شرح سنن أبي داود [218]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (لا ينكح المحرم ولا ينكح)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المحرم يتزوج.

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله، -و أبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان-: إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير فأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاينكح المحرم، ولا ينكح) ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب المحرم يتزوج، أي: ما حكم ذلك؟ والجواب أنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج، أي: أن يعقد النكاح، سواء كان له أو لغيره، فلا يكون متزوجاً ولا ولياً أو وكيلاً في زواج، فالمحرم عليه أن يبتعد عن الجماع، وعن كل ما هو مفض إلى الجماع، ومن ذلك العقد والخطبة، وكذلك أي شيء يؤدي إليه فإنه لا يسوغ للإنسان أن يفعله في حال إحرامه.

وليس المقصود بالنكاح في هذا الحديث مجرد الجماع، فإن ذلك كما هو معلوم غير سائغ، ولكن المقصود به العقد؛ لأنه قد جاء بعده: (ولا ينكح ولا يخطب).

أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح)، فقوله: (لا يَنكح المحرم) أي: لا يتزوج ولا يعقد بنفسه، (ولا يُنكح) أي: لا يعقد لغيره، وذلك بأن يكون ولياً عن المرأة، فليس له أن يزوج المرأة في حال إحرامه، بل يكون الزوج والولي ووكيلاهما حلالاً عند العقد وليسوا بمحرمين، وسيأتي لفظ آخر بعد هذا بزيادة: (ولا يخطب) أي: الخطبة التي هي التقدم بطلب الزواج، فلا يخطب، سواء تمت أو لم تتم، سواء حصلت موافقة أو لم تحصل موافقة، فذلك لا يجوز، والمقصود أن الجماع وكل وسائله وما يؤدي إليه ممنوع منه المحرم، ولهذا منع المحرم من الطيب؛ لأنه من وسائله، وفيه ترفه أيضاً، وقد جاء في القرآن الكريم: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وفسر الرفث بأنه الجماع ومقدماته، وفسر أيضاً بأنه الفاحش من الكلام، وكل ذلك حق وصحيح، فليس للمحرم أن يجامع، ولا أن يأخذ بالوسائل التي تؤدي إليه، وليس له أن يأتي بالفاحش من الكلام وهو في حال إحرامه، والجماع ووسائله ممنوعة في حال الإحرام، وهي مباحة في غير حال الإحرام، وأما الكلام البذيء فإنه ممنوع في حال الإحرام وغير حال الإحرام.

وهذا الحديث فيه قصة: (وهي أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج ابنه طلحة بن عمر بابنة شيبة بن جبير ، فطلب من أبان أن يحضر ذلك) أي: أن يحضر العقد، لعله أن يكون شاهداً أو غير ذلك، فأنكر عليه ذلك، وروى عن أبيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح) والذي يبدو أنهم كلهم كانوا محرمين، وأن ذلك كان في الحج، فلا يجوز ذلك ولو كان العروسان غير محرمين والوليان محرمين.

ولا يجوز للإنسان أن يحضر ذلك ولو كان غير محرم؛ لأنه فعل محرم لا يجوز المشاركة فيه، وإن ذهب فإنما يذهب لينكره فقط، أو ينكره قبل أن يأتي إليه.

ولو كان الزوج حلال والمرأة حلالاً فلا يحضره المحرم ولو كان شاهداً أو غير ذلك؛ هذا هو الأولى، فهو متلبس بالإحرام، فيكون ذلك شبيهاً بالخطبة، وإنما يشهده غير محرم، فمن كان محرماً فلا يجوز له شهود ذلك، حتى ولو كان المحرم مدعواً إلى الوليمة في العقد فالأحوط أن يبتعد، مع أن فعل الوليمة في العقد ولو كانت يسيرة فيه تكلف، ولا ينبغي التكلف في أمور الزواج.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا ينكح المحرم ولا يُنكح)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نبيه بن وهب ].

نبيه بن وهب هو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبان بن عثمان ].

هو أبان بن عثمان بن عفان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ قال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان ].

عثمان بن عفان أمير المؤمنين ، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

طريق أخرى لحديث: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ) وتراجم رجال الإسناد

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم حدثنا سعيد عن مطر ويعلى بن حكيم عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ذكر مثله، زاد: (ولا يخطب) ].

أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله وزيادة الخطبة أيضاً، وأن المحرم لا يفعلها.

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن محمد بن جعفر ].

محمد بن جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مطر ].

هو مطر الوراق ، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ويعلى بن حكيم ].

يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان ]

قد مرَّ ذكرهم.

شرح حديث: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم ابن أخي ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف) ].

في حديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهما حلالان هي وهو، وكان ذلك في سرف، فدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما تزوج ميمونة وهو حلال وكذلك كانت هي حلالاً، ولم يكن منهما أحد محرماً، وهذا هو الذي جاء عن ميمونة وهي صاحبة القصة، وجاء عن أبي رافع أيضاً، وهو السفير بينهما، وجاء عن ابن عباس في الحديث الذي سيأتي أنه تزوجها وهو محرم، وحديث ابن عباس يعارض حديث ميمونة وحديث أبي رافع السفير بينهما، فأهل العلم قالوا: إن المسائل التي لا يمكن فيها الجمع، كأن وردت في واحدة وليس فيها تاريخ تقدم وتأخر حتى يكون المتأخر ناسخاً المتقدم؛ يصار إلى الترجيح، والترجيح يكون لكلام صاحب القصة ومن له علاقة بالقصة؛ لأنه أدرى من غيره.

فهنا ميمونة حدثت عن نفسها وهي صاحبة الشأن، وأبو رافع السفير بينهما والواسطة بينهما له علاقة بالموضوع، فيكون الخبر بأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال هو للراجح، أضف إلى هذا أنه متفق مع حديث عثمان : (لا ينكح المحرم ولا ينكح) يعني: أن المحرم لا يحصل منه شيء من ذلك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم يخالف ما جاء من قوله: (لا ينكح المحرم ولا ينكح).

إذاً: ما جاء عن ميمونة وعن أبي رافع متفق مع ما جاء عن عثمان رضي الله تعالى عنه وهو أنه تزوجها وهو حلال ولم يكن محرماً.

وبعض الناس ذكروا أوجهاً للجمع فيها تكلف، ولكن الأظهر هو أن قول ميمونة وأبي رافع هو المقدم، وهو المتفق مع حديث أمير المؤمنين عثمان كما في الحديث الذي في صحيح مسلم وعند أبي داود وغيرهما.

ومن الأشياء التي ذكروها أنه كان في الحرم، وكان حلالاً عند العقد، فلما عقد عليها في الحرم قيل له: محرم؛ لأنه في الحرم، مثل ما يقال: أتهم وأنجد، فأحرم معناه صار في الحرم، مثل أنجد وأتهم إذا كان في نجد وتهامة، لكن المعروف أن المحرم هو المتلبس بالإحرام وليس المقصود أنه الذي في الحرم.

تراجم رجال إسناد حديث: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حبيب بن الشهيد ].

حبيب بن الشهيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ميمون بن مهران ].

ميمون بن مهران وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن يزيد بن الأصم ].

يزيد بن الأصم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن ميمونة ].

هي ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم) ].

قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم) ] الحديث صحيح، ولكنه مخالف لحديث ميمونة وأبي رافع رضي الله عنهما ولا يمكن النسخ ولا الجمع بينهما، فلم يبق إلا الترجيح، والترجيح أن ميمونة صاحبة القصة وأبا رافع السفير بينهما يرويان أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهما حلالان، ومن جهة هو مطابق لما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عثمان : (لا ينكح المحرم ولا ينكح).

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)

قوله: [ قال حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح أثر: (وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم ].

قوله: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم يعني: أن الذي تقدم من حديث عثمان ومن حديث ميمونة وكذلك ما جاء من حديث أبي رافع مقدم على قوله، وهذا من الأوهام، مثل ما مر بنا في قضية أن معاوية قصر له عند المروة في حجتة بمشقص، والرسول صلى الله عليه وسلم حال إحرامه، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان قد ساق الهدي ولم يقصر له عند المروة إلا في العمرة، فهذا من الأوهام.

تراجم رجال إسناد أثر: (وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم)

قوله: [ حدثنا ابن بشار ].

هو محمد بن بشار الملقب بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].

عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن أمية ].

إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن رجل عن سعيد بن المسيب ].

عن رجل مبهم، وسعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في عصر التابعين في المدينة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال الشيخ الألباني عن هذا الأثر: صحيح مقطوع.

وابن القيم أطال الكلام في جلاء الأفهام عند قصة ميمونة ؛ لأنه ترجم لأمهات المؤمنين، وأتى بالأشياء التي فيها إشكال بالنسبة لأمهات المؤمنين كزواج ميمونة ، وكذلك زواج أم حبيبة وغيرهما.

إذاً: إذا عقد الرجل وهو محرم فإنه يبطل العقد، وهو عقد فيه شبهة، فلابد أن يجدد العقد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: المحرم يتزوج.

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله، -و أبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان-: إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير فأردت أن تحضر ذلك، فأنكر ذلك عليه أبان وقال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاينكح المحرم، ولا ينكح) ].

قال المصنف رحمه الله تعالى: باب المحرم يتزوج، أي: ما حكم ذلك؟ والجواب أنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج، أي: أن يعقد النكاح، سواء كان له أو لغيره، فلا يكون متزوجاً ولا ولياً أو وكيلاً في زواج، فالمحرم عليه أن يبتعد عن الجماع، وعن كل ما هو مفض إلى الجماع، ومن ذلك العقد والخطبة، وكذلك أي شيء يؤدي إليه فإنه لا يسوغ للإنسان أن يفعله في حال إحرامه.

وليس المقصود بالنكاح في هذا الحديث مجرد الجماع، فإن ذلك كما هو معلوم غير سائغ، ولكن المقصود به العقد؛ لأنه قد جاء بعده: (ولا ينكح ولا يخطب).

أورد أبو داود حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح)، فقوله: (لا يَنكح المحرم) أي: لا يتزوج ولا يعقد بنفسه، (ولا يُنكح) أي: لا يعقد لغيره، وذلك بأن يكون ولياً عن المرأة، فليس له أن يزوج المرأة في حال إحرامه، بل يكون الزوج والولي ووكيلاهما حلالاً عند العقد وليسوا بمحرمين، وسيأتي لفظ آخر بعد هذا بزيادة: (ولا يخطب) أي: الخطبة التي هي التقدم بطلب الزواج، فلا يخطب، سواء تمت أو لم تتم، سواء حصلت موافقة أو لم تحصل موافقة، فذلك لا يجوز، والمقصود أن الجماع وكل وسائله وما يؤدي إليه ممنوع منه المحرم، ولهذا منع المحرم من الطيب؛ لأنه من وسائله، وفيه ترفه أيضاً، وقد جاء في القرآن الكريم: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، وفسر الرفث بأنه الجماع ومقدماته، وفسر أيضاً بأنه الفاحش من الكلام، وكل ذلك حق وصحيح، فليس للمحرم أن يجامع، ولا أن يأخذ بالوسائل التي تؤدي إليه، وليس له أن يأتي بالفاحش من الكلام وهو في حال إحرامه، والجماع ووسائله ممنوعة في حال الإحرام، وهي مباحة في غير حال الإحرام، وأما الكلام البذيء فإنه ممنوع في حال الإحرام وغير حال الإحرام.

وهذا الحديث فيه قصة: (وهي أن عمر بن عبيد الله أراد أن يزوج ابنه طلحة بن عمر بابنة شيبة بن جبير ، فطلب من أبان أن يحضر ذلك) أي: أن يحضر العقد، لعله أن يكون شاهداً أو غير ذلك، فأنكر عليه ذلك، وروى عن أبيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ينكح المحرم، ولا ينكح) والذي يبدو أنهم كلهم كانوا محرمين، وأن ذلك كان في الحج، فلا يجوز ذلك ولو كان العروسان غير محرمين والوليان محرمين.

ولا يجوز للإنسان أن يحضر ذلك ولو كان غير محرم؛ لأنه فعل محرم لا يجوز المشاركة فيه، وإن ذهب فإنما يذهب لينكره فقط، أو ينكره قبل أن يأتي إليه.

ولو كان الزوج حلال والمرأة حلالاً فلا يحضره المحرم ولو كان شاهداً أو غير ذلك؛ هذا هو الأولى، فهو متلبس بالإحرام، فيكون ذلك شبيهاً بالخطبة، وإنما يشهده غير محرم، فمن كان محرماً فلا يجوز له شهود ذلك، حتى ولو كان المحرم مدعواً إلى الوليمة في العقد فالأحوط أن يبتعد، مع أن فعل الوليمة في العقد ولو كانت يسيرة فيه تكلف، ولا ينبغي التكلف في أمور الزواج.

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نبيه بن وهب ].

نبيه بن وهب هو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبان بن عثمان ].

هو أبان بن عثمان بن عفان وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ قال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان ].

عثمان بن عفان أمير المؤمنين ، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم حدثنا سعيد عن مطر ويعلى بن حكيم عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ذكر مثله، زاد: (ولا يخطب) ].

أورد المصنف رحمه الله الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله وزيادة الخطبة أيضاً، وأن المحرم لا يفعلها.

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن محمد بن جعفر ].

محمد بن جعفر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مطر ].

هو مطر الوراق ، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ ويعلى بن حكيم ].

يعلى بن حكيم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان ]

قد مرَّ ذكرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم ابن أخي ميمونة عن ميمونة رضي الله عنها أنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف) ].

في حديث ميمونة رضي الله عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوجها وهما حلالان هي وهو، وكان ذلك في سرف، فدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما تزوج ميمونة وهو حلال وكذلك كانت هي حلالاً، ولم يكن منهما أحد محرماً، وهذا هو الذي جاء عن ميمونة وهي صاحبة القصة، وجاء عن أبي رافع أيضاً، وهو السفير بينهما، وجاء عن ابن عباس في الحديث الذي سيأتي أنه تزوجها وهو محرم، وحديث ابن عباس يعارض حديث ميمونة وحديث أبي رافع السفير بينهما، فأهل العلم قالوا: إن المسائل التي لا يمكن فيها الجمع، كأن وردت في واحدة وليس فيها تاريخ تقدم وتأخر حتى يكون المتأخر ناسخاً المتقدم؛ يصار إلى الترجيح، والترجيح يكون لكلام صاحب القصة ومن له علاقة بالقصة؛ لأنه أدرى من غيره.

فهنا ميمونة حدثت عن نفسها وهي صاحبة الشأن، وأبو رافع السفير بينهما والواسطة بينهما له علاقة بالموضوع، فيكون الخبر بأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال هو للراجح، أضف إلى هذا أنه متفق مع حديث عثمان : (لا ينكح المحرم ولا ينكح) يعني: أن المحرم لا يحصل منه شيء من ذلك، وكون النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم يخالف ما جاء من قوله: (لا ينكح المحرم ولا ينكح).

إذاً: ما جاء عن ميمونة وعن أبي رافع متفق مع ما جاء عن عثمان رضي الله تعالى عنه وهو أنه تزوجها وهو حلال ولم يكن محرماً.

وبعض الناس ذكروا أوجهاً للجمع فيها تكلف، ولكن الأظهر هو أن قول ميمونة وأبي رافع هو المقدم، وهو المتفق مع حديث أمير المؤمنين عثمان كما في الحديث الذي في صحيح مسلم وعند أبي داود وغيرهما.

ومن الأشياء التي ذكروها أنه كان في الحرم، وكان حلالاً عند العقد، فلما عقد عليها في الحرم قيل له: محرم؛ لأنه في الحرم، مثل ما يقال: أتهم وأنجد، فأحرم معناه صار في الحرم، مثل أنجد وأتهم إذا كان في نجد وتهامة، لكن المعروف أن المحرم هو المتلبس بالإحرام وليس المقصود أنه الذي في الحرم.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حبيب بن الشهيد ].

حبيب بن الشهيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ميمون بن مهران ].

ميمون بن مهران وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن يزيد بن الأصم ].

يزيد بن الأصم وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن ميمونة ].

هي ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع