شرح سنن أبي داود [246]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق الزوج على المرأة.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال: (أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت -يا رسول الله- أحق أن نسجد لك. قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا. قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ].

أورد الإمام أبو داود هنا [ باب في حق الزوج على المرأة ] يعني حق الزوج على زوجته، ثم ذكر بعد ذلك العكس، أي: حق الزوجة على زوجها.

وكل من الزوجين له على الآخر حقوق، وقد جاءت السنة ببيان ذلك، وقد بدأ المصنف رحمه الله بحق الزوج على امرأته، وهذا الحق هو أنها تسمع له وتطيع فيما هو له في غير معصية، وتقوم بشئون بيته وتربية أولاده في بيته والقرار في بيته وعدم الخروج إلا بإذنه، وغير ذلك من الأمور التي هي مطلوبة من النساء للرجال.

وقد بدأ أبو داود رحمه الله بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما الذي فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، وأن الأمر عظيم؛ إذ بين صلى الله عليه وسلم أنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وذلك لعظيم حقه عليها، وهذا يدلنا على عظم حق الزوج على الزوجة، وأن على الزوجة أن تحرص على تأدية ذلك الحق العظيم الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم شأنه بأنه لو كان آمراً أحداً من البشر أن يسجد لأحد من البشر لأمر الزوجات أن يسجدن لأزواجهن، والسجود لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا فيه بيان عظيم شأن حق الزوج على زوجته.

فـقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما ذكر أنه جاء الحيرة -وهي بلدة من بلاد فارس- فرآهم يسجدون لمرزبان لهم، والمرزبان هو الزعيم والكبير والقائد والمرجع، فلما رأى أن هذا يكون من المخلوقين للمخلوق قال: أحق من يفعل ذلك معه من المخلوقين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الذي شاهده وبهذا الذي رآه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] قال: قلت: لا.

قال: [ (فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ].

يعني: للرجال على النساء وللأزواج على الزوجات من الحق، أي: من عظيم الحق.

فذلك الحق عظيم، يدل على عظمه هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر لا يكون؛ أنه لو كان سائغاً لكان الأولى والأحق به الزوج.

والحديث فيه هذه الجملة التي فيها [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟) ] ولم تأت من غير هذا الطريق، وهذا الطريق فيه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، فهي مما تفرد به ولم يتابع عليه، فتكون غير صحيحة.

وأما باقي الحديث فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه.

وأما ما يفعله بعض الناس الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى المحبة والتعظيم فهو غير صحيح وغير جائز.

والمحبة تكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه واتباع سنته وعدم الخروج عليها وعدم مخالفتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فتعظيمه يكون بمحبته واتباعه والسير على منهاجه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا وفقاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يجب ويتعين، ولا يجوز تجاوز الحد بأن يصرف للرسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يجوز صرفه له، مثل الركوع أو السجود أو الصلاة إلى قبره وما إلى ذلك، فكل ذلك غير سائغ وغير جائز.

تراجم رجال إسناد حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد ...)

قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا إسحاق بن يوسف ].

هو إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شريك ].

هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حصين ].

هو حصين بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشعبي ].

هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قيس بن سعد ].

هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومما يذكر عن قيس هذا رضي الله عنه أنه كان من أطول الرجال، وذكر الحافظ في الفتح أن رجلاً من الروم قال: إنه طويل وإنه يريد أن يطاول غيره، فقالوا لـقيس رضي الله تعالى عنه في ذلك فأعطاهم سراويله ليلبسه ذلك الرومي، فلما لبسه صار أسفله في الأرض وأعلاه على أنفه.

شرح حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه بيان وجوب إجابة المرأة لزوجها إذا دعاها لحاجته إليها، وأن عليها أن تستجيب ولو كانت مشتغلة بعمل من الأعمال المهمة، فإن لم تجبه وبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح، وهذا يدلنا على عظم هذا الذنب؛ لأنه يلعن عليه، فدل ذلك على عظمه وعلى خطورته، وأن من حق الزوج على الزوجة أن تجيبه إذا دعاها لحاجته إليها، ولو كانت في حاجة مهمة فإنها تستجيب له وتلبي طلبه، وهذا يدلنا على عظم شأن حق الزوج على زوجته.

قوله: [ (فلم تأته) ] يعني: لم تجبه إلى طلبه [ (فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة) ] أي أن هذه الزوجة الممتنعة التي لم تلب الطلب لزوجها فبات وهو غضبان عليها فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح.

وقوله: [ (فبات غضبان) ] قيد اللعن بهذا، أي: أما إذا لم يغضب عليها وإنما عذرها وتركها على ما هي عليه وما وجد منه غضب فإنها لا تستحق اللعن.

وإذا كانت المرأة حائضاً وكان بحاجة إلى الاستمتاع بها في غير الفرج فإن عليها أن تجيبه.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عمرو الرازي ].

محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة .

[ حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي حازم ].

هو سلمان الأشجعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حق الزوج على المرأة.

حدثنا عمرو بن عون أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن حصين عن الشعبي عن قيس بن سعد قال: (أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت -يا رسول الله- أحق أن نسجد لك. قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا. قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ].

أورد الإمام أبو داود هنا [ باب في حق الزوج على المرأة ] يعني حق الزوج على زوجته، ثم ذكر بعد ذلك العكس، أي: حق الزوجة على زوجها.

وكل من الزوجين له على الآخر حقوق، وقد جاءت السنة ببيان ذلك، وقد بدأ المصنف رحمه الله بحق الزوج على امرأته، وهذا الحق هو أنها تسمع له وتطيع فيما هو له في غير معصية، وتقوم بشئون بيته وتربية أولاده في بيته والقرار في بيته وعدم الخروج إلا بإذنه، وغير ذلك من الأمور التي هي مطلوبة من النساء للرجال.

وقد بدأ أبو داود رحمه الله بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما الذي فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، وأن الأمر عظيم؛ إذ بين صلى الله عليه وسلم أنه لو كان آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وذلك لعظيم حقه عليها، وهذا يدلنا على عظم حق الزوج على الزوجة، وأن على الزوجة أن تحرص على تأدية ذلك الحق العظيم الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم شأنه بأنه لو كان آمراً أحداً من البشر أن يسجد لأحد من البشر لأمر الزوجات أن يسجدن لأزواجهن، والسجود لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، ولكن هذا فيه بيان عظيم شأن حق الزوج على زوجته.

فـقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما ذكر أنه جاء الحيرة -وهي بلدة من بلاد فارس- فرآهم يسجدون لمرزبان لهم، والمرزبان هو الزعيم والكبير والقائد والمرجع، فلما رأى أن هذا يكون من المخلوقين للمخلوق قال: أحق من يفعل ذلك معه من المخلوقين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الذي شاهده وبهذا الذي رآه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] قال: قلت: لا.

قال: [ (فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق) ].

يعني: للرجال على النساء وللأزواج على الزوجات من الحق، أي: من عظيم الحق.

فذلك الحق عظيم، يدل على عظمه هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر لا يكون؛ أنه لو كان سائغاً لكان الأولى والأحق به الزوج.

والحديث فيه هذه الجملة التي فيها [ (أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟) ] ولم تأت من غير هذا الطريق، وهذا الطريق فيه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، فهي مما تفرد به ولم يتابع عليه، فتكون غير صحيحة.

وأما باقي الحديث فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه.

وأما ما يفعله بعض الناس الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى المحبة والتعظيم فهو غير صحيح وغير جائز.

والمحبة تكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه واتباع سنته وعدم الخروج عليها وعدم مخالفتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فتعظيمه يكون بمحبته واتباعه والسير على منهاجه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا وفقاً لما جاء به صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي يجب ويتعين، ولا يجوز تجاوز الحد بأن يصرف للرسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يجوز صرفه له، مثل الركوع أو السجود أو الصلاة إلى قبره وما إلى ذلك، فكل ذلك غير سائغ وغير جائز.

قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ].

عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا إسحاق بن يوسف ].

هو إسحاق بن يوسف الأزرق، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن شريك ].

هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وساء حفظه لما ولي القضاء، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حصين ].

هو حصين بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الشعبي ].

هو عامر بن شراحيل الشعبي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قيس بن سعد ].

هو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومما يذكر عن قيس هذا رضي الله عنه أنه كان من أطول الرجال، وذكر الحافظ في الفتح أن رجلاً من الروم قال: إنه طويل وإنه يريد أن يطاول غيره، فقالوا لـقيس رضي الله تعالى عنه في ذلك فأعطاهم سراويله ليلبسه ذلك الرومي، فلما لبسه صار أسفله في الأرض وأعلاه على أنفه.