شرح سنن أبي داود [166]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد المجيد عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما حدثه في هذه القصة، قال: (قام فصلى ركعتين ركعتين، حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس ولم يجلس بينهن) ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وأنه صلى ركعتين ركعتين حتى بلغ ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس فلم يجلس بينهن، فصارت ثلاثة عشر، وهذا يؤيد ما تقدم من ترجيح رواية خمس على سبع، وأن المقصود بذلك خمس قبلها شيء، وليست خمساً مستقلة ومنفردة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في الليل أقل من سبع ركعات، وعلى هذا فتكون الخمس التي جاءت في الحديث المتقدم والتي حصل فيها الشك من الراوي بين السبع والخمس أن المقصود من ذلك خمس قبلها شيء، وهذا الحديث فيه ثنتين ثنتين ثنتين ثنتين -أربع مرات- ثم يأتي بالخمس ولا يجلس إلا في آخرها، فصار المجموع ثلاثة عشر.

تراجم رجال إسناد حديث (قام فصلى ركعتين ركعتين حتى صلى ثماني ركعات...)

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد العزيز بن محمد ].

هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد المجيد ].

هو عبد المجيد بن سهيل ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن يحيى بن عباد ].

يحيى بن عباد ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ].

سعيد بن جبير وابن عباس مر ذكرهما.

شرح حديث (كان رسول الله يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح، يصلي ستاً مثنى مثنى، ويوتر بخمس لا يقعد بينهن إلا في آخرهن) ].

بعدما أنهى أبو داود رحمه الله أحاديث عائشة أتى بأحاديث ابن عباس من طرق مختلفة، ثم عاد إلى أحاديث عائشة وأتى بجملة منها، ثم سيعود بعد ذلك إلى أحاديث ابن عباس، وأورد هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وهو مثل حديث ابن عباس المتقدم قبل هذا، إلا أن فيه أنه صلى ثمان ركعات، وهنا صلى ست ركعات، وأوتر بخمس يعني: هنا ذكر ست ركعات، وفي الحديث المتقدم ثمان ركعات، فتكون الخمس مع الست إحدى عشر، ومع ركعتي الفجر تكون ثلاث عشرة ركعة، فيصلي ثنتين ثنتين ثنتين ثم خمساً لا يجلس إلا في آخرها.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الصبح...)

قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ].

عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثني محمد بن سلمة ].

هو محمد بن سلمة الباهلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن محمد بن إسحاق ].

هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن محمد بن جعفر بن الزبير ].

محمد بن جعفر بن الزبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة بن الزبير عن عائشة ].

عروة بن الزبير ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن النبي كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أنها أخبرته: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر) ].

وهذا الحديث مثل الذي قبله، إلا أن ذاك فيه تفصيل، وهذا ليس فيه تفصيل.

(ثلاث عشرة بركعتي الفجر)، يعني: إحدى عشر بدون ركعتي الفجر.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر)

قوله: [ حدثنا قتيبة عن الليث ].

قتيبة مر ذكره، والليث بن سعد المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يزيد بن أبي حبيب ].

هو يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عراك بن مالك ].

عراك بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة عن عائشة ].

عروة وعائشة قد مر ذكرهما.

شرح حديث (أن رسول الله صلى العشاء ثم صلى ثماني ركعات قائماً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي وجعفر بن مسافر أن عبد الله بن يزيد المقرئ أخبرهما عن سعيد بن أبي أيوب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العشاء، ثم صلى ثماني ركعات قائماً، وركعتين بين الأذانين، ولم يكن يدعهما).

قال جعفر بن مسافر في حديثه: (وركعتين جالساً بين الأذانين) زاد: جالساً ].

أورد أبو داود حديث عائشة وليس فيه ذكر الوتر؛ لأنه ما ذكر الوتر، وإنما ذكر ثمان ركعات، وذكر الركعتين اللتين كان يصليهما وهو جالس، وليسا بين الأذانين يعني: بين الأذان والإقامة، وإنما الركعتان اللتان تكون بعد صلاته في الوتر.

قوله: [ (بين الأذانين) ] يقول عنها الشيخ الألباني رحمة الله عليه: ذكر الأذانين غير صحيح؛ لأن التي كان يصليها بعد ذلك وهو جالس هي الركعتان التابعة لصلاة الليل، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر وهو جالس، بل كان يصليهما -وهما خفيفتان جداً- وهو قائم صلى الله عليه وسلم.

وقلنا: إنه ما ذكر الوتر، والوتر هو ركعة أو أكثر، إما ثلاث وإما واحدة، إذا كان ثلاث ركعات تكون صلاة الليل إحدى عشر، وإذا كان واحدة تكون تسعاً، فيمكن أن يكون المقصود بذلك الوتر، وحديث عائشة الذي مر أنه ذكرها ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر، ويكون الشذوذ في كلمة (جالساً) قد يكون محتملاً ما ذكرته.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى العشاء ثم صلى ثماني ركعات قائماً...)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ].

هو نصر بن علي الجهضمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وجعفر بن مسافر ].

جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أن عبد الله بن يزيد المقرئ ].

عبد الله بن يزيد المقرئ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن أبي أيوب ].

سعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جعفر بن ربيعة ].

جعفر بن ربيعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عراك بن مالك عن أبي سلمة ].

عراك بن مالك مر ذكره وأبو سلمة هو: ابن عبد الرحمن بن عوف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة قد مر ذكرها.

شرح حديث (كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن سلمة المرادي قالا: حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: قلت لـعائشة رضي الله عنها: (في كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة) ].

أورد المصنف حديث عائشة أنها سئلت: بكم كان يصلي من الليل مختوماً بالوتر؟ فقالت: كان يوتر بأربع وثلاث، والثلاث متصلة، ويحتمل أن تكون منفصلة ثنتان وواحدة، والأقرب أنها متصلة، وأما الأربع فلا تحتمل الاتصال، بل هي منفصلة.

قوله: [ (وست وثلاث) ] وكذلك الست تكون متصلة ومنفصلة.

[ (وثمان وثلاث، وعشر وثلاث) ] فلم يكن يصلي بأقل من سبع الذي هو أربع وثلاث، ولم يكن يصلي بأكثر من ثلاث عشرة التي هي عشر وثلاث.

هذا الحديث مشتمل على بيان أحوال صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل، وأنها تكون سبعاً، وهي أقل شيء، وتكون تسعاً، وتكون أربع ركعات وثلاثاً، وست ركعات وثلاثاً، وثمان ركعات وثلاثاً، وتكون إحدى عشرة ركعة، وتكون ثلاث عشرة ركعة.

يعني: كان يصلي سبعاً وهذه أقل شيء، ويصلي تسعاً، ويصلي إحدى عشرة ركعة، ويصلي ثلاث عشرة ركعة، وهذه أكثرها، فما كان يزيد على ثلاث عشرة ركعة، وما كان ينقص عن سبع ركعات.

والحديث فيه ذكر هذه الأحوال التي هي سبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة.

وهل يصح إطلاق الوتر على مجموع قيام الليل؟

نعم يطلق عليه الوتر، ولكن الأقرب في الوتر أنه لا يؤتى به إلا خاتماً للصلاة سواء كانت ثلاثاً أو خمساً أو واحدة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، فلا شك أن العدد يكون وتراً بها بدل ما كان شفعاً، فيطلق الوتر على صلاة الليل كلها، ويطلق على آخر شيء من الصلاة: ركعة أو ثلاث أو خمس.

تراجم رجال إسناد حديث (كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]

أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ ومحمد بن سلمة المرادي ].

هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاوية بن صالح ].

معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن أبي قيس ].

عبد الله بن أبي قيس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

[ قال أبو داود : زاد أحمد بن صالح : (ولم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر، قلت: ما يوتر؟ قالت: لم يكن يدع ذلك) ولم يذكر أحمد : وست وثلاث ].

الكلام الأخير الذي قاله أبو داود غير واضح المعنى. قال: ولم يذكر أحمد بن صالح - وهو شيخه الأول- وست وثلاث. يعني: وإنما ذكر (بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث).

قوله: (وزاد أحمد بن صالح : (ولم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر) في بعض النسخ لا يوجد لفظ (ركعتين) وإنما الوارد: (ولم يكن يوتر قبل الفجر) ، وفي بعض النسخ: (لم يكن يوتر بركعتين قبل الفجر) بحرف الباء.

فيمكن والله أعلم أن يكون كذلك، لكن الركعتين هي التي أتت بالإشكال، فيمكن أن يكون هذا هو المقصود يعني: أن وتره لا يصل إلى السحر الذي هو قبيل الأذان، وإنما ينتهي قبل ذلك بمدة، كما أتى في أحاديث مرت بنا في هذا الباب، أنه كان يأتي السحر وقد انتهى من صلاته، وأنه يرقد ليستريح.

شرح حديث (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن منصور بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق الهمداني عن الأسود بن يزيد أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت: (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين، ثم قبض صلى الله عليه وسلم حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، وكان آخر صلاته من الليل الوتر) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه نقص ركعتين وصلى إحدى عشرة ركعة وترك ركعتين، ثم قبض صلى الله عليه وسلم حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، وكان آخر صلاته من الليل الوتر).

المعروف أنه لما مرض وكبر كان يصلي سبع ركعات -هو أقل شيء حفظ عنه صلى الله عليه وسلم- وكان آخر شيء يصليه الوتر، وهذا فيه بيان أن الوتر يطلق على الركعة الأخيرة، أو على الثلاث مجتمعة، أو على الخمس مجتمعة، وكل صحيح، إن أريد به الركعة المنفردة على أساس أنها وتر أو الثلاث تكون وتراً، أو الخمس تكون وتراً، وإن أريد به العدد الذي هو متصل وجاء بركعة بعدها، فإنه يكون وتراً بها، كما جاء في حديث: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، وقوله في الحديث الآخر: (ثم يأتي بركعة توتر له ما مضى). فالعدد الشفع إذا أضيف إليه ركعة صار وتراً، والست إذا أضيفت لها واحدة صارت وتراً، والثمان إذا أضيفت لها واحدة صارت وتراً، والعشر كذلك، وهكذا.

والحديث ضعفه الألباني ، ولا أدري ما وجه تضعيفه، وقد جاء فيه أن التسع هي التي كان قبض وهو يفعلها، ولكن سبق أن مر في بعض الأحاديث أنه كان يصلي سبعاً لما مرض صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل ثم إنه صلى إحدى عشرة ركعة...)

قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ].

مؤمل بن هشام ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ].

إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن منصور بن عبد الرحمن ].

منصور بن عبد الرحمن صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ عن أبي إسحاق الهمداني ].

أبو إسحاق الهمداني هو السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود بن يزيد ].

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها مر ذكرها.

قضية كيف يكون آخر شيء تسع وقد ثبت عنه سبع، وتضعيف الشيخ الألباني ؟ هذا يدل عليه فعل الإمام مسلم رحمه الله، حيث أنه لم يخرجه بتمامه، وإنما أخرج: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته وتراً).

شرح حديث (سألت ابن عباس كيف كانت صلاة رسول الله بالليل؟...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان أن كريباً مولى ابن عباس أخبره قال: (سألت ابن عباس رضي الله عنهما: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالليل؟ قال: بت عنده ليلة وهو عند ميمونة رضي الله عنها، فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ، فقام إلى شن فيه ماء، فتوضأ وتوضأت معه، ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره، فجعلني على يمينه، ثم وضع يده على رأسي كأنه يمس أذني، كأنه يوقظني، فصلى ركعتين خفيفتين قد قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة، ثم سلم، ثم صلى حتى صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر، ثم نام، فأتاه بلال فقال: الصلاة يا رسول الله! فقام فركع ركعتين ثم صلى للناس) ].

مرت جملة من الأحاديث في باب صلاة الليل من طرق مختلفة عن عائشة ، وعن ابن عباس ، وهذه الطريق التي أوردها المصنف هنا هي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو أنه سأله كريب عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، فقال: بت عن ميمونة أي: خالته أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فلما مضى ثلث الليل أو نصفه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه، وأتى إلى شن معلق، والشن: هو القربة القديمة، وتوضأ منها، ثم دخل في الصلاة، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما وصف إلى يساره، فأقامه عن يمينه، وجعل يلمس أذنه ورأسه كأنه يوقظه من النعاس الذي قد يكون به، فصلى ركعتين، ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى إحدى عشرة ركعة، وبعد ذلك نام حتى جاءه المؤذن وقال له: الصلاة، فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الناس فصلى بهم صلى الله عليه وسلم.

هذه كيفية من كيفيات صلاة الليل، وهو أنه صلى ركعتين ركعتين حتى أكمل إحدى عشرة أو ثلاث عشرة إذا كانت الركعتان الخفيفتان محسوبة، وإذا كانت غير محسوبة فتكون إحدى عشرة ركعة، وقد جاء إحدى عشرة وثلاث عشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي مبيت ابن عباس رضي الله عنهما عند خالته ميمونة ليعرف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل دليل على فضله ونبله، وحرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على معرفة السنن، ومعرفة أفعال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى الأمور المتعلقة بالبيت.

ثم أيضاً يدل على أن المأموم ليس له أن يصف عن يسار الإمام إذا كان واحداً، وأنه إن صف عن يساره أداره عن يمينه من ورائه، وأيضاً فيه دليل على ائتمام المتنفل بالمنتفل، ودليل على أنه لا يلزم النية في الإمامة أن تكون من أول الصلاة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل في الصلاة على أنه سيصلي وحده منفرداً، وفي أثناء ذلك دخل معه ابن عباس ، فدل هذا على أنه لا يلزم في الإمامة أن تكون النية موجودة فيها من أول الصلاة، بل عندما يوجد الائتمام تحصل الإمامة كما حصل من ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه بعدما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة جاء وصف عن يساره، فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولكنه أداره عن يمينه، وذلك لبيان أن موقف المأموم الواحد يكون عن يمين الإمام ولا يكون عن يساره.

تراجم رجال إسناد حديث (سألت ابن عباس كيف كانت صلاة رسول الله بالليل؟..)

قوله: [ قال: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ].

هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثني أبي ].

أبوه هو شعيب بن الليث ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن جدي ].

جده: الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن خالد بن يزيد ].

خالد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن أبي هلال ].

صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مخرمة بن سليمان ].

مخرمة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد المجيد عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما حدثه في هذه القصة، قال: (قام فصلى ركعتين ركعتين، حتى صلى ثماني ركعات، ثم أوتر بخمس ولم يجلس بينهن) ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وأنه صلى ركعتين ركعتين حتى بلغ ثمان ركعات، ثم أوتر بخمس فلم يجلس بينهن، فصارت ثلاثة عشر، وهذا يؤيد ما تقدم من ترجيح رواية خمس على سبع، وأن المقصود بذلك خمس قبلها شيء، وليست خمساً مستقلة ومنفردة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في الليل أقل من سبع ركعات، وعلى هذا فتكون الخمس التي جاءت في الحديث المتقدم والتي حصل فيها الشك من الراوي بين السبع والخمس أن المقصود من ذلك خمس قبلها شيء، وهذا الحديث فيه ثنتين ثنتين ثنتين ثنتين -أربع مرات- ثم يأتي بالخمس ولا يجلس إلا في آخرها، فصار المجموع ثلاثة عشر.




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2887 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2831 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2727 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2688 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2677 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2674 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2642 استماع