شرح سنن أبي داود [277]


الحلقة مفرغة

شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كفارة من أتى أهله في رمضان.

حدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا سفيان قال مسدد قال: حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال، هلكت! فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله! ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت ثناياه، قال: فأطعمه إياهم) وقال مسدد في موضع آخر: (أنيابه) .

ذكر أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان، فمن جامع أهله في نهار رمضان فإنه يفسد صيامه، وعليه أن يكمله، وألا يأكل بعد كونه أفسده، وأن يقضي يوماً مكانه، وأن يستغفر الله عز وجل ويتوب، ويأتي بكفارة، وهي التي جاء ذكرها في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده المصنف هنا، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكيناً.

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هلكت، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله عن هذا الذي قال إنه هلك به، فقال: إنه وقع على أهله في نهار رمضان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس فجلس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه طعام، وقال: خذه وتصدق به) يعني: أده كفارة عنك، فقال: ليس هناك بين لابتي المدينة من هو أفقر منا، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه؛ لأنه جاء في أول الأمر يقول: إنه هلك، وإنه يبحث عن الخلاص، ولما ذكر له الخلاص على الترتيب وانتهى إلى الطعام، وقال: إنه لا يجد شيئاً، ثم أتي بطعام وأعطي إياه ليتصدق به؛ قال: نحن أولى به، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال (خذه فكله).

وهذا يدلنا على أن من جامع في نهار رمضان تجب عليه كفارة، وما ورد في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كله) لا يدل على سقوط الكفارة، بل الكفارة لازمة في ذمته، ودين عليه إذا أيسر، فإنه يفعل ما يمكنه من الثلاثة الأول: إن قدر على الأول الذي هو العتق فلا ينتقل إلى الصيام، وإن عجز عنه انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكله، وأن يستفيد منه أهله لا يدل على أن الكفارة سقطت عنه، بل الكفارة دين في ذمته، ومتى أيسر فعليه أن يأتي بها، ولكن كونه غير مستطيع في الوقت الحاضر، وهو بحاجة إلى الطعام، وأنه أولى من غيره، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، سأله أن يأكله هو وأهله، فأذن له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذنه له لا يدل على سقوطها، وإنما يدل على تأخيرها، وأنها دين في ذمته متى استطاع أن يؤدي ذلك الدين فإنه يؤديه.

وقوله: (هلكت) يشعر بأنه فعل أمراً عظيماً، وقال: إنه هلك بهذا الفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما هو واجب عليه من الكفارة، ولكن عليه القضاء والكفارة، ويستغفر الله عز وجل مما قد حصل، ولا يعود الإنسان إلى هذا العمل.

ثم إن المرأة إذا كانت مطاوعة فإنه يلزمها الكفارة مثل ما يلزم الرجل، وأما إن كانت مكرهة ومن غير إرادتها، فإنه يفسد صيامها وعليها قضاؤه، وليس عليها شيء من الكفارة.

تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان

[ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ ومحمد بن عيسى ].

محمد بن عيسى هو الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ المعنى قالا: حدثنا سفيان ].

المعنى: أي: أن هذين الشيخين روايتهم متفقة بالمعنى.

ومحمد بن عيسى الطباع ومسدد يرويان عن سفيان بن عيينة المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال مسدد : قال: حدثنا الزهري ].

أي: قال مسدد في حديثه: قال سفيان بن عيينة حدثنا الزهري.

و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حميد بن عبد الرحمن ].

حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة : عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

قوله: [ (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه) قال مسدد : (أنيابه) ].

يعني: أن مسدداً قال: (أنيابه) ومحمد بن عيسى قال: (ثناياه).

شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الحديث بمعناه، زاد الزهري : وإنما كان هذا رخصةً له خاصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير ].

أورد أبو داود هذا الكلام عن الزهري أن هذا رخصة له خاصة، ولو فعل أحد بعد ذلك لم يكن له بد من التكفير، وكلام الزهري هذا يدل على أنها سقطت عنه، وأنها رخصة له، ولكن ليس هذا بواضح؛ لأنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكل هذا الطعام؛ لأنه بحاجة ماسة إليه، ولا يعني ذلك أن ما في ذمته قد برئ، وأنها سقطت عنه، فإن الكفارة لازمة له.

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري بهذا الحديث بمعناه ].

يعني: بمعنى الحديث الذي تقدم.

شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثالثة

[ قال أبو داود : رواه الليث بن سعد والأوزاعي ومنصور بن المعتمر وعراك بن مالك على معنى ابن عيينة زاد فيه الأوزاعي : (واستغفر الله) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ولكنها معلقة، وأشار إلى أنها مثل طريق ابن عيينة ، وهي الطريق الأولى التي يرويها مسدد ومحمد بن عيسى ، وفيها زيادة عند الأوزاعي أنه قال: (واستغفر الله)، يعني: من الذنب الذي قد حصل، وهو كون الإنسان حصل منه الإفطار في نهار رمضان بسبب الجماع.

تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثالثة

قوله: [ قال أبو داود رواه الليث بن سعد ].

الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ والأوزاعي ].

الأوزاعي : عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومنصور بن المعتمر ].

منصور بن المعتمر الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وعراك بن مالك على معنى ابن عيينة ].

عراك بن مالك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ زاد فيه الأوزاعي : (واستغفر الله) ].

يعني: على ما ذكر معه أنه قال: (واستغفر الله).

شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم أفطر في رمضان .. بهذا الحديث قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً واستغفر الله) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه أمره بقضاء يوم بدل اليوم الذي أفطره، وأنه أيضاً يستغفر الله عز وجل، وهذه قد مرت عند الأوزاعي في بعض ألفاظه وبعض الروايات.

وفيه أنه قال له: (كله أنت وأهلك) وهذا فيه اختصار؛ لأنه ما قال له: كله أنت وأهلك من أول الأمر، وإنما أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، ولما أخبره بأنه في حاجة إلى الطعام هو وأهل بيته، قال: كله.

وفيه أنه قال: خمسة عشر صاعاً، يعني: العرق فيه خمسة عشر صاعاً، وأن هذا معناه أنه يكون على مقدار المد، يعني: أنه إذا كان يعطى للستين مسكيناً يكون لكل واحد مد.

قوله: [ (وصم يوماً، واستغفر الله) ].

يعني: صم يوماً مكانه، أي: مكان اليوم الذي أفطر فيه، واستغفر الله مما حصل من الذنب الذي هو الإفطار في نهار رمضان.

وهل صيام الشهرين تكفي أم يصوم واحداً وستين يوماً؟

لا تكفي، وإنما يصوم يوماً قضاء، وستين يوماً كفارة، وبعض أهل العلم قال: إذا كفر بالصيام يكفي شهرين، يعني: لا يلزمه القضاء، وإن كفر بالإطعام والعتق فإنه يصوم، ولكن الذي يبدو أن الكفارة مستقلة وأن القضاء واجب.

تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق رابعة

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

ابن شهاب مر ذكره.

[ عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ].

و حميد مر ذكره وأبو هريرة مر ذكره.

شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق خامسة

[ قال أبو داود : ورواه ابن جريج عن الزهري على لفظ مالك : (أن رجلاً أفطر) وقال فيه: (أو تعتق رقبة، أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكيناً) ].

ثم ذكر طريقاً أخرى وقال: إنها على لفظ مالك وهي الطريق الأخيرة التي قال: (أفطر) كما جاء عن مالك وقال له: كذا أو كذا، يعني: تعتق رقبة أو تصوم شهرين، أو تطعم ستين مسكيناً.

[ قال أبو داود : رواه ابن جريج ].

ابن جريج : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق سادسة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله سلم أفطر في رمضان .. بهذا الحديث قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً واستغفر الله) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه: أنه أمره بقضاء يوم بدل اليوم الذي أفطره، وأنه أيضاً يستغفر الله عز وجل، وهذه قد مرت عند الأوزاعي في بعض ألفاظه وبعض الروايات.

وفيه أنه قال له: (كله أنت وأهلك) وهذا فيه اختصار؛ لأنه ما قال له: كله أنت وأهلك من أول الأمر، وإنما أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، ولما أخبره بأنه في حاجة إلى الطعام هو وأهل بيته، قال: كله.

وفيه أنه قال: خمسة عشر صاعاً، يعني: العرق فيه خمسة عشر صاعاً، وأن هذا معناه أنه يكون على مقدار المد، يعني: أنه إذا كان يعطى للستين مسكيناً يكون لكل واحد مد.

قوله: [ (وصم يوماً، واستغفر الله) ].

يعني: صم يوماً مكانه، أي: مكان اليوم الذي أفطر فيه، واستغفر الله مما حصل من الذنب الذي هو الإفطار في نهار رمضان.

وهل صيام الشهرين تكفي أم يصوم واحداً وستين يوماً؟

لا تكفي، وإنما يصوم يوماً قضاء، وستين يوماً كفارة، وبعض أهل العلم قال: إذا كفر بالصيام يكفي شهرين، يعني: لا يلزمه القضاء، وإن كفر بالإطعام والعتق فإنه يصوم، ولكن الذي يبدو أن الكفارة مستقلة وأن القضاء واجب.

تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق سادسة

قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ].

جعفر بن مسافر ، صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن أبي فديك ].

ابن أبي فديك : هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام بن سعد ].

وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ].

ابن شهاب مر ذكره.

وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

وقد مر ذكره.

شرح حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة ر ضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول: (أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله! احترقت، فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأنه؟ قال: أصبت أهلي، قال: تصدق، قال: والله ما لي شيء ولا أقدر عليه، قال: اجلس، فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أين المحترق آنفاً؟، فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تصدق بهذا، فقال: يا رسول الله! أعلى غيرنا؟ فوالله إنا لجياع ما لنا شيء، قال: كلو) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو بمعنى ما تقدم، إلا أنه قال: (احترقت) معناه: أنه أصابه هذا الكرب وهذه المصيبة، وأنه أهلك نفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما شأنه) قال: وقعت على أهلي في نهار رمضان، قال: (تصدق) قال: ما عندنا شيء، وهذا فيه اختصار؛ لأن الصدقة هي آخر شيء، أو آخر أحوال الكفارة.

قوله: [ (فبينما هو على ذلك، أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله: أين المحترق آنفاً؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله! فقال: خذه وتصدق به، فقال: على أفقر منا) ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كله، هو مثل حديث أبي هريرة المتقدم.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].

سليمان بن داود المهري المصري ، ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .

[ أخبرنا ابن وهب ].

عبد الله بن وهب المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عمرو بن الحارث ].

عمرو بن الحارث المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه ].

عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه ].

محمد بن جعفر بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن عباد بن عبد الله بن الزبير ].

عباد بن عبد الله بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها بهذه القصة قال: (فأتي بعرق فيه عشرون صاعاً) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه عشرون صاعاً، يعني: في الرواية الأولى قال: (حمار عليه طعام)، وهنا قال: (عرق فيه عشرون صاعاً) وهذا فيه التنصيص على العشرين صاعاً، وفي الحديث الأول حديث أبي هريرة خمسة عشر صاعاً، والألباني ضعف هذه الرواية أو هذا الحديث، لكن لا أدري ما وجه التضعيف لهذا الحديث الذي فيه ذكر العشرين صاعاً.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا محمد بن عوف ].

محمد بن عوف ، ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي .

[ حدثنا سعيد بن أبي مريم ].

سعيد بن أبي مريم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا ابن أبي الزناد ].

عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.

[ عن عبد الرحمن بن الحارث ].

عبد الرحمن بن الحارث ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله عن عائشة ].

مر ذكرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كفارة من أتى أهله في رمضان.

حدثنا مسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حدثنا سفيان قال مسدد قال: حدثنا الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله سلم فقال، هلكت! فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله! ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بدت ثناياه، قال: فأطعمه إياهم) وقال مسدد في موضع آخر: (أنيابه) .

ذكر أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كفارة من أتى أهله في نهار رمضان، فمن جامع أهله في نهار رمضان فإنه يفسد صيامه، وعليه أن يكمله، وألا يأكل بعد كونه أفسده، وأن يقضي يوماً مكانه، وأن يستغفر الله عز وجل ويتوب، ويأتي بكفارة، وهي التي جاء ذكرها في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده المصنف هنا، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكيناً.

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هلكت، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله عن هذا الذي قال إنه هلك به، فقال: إنه وقع على أهله في نهار رمضان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس فجلس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه طعام، وقال: خذه وتصدق به) يعني: أده كفارة عنك، فقال: ليس هناك بين لابتي المدينة من هو أفقر منا، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه؛ لأنه جاء في أول الأمر يقول: إنه هلك، وإنه يبحث عن الخلاص، ولما ذكر له الخلاص على الترتيب وانتهى إلى الطعام، وقال: إنه لا يجد شيئاً، ثم أتي بطعام وأعطي إياه ليتصدق به؛ قال: نحن أولى به، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال (خذه فكله).

وهذا يدلنا على أن من جامع في نهار رمضان تجب عليه كفارة، وما ورد في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كله) لا يدل على سقوط الكفارة، بل الكفارة لازمة في ذمته، ودين عليه إذا أيسر، فإنه يفعل ما يمكنه من الثلاثة الأول: إن قدر على الأول الذي هو العتق فلا ينتقل إلى الصيام، وإن عجز عنه انتقل إلى صيام شهرين متتابعين، وإن عجز عنه انتقل إلى إطعام ستين مسكيناً، وكون النبي صلى الله عليه وسلم أذن له بأن يأكله، وأن يستفيد منه أهله لا يدل على أن الكفارة سقطت عنه، بل الكفارة دين في ذمته، ومتى أيسر فعليه أن يأتي بها، ولكن كونه غير مستطيع في الوقت الحاضر، وهو بحاجة إلى الطعام، وأنه أولى من غيره، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي أعطاه إياه ليتصدق به كفارةً عنه، سأله أن يأكله هو وأهله، فأذن له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذنه له لا يدل على سقوطها، وإنما يدل على تأخيرها، وأنها دين في ذمته متى استطاع أن يؤدي ذلك الدين فإنه يؤديه.

وقوله: (هلكت) يشعر بأنه فعل أمراً عظيماً، وقال: إنه هلك بهذا الفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بما هو واجب عليه من الكفارة، ولكن عليه القضاء والكفارة، ويستغفر الله عز وجل مما قد حصل، ولا يعود الإنسان إلى هذا العمل.

ثم إن المرأة إذا كانت مطاوعة فإنه يلزمها الكفارة مثل ما يلزم الرجل، وأما إن كانت مكرهة ومن غير إرادتها، فإنه يفسد صيامها وعليها قضاؤه، وليس عليها شيء من الكفارة.