شرح سنن أبي داود [172]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (يا أهل القرآن أوتروا ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الوتر.

باب استحباب الوتر.

حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: (فقال أعرابي: ما تقول؟ فقال: ليس لك ولا لأصحابك) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب الوتر].

والوتر قيل: هو الركعة التي تختم بها صلاة الليل، أو الركعات التي هي وتر تختم بها صلاة الليل، وقيل: إن المقصود بذلك صلاة الليل وما يختم به من ركعة أو أكثر، فإن ذلك كله يقال له وتر.

والوتر: هو ضد الشفع، أي: الفرد، ومعنى هذا: أن الإنسان يصلي الوتر ركعة واحدة، وهي أقل شيء، ويمكن أن يكون ثلاثاً سواء كانت مسرودة أو ركعتين، ثم يتشهد ويسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم، وهذا هو الأولى، أو يأتي بأكثر من ذلك متصلاً أو منفصلاً يعني: ثنتين ثنتين، وركعة في الآخر، أو تكون مجتمعة ويسلم في آخرها، فكل هذا يقال له وتر.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)، وقد ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث تحت ترجمة: [باب استحباب الوتر]؛ لأنه لما ذكر تفريع أبواب الوتر بدأ بترجمة استحباب الوتر.

والمقصود من الترجمة هو: أن الوتر ليس بفرض ولا حتم، ولكنه مستحب، بل هو من آكد السنن والنوافل؛ لأن النوافل آكدها الوتر وركعتا الفجر، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يترك الوتر ولا ركعتي الفجر لا في حضر ولا في سفر، وثبت عنه أنه ما كان يحافظ على شيء من النوافل في الحضر والسفر إلا على ركعتي الفجر والوتر، فهو من آكد النوافل وأهمها، ولكنه ليس بفرض وإنما مستحب، ولهذا قال في الترجمة: [باب استحباب الوتر].

ويأتي المصنف بعدة أحاديث يستدل بها على هذا، ومنها هذا الحديث، وهو قوله: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر) ووجه إيراد المصنف لهذا الحديث تحت هذه الترجمة من جهة أنه خص أهل القرآن بقوله: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر) فكونه يخاطب أهل القرآن بهذا فهو يدل على أنه ليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضاً لكان لازماً للجميع.

والأدلة الواضحة على استحبابه ستأتي، ومنها: الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات فرضهن الله)، وكذلك حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن، قال: (أخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وكان هذا متأخراً، فهذا يدل على أن المفترض هو الخمس الصلوات، وما زاد عليها فهو نفل، وكذلك حديث طلحة أنه جاء رجل إلى رسول الله وسأله فقال: (خمس صلوات فرضهن الله في كل يوم وليلة؟ قال: هل عليّ غيرها؟ قال لا، إلا أن تطوع)، فهذا يدل على أن الوتر داخل تحت التطوع.

إذاً: فهو من الأعمال المستحبة، ولكنه من آكد المستحبات والنوافل.

والوتر مستحب في حق الجميع، يعني: في أهل القرآن وغير أهل القرآن، فالمسلم يوتر ويصلي الوتر، لكن لماذا خص أهل القرآن؟

لأن أهل القرآن يصلون الليل، ويقرءون القرآن في صلواتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يختموا، وأن صلاتهم في الليل بوتر، فلذلك قال: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر)، لكن لا يعني هذا أن غير أهل القرآن لا يوترون؛ فإن الوتر مستحب في حق كل أحد، وهو من النوافل المؤكدة والمستحبة.

ثم قال: (فإن الله وتر يحب الوتر) ومعنى وتر أي: فرد واحد ليس معه أحد، فهو واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، وواحد في ألوهيته وربوبيته، فهو وتر وهو أحد، والله تعالى يحب الوتر، ولهذا جاء في السنة والشريعة الإيتار في أمور كثيرة، بمعنى: أنه يأتي بها عدداً فردياً. جاء ذلك في مواضيع وأحاديث كثيرة فيها التنبيه على الإتيان بالشيء وتراً سواء كان فيما يتعلق بأكل تمرات وتراً قبل الذهاب لعيد الفطر، أو كان في الاستنجاء، فالإنسان يستنجي وتراً ولا يأتي بالأحجار شفعاً، أو الطواف فإنه وتر، وكذلك الوضوء يكون واحدة واثنتين وثلاث، فيختم الوضوء بوتر ولا يتجاوزه بمعنى: أنه لا يغسل الرابعة، فالوتر جاء ذكره في أمور كثيرة وعديدة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله وتر يحب الوتر).

وهذا الحديث يدل على أن الوتر من أسماء الله عز وجل، وأنه يحب مقتضى هذا الاسم الذي هو الوتر، وفيه إثبات المحبة لله عز وجل، وهي على وجه يليق بكماله وجلاله كسائر الصفات؛ لأن الصفات كلها طريقتها واحدة، تثبت على وجه يليق بجلاله وكماله دون أن يكون فيها تشبيه، ودون أن يكون فيها تعطيل، بل إثبات مع التنزيه، والإثبات ينافي التعطيل، والتنزيه ينافي التمثيل والتشبيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فالصفات كلها على هذا النحو وعلى هذه الطريقة.

ثم ذكر حديث ابن مسعود وهو بمعناه: (قال أعرابي: ما تقول؟ قال: ليس لك وأصحابك)، يعني: ليست لك وأمثالك من الأعراب؛ لأن هذا خطاب لأهل القرآن الذين يقرءون القرآن في الليل وأمروا بالإيتار، لكن كما هو معلوم صلاة الوتر مطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) يعني: لا يراد به أن غير أهل القرآن لا يحصل منهم الوتر، بل الوتر مطلوب في حق كل أحد، ولهذا أبو هريرة قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وكذلك أبو الدرداء في صحيح مسلم يقول: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، فالوتر ليس خاصاً بأحد دون أحد، مثل ركعتي الفجر، وركعات الظهر والمغرب والعشاء، فهذه رواتب ونوافل مستحبة ومطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) المقصود بذلك: كونه ليس من أهل القرآن الذين يشتغلون بصلاة الليل وقراءة القرآن، وأقل شيء ركعة يصليها الإنسان بعد أن يؤدي سنة العشاء ركعتين، والوتر مطلوب من كل أحد سواء بركعة أو بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة، كل ذلك سائغ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يصلي بأقل من سبع، وما كان يصلي بأكثر من ثلاث عشرة، وأكثر ما كان يفعل إحدى عشرة ركعة صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (يا أهل القرآن أوتروا ...)

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ].

إبراهيم بن موسى هو الرازي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عيسى ].

هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زكريا ].

هو زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عاصم ].

هو عاصم بن ضمرة ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن علي ].

هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

تراجم رجال إسناد حديث (يا أهل القرآن أوتروا...) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا أبو حفص الأبار ].

واسمه: عمر بن عبد الرحمن ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن مرة ].

عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عبيدة ].

هو ابن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والإسناد فيه أبو عبيدة وهو لم يسمع من أبيه، وهو منقطع، والألباني صححه، ولعل له شواهد، وإلا فالإسناد ليس متصلاً.

والذي يبدو من هذا الخطاب: (يا أهل القرآن) أن الأعرابي ليس من أهل القرآن، لكن الوتر كما هو معلوم هو مستحب في حق الجميع، ومعلوم أن أهل القرآن يحصل منهم في الوتر وفي غير صلاة الليل ما لا يحصل من غيرهم ممن لا يحفظ القرآن أو لا يقرأ القرآن، لكن الوتر يحصل بركعة واحدة، ويمكن أن يحصل بثلاث، ويقرأ فيها ما تيسر مما يحفظه العوام.

شرح حديث: (إن الله عز وجل أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي وقتيبة بن سعيد المعنى قالا: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بن حذافة قال أبو الوليد : العدوي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر). ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) ووجه إيراد الحديث تحت ترجمة: [استحباب الوتر] قوله: (أمدكم) لأنه ما قال فرض عليكم أو وجب عليكم، والإمداد قيل: هو الزيادة، يعني: زادكم صلاة في تطوعكم وتنفلكم.

(وهي خير من حمر النعم) وهي الإبل التي هي أنفس المال عند العرب، ويأتي ذكرها في ذكر الشيء النفيس من المال، وقد جاء في حديث قصة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي لما أعطاه الراية يوم خيبر، حيث قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فكانت تذكر حمر النعم لأنها من أنفس الأموال عندهم؛ وهي أنفس الأموال عند العرب.

فقوله: (أمدكم) هذا هو وجه إيراد المصنف للحديث تحت هذه الترجمة؛ لأنها تدل على أنه ليس بفرض، وإنما هو أمدهم الله بها وأعطاهم إياها، وفيه فضل عظيم، وأنه خير لهم من أنفس أموالهم التي هي حمر النعم.

ثم بين ذلك بقوله: (هي الوتر).

ثم قال: (وهي ما بين العشاء وطلوع الفجر)؛ يعني: الوتر، من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، بعد أن يؤتى بصلاة العشاء، فمن بعد أدائها إلى صلاة الفجر هذا كله وقت الوتر، حتى لو جمعت العشاء مع المغرب جمع تقديم فإن الوتر يأتي بعد صلاة العشاء ولو كانت مقدمة ومجموعة مع المغرب في أول وقت المغرب؛ لأنها بعد العشاء، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء.

والحديث في إسناده عبد الله بن راشد الزوفي وهو متكلم فيه، وكذلك أيضاً سماعه من شيخه، وكذلك شيخه من خارجة بن حذافة ، لكن هذا الشخص هو علة الحديث.

أما قوله: (ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) فقد جاء ما يدل عليه، وأن هذا هو وقت الوتر، وقد جاء في الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى)، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء (فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فهذا يبين أن وقت صلاة الوتر هو هذا الوقت: من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم من كل الليل قد أوتر، أوتر من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر صلى الله عليه وسلم، فهذه الجملة جاء ما يدل عليها، وأما ذكر هذه الفضيلة ففيها هذا الضعف.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمر النعم...)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وبغلان: قرية من قرى بلخ من بلاد خراسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ المعنى ].

يعني: أن رواية أبو الوليد الطيالسي وقتيبة بن سعيد متفقة في المعنى، وليست الألفاظ واحدة، وهذه عبارة يستعملها أبو داود كثيراً، فبعد ما يذكر الأسانيد يشير إلى أن الروايات متفقة في المعنى، وإن اختلفت في الألفاظ.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يزيد بن أبي حبيب ].

هو يزيد بن أبي حبيب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن راشد الزوفي ].

هو عبد الله بن راشد الزوفي مستور، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي ].

عبد الله بن أبي مرة الزوفي ، صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن خارجة بن حذافة ].

خارجة بن حذافة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

وهؤلاء الثلاثة الذين هم عبد الله بن راشد وعبد الله بن أبي مرة وخارجة بن حذافة ليس لهم في الكتب الثلاثة التي هي سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة إلا هذا الحديث الواحد، يعني: هؤلاء الثلاثة لا يأتي ذكرهم إلا في هذا الموضع؛ لأنهم ليس لهم رواية في الكتب الأخرى، وإنما روايتهم عند أبي داود والترمذي وابن ماجة ، وليس لهم عند هؤلاء الثلاثة الأئمة في كتبهم إلا هذا الحديث الواحد، فإذاً: لا يتكرر ذكر هؤلاء الثلاثة في هذه الكتب إلا في هذا الموضع.

[ قال أبو الوليد : العدوي ].

يعني: هو خارجة بن حذافة العدوي ؛ لأن له شيخين أبو الوليد وقتيبة ، فـقتيبة وقف عند قوله: خارجة بن حذافة وما أضاف إليها شيئاً، وأما أبو الوليد فزاد وقال: خارجة بن حذافة العدوي ، معناه: أن شيخه الأول عندما جاء ذكر خارجة قال: خارجة بن حذافة العدوي ، ولهذا قال: [ قال أبو الوليد : العدوي ] يعني: هذا يبين الفرق بين رواية أبي الوليد وبين رواية قتيبة ، وأن أبا الوليد أتى بهذه الإضافة وهي النسب، وقتيبة لم يذكر هذه الإضافة.

وقت قضاء صلاة الوتر

يمكن أن يقضى الوتر بعد طلوع الشمس وارتفاعها، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا لم يصل صلاته أو ورده من الليل فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة؛ لأنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فيصلي اثنتا عشرة ركعة حتى لا يكون وتراً في النهار، ولكن مقدار الصلاة أتى به بزيادة ركعة حتى لا يكون قد أوتر بالنهار، فيقضى الوتر شفعاً لمن فاته، وذلك ضحى، فإذا كان يصلي واحدة فإنه يصلي ثنتين، وإذا كان يصلي ثلاثاً فإنه يصلي أربعاً، وإذا كان يصلي خمساً فإنه يصلي ستاً، وإذا كان يصلي سبعاً فإنه يصلي ثمان، وإذا كان يصلي تسعاً فإنه يصلي عشراً، وإذا كان يصلي إحدى عشر فإنه يصلي اثنتي عشرة ركعة، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل، فإنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه يصلي من الضحى قضاءً اثنتي عشرة ركعة، ولا يؤتى بالوتر بين أذان الفجر والإقامة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الوتر.

باب استحباب الوتر.

حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن زكريا عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو حفص الأبار عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه، زاد: (فقال أعرابي: ما تقول؟ فقال: ليس لك ولا لأصحابك) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [تفريع أبواب الوتر].

والوتر قيل: هو الركعة التي تختم بها صلاة الليل، أو الركعات التي هي وتر تختم بها صلاة الليل، وقيل: إن المقصود بذلك صلاة الليل وما يختم به من ركعة أو أكثر، فإن ذلك كله يقال له وتر.

والوتر: هو ضد الشفع، أي: الفرد، ومعنى هذا: أن الإنسان يصلي الوتر ركعة واحدة، وهي أقل شيء، ويمكن أن يكون ثلاثاً سواء كانت مسرودة أو ركعتين، ثم يتشهد ويسلم، ثم يأتي بركعة ويتشهد ويسلم، وهذا هو الأولى، أو يأتي بأكثر من ذلك متصلاً أو منفصلاً يعني: ثنتين ثنتين، وركعة في الآخر، أو تكون مجتمعة ويسلم في آخرها، فكل هذا يقال له وتر.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)، وقد ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث تحت ترجمة: [باب استحباب الوتر]؛ لأنه لما ذكر تفريع أبواب الوتر بدأ بترجمة استحباب الوتر.

والمقصود من الترجمة هو: أن الوتر ليس بفرض ولا حتم، ولكنه مستحب، بل هو من آكد السنن والنوافل؛ لأن النوافل آكدها الوتر وركعتا الفجر، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يترك الوتر ولا ركعتي الفجر لا في حضر ولا في سفر، وثبت عنه أنه ما كان يحافظ على شيء من النوافل في الحضر والسفر إلا على ركعتي الفجر والوتر، فهو من آكد النوافل وأهمها، ولكنه ليس بفرض وإنما مستحب، ولهذا قال في الترجمة: [باب استحباب الوتر].

ويأتي المصنف بعدة أحاديث يستدل بها على هذا، ومنها هذا الحديث، وهو قوله: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر) ووجه إيراد المصنف لهذا الحديث تحت هذه الترجمة من جهة أنه خص أهل القرآن بقوله: (يا أهل القرآن! أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر) فكونه يخاطب أهل القرآن بهذا فهو يدل على أنه ليس بفرض؛ لأنه لو كان فرضاً لكان لازماً للجميع.

والأدلة الواضحة على استحبابه ستأتي، ومنها: الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس صلوات فرضهن الله)، وكذلك حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن، قال: (أخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، وكان هذا متأخراً، فهذا يدل على أن المفترض هو الخمس الصلوات، وما زاد عليها فهو نفل، وكذلك حديث طلحة أنه جاء رجل إلى رسول الله وسأله فقال: (خمس صلوات فرضهن الله في كل يوم وليلة؟ قال: هل عليّ غيرها؟ قال لا، إلا أن تطوع)، فهذا يدل على أن الوتر داخل تحت التطوع.

إذاً: فهو من الأعمال المستحبة، ولكنه من آكد المستحبات والنوافل.

والوتر مستحب في حق الجميع، يعني: في أهل القرآن وغير أهل القرآن، فالمسلم يوتر ويصلي الوتر، لكن لماذا خص أهل القرآن؟

لأن أهل القرآن يصلون الليل، ويقرءون القرآن في صلواتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يختموا، وأن صلاتهم في الليل بوتر، فلذلك قال: (يا أهل القرآن! أوتروا؛ فإن الله وتر يحب الوتر)، لكن لا يعني هذا أن غير أهل القرآن لا يوترون؛ فإن الوتر مستحب في حق كل أحد، وهو من النوافل المؤكدة والمستحبة.

ثم قال: (فإن الله وتر يحب الوتر) ومعنى وتر أي: فرد واحد ليس معه أحد، فهو واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، وواحد في ألوهيته وربوبيته، فهو وتر وهو أحد، والله تعالى يحب الوتر، ولهذا جاء في السنة والشريعة الإيتار في أمور كثيرة، بمعنى: أنه يأتي بها عدداً فردياً. جاء ذلك في مواضيع وأحاديث كثيرة فيها التنبيه على الإتيان بالشيء وتراً سواء كان فيما يتعلق بأكل تمرات وتراً قبل الذهاب لعيد الفطر، أو كان في الاستنجاء، فالإنسان يستنجي وتراً ولا يأتي بالأحجار شفعاً، أو الطواف فإنه وتر، وكذلك الوضوء يكون واحدة واثنتين وثلاث، فيختم الوضوء بوتر ولا يتجاوزه بمعنى: أنه لا يغسل الرابعة، فالوتر جاء ذكره في أمور كثيرة وعديدة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله وتر يحب الوتر).

وهذا الحديث يدل على أن الوتر من أسماء الله عز وجل، وأنه يحب مقتضى هذا الاسم الذي هو الوتر، وفيه إثبات المحبة لله عز وجل، وهي على وجه يليق بكماله وجلاله كسائر الصفات؛ لأن الصفات كلها طريقتها واحدة، تثبت على وجه يليق بجلاله وكماله دون أن يكون فيها تشبيه، ودون أن يكون فيها تعطيل، بل إثبات مع التنزيه، والإثبات ينافي التعطيل، والتنزيه ينافي التمثيل والتشبيه، على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر، ونفى المشابهة، فالصفات كلها على هذا النحو وعلى هذه الطريقة.

ثم ذكر حديث ابن مسعود وهو بمعناه: (قال أعرابي: ما تقول؟ قال: ليس لك وأصحابك)، يعني: ليست لك وأمثالك من الأعراب؛ لأن هذا خطاب لأهل القرآن الذين يقرءون القرآن في الليل وأمروا بالإيتار، لكن كما هو معلوم صلاة الوتر مطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) يعني: لا يراد به أن غير أهل القرآن لا يحصل منهم الوتر، بل الوتر مطلوب في حق كل أحد، ولهذا أبو هريرة قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام)، وكذلك أبو الدرداء في صحيح مسلم يقول: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد)، فالوتر ليس خاصاً بأحد دون أحد، مثل ركعتي الفجر، وركعات الظهر والمغرب والعشاء، فهذه رواتب ونوافل مستحبة ومطلوبة في حق كل أحد، ولكن قوله: (ليست لك ولأصحابك) المقصود بذلك: كونه ليس من أهل القرآن الذين يشتغلون بصلاة الليل وقراءة القرآن، وأقل شيء ركعة يصليها الإنسان بعد أن يؤدي سنة العشاء ركعتين، والوتر مطلوب من كل أحد سواء بركعة أو بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة، كل ذلك سائغ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يصلي بأقل من سبع، وما كان يصلي بأكثر من ثلاث عشرة، وأكثر ما كان يفعل إحدى عشرة ركعة صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ].

إبراهيم بن موسى هو الرازي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عيسى ].

هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زكريا ].

هو زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي إسحاق ].

هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عاصم ].

هو عاصم بن ضمرة ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن علي ].

هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا أبو حفص الأبار ].

واسمه: عمر بن عبد الرحمن ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن مرة ].

عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي عبيدة ].

هو ابن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله ].

هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والإسناد فيه أبو عبيدة وهو لم يسمع من أبيه، وهو منقطع، والألباني صححه، ولعل له شواهد، وإلا فالإسناد ليس متصلاً.

والذي يبدو من هذا الخطاب: (يا أهل القرآن) أن الأعرابي ليس من أهل القرآن، لكن الوتر كما هو معلوم هو مستحب في حق الجميع، ومعلوم أن أهل القرآن يحصل منهم في الوتر وفي غير صلاة الليل ما لا يحصل من غيرهم ممن لا يحفظ القرآن أو لا يقرأ القرآن، لكن الوتر يحصل بركعة واحدة، ويمكن أن يحصل بثلاث، ويقرأ فيها ما تيسر مما يحفظه العوام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي وقتيبة بن سعيد المعنى قالا: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بن حذافة قال أبو الوليد : العدوي قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر). ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله أمدكم بصلاة، وهي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) ووجه إيراد الحديث تحت ترجمة: [استحباب الوتر] قوله: (أمدكم) لأنه ما قال فرض عليكم أو وجب عليكم، والإمداد قيل: هو الزيادة، يعني: زادكم صلاة في تطوعكم وتنفلكم.

(وهي خير من حمر النعم) وهي الإبل التي هي أنفس المال عند العرب، ويأتي ذكرها في ذكر الشيء النفيس من المال، وقد جاء في حديث قصة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي لما أعطاه الراية يوم خيبر، حيث قال: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) فكانت تذكر حمر النعم لأنها من أنفس الأموال عندهم؛ وهي أنفس الأموال عند العرب.

فقوله: (أمدكم) هذا هو وجه إيراد المصنف للحديث تحت هذه الترجمة؛ لأنها تدل على أنه ليس بفرض، وإنما هو أمدهم الله بها وأعطاهم إياها، وفيه فضل عظيم، وأنه خير لهم من أنفس أموالهم التي هي حمر النعم.

ثم بين ذلك بقوله: (هي الوتر).

ثم قال: (وهي ما بين العشاء وطلوع الفجر)؛ يعني: الوتر، من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، بعد أن يؤتى بصلاة العشاء، فمن بعد أدائها إلى صلاة الفجر هذا كله وقت الوتر، حتى لو جمعت العشاء مع المغرب جمع تقديم فإن الوتر يأتي بعد صلاة العشاء ولو كانت مقدمة ومجموعة مع المغرب في أول وقت المغرب؛ لأنها بعد العشاء، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء.

والحديث في إسناده عبد الله بن راشد الزوفي وهو متكلم فيه، وكذلك أيضاً سماعه من شيخه، وكذلك شيخه من خارجة بن حذافة ، لكن هذا الشخص هو علة الحديث.

أما قوله: (ما بين العشاء إلى طلوع الفجر) فقد جاء ما يدل عليه، وأن هذا هو وقت الوتر، وقد جاء في الحديث: (صلاة الليل مثنى مثنى)، وصلاة الليل تبدأ بعد العشاء (فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، فهذا يبين أن وقت صلاة الوتر هو هذا الوقت: من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، والنبي صلى الله عليه وسلم من كل الليل قد أوتر، أوتر من أوله وأوسطه وآخره، وانتهى وتره إلى السحر صلى الله عليه وسلم، فهذه الجملة جاء ما يدل عليها، وأما ذكر هذه الفضيلة ففيها هذا الضعف.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع