شبابنا أملنا (1)
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
شبابنا أملناأخي الشابَّ، عليك أن تعلمَ أنك أملٌ، ووقتُك هذا لن يعود إليك مرةً أخرى، ولن يدومَ معك؛ أعني: مرحلةَ الشباب والنضوج، فهل تستوي إذا كانت في طاعةِ الله والتمسُّكِ بشريعتِه وهَدْي رسولِه، أو إذا كانت في تِيهٍ وزيغٍ وعصيان؟ لا والله لا يستويان أبدًا.
هيَّا بنا لِنقفَ مع آثار الطاعة، وما تَجلِبُه على الفردِ من كرمٍ وخير وهداية، ينبغي عليك أخي الحبيب أن تعلمَ أن الطاعة سببٌ في كل خير، وأن المعصيةَ سببٌ في كلِّ شرٍّ؛ فالمعاصي سببٌ لبُعد القلب وحرمانه الأنُسَ بالله، والسيرَ على نورٍ منه سبحانه وتعالى، وكفى بذلك من عقابٍ أن تُحرَم من لذَّة السير على نور الله؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22].
وقال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]؛ تأمَّل أخي القسوةَ التي تدخُلُ إلى القلب بعدَها الضِّيق والحَرَج، والذي يسيرُ على نورٍ من ربِّه صدُره مُنشَرِح لذكر الله، ولكتاب الله، ولعمل الصالحات والقُرُبات.
أخي الشاب، إن أعداء الإسلام يعملون عليك ليلَ نهارَ، ويُعدُّون التِّقْنِيَات والإلكترونيَّات لتيسير الحرامِ، والانحدار الخُلُقي الذي فشا في مجتمعاتنا اليوم، وإن الواجبَ علينا أن نستبدِلَ العِصيان إلى قُرْبٍ من الرحمن، والشباب هم عَصَبُ الأمَّة، وهم الشَّرْيانُ الأصيل لجسدِها.
اعلم أخي الكريم أن التقوى والصلةَ بالله هي التيسيرُ في الأمور كلِّها، وبها تُقضَى الحوائجُ، ويُزالُ الغمُّ، ويُدفَعُ الهَمُّ؛ وهذا وعدُ الله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 4، 5].
بالتقوى يَنضَجُ عقلُ الإنسان، وتتكوَّن عنده مَلَكة قويَّة، وبصيرةٌ نيِّرة تُضيء له الطريقَ المُظْلم، ويُفرِّق ويَميِّز بها بين الحقِّ والباطل، وبين النافع والضارِّ، بل وتُكفَّر سيئاتُه وتُغفرُ ذنوبه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]؛ قال أبو جعفر الطبري: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا، صدِّقوا اللهَ ورسولَه، إن تتقوا اللهَ بطاعته وأداء فرائضِه، واجتناب معاصيه، وترك خيانتِه وخيانةِ رسوله وخيانة أماناتكم - "يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا"؛ يجعل لكم فصلًا وفَرْقًا بين حقِّكم وباطلِ مَن يبغيكم السوءَ من أعدائكم المشركين بنَصْرِه إياكم عليهم، وإعطائِكم الظَّفَرَ بهم، "وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ"؛ يقول: ويمحو عنكم ما سَلَف من ذنوبكم بينَكم وبينَه، "وَيَغْفِرْ لَكُمْ"، يقول: ويُغطِّيها فيسترُها عليكم، فلا يُؤاخِذُكم بها، "وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"، يقول: واللهُ الذي يَفعَلُ ذلك بكم له الفضلُ العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقِه بفعلِه ذلك وفعلِ أمثاله، وإنَّ فعله جزاءٌ منه لعبدِه على طاعته إيَّاه؛ لأنه المُوفِّقُ عبدَه لطاعتِه التي اكتسبها، حتى استحقَّ من ربه الجزاءَ الذي وعدَه عليها.
وبالتقوى يَأمَنُ الإنسان إذا خاف الناسَ، ويُسرُّ إذا حَزِنوا، ويَستبشِرُ إذا قَنَطوا ويئسوا، ويكونُ له نورٌ من الله وبصيرة يَسير بها؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64].
قال الحافظُ ابن كثير رحمه الله: "يُخبِرُ تعالى أن أولياءَه هم الذين آمنوا وكانوا يتَّقون، كما فسرهم ربُّهم، فكلُّ مَن كان تقيًّا، كان لله وليًّا، فـ(لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلون من أهوال القيامةِ، (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما وراءَهم في الدنيا"[1].
بالتقوى تَزدادُ عَلاقة الإنسان بربِّه، وينالُ الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة؛ فبادِرْ أخي بعقلك وروحِك وقلبك إلى الله.
يقول الشاعر:
وبادر شبابَك أن يَهرَما
وصحة جسمِك أن يَسْقَما
وأيام شَيبك قبلَ الممات
فما دهر مَن عاش أن يَسلَما
ووقتُ فراغك بادِرْ به
لياليَ شُغْلك في بعضِ ما
وقدِّم فكلُّ امرئٍ قادمٌ
على بعضِ ما كان قد قدَّما
إن أصحابَ الكهف فِتيةٌ؛ أي شباب، ضرَبَ اللهُ بهم المثل في صِلتهم بالله، ووقوفِهم على الحقِّ، إنهم لَجَؤوا إلى اللهِ؛ فزادهم هدًى وهدايةً، ودلَّهم على الكهف وحفظهم، وفيهم يقولُ المولى عز وجل: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13].
إن الشاب الذي نشأ في عبادةِ الله تعالى هو في ظلِّ عرش الرحمن يومَ القيامة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه ...
) الحديثَ، وفيه: ((وشابٌ نشأ في طاعةِ الله))؛ رواه البخاري.
إكرامُ الله وعنايتُه بالشاب الطائع متصلةٌ لا تَنقطِعُ أبدًا بالحفظِ والثَّباتِ والهداية في الدنيا، كما في قصَّة أصحابِ الكهف، وبظلِّ العرش يومَ القيامة كما أخبر النبيُّ صلي الله عليه وسلم.
أمثلة مشرِّفة لشباب الإسلام:
1- عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه: الشابُّ البطلُ، قويُّ الهمة والعزيمة، الذي قتَل يومَ بدر خمسةَ عشرَ رجلًا من صناديدِ قريش، ومن بطولتِه وتضحيته أنه نام في فراش النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أصعب ليلةٍ مرَّت بها الدعوة، نام في الفراش وهو يعلمُ علمًا لا يحتمِلُ الشكَّ أن على الباب رجالًا لا يريدون إلا رأسَ مَن في الفراش.
وفي غزوة الخَنْدق أيضًا قتَل عمرَو بنَ عبدِ وُدٍّ فارسَ قريش في يوم الأحزاب (كبش الكتيبة)، فكبَّر المسلمون لذلك، فلِلَّهِ درُّه من شابٍّ!
ما كان أصحابُ النبيِّ محمدٍ
إلا شبابًا شامخي الأفكارِ
مَن يجعلِ الإيمانَ رائدَه يَفُزْ
بكرامةِ الدنيا وعُقبَى الدارِ
2- أسامةُ بنُ زيدٍ رضي الله عنه الذي أمَّره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على جيشٍ لفتح بلاد الشام، وهو ابنُ الثامنةَ عشرةَ سنةً، وفي الجيش أبو بكرٍ وعمرَ رضي الله عنهم وشيوخُ الأنصار وكبارُ المهاجرين أنه الشابُّ الأبيُّ الذي تحمَّل المسؤولية وكان كُفْأً بها.
3- مصعبُ بنُ عمير رضي الله عنه فتى قريشٍ المُدلَّل، كان لباسُه من الحرير، وشِراكُ نعلِه من الذهب، كان في مَطلعِ شبابِه عندما لبَّى دعوةَ النبي صلى الله عليه وسلم، وصبَر على الأذى، وحاولَتْ أمُّه أن تَصدَّه عن الدخول في الإسلام، فثبَت على الدين الحقِّ، وكان أول المهاجرين إلى المدينةِ المنورة بتكليفٍ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لكي يُعلِّمَ أهلَها الإسلامَ، وبسببه أسلَم عددٌ كبير من أهل المدينة، وقد استُشهِدَ رضي الله عنه في غزوة أُحُدٍ بعد أن أبلى بلاءً حسنًا من أجل إعلاء كلمة ربِّ العالمين، ووقف صلى الله عليه وسلم في أعقابِ غزوةِ أُحُدٍ، وعيناه مملوءتان بالدُّموع، وهو يرى شهداءَ هذه المعركة، وقرأ هذه الآيةَ الكريمة : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، هذا ونسألُ اللهَ الكريم أن يَمُنَّ علينا بالهداية، وأن يجعلَنا خيرَ خلف لخير سلفٍ، والله تعالى أعلى وأعلم.
[1] تفسير القرآن العظيم (4 /278).