شرح سنن أبي داود [268]


الحلقة مفرغة

شرح أثر ابن عباس في استقلال أهل كل بلد برؤيتهم

قال رحمه الله تعالى: [ باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة:

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - أخبرني محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية ، قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ].

أورد أبو داود باب إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة، يعني: ما الحكم؟ هل يلزمهم أن يصوموا تبعاً لهم؟ أو أنهم يعتمدون على رؤيتهم، ويبحثون عن الهلال، فإن وجدوه مثلهم صاموا مثلهم، وإلا فإنهم يعتمدون على رؤيتهم؟ هذا هو المقصود بالترجمة.

والخلاف في هذه المسألة مشهور، فكثير من أهل العلم قالوا: إنه إذا رئي الهلال في بلد فإنه يلزم الناس جميعاً أن يصوموا، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) خطاب لعموم المسلمين، وبعض أهل العلم يرى -كما جاء عن ابن عباس هنا في الحديث الذي ذكره المصنف- أنه يكون لهم رؤيتهم، حيث قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا يدل أنه فهم من قوله: (صوموا لرؤيته) أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، وإلى هذا يشير قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه حين قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالخلاف إنما هو في فهم النص هل هو خطاب لعموم الناس، أو أنه خطاب لكل أهل قطر وجهة أن يستقلوا برؤيتهم؟ والذي يظهر في مثل هذا أن المسلمين لو اجتمعوا واتحدوا في صيامهم فلاشك أن هذا هو الأولى، ولكن إذا لم يحصل ولم يتأت ذلك فإن كل بلد يعولون على ما يفتيهم به علماؤهم، فإن وافقوا أهل بلد معين تابعوهم في ذلك، وإن رأوا أنهم يستقلون برؤيتهم فلهم ذلك.

وقوله: (أن كريباًًًً -وهو مولى ابن عباس - ذهب إلى الشام لحاجة لـأم الفضل بنت الحارث الهلالية، وهي امرأة العباس وأخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين، فقضى حاجته ثم رجع، وحصل أنه رئي هلال رمضان ليلة الجمعة، وقال: رأيته ورآه الناس، فلما رجع وأخبر ابن عباس بذلك قال: (أرأيته؟ قال: نعم رأيته ورآه الناس، فقال: نكمل العدة ولا نفطر حتى نراه، فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وأهل الشام، فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وعلى هذا فالاستدلال محتمل، فليس بواضح في أن هناك نصاً على أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأولى فيها ما أشرت إليه، والله تعالى أعلم.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في استقلال أهل كل بلد برؤيتهم

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل يعني: ابن جعفر ].

موسى بن إسماعيل مر ذكره، وإسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني محمد بن أبي حرملة ].

محمد بن أبي حرملة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ أخبرني كريب ].

كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وابن عباس مر ذكره.

ومقتضى قول ابن عباس هذا يدل على أن المطالع تختلف على اختلاف الأماكن.

شرح أثر الحسن البصري في إلزام أهل بلد بالصيام إذا رأى الهلال أهل بلد آخر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثني أبي حدثنا الأشعث عن الحسن في رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين، وشهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد، فقال: لا يقضي ذلك اليوم الرجل ولا أهل مصره، إلا أن يعلموا أن أهل مصر من أمصار المسلمين قد صاموا يوم الأحد فيقضونه ].

أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهذا فيه أن رؤية أهل أي بلد تلزم البلاد الأخرى أن تكون مثلهم؛ لأنه لما سئل عن رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين -يعني: أنه صام يوم الإثنين وصام أهل ذلك القطر يوم الإثنين- ثم شهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد- يعني: أنه فاتهم يوم بناءً على رؤية هذين- فقال الحسن : إن كان أهل قطر من الأقطار صاموا يوم الأحد فيلزم هؤلاء أن يقضوا يوم الأحد، وإلا فإنه لا يلزمهم.

وهذا هو قول الحسن رحمة الله عليه، وإلا فإن الأمر مثل ما ذكرت: إذا رأى الهلال من يثبت به الشهر سواء أن كان واحداً في أول الشهر أو اثنين في آخر الشهر كما سيأتي فإن المعتبر هو الثبوت، ولو تبين أن الناس أصبحوا ولم يبلغهم الخبر إلا في النهار فإنهم يمسكون بقية اليوم، ويقضونه فيما بعد.

تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في إلزام أهل بلد بالصيام إذا رأى الهلال أهل بلد آخر

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ].

عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبي ].

هو معاذ بن معاذ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأشعث ].

هو الأشعث بن عبد الملك الحمراني ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قال رحمه الله تعالى: [ باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة:

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - أخبرني محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية ، قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ].

أورد أبو داود باب إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة، يعني: ما الحكم؟ هل يلزمهم أن يصوموا تبعاً لهم؟ أو أنهم يعتمدون على رؤيتهم، ويبحثون عن الهلال، فإن وجدوه مثلهم صاموا مثلهم، وإلا فإنهم يعتمدون على رؤيتهم؟ هذا هو المقصود بالترجمة.

والخلاف في هذه المسألة مشهور، فكثير من أهل العلم قالوا: إنه إذا رئي الهلال في بلد فإنه يلزم الناس جميعاً أن يصوموا، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) خطاب لعموم المسلمين، وبعض أهل العلم يرى -كما جاء عن ابن عباس هنا في الحديث الذي ذكره المصنف- أنه يكون لهم رؤيتهم، حيث قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا يدل أنه فهم من قوله: (صوموا لرؤيته) أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، وإلى هذا يشير قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه حين قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالخلاف إنما هو في فهم النص هل هو خطاب لعموم الناس، أو أنه خطاب لكل أهل قطر وجهة أن يستقلوا برؤيتهم؟ والذي يظهر في مثل هذا أن المسلمين لو اجتمعوا واتحدوا في صيامهم فلاشك أن هذا هو الأولى، ولكن إذا لم يحصل ولم يتأت ذلك فإن كل بلد يعولون على ما يفتيهم به علماؤهم، فإن وافقوا أهل بلد معين تابعوهم في ذلك، وإن رأوا أنهم يستقلون برؤيتهم فلهم ذلك.

وقوله: (أن كريباًًًً -وهو مولى ابن عباس - ذهب إلى الشام لحاجة لـأم الفضل بنت الحارث الهلالية، وهي امرأة العباس وأخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين، فقضى حاجته ثم رجع، وحصل أنه رئي هلال رمضان ليلة الجمعة، وقال: رأيته ورآه الناس، فلما رجع وأخبر ابن عباس بذلك قال: (أرأيته؟ قال: نعم رأيته ورآه الناس، فقال: نكمل العدة ولا نفطر حتى نراه، فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وأهل الشام، فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وعلى هذا فالاستدلال محتمل، فليس بواضح في أن هناك نصاً على أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأولى فيها ما أشرت إليه، والله تعالى أعلم.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل يعني: ابن جعفر ].

موسى بن إسماعيل مر ذكره، وإسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني محمد بن أبي حرملة ].

محمد بن أبي حرملة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ أخبرني كريب ].

كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وابن عباس مر ذكره.

ومقتضى قول ابن عباس هذا يدل على أن المطالع تختلف على اختلاف الأماكن.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2728 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2698 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2643 استماع