبه عليه).

قال أبو داود: قال ابن السرح : يوسف بن محمد، وهو الصواب ].

أورد أبو داود باب في الرقى، والرقى منها ما هو سائغ ومنها ما هو غير سائغ، فالسائغ ما كان بالقرآن وبالأذكار والأدعية المباحة، وغير السائغ ما كان فيه شرك وتعلق بغير الله، أو فيه أمور مجهولة بلغة غير معروفة، أو بكلام غير معروف.

وأورد أبو داود حديث ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه يعوده وهو مريض، فقال: اكشف البأس رب الناس عن ثابت بن قيس بن شماس)، وهذا دعاء.

قوله: [ (ثم أخذ تراباً من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء وصبه عليه) ].

محل الشاهد قوله: (نفث عليه) يعني: نفث على الماء رقية، وصبه عليه، وهذا الحديث فيه دلالة على جواز النفث في الماء، وعلى الرقية في الماء واستعمال المريض لها، لكن هذا الحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه يوسف بن محمد وهو مقبول، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أثر صحيح في مصنف ابن أبي شيبة أنها كانت لا ترى بأساً أن يقرأ في الماء، ثم يسقى المريض أو يصب على المريض، وأما صب الماء على التراب فلم يأت إلا من هذه الطريق التي فيها يوسف ، فيكون غير ثابت، والذي ثبت هو أثر عائشة أنها كانت ترى أن ينفث في الماء، ويشربه المريض أو يصب على المريض.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع