خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [391]
الحلقة مفرغة
شرح حديث عبادة (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً)
باب في كسب المعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله! رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، فقال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها).
حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا: حدثنا بقية قال: حدثني بشر بن عبد الله بن يسار قال عمرو : وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه نحو هذا الخبر، والأول أتم، (فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها) ].
أورد أبو داود كتاب الإجارة، وقد مر كتاب البيوع، والبيوع يتعلق ببيع الأعيان، ويكون على الدوام والتأبيد، بمعنى أن الإنسان يبيع السلعة ويأخذ ثمنها، والمشتري يأخذ السلعة ويملكها باستمرار، لا ترجع إلى المالك، بل من اشترى -مثلاً- أرضاً فإنها تبقى في ملكه حتى تخرج من ملكه ببيع أو إرث أو غير ذلك، أما الإجارة فهي تعتبر بمثابة بيع المنافع، ولا بد فيها من التحديد بمدة معينة، ولا يجوز أن يكون الأجل مجهولاً، بل لا بد أن يكون الأجل معلوماً، لمدة سنة أو لمدة سنتين، وكلما انتهت السنة -مثلاً- إما أن يجدد العقد وإما أن يترك أحدهما تجديده، وفي أثناء المدة ليس لأحد منهما أن يفسخ العقد؛ لأنه عقد لازم من الطرفين، فليس للمالك أن يخرج المستأجر قبل انتهاء المدة، وليس للمستأجر أن يخرج ويقول: استلم أرضك أو استلم عمارتك، أنا لا أريد أن أستمر؛ لأنه عقد لازم، ولا يتم الفسخ في أثناء المدة إلا برضا الطرفين، فالإجارة عقد على المنافع، والمنافع توجد شيئاً فشيئاً.
والعلماء متفقون على جواز الإجارة، ولم يخالف فيها إلا ابن علية والأصم ، وابن علية هو إبراهيم بن إسماعيل ، كما قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك، وأبو بكر بن كيسان الأصم معتزلي، فهما من المبتدعة، وكلامهما وجوده مثل عدمه.
ثم كيف تكون الإجارة ممنوعة أو محرمة، والحال أنه لا يستغني أحد عنها، لأنه لا يستطيع الإنسان أن يملك كل شيء، وأن يكون عارفاً لكل مهنة، فلا يحتاج إلى أن يستأجر كهربائياً أو يستأجر سباكاً؟ هذا شيء غير معقول وغير صحيح، والمسألة مجمع عليها، ولم يخالف فيها إلا هذان المبتدعان.
أورد أبو داود باب كسب المعلم، يعني كون المعلم يأخذ أجرة على تعليمه، هل له ذلك أو ليس له ذلك؟
العلماء اختلفوا في هذا، فمنهم من قال: إن المعلم لا يأخذ الأجرة، ولكنه يأخذ الجعل الذي يوضع له في بيت المال أو في أوقاف المسلمين على من يعمل أعمال القربات مثل تعليم العلم النافع وتعليم القرآن، فيأخذ الجعل ولا يأخذ الأجرة، ولا يقال: إنه أجير، ولكن يقال: إنه يعمل عملاً طيباً، ويأخذ الجعل الذي خصص في بيت المال أو في أوقاف المسلمين أو من أهل حي أو أهل قرية.
ومن العلماء من قال: إن أخذ الأجرة على التعليم جائزة، ويستدلون بقصة الذي رقى اللديغ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، قالوا: فهذا يدل على جواز الإجارة على تعليم القرآن.
وكذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (زوجتك على ما معك من القرآن)، فقد جعل المهر تعليمها سوراً من القرآن.
ولا شك أن على معلم القرآن أن يريد القربة والثواب، وإذا أخذ الشيء الذي جعل له فقد أخذ شيئاً من الثواب المعجل له في الدنيا قبل الآخرة، ولكن لا ينبغي أن تكون القرب كالمهن الأخرى، فلا يفعل القربة إلا بشيء معلوم، فقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب آداب المشي إلى الصلاة أنه قيل للإمام أحمد : إن رجلاً يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً فقال: أسأل الله العافية! ومن يصلي خلف هذا؟!
يعني: أن هذا همه الدنيا، ولا يعمل إلا للدنيا، لكن إذا كانت هناك أموال في بيت المال أو أوقاف مخصصة لمن يقوم بهذا العمل المشروع الذي هو قربة إلى الله عز وجل، أو اتفق أناس فيما بينهم على أنهم يطلبون من أحد المعلمين أن يعلم أولادهم، ويجعلون له جعلاً يعطونه إياه في مقابل تعليمه؛ فهذا لا شك أنه سائغ وجائز.
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريقين، وفيه أنه علم بعض أهل الصفة الكتابة والقرآن، وأنه أهدى له قوساً، فأخذه وتردد في قبوله وفي حله له، فجاء يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (جمرة من نار بين كتفيك)، وفي اللفظ الآخر: (إن أحببت أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها) .
وهذا يدل على تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقال بعض أهل العلم في التوفيق بين هذا وبين ما جاء في جواز أخذ الأجرة: يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متعيناً عليه أنه يعلم القرآن، وليس هناك أحد غيره يقوم بهذا العمل، فإنه يقوم به في غير مقابل، أما إن كان غير متعين عليه فله أن يأخذ الأجرة.
ومنهم من قال: إذا كان فعله على سبيل الاحتساب فليس له أن يأخذ عليه شيئاً، وأما إذا كان في نيته أنه إذا أعطي شيئاً في مقابل عمله فإنه سيأخذه، فإن ذلك لا بأس به، ويكون حديث عبادة بن الصامت محمولاً على أنه فعل أمراً مشروعاً متبرعاً متطوعاً ثم أخذ عليه شيئاً مقابل تطوعه، وأما الأجرة على الرقية فسيأتي ذكرها في الباب الذي بعد هذا.
تراجم رجال إسناد حديث (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً)
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا وكيع ].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ].
حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مغيرة بن زياد ].
صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عبادة بن نسي ].
عبادة بن نسي وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن.
[ عن الأسود بن ثعلبة ].
الأسود بن ثعلبة وهو مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[ عن عبادة بن الصامت ].
عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه مجهول، ولكن الطريق الثاني يشهد له ويؤيده ويقويه.
قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].
عمرو بن عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وكثير بن عبيد ].
كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا بقية ].
بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني بشر بن عبد الله بن يسار ].
بشر بن عبد الله بن يسار وهو صدوق، أخرج له أبو داود .
[ قال عمرو : وحدثني عبادة بن نسي ].
عمرو هو عمرو بن عثمان .
وقوله: وحدثني عبادة بن نسي يدل على أنه أخبره بهذا وبغيره؛ لأن هذه العبارة: (وأخبرني) تدل على أنه يوجد شيء محذوف، بدليل واو العطف، وهم يلتزمون الإتيان بها في الأسانيد من أجل دلالتها على أن هناك شيئاً آخر معطوفاً على هذا، بخلاف ما إذا كانت الرواية بدون عطف، فإنه يقول: أخبرني بدون واو.
[ عبادة بن نسي ].
مر ذكره.
[ عن جنادة بن أبي أمية ].
جنادة بن أبي أمية تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبادة بن الصامت ].
مر ذكره.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الإجارة.
باب في كسب المعلم.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله! رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، فقال: إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها).
حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا: حدثنا بقية قال: حدثني بشر بن عبد الله بن يسار قال عمرو : وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه نحو هذا الخبر، والأول أتم، (فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها) ].
أورد أبو داود كتاب الإجارة، وقد مر كتاب البيوع، والبيوع يتعلق ببيع الأعيان، ويكون على الدوام والتأبيد، بمعنى أن الإنسان يبيع السلعة ويأخذ ثمنها، والمشتري يأخذ السلعة ويملكها باستمرار، لا ترجع إلى المالك، بل من اشترى -مثلاً- أرضاً فإنها تبقى في ملكه حتى تخرج من ملكه ببيع أو إرث أو غير ذلك، أما الإجارة فهي تعتبر بمثابة بيع المنافع، ولا بد فيها من التحديد بمدة معينة، ولا يجوز أن يكون الأجل مجهولاً، بل لا بد أن يكون الأجل معلوماً، لمدة سنة أو لمدة سنتين، وكلما انتهت السنة -مثلاً- إما أن يجدد العقد وإما أن يترك أحدهما تجديده، وفي أثناء المدة ليس لأحد منهما أن يفسخ العقد؛ لأنه عقد لازم من الطرفين، فليس للمالك أن يخرج المستأجر قبل انتهاء المدة، وليس للمستأجر أن يخرج ويقول: استلم أرضك أو استلم عمارتك، أنا لا أريد أن أستمر؛ لأنه عقد لازم، ولا يتم الفسخ في أثناء المدة إلا برضا الطرفين، فالإجارة عقد على المنافع، والمنافع توجد شيئاً فشيئاً.
والعلماء متفقون على جواز الإجارة، ولم يخالف فيها إلا ابن علية والأصم ، وابن علية هو إبراهيم بن إسماعيل ، كما قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك، وأبو بكر بن كيسان الأصم معتزلي، فهما من المبتدعة، وكلامهما وجوده مثل عدمه.
ثم كيف تكون الإجارة ممنوعة أو محرمة، والحال أنه لا يستغني أحد عنها، لأنه لا يستطيع الإنسان أن يملك كل شيء، وأن يكون عارفاً لكل مهنة، فلا يحتاج إلى أن يستأجر كهربائياً أو يستأجر سباكاً؟ هذا شيء غير معقول وغير صحيح، والمسألة مجمع عليها، ولم يخالف فيها إلا هذان المبتدعان.
أورد أبو داود باب كسب المعلم، يعني كون المعلم يأخذ أجرة على تعليمه، هل له ذلك أو ليس له ذلك؟
العلماء اختلفوا في هذا، فمنهم من قال: إن المعلم لا يأخذ الأجرة، ولكنه يأخذ الجعل الذي يوضع له في بيت المال أو في أوقاف المسلمين على من يعمل أعمال القربات مثل تعليم العلم النافع وتعليم القرآن، فيأخذ الجعل ولا يأخذ الأجرة، ولا يقال: إنه أجير، ولكن يقال: إنه يعمل عملاً طيباً، ويأخذ الجعل الذي خصص في بيت المال أو في أوقاف المسلمين أو من أهل حي أو أهل قرية.
ومن العلماء من قال: إن أخذ الأجرة على التعليم جائزة، ويستدلون بقصة الذي رقى اللديغ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، قالوا: فهذا يدل على جواز الإجارة على تعليم القرآن.
وكذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (زوجتك على ما معك من القرآن)، فقد جعل المهر تعليمها سوراً من القرآن.
ولا شك أن على معلم القرآن أن يريد القربة والثواب، وإذا أخذ الشيء الذي جعل له فقد أخذ شيئاً من الثواب المعجل له في الدنيا قبل الآخرة، ولكن لا ينبغي أن تكون القرب كالمهن الأخرى، فلا يفعل القربة إلا بشيء معلوم، فقد نقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتاب آداب المشي إلى الصلاة أنه قيل للإمام أحمد : إن رجلاً يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً فقال: أسأل الله العافية! ومن يصلي خلف هذا؟!
يعني: أن هذا همه الدنيا، ولا يعمل إلا للدنيا، لكن إذا كانت هناك أموال في بيت المال أو أوقاف مخصصة لمن يقوم بهذا العمل المشروع الذي هو قربة إلى الله عز وجل، أو اتفق أناس فيما بينهم على أنهم يطلبون من أحد المعلمين أن يعلم أولادهم، ويجعلون له جعلاً يعطونه إياه في مقابل تعليمه؛ فهذا لا شك أنه سائغ وجائز.
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريقين، وفيه أنه علم بعض أهل الصفة الكتابة والقرآن، وأنه أهدى له قوساً، فأخذه وتردد في قبوله وفي حله له، فجاء يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (جمرة من نار بين كتفيك)، وفي اللفظ الآخر: (إن أحببت أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها) .
وهذا يدل على تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقال بعض أهل العلم في التوفيق بين هذا وبين ما جاء في جواز أخذ الأجرة: يحمل هذا الحديث على ما إذا كان متعيناً عليه أنه يعلم القرآن، وليس هناك أحد غيره يقوم بهذا العمل، فإنه يقوم به في غير مقابل، أما إن كان غير متعين عليه فله أن يأخذ الأجرة.
ومنهم من قال: إذا كان فعله على سبيل الاحتساب فليس له أن يأخذ عليه شيئاً، وأما إذا كان في نيته أنه إذا أعطي شيئاً في مقابل عمله فإنه سيأخذه، فإن ذلك لا بأس به، ويكون حديث عبادة بن الصامت محمولاً على أنه فعل أمراً مشروعاً متبرعاً متطوعاً ثم أخذ عليه شيئاً مقابل تطوعه، وأما الأجرة على الرقية فسيأتي ذكرها في الباب الذي بعد هذا.
قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ].
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا وكيع ].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وحميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ].
حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مغيرة بن زياد ].
صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن عبادة بن نسي ].
عبادة بن نسي وهو ثقة أخرج له أصحاب السنن.
[ عن الأسود بن ثعلبة ].
الأسود بن ثعلبة وهو مجهول، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[ عن عبادة بن الصامت ].
عبادة بن الصامت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث فيه مجهول، ولكن الطريق الثاني يشهد له ويؤيده ويقويه.
قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].
عمرو بن عثمان هو ابن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ وكثير بن عبيد ].
كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثنا بقية ].
بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني بشر بن عبد الله بن يسار ].
بشر بن عبد الله بن يسار وهو صدوق، أخرج له أبو داود .
[ قال عمرو : وحدثني عبادة بن نسي ].
عمرو هو عمرو بن عثمان .
وقوله: وحدثني عبادة بن نسي يدل على أنه أخبره بهذا وبغيره؛ لأن هذه العبارة: (وأخبرني) تدل على أنه يوجد شيء محذوف، بدليل واو العطف، وهم يلتزمون الإتيان بها في الأسانيد من أجل دلالتها على أن هناك شيئاً آخر معطوفاً على هذا، بخلاف ما إذا كانت الرواية بدون عطف، فإنه يقول: أخبرني بدون واو.
[ عبادة بن نسي ].
مر ذكره.
[ عن جنادة بن أبي أمية ].
جنادة بن أبي أمية تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبادة بن الصامت ].
مر ذكره.
شرح حديث (من أين علمتم أنها رقية)
حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رهطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، فنزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، قال: فلدغ سيد ذلك الحي، فشفوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم لعل أن يكون عند بعضهم شيء ينفع صاحبكم، فقال بعضهم: إن سيدنا لدغ، فشفينا له بكل شيء فلا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء يشفي صاحبنا؟ يعني: رقية، فقال رجل من القوم: إني لأرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا، ما أنا براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له قطيعاً من الشاء، فأتاه فقرأ عليه بأم الكتاب ويتفل حتى برأ كأنما أنشط من عقال، فأوفاهم جعلهم الذي صالحوه عليه، فقالوا: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أين علمتم أنها رقية؟! أحسنتم واضربوا لي معكم بسهم) ].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي كسب الأطباء يعني: أنه مباح وسائغ، وكون الطبيب يأخذ أجرة على تطبيبه وعلاجه لا بأس بذلك؛ لأنه بذل جهداً وعملاً، وأخذه الأجرة مقابل ذلك سائغ، وليس من قبيل التعليم؛ لأن الهداية ما تعرف إلا بالقرآن والسنة، وأما العلاج فإنه يأتي من طرق متعددة، فإنه ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا في سفر مع جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمروا بحي من العرب فاستضافوهم فلم يضيفوهم يعني: ما أعطوهم حق الضيافة وما قدموا لهم الضيافة، فكانوا قريبين منهم، فلدغت سيدهم دابة من ذوات السموم (حية أو عقرب) فبحثوا عن كل شيء يعالجونه به فما حصل شفاؤه، وبقي على تألمه وتأثره وتضرره، فقال بعضهم: لو أنكم رأيتم هؤلاء الذين نزلوا بكم عسى أن يكون معهم شيء يشفي، فجاءوا إليهم وقالوا لهم: هل عندكم من شيء يشفي، فقد فعلنا كل ما نستطيع من أجل شفاء سيدنا مما أصابه فلم نجد شيئاً، فلعل أن يكون عندكم رقية؟
فقال بعضهم: إني لراق، ولكننا استضفناكم فلم تضيفونا، فلست براق حتى تجعلوا لي جعلاً، فجعلوا له قطيعاً من الغنم، فقرأ عليه فاتحة الكتاب، فقام كأنما أنشط من عقال، يعني قام كأنه ما حصل به أي شيء، وشفي تماماً.
وأصل كلمة (أنشط من عقال) أن البعير يعقل بعقال في يده، وإذا أريد أن يقوم من أجل استخدامه والاستفادة منه بالركوب أو الحمل عليه؛ فك عقاله الذي كان يمنعه من القيام، فإذا فك عقاله قام بسرعة، وهذا الشخص مثل البعير الذي ربطت يده في العقال، وكان يحاول أن يقوم فلا يتمكن، فعندما فك العقال قام بسرعة، فهذا عندما قرأ عليه شفي.
فأعطوهم المقدار الذي اتفقوا معهم عليه، وقد كان الاتفاق مع الراقي، ولكنه صار لهم جميعاً، وهذا من مكارم الأخلاق ومن محاسن العادات، حيث إن الرفقة يشتركون في هذه الأجرة، ولا يختص بها الراقي وحده عن رفاقه وأصحابه.
ولما أرادوا أن يأكلوا ترددوا، لأن هذه الغنم مقابل قراءة، فخشوا أن يكون ذلك ممنوعاً، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسألوه وقال: (أحسنتم، اضربوا لي معكم بسهم)، ويريد بذلك أن تطييب خواطرهم، وليس ذلك رغبة في أن يكون له نصيب مما حصلوا، لكنه لما رآهم مترددين متوقفين أراد أن يطيب خواطرهم بأن يشاركهم في الأكل من هذا الشيء الذي هم متوقفون فيه، حتى يطمئنوا إلى أن هذا الذي حصلوه حلال، وهذا الذي حصل لهم مقابل علاج، وليس مقابل تعليم؛ لأن التعليم فيه الهداية، والهداية لا تكون إلا بطريق القرآن والسنة، وأما العلاج فيكون بطريق القرآن وغير القرآن، ولهذا قال: (كسب الأطباء)؛ لأن هذا يعتبر من قبيل الطب؛ لأنه عالجه وبرأ من اللدغة بهذا العلاج، فدل على أن أخذ الطبيب للأجرة جائز، وليس هو من قبيل التعليم؛ لأن التعليم فيه الهداية وفيه الخروج من الظلمات إلى النور وفيه سعادة الدنيا والآخرة، وأما هذا فليس فيه إلا الشفاء من المرض، والعلاج يكون بالقرآن وبغير القرآن، ولكن الهداية لا سبيل إليها إلا عن طريق الكتاب والسنة، وهو الوحي الذي جاء به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد قيل: إن الذي رقى هو أبو سعيد رضي الله عنه، ولكنه أبهم نفسه، والراوي قد يبهم نفسه، ولا بأس بهذا، وهو صادق في قوله: (قال رجل من القوم)، فهو من القوم.
قوله: [ فأوفوهم جعلهم الذي صالحوه عليه، فقالوا: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا ].
المراد أنهم يقتسمون هذا الجعل، وإن كان الذي رقى واحداً، وكونه يشترك ورفقته في هذا الجعل من مكارم الأخلاق .
قوله: [ فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستأمره ]
هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من التورع ومن الرجوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام في معرفة الأحكام الشرعية.
قوله: [ فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أين علمتم أنها رقية؟! أحسنتم، واضربوا لي معكم بسهم) ].
قال هذا تطييباً لخواطرهم، حتى لا يكون في نفوسهم شيء وتردد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو سيد الخلق- سيأكل من هذا الشيء الذي حصلوه، ويشاركهم فيه.
تراجم رجال إسناد حديث (من أين علمتم أنها رقية)
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو عوانة ].
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي بشر ].
هو جعفر بن إياس بن أبي وحشية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي المتوكل ].
أبو المتوكل الناجي هو علي بن داود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ].
هو سعد بن مالك بن سنان ، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث (من أين علمتم أنها رقية) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
أورد المصنف طريقاً آخر لهذا الحديث، ولم يسق المتن، وأحال إلى متن الرواية السابقة.
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا يزيد بن هارون ].
يزيد بن هارون الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا هشام بن حسان ].
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن سيرين ].
محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أخيه معبد بن سيرين ].
معبد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن أبي سعيد ].
مر ذكره.
شرح حديث (كل فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
أورد أبو داود حديث عم خارجة بن الصلت وهو علاقة بن سحار ، وأنه مر بأناس وفيهم رجل معتوه مقيد، فطلبوا منه أن يرقيه، فرقاه بفاتحة الكتاب، فكان يقرأ ثم يتفل عليه، وبعدما قرأ عليه شفي، فأعطوه جعلاً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (كل؛ فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق).
وقوله: (لعمري) هذه من الصيغ المؤكدة، وليست قسماً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعمل هذا كما في هذا الحديث، وعائشة رضي الله عنها كانت تستعمل هذا كما جاء عنها أنها قالت: لعمري ما أتم الله عمرة من لم يطف بين الصفا والمروة، وكذلك يستعمله العلماء من أهل السنة، فهو ليس من ألفاظ القسم، وإنما هو من ألفاظ تأكيد الكلام، والشيخ حماد الأنصاري رحمه الله كتب في هذا بحثاً، وهو منشور في مجلة الجامعة بعنوان (لعمري).
تراجم رجال إسناد حديث (كل لعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق)
عبيد الله بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[ حدثنا أبي ].
معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن أبي السفر ].
عبد الله بن أبي السفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن خارجة بن الصلت ].
خارجة بن الصلت وهو مقبول أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن عمه ].
هو علاقة بن سحار ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود والنسائي .
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2649 استماع |