شرح سنن أبي داود [374]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الحلف بالآباء.

حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلحفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) ].

قوله: [ باب في كراهية الحلف بالآباء ]، الكراهية هنا المقصود بها: التحريم؛ لأنه قد جاء في هذا الحديث النهي، وجاء أيضاً وصف الحلف بغير الله بأنه شرك، وهو يدل على التحريم، ولكنه شرك أصغر، فإذا كان الحالف بغير الله معتقداً أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله، وأهم من الحلف بالله فهذا كفر، ولكن كون الإنسان يحلف بغير الله عز وجل فحلفه من الشرك الأصغر، ومعلوم أن الشيء الذي يوصف بأنه شرك يعتبر من أعظم الذنوب وأخطرها، ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أن أحلف بغيره فأبر)، وفي لفظ آخر: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أحلف بغيره صادقاً)، يعني: أن الحلف بالله توحيد، والكذب معصية، ولكن الحلف بغير الله شرك، حتى وإن كان حلفاً على صدق؛ لأن الشيء الذي يوصف بأنه شرك أخطر من غيره، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه هذا يدل عليه؛ لأنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أحلف بغيره فأبر)؛ لأن الحلف بغير الله شرك وإن وجد معه صدق، والحلف بالله توحيد وإن وجد معه كذب، فسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.

وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد)، وقد كانوا في الجاهلية يحلفون بآبائهم وأمهاتهم وبالأنداد، ثم قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، فقد أرشد إلى أنه لا يجوز الحلف بغير الله من جهتين: في قوله: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم)، وفي قوله: (ولا تحلفوا إلا بالله)، فصار النهي عن الحلف بغير الله موجوداً في الجملتين، الجملة الأولى فيها التنصيص على أنه لا يحلف بالآباء ولا بالأمهات، ولا بالأنداد، والجملة التي بعدها فيها أن الحلف يكون مقصوراً على الله وحده، وأن كل ما سواه لا يحلف به؛ لا الآباء ولا الأمهات ولا الأنداد ولا غير ذلك، فالجملة الثانية أعم من الأولى؛ لأنها تشمل على ما دلت عليه الأولى وزيادة، وهو أن كل شيء غير الله لا يحلف به، وكل مخلوق لا يحلف به، وأن الحلف إنما يكون بأسماء الله وصفاته، والحلف بأسماء الله وصفاته حلف به سبحانه وتعالى.

فقوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) أي: يجب أن يكون الحلف بالله، وليس المقصود أن يكون بلفظ الجلالة الذي هو (الله)، وإنما بأسمائه وصفاته؛ لأن الحلف بأسمائه وصفاته حلف به، والذي يقول: وعزة الله وجلالة الله حالف بالله، والذي يقول: وكلام الله، أو والرحمن والرحيم والعزيز والخبير والسميع والبصير هو حالف بالله.

وقوله: (ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، أي: إذا حلفتم بالله فلتكونوا صادقين، ولا تحلفوا على كذب، بل احلفوا على صدق.

والجملة الأولى فيها قصر الحلف على أن يكون بالله لا بغيره، والجملة الثانية فيها بيان أن الحلف بالله إنما يكون بالصدق، ولا يكون بغير الصدق، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون).

أي: لا تحلفوا بالله الذي أمرتم بالحلف به إلا على وجه الصدق لا على الكذب.

تراجم رجال إسناد حديث ( لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ... )

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].

هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثني أبي ].

أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عوف ].

هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ].

محمد بن سيرين وأبو هريرة مر ذكرهما.

شرح حديث ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدركه وهو في ركب، وهو يحلف بأبيه، فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) ].

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه، وهو في ركب، والركب: جمع راكب.

وقوله: (وهو يحلف بأبيه)، أي: يقول: وأبي وأبي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) أي: من كان حالفاً فليكن حلفه بالله أو ليسكت، ولا يحلف بغير الله، ففيه النهي عن الحلف بغير الله، وفيه الإلزام بأن الحلف إذا أريد إنما يكون بالله وإلا فعليه السكوت وعدم الحلف إذا كان الحلف بغير الله، فإما أن يحلف بالله أو ليسكت.

تراجم رجال إسناد حديث ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ... )

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله بن عمر ].

عبيد الله بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ عن عمر بن الخطاب ].

عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ... ) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخرنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سمعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو معناه... إلى بآبائكم) ، زاد: قال عمر: (فوالله! ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً)].

أورد المصنف حديث ابن عمر من طريق أخرى وفيه هذه الزيادة وهي أنه قال: (والله ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً)، أي: أن عمر رضي الله عنه استسلم وانقاد لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، فابتعد عن الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان يفعله ولا يحكيه عن غيره، فلا يقول: وأبي، ولا يقول: إن فلاناً قال: وأبي.

فقوله: (ما حلفت بها ذاكراً ولا آثراً)، أي: ما فعلت ذلك من نفسي بأن حلفت بالآباء، ولا آثراً ذلك عن غيري بأنه قال كذا وكذا، وهذا معناه أنه حفظ لسانه من أن يذكر الحلف بغير الله لا بفعله ولا بالنقل عن غيره، وهذا يدلنا على أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يستسلمون وينقادون ويبادرون إلى اتباع النصوص وإلى الانقياد لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم أسبق الناس إلى كل خير، وأحرص الناس على كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم.

تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم...)

قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ].

هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري ].

عبد الرزاق ومعمر والزهري مر ذكرهم.

[ عن سالم عن أبيه ].

هو سالم بن عبد الله بن عمر، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبوه عبد الله بن عمر مر ذكره.

[ عن عمر ].

عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر ذكره.

شرح حديث ( من حلف بغير الله فقد أشرك )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس قال: سمعت الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة قال: سمع ابن عمر رجلاً يحلف: لا والكعبة، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد أشرك) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، أي: يحلف بالكعبة، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد أشرك) أي: أن الحلف بغير الله شرك، ولكنه -كما هو معلوم- شرك أصغر، ولكن إذا أريد به أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله فإنه يكون شركاً أكبر، فإذا أريد بالحلف تعظيم غير الله، وأنه أعظم من الله، وأنه يهاب الحلف بغير الله، ولا يهاب الحلف بالله، فهذا -والعياذ بالله- شرك أكبر، وأما إذا كان غير ذلك فإنه من الشرك الأصغر، ولكن كما ذكرنا أن الأمر الذي يوصف بأنه شرك أخطر من جميع المعاصي والذنوب الأخرى، وقد مر آنفاً الأثر عن ابن مسعود الذي فيه: (لئن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً).

تراجم رجال إسناد حديث ( من حلف بغير الله فقد أشرك )

قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ].

هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا ابن إدريس ].

هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت الحسن بن عبيد الله ].

هو الحسن بن عبيد الله النخعي، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن سعد بن عبيدة ].

سعد بن عبيدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: سمع ابن عمر رجلاً ].

ابن عمر قد مر ذكره.

شرح حديث ( .... أفلح وأبيه إن صدق ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه -يعني: في حديث قصة الأعرابي- قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفلح وأبيه إن صدق، دخل الجنة وأبيه إن صدق) ].

أورد أبو داود حديث طلحة بن عبيد الله الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق)، فقول الرسول: (وأبيه) هذا فيه أنه حلف بغير الله؛ وذلك أنه جاء أعرابي وقال: علمني الإسلام، فقال: (إن الله أوجب خمس صلوات، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، ثم قال وصيام رمضان، قال: هل علي غير ذلك؟ قال: لا. قال: والزكاة، قال: هل علي غير ذلك؟ قال: لا. فلما ولى قال: والله لا أزيد ولا أنقص، فقال: أفلح وأبيه إن صدق).

وقوله: (في قصة الأعرابي) أي: أنه ذكر الحديث باختصار، وهذا يخالف ما جاء في الأحاديث المتقدمة من النهي عن الحلف بغير الله، والحلف بالآباء، وهذا الحديث فيه أن الرسول قال: (أفلح وأبيه) وقد اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن هذا الحديث شاذ، قال الشيخ الألباني رحمه الله: إن هذه الرواية شاذة؛ لأنها جاءت من طريق مالك: (أفلح إن صدق) بدون ذكر (وأبيه).

وبعض أهل العلم قال: إن هذا كان قبل النهي.

ومن العلماء من قال: إن هذا مما اعتادوه دون أن يكون قصدهم الحلف والتعظيم.

والقول بأن لفظة (وأبيه) شاذة هو أحسن من غيره، من جهة أن عدم ذكرها متفق مع الروايات الأخرى التي فيها النهي عن الحلف بالآباء.

تراجم رجال إسناد حديث ( ... أفلح وأبيه إن صدق ... )

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].

هو ابن الربيع الزهراني، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني ].

إسماعيل بن جعفر المدني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه ].

أبو سهيل نافع بن مالك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أنه سمع طلحة بن عبيد الله ].

طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الحلف بالآباء.

حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلحفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون) ].

قوله: [ باب في كراهية الحلف بالآباء ]، الكراهية هنا المقصود بها: التحريم؛ لأنه قد جاء في هذا الحديث النهي، وجاء أيضاً وصف الحلف بغير الله بأنه شرك، وهو يدل على التحريم، ولكنه شرك أصغر، فإذا كان الحالف بغير الله معتقداً أن الحلف بغير الله أعظم من الحلف بالله، وأهم من الحلف بالله فهذا كفر، ولكن كون الإنسان يحلف بغير الله عز وجل فحلفه من الشرك الأصغر، ومعلوم أن الشيء الذي يوصف بأنه شرك يعتبر من أعظم الذنوب وأخطرها، ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أن أحلف بغيره فأبر)، وفي لفظ آخر: (لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أحلف بغيره صادقاً)، يعني: أن الحلف بالله توحيد، والكذب معصية، ولكن الحلف بغير الله شرك، حتى وإن كان حلفاً على صدق؛ لأن الشيء الذي يوصف بأنه شرك أخطر من غيره، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه هذا يدل عليه؛ لأنه قال: (لأن أحلف بالله فأكذب أحب إلي من أحلف بغيره فأبر)؛ لأن الحلف بغير الله شرك وإن وجد معه صدق، والحلف بالله توحيد وإن وجد معه كذب، فسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.

وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد)، وقد كانوا في الجاهلية يحلفون بآبائهم وأمهاتهم وبالأنداد، ثم قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، فقد أرشد إلى أنه لا يجوز الحلف بغير الله من جهتين: في قوله: (لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم)، وفي قوله: (ولا تحلفوا إلا بالله)، فصار النهي عن الحلف بغير الله موجوداً في الجملتين، الجملة الأولى فيها التنصيص على أنه لا يحلف بالآباء ولا بالأمهات، ولا بالأنداد، والجملة التي بعدها فيها أن الحلف يكون مقصوراً على الله وحده، وأن كل ما سواه لا يحلف به؛ لا الآباء ولا الأمهات ولا الأنداد ولا غير ذلك، فالجملة الثانية أعم من الأولى؛ لأنها تشمل على ما دلت عليه الأولى وزيادة، وهو أن كل شيء غير الله لا يحلف به، وكل مخلوق لا يحلف به، وأن الحلف إنما يكون بأسماء الله وصفاته، والحلف بأسماء الله وصفاته حلف به سبحانه وتعالى.

فقوله: (ولا تحلفوا إلا بالله) أي: يجب أن يكون الحلف بالله، وليس المقصود أن يكون بلفظ الجلالة الذي هو (الله)، وإنما بأسمائه وصفاته؛ لأن الحلف بأسمائه وصفاته حلف به، والذي يقول: وعزة الله وجلالة الله حالف بالله، والذي يقول: وكلام الله، أو والرحمن والرحيم والعزيز والخبير والسميع والبصير هو حالف بالله.

وقوله: (ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، أي: إذا حلفتم بالله فلتكونوا صادقين، ولا تحلفوا على كذب، بل احلفوا على صدق.

والجملة الأولى فيها قصر الحلف على أن يكون بالله لا بغيره، والجملة الثانية فيها بيان أن الحلف بالله إنما يكون بالصدق، ولا يكون بغير الصدق، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون).

أي: لا تحلفوا بالله الذي أمرتم بالحلف به إلا على وجه الصدق لا على الكذب.

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].

هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثني أبي ].

أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عوف ].

هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ].

محمد بن سيرين وأبو هريرة مر ذكرهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدركه وهو في ركب، وهو يحلف بأبيه، فقال: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) ].

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه، وهو في ركب، والركب: جمع راكب.

وقوله: (وهو يحلف بأبيه)، أي: يقول: وأبي وأبي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت) أي: من كان حالفاً فليكن حلفه بالله أو ليسكت، ولا يحلف بغير الله، ففيه النهي عن الحلف بغير الله، وفيه الإلزام بأن الحلف إذا أريد إنما يكون بالله وإلا فعليه السكوت وعدم الحلف إذا كان الحلف بغير الله، فإما أن يحلف بالله أو ليسكت.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2891 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2837 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2732 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2704 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2689 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2656 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع