خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/317"> الشيخ عبد المحسن العباد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/317?sub=65404"> شرح سنن أبي داود
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح سنن أبي داود [232]
الحلقة مفرغة
شرح حديث (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ...)
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، فقال
قال أبو داود : حدثنا وزادنا فيه ابن المصفى عن الوليد : (فقام
قوله: [ باب تحريم حرم مكة ].
هذه الترجمة فيها ذكر جملة من النصوص الدالة على تحريم مكة وأنها حرم، وقد جاء تحريم حرمين اثنين هما: مكة والمدينة، وليس هناك مكان ثالث حصل له ذلك الوصف الذي هو التحريم ووصف بأنه حرم إلا هذين المكانين مكة والمدينة، فمكة حرم والمدينة حرم وغيرهما لم يأت شيء يدل عليه، وإنما التحريم خاص بهذين البلدين المقدسين مكة والمدينة.
والترجمة تتعلق بتحريم حرم مكة، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة أورد أبو داود منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعد أن فتح الله عليه مكة ودخلها فاتحاً، وكانت مكة فتحت عنوة وليس صلحاً بينه وبين المشركين، وقد دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر وخطب الناس وقال: (إن الله حبس عن مكة الفيل) كما جاء في سورة الفيل.
قوله: (وسلط عليها رسوله والمؤمنين) يعني: مكنهم من ولايتها والتغلب على أهلها.
قوله: (وإنما أحلت لي ساعة من النهار) وفي بعض الأحاديث: (وقد عادت حرمتها باليوم كما عادت حرمتها بالأمس).
قوله: (ثم هي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها) يعني: أنه لا يزعج صيدها ولا يجوز شيء يزعجه وينفره ويجعله يشرد، وإنما هو آمن ومن دخله كان آمناً، وإذا كان التنفير ممنوعاً منه فإن القتل من باب أولى، فلا يقتل الصيد، مثل ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما يتعلق بحرم المدينة قال: (لو وجدت الظباء ترتع لما نفرتها أو لما زجرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم)، والله عز وجل جعل الصيد إذا دخل مكة وكذلك المدينة آمناً، وجعل له من الغذاء ما يتغذى به حيث حرم قطع الشجر وقطع النبات حتى يكون ذلك الصيد عندما يدخل المكان الآمن عنده قوته وعنده الشيء الذي يرعاه، ولو قطع الشجر وصارت الأرض جرداء فإن الصيد لا يبقى، وإنما يذهب يبحث عن الرعي ويذهب عن القوت والطعام، فجاءت الشريعة بكون الصيد يكون آمناً وبكون قوته يكون موجوداً عنده.
قوله: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) أي: لمن يستمر على التعريف بها، وذلك أن اللقطة إذا فقدت في مكة فإن مكة يتردد عليها الناس للحج في كل عام، ولذلك ميزت على غيرها لقطتها لا تكون كلقطة غيرها بأن تعرف ثم يستفيد منها من عرفها، بل إنها تعرف دائماً، وذلك أن صاحبها قد يأتي في حجة أخرى أو في حجة ثانية أو ثالثة وهكذا، فلا تملك لقطتها أو لا يستفاد من لقطتها كما يستفاد منها في الأماكن الأخرى غير مكة.
قوله: (قال
يعني: هذا تلقين استثناء، يريد أن يستثني من ذلك الإذخر.
قوله: (فإنه لقبورنا وبيوتنا) يعني: لبيوتهم؛ لأنه نبت له رائحة طيبة ويجعلونه في البيوت بحيث يسقفونها به، وكذلك في قبورهم يجعلونه بين اللبن بحيث لا ينزل التراب والرمل على الميت في لحده، فقال عليه الصلاة والسلام: (إلا الإذخر) فدل هذا على أن الإذخر مستثنى، وأنه يجوز قطعه كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فقام
ويدل هذا الحديث أيضاً على أن فتح مكة كان عنوة، وأنه ليس صلحاً بينه وبين الكفار، وأن هذا الحل الذي حصل له صلى الله عليه وسلم مستثنى، وأنها بعد ذلك ستعود حرمتها كما كان قبل ذلك؛ فحرمتها مستمرة إلى يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا تلك الساعة التي أحلها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ويدل أيضاً على أن الاستثناء ليس بلازم أن يكون مقصوداً عند أول الكلام، بل إذا ذكِّر به المتكلم أو لفت النظر إليه في الحال ثم أتى به فإنه يمكن، ومثل الاستثناء اليمين، لو أن إنساناً حلف وقيل له: قل: إن شاء الله فقال: إن شاء الله، فإنه يكون مستثنياً، وإن لم يحصل ذلك منه عند بداية النطق بذلك، فإن هذا الحديث يدل على نفع الاستثناء في مثل هذه الحال.
ويدل الحديث أيضاً على كتابة العلم، وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن كتابة الحديث في أول الأمر؛ وذلك لما كان يخشى من اختلاطه بالقرآن، ولكنه بعد ذلك رخص فيه، وهذا الحديث يدل على الترخيص، وقد قالأبو هريرة عن عبد الله بن عمرو : إنه كان يكتب ولا أكتب، ثم بعد ذلك اتفق العلماء على استحباب كتابة العلم، وأن ذلك أمر مطلوب؛ وذلك أن القرآن قد حفظ وميز عن غيره فلا يكون هناك التباس بين القرآن وبين غيره، فاتفق العلماء على استحباب كتابة العلم وعلى الاشتغال بالعلم كتابة وحفظاً.
قوله: (ولا يعضد شجرها).
العضد هو القطع، والشجر الذي يعضد هو الذي أنبته الله عز وجل، وأما الشيء الذي ينبته الناس لأنفسهم فإنهم يستفيدون منه ويستعملونه ولا يمنعون منه، أما الشيء الذي أنبته الله تعالى فكما أسلفنا -والله أعلم- أنه منع منه ليكون قوتاً للصيد الذي إذا دخل الحرم كان آمناً.
وكون الإنسان يذهب بإبله لترعى في الحرم يبدو أنه غير سليم؛ لأن هذا يؤدي إلى إزالة النبات من الحرم، لكن إذا كانت الإبل انفلتت من نفسها وأكلت فهذا شيء آخر، وأما كون الإنسان يقصد ويتعمد الرعي في الحرم فهذا وسيلة إلى تخلية الحرم من النبات، ويكون الصيد الذي يدخل الحرم ويكون آمناً لا يجد شيئاً يقتاته ويأكله.
قوله: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) يعني: الشيء اليسير التافه مثل الريال والريالين والسكين والمقص وما إلى ذلك من الأشياء التافهة، فهذه يأخذها الإنسان ولا تحتاج إلى تعريف، وإنما الشيء الذي له شأن وله وزن في النفوس هذا هو الذي يوصف بأنه لقطة تنشد، وإذا كانت في غير الحرم فتعرف لمدة سنة ثم يستفيد منها صاحبها الذي عرفها، أما في الحرم فتعرف دائماً.
تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين)
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الوليد بن مسلم ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى -يعني: ابن أبي كثير - ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
معنى قوله: (فقام أبو شاه فقال: يا رسول الله اكتبوا لي...)
يعني: له طريق آخر من طريق محمد بن مصفى عن الوليد وفيه: [ (فقام
وفي الصحيحين هذا الحديث، وفيه قصة أبي شاه وكونه قال: [ (اكتبوا لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لـ
قوله: [ ابن المصفى ].
هو محمد بن مصفى صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
طريق أخرى لحديث تحريم مكة وفيه (...ولا يختلى خلاها) وتراجم رجال الإسناد
أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وقال: (ولا يختلى خلاها) يعني: لا يقطع نباتها لا الشجر الكبار ولا الشجر الصغار أو النبات الصغير الذي هو الحشيش الرطب.
قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة .
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور ].
هو منصور بن معتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مجاهد ].
هو مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن طاوس ].
هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث عائشة (...ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناءً يظلك من الشمس؟ فقال: لا...)
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك به من الشمس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا، إنما هو مناخ من سبق إليه).
هذا الحديث يدل على أن الحق في منى للسابق، وأن من سبق إلى مكان منها فهو أحق به من غيره.
والحديث تكلم في إسناده الألباني وضعفه، وابن القيم حسنه في تهذيب السنن، ومعناه صحيح من جهة أن من سبق إلى مكان فهو أحق به، وليس لأحد أن يقيمه من مكانه الذي هو فيه؛ لأن كون الإنسان يأتي بعده ويقيمه من مكانه ويجلس فيه ليس بلائق، فمعناه صحيح من جهة أن السابق إلى المكان هو أحق به، والأشياء المباحة والأشياء التي هي للناس عموماً إذا سبق أحد إلى شيء منها فإن له ذلك، ولكن من حيث الإسناد فيه كلام من جهة إبراهيم بن مهاجر ومن جهة أم يوسف بن ماهك .
والحديث يدل على عدم جواز البناء في منى.
تراجم رجال إسناد حديث عائشة (.. ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال لا....)
أحمد بن حنبل مر ذكره.
[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].
عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إسرائيل ].
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم بن مهاجر ].
إبراهيم بن مهاجر وهو صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن يوسف بن ماهك ].
يوسف بن ماهك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أمه ].
هي مسيكة الملكية لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود والترمذي وابن ماجة .
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وواحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه)
أورد أبو داود حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه) يعني: كونه يشترى الطعام في حال قلته ثم يحتكره حتى يزيد سعره فيباع غالياً، هذا هو الاحتكار، وهو حرام في كل مكان في مكة وفي غيرها، ولكنه في مكة لا شك أنه أشد وأخطر وأسوأ، واحتكار الطعام ظلم وهو خلاف الحق، وفيه ميل من الحق إلى الباطل، ولكن هذا الحديث غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه)
هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا أبو عاصم ].
هو أبو عاصم النبيل واسمه الضحاك بن مخلد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جعفر بن يحيى بن ثوبان ].
جعفر بن يحيى بن ثوبان وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة .
[ عن عمارة بن ثوبان ].
عمارة بن ثوبان وهو مستور ، والمستور هو مجهول الحال، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود وابن ماجة .
[ عن موسى بن باذان ].
موسى بن باذان وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود .
[ عن يعلى بن أمية ].
يعلى بن أمية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وفي الحديث ثلاثة متكلم فيهم، فيه مجهول العين ومجهول الحال الذي هو المستور وفيه المقبول الذي لا يقبل حديثه إلا إذا اعتضد.
والحديث ضعيف مرفوعاً، والصحيح أنه موقوف على عمر رضي الله عنه كما قال في الحاشية.
يقول المنذري : أخرجه البخاري في التاريخ الكبير عن يعلى بن أمية : أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: (احتكار الطعام بمكة إلحاد) ويشبه أن يكون البخاري علل المسند بهذا.
وذلك أن البخاري رواه أولاً مرفوعاً من طريق أبي عاصم به، ثم رواه من وجه آخر عن عمر موقوفاً، فيكون قد أشار إلى ما نبه إليه المنذري على أن الحديث ضعيف، وإذا صح الأثر عن عمر فهو كما ذكرنا أن المعنى صحيح ولا إشكال فيه ولا غبار عليه، واحتكار الطعام في أي مكان حرام، ويزداد حرمة في الحرم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تحريم حرم مكة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، فقال
قال أبو داود : حدثنا وزادنا فيه ابن المصفى عن الوليد : (فقام
قوله: [ باب تحريم حرم مكة ].
هذه الترجمة فيها ذكر جملة من النصوص الدالة على تحريم مكة وأنها حرم، وقد جاء تحريم حرمين اثنين هما: مكة والمدينة، وليس هناك مكان ثالث حصل له ذلك الوصف الذي هو التحريم ووصف بأنه حرم إلا هذين المكانين مكة والمدينة، فمكة حرم والمدينة حرم وغيرهما لم يأت شيء يدل عليه، وإنما التحريم خاص بهذين البلدين المقدسين مكة والمدينة.
والترجمة تتعلق بتحريم حرم مكة، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة أورد أبو داود منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس بعد أن فتح الله عليه مكة ودخلها فاتحاً، وكانت مكة فتحت عنوة وليس صلحاً بينه وبين المشركين، وقد دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر وخطب الناس وقال: (إن الله حبس عن مكة الفيل) كما جاء في سورة الفيل.
قوله: (وسلط عليها رسوله والمؤمنين) يعني: مكنهم من ولايتها والتغلب على أهلها.
قوله: (وإنما أحلت لي ساعة من النهار) وفي بعض الأحاديث: (وقد عادت حرمتها باليوم كما عادت حرمتها بالأمس).
قوله: (ثم هي حرام إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها) يعني: أنه لا يزعج صيدها ولا يجوز شيء يزعجه وينفره ويجعله يشرد، وإنما هو آمن ومن دخله كان آمناً، وإذا كان التنفير ممنوعاً منه فإن القتل من باب أولى، فلا يقتل الصيد، مثل ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فيما يتعلق بحرم المدينة قال: (لو وجدت الظباء ترتع لما نفرتها أو لما زجرتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم)، والله عز وجل جعل الصيد إذا دخل مكة وكذلك المدينة آمناً، وجعل له من الغذاء ما يتغذى به حيث حرم قطع الشجر وقطع النبات حتى يكون ذلك الصيد عندما يدخل المكان الآمن عنده قوته وعنده الشيء الذي يرعاه، ولو قطع الشجر وصارت الأرض جرداء فإن الصيد لا يبقى، وإنما يذهب يبحث عن الرعي ويذهب عن القوت والطعام، فجاءت الشريعة بكون الصيد يكون آمناً وبكون قوته يكون موجوداً عنده.
قوله: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) أي: لمن يستمر على التعريف بها، وذلك أن اللقطة إذا فقدت في مكة فإن مكة يتردد عليها الناس للحج في كل عام، ولذلك ميزت على غيرها لقطتها لا تكون كلقطة غيرها بأن تعرف ثم يستفيد منها من عرفها، بل إنها تعرف دائماً، وذلك أن صاحبها قد يأتي في حجة أخرى أو في حجة ثانية أو ثالثة وهكذا، فلا تملك لقطتها أو لا يستفاد من لقطتها كما يستفاد منها في الأماكن الأخرى غير مكة.
قوله: (قال
يعني: هذا تلقين استثناء، يريد أن يستثني من ذلك الإذخر.
قوله: (فإنه لقبورنا وبيوتنا) يعني: لبيوتهم؛ لأنه نبت له رائحة طيبة ويجعلونه في البيوت بحيث يسقفونها به، وكذلك في قبورهم يجعلونه بين اللبن بحيث لا ينزل التراب والرمل على الميت في لحده، فقال عليه الصلاة والسلام: (إلا الإذخر) فدل هذا على أن الإذخر مستثنى، وأنه يجوز قطعه كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (فقام
ويدل هذا الحديث أيضاً على أن فتح مكة كان عنوة، وأنه ليس صلحاً بينه وبين الكفار، وأن هذا الحل الذي حصل له صلى الله عليه وسلم مستثنى، وأنها بعد ذلك ستعود حرمتها كما كان قبل ذلك؛ فحرمتها مستمرة إلى يوم القيامة ولا يستثنى من ذلك إلا تلك الساعة التي أحلها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ويدل أيضاً على أن الاستثناء ليس بلازم أن يكون مقصوداً عند أول الكلام، بل إذا ذكِّر به المتكلم أو لفت النظر إليه في الحال ثم أتى به فإنه يمكن، ومثل الاستثناء اليمين، لو أن إنساناً حلف وقيل له: قل: إن شاء الله فقال: إن شاء الله، فإنه يكون مستثنياً، وإن لم يحصل ذلك منه عند بداية النطق بذلك، فإن هذا الحديث يدل على نفع الاستثناء في مثل هذه الحال.
ويدل الحديث أيضاً على كتابة العلم، وقد جاء في بعض الأحاديث النهي عن كتابة الحديث في أول الأمر؛ وذلك لما كان يخشى من اختلاطه بالقرآن، ولكنه بعد ذلك رخص فيه، وهذا الحديث يدل على الترخيص، وقد قالأبو هريرة عن عبد الله بن عمرو : إنه كان يكتب ولا أكتب، ثم بعد ذلك اتفق العلماء على استحباب كتابة العلم، وأن ذلك أمر مطلوب؛ وذلك أن القرآن قد حفظ وميز عن غيره فلا يكون هناك التباس بين القرآن وبين غيره، فاتفق العلماء على استحباب كتابة العلم وعلى الاشتغال بالعلم كتابة وحفظاً.
قوله: (ولا يعضد شجرها).
العضد هو القطع، والشجر الذي يعضد هو الذي أنبته الله عز وجل، وأما الشيء الذي ينبته الناس لأنفسهم فإنهم يستفيدون منه ويستعملونه ولا يمنعون منه، أما الشيء الذي أنبته الله تعالى فكما أسلفنا -والله أعلم- أنه منع منه ليكون قوتاً للصيد الذي إذا دخل الحرم كان آمناً.
وكون الإنسان يذهب بإبله لترعى في الحرم يبدو أنه غير سليم؛ لأن هذا يؤدي إلى إزالة النبات من الحرم، لكن إذا كانت الإبل انفلتت من نفسها وأكلت فهذا شيء آخر، وأما كون الإنسان يقصد ويتعمد الرعي في الحرم فهذا وسيلة إلى تخلية الحرم من النبات، ويكون الصيد الذي يدخل الحرم ويكون آمناً لا يجد شيئاً يقتاته ويأكله.
قوله: (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) يعني: الشيء اليسير التافه مثل الريال والريالين والسكين والمقص وما إلى ذلك من الأشياء التافهة، فهذه يأخذها الإنسان ولا تحتاج إلى تعريف، وإنما الشيء الذي له شأن وله وزن في النفوس هذا هو الذي يوصف بأنه لقطة تنشد، وإذا كانت في غير الحرم فتعرف لمدة سنة ثم يستفيد منها صاحبها الذي عرفها، أما في الحرم فتعرف دائماً.
قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الوليد بن مسلم ].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأوزاعي ].
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى -يعني: ابن أبي كثير - ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ]
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.